‫سيناريوهات ما بعد الهدنة .. تصعيد تحت السيطرة.. ومخاوف من اندلاع حرب إقليمية

صورة من الاشتباكات بين حزب الله والقوات الإسرائيلية على مناطق الحدود مع لبنان
صورة من الاشتباكات بين حزب الله والقوات الإسرائيلية على مناطق الحدود مع لبنان

مابين الأمل في نجاح الهدنة المؤقتة وإمكانية مدها والخوف من تصعيد المواجهات وامتدادها إلى ساحات أخرى مثل لبنان والعراق واليمن، تعيش المنطقة حالة قلق وتوجس خاصة أن الاسبوع الماضي شهد تطورات مهمة على الساحات الثلاث قد تكون مختلفة عن الأسابيع الماضية ما بعد السابع من أكتوبر الماضي، حيث زادت وتيرة المواجهات على الجبهة الشمالية لإسرائيل مع حزب الله من حيث العدد، وصل بعضها إلى ١٢عملية فى يوم واحد وقد شهدت الساحة اليمنية تطورًا مهمًا عندما قامت منذ أيام باحتجاز سفينة شحن تجارية قالت إنها مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي، وهو ما كانت هددت به من قبل، وعلى صعيد الساحة العراقية فقد كشفت واشنطن عن تعرض قواعدها العسكرية بالعراق وسوريا إلى ٧٢ هجومًا، مما أدى إلى إصابة العشرات من الجنود، وردت القوات الأمريكية على مواقع لحزب الله العراقي، ويبقى السؤال هل تستمر المواجهات في تلك الساحات على تلك الوتيرة، أم أن المنطقة قد تكون في طريقها إلى حرب إقليمية، ودعونا نناقش تطورات الأحداث على الساحات الأربع فى القلب منها الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية. 

ولنبدأ بما يجري فى قطاع غزة، فلعل كل التقارير وفقًا لتصريحات قادة إسرائيل تتحدث عن استمرار العدوان على غزة بعد انتهاء الهدنة بغض النظر إذا كان سيتم تمديدها مرات أخرى أم لا، وهناك العديد من الأسباب أن تل أبيب تستشعر بأنها لم تحقق أيًا من أهدافها التي حددتها للعملية منذ بداية ردها على طوفان الأقصي، قدرات حماس قد تأثرت ولكنها مازالت قوية وقادرة على التصدي وبعنف وببسالة للاجتياح البرى والذى دخل على شهرين وإيقاع خسائر فى الجنود والمعدات المتواجدة فى القطاع بل والوصول بصواريخها إلى تل أبيب ومدن أخرى، كما أنها لم تنجح فى الوصول إلى أي نصر تستطيع تقديمه إلى الشارع الإسرائيلى بالوصول إلى أىٍ من قادة حماس أو مراكز القيادة والسيطرة عليها رغم حجم الدمار غير المسبوق والتى تسببت فيه الهجمات الإسرائيلية، كما أن هدف تحرير الرهائن لم يتم إحراز أى تقدم إلا من خلال مفاوضات غير مباشرة مع المقاومة، ناهيك أيضًا عن أن هدف تحرير الرهائن لم يحقق فيه شيئًا سوى بالدخول فى مباحثات غير مباشرة مع حماس عبر الوساطة المصرية والقطرية والضغط الأمريكى فى ظل تحكم حماس فى نوعية المفرج عنهم، وكلهم من الصبية وكبار السن دون امتداد إلى الجنود، وهو الأمر الذى تسبب في شرخ داخلي فى الائتلاف الحاكم، وجزء كبير منهم لم يكن مع إتمام الصفقة، وهناك عامل آخر، وهو أن نتيناهو في مأزق حقيقى يدرك أن استمرار العدوان على غزة هي الضمانة الوحيدة لبقائه بمنصبه ومنع تقديمه للمحاكمة بتهمتين، الأولى الفساد والثانية مسئوليته الشخصية عما جرى في السابع من أكتوبر، وهذا كله يصب في خيار عودة العمليات العسكرية وإمكانية امتدادها إلى ساحات أخرى، مثل لبنان واليمن والعراق.  

