للشاعر محمد سادات التوني .. فى سمك خوصة

كتاب للشاعر محمد سادات التوني
كتاب للشاعر محمد سادات التوني

عن دار «المحرر» للنشر والتوزيع، صدر ديوانُ «فى سُمْك خُوصَةٍ» للشاعر محمد سادات التوني. يأتى  الديوان فى 90 صفحة، تضم 7 قصائد رئيسية، منها عنونان تشملان عدداً من النصوص فى محتواها.

يفتتح محمد سادات التونى ديوانه بقصيدة «أسيل صمغاً عند كل وردة»، راسماً مشهد البداية هكذا: «عند الرصيف المقابل للشجر المسن/ عند المقهى المليء بالدهشة والنرد/ فى الجلسة الخلفية المطلة على شرودنا». لتدخل القصيدة برفقٍ عالم أطفال الشارع تتسكع القصيدة معهم، عبر الطرقات، بحثاً عن أمان مفتقد وتحقيقاً لكينونة، وتحريراً من حرمان ومن قسوة «أب يمسك الطباشير/ يرسم تكشيرة على وجهه/ فألعن أبى يوم ولدت/ وأبصق على عتبة البيت/ وأشرك به حتى أموت».

عبر نصوص الديوان، يرسم الشاعر مشاهد بدايات نصوصه على مهل، فبصوته المفعم بالشجن، يفتتح قصيدة «ربطة على شكل جناحين مدليين» بهذه المشهدية: سأحكى عن عائلة وأسميها بحيرة/ وأسمى البحيرة ستة شواطئ/ وأنا فى موضع القفز فى كل لحظة/ أذكركم بصليب يفرد ذراعيه/ كى تختمر المحبة لو نزل البحيرة.

لقصائد التونى اهتمام حقيقى بالهامش ببشره بمناطقه بأشجانه وبفقره؛ هو يكتب عن كلاب الشوارع، ويكتب عن «منطقة منكوبة»، مؤمناً بها، كـ«إيمان عباد شمس يستلقى عند كم المدينة»، ورائياً جمالاً شفيفاً فى هذا الحزن المتمدد على حوائطها، ويتسامح مع «الشقق التى نسكنها فنكسبها طعماً أمرّ من جير حيطانها»، كما يتفاعل مع كوارثها ويخوض حروبها كضرورة للتعايش: «فى اللحظة التى أعود فيها لسكن المغتربين/ لأفاجأ بالكوارث الطبيعية وتفشى حشرة البق/ كضرورة للتعايش خضت حروباً نظيفة ضد الكوارث/ مستخدماً ولاعة سجائر/ بمعدل ساعة قبل النوم».

ويكون أيضًا من الطبيعي، أن ينحاز الشاعر لكلب الشوارع على حساب كلب السلالات المرفه، هذا الانحياز ليس فجًّا ولا طبقيًا، ولا انتقامًا مرًّا، ولكنه انحياز لنباح كل الشارع الضرورى المتجانس مع طبقة صوته التاريخية، وهو غير النباح الذى يطلقه كلب السلالات فى الأماكن الأرستقراطية والسيرك: 

لم يعير كلب الشوارع هيئته 

ظل ينبح مثل أجداده فى الأحياء الفقيرة 

ينبح 

لأن شيئًا مر من أمامه 

ينبح 

لأنه لم يمر 

متجانس مع طبقة صوته التاريخى 

هل تستطيعون ان تفسروا 

لماذا تبح كلاب الشوارع فى واد 

وتبح كلاب السلالات الأخرى 

فى الأماكن الأرستقراطية والسيرك

 

الألم يمتد فى الديوان، ونستشعره عند كل زاوية؛ الألم يمتد «من مركز خفى فى القلب يسرى حتى الذراع الأيمن/ الذراع الأيسر كذلك»، لا يجعلنا نلقى بالصرخات ونندب حظنا، ونعوي، فيكون الشعر ضجيجاً غير محتمل، ولكن قصائد التونى تقدم هذا الألم طريقاً للتطهر، وانسجاماً مع حياة، يناسبها أن نقف متأملين كصبارته «شاهد العيان» فى نص «بالقرب من سرة الحكايات». هذه المرة ينطق الشاعر بلسان صبارة على شرفة امرأة عجوز:  «أنا شاهد عيان/ منذ متى وضعتنى السيدة المسنة/ فى بلكونتها المطلة على زواج الحديد والإسمنت؟». النبتة «الحزينة» و«المغتربة» و«المتألمة» تآلفت رغم ذاك مع المشهد على قسوته: «لدرجة أن أطرافها بدت تسقط».

الصبارة إذن تشغل نفسها «بتسريبة النور الخارجة من عقب باب البلكونة عن المغرب»، ترويحاً على مأستها القاسية التى تطلعنا عليها: «لا أبهج أحداً/ ورغم ذلك يستخدمنى الأدميون كزينة». ومع هذه تكون مضطرة للضحك طوال النهار، لتأدية دورها «فى الطابق الأول بالقرب من سرة الحكايات»؛ لتمر السنوات وتظل الصبارة على حالها منكفئة على ألمها الخالد تسأل: «منذ متى وضعتنى السيدة المسنة فى البلكونة»، ليكون الجواب: «نسيت لدرجة أننى مؤخراً اكتشفت أن لى شوكًا».  

والشاعر محمد سادات التونى من مواليد محافظة دمياط، وأسس وشارك فى عدد من الفعاليات الثقافية، منها حركة «الخروج فى النهار» التى نظمت مناسبات ثقافية وفكرية وفنية فى دمياط. كما نشرت قصائد التونى فى عديد من المجلات والصحف منها «أدب ونقد» و«أخبار الأدب». وسبق وصدرت نصوص من ديوانه الأول ضمن مبادرة «الكتاب الأول» الملحق بالعدد الشهرى لصحيفة «أخبار الأدب».

اقرأ أيضا : للشاعر محمود خيرالله .. بشر بأحجام دقيقة يكبرون فى تجاعيدى