 لبنان.. خطر قادم  

دعونا نتفق على حقيقة مهمة، وهى أن لبنان قد يكون الساحة الاولى والأهم لاندلاع حرب إقليمية من خلال الجوار الجغرافي والتماس الحدودي مع إسرائيل على عكس العراق واليمن، كما أن وجود حزب الله بقدراته العسكرية يمثل عملًا مضافًا إلى ذلك، حيث تصل عدد قواته ١٠٠ ألف مقاتل ولديه مهارات فى قتال المدن وكذلك ٢٠٠٠ طائرة بدون طيار، وكذلك أنظمة دفاع جوي متطورة وصواريخ عالية الجودة وصواريخ باليستية وصواريخ مضادة للطائرات والدبابات والسفن.

ومنذ اليوم الاول كانت عملية طوفان الأقصى محل اهتمام كبير ومتابعة من الحزب وقادته وسط مخاوف حقيقية لدي إسرائيل ودول الغرب من تنفيذ مفهوم وحدة الساحات للجماعات المقاومة والتي أطلقها حسن نصر الله الأمين العام للحزب بما يعني دخوله الحرب دعمًا لفصائل المقاومة فى فلسطين، خاصة أنه في اليوم التالى بدأت اشتباكات على الحدود ولكنها اقتصرت على هجوم من الجانب اللبناني ورد عليه من الجيش الإسرائيلي، وجاء الثالث نوفمبر الماضي وهو موعد الاطلالة الاولى لحسن نصر الله منذ بداية عمليات طوفان الاقصى وسط توقعات واسعة بأنه قد يعلن المشاركة فى المواجهة ولكنه استثمر خطابه فى تحديد رؤية الحزب تجاه عملية طوفان الاقصى والتى تلخصت فى الكشف عن أن قرار مجاهدى عز الدين القسام وشاركت بها الفصائل المقاومة كان قرارًا فلسطينيًا مائة بالمائة، وهَدَّد بتحول الوضع إلى حرب واسعة، واعتبر أن هجوم إسرائيل على لبنان سيكون أكبر حماقة ترتكبها إسرائيل فى تاريخها، مشيرًا إلى أن كل الاحتمالات مفتوحة وكل الخيارات مطروحة ويمكن أن نذهب إليها فى أى وقت، وكانت الاطلالة الثانية للسيد حسن نصرالله منذ حوالى أكثر من أسبوعين إعادة للتذكير بمفهوم وحدة الساحات، حيث خصص جزءًا كبيرًا من خطابه للإشادة بما تقوم به جماعة الحوثى بهجماتها لأهداف إسرائيل، وقال إن نتائجها مهمة بعيدًا عن عملية اعتراضها، كما تناول عمليات المقاومة العراقية ضد الأهداف الامريكية باعتبارها مساندة للفلسطينيين وتخدم فكرة تحرير العراق وسوريا، وقال إن عملياتهم تعبر عن شجاعة لافتة فى وجه الأمريكيين الذين تملأ أساطيلهم المنطقة.

ويمكن فهم طبيعية المرحلة القادمة من خلال نظرية الردع المتبادل ووجود مخاوف لدى الطرفين من الذهاب إلى حرب إقليمية، صحيح أن نتنياهو قد يقدم على اتخاذ قرار بالهجوم المباشر على حزب الله والقيام بضربة قوية مفاجئة فى إطار بحثه عن انتصار يمكن ترويجه للشارع الاسرائيلى، ومن جهة حزب الله فقد استبعدت عددٌ من التقارير انخراطه على نطاق واسع فى المواجهة تحسبًا لتكلفتها العالية خاصة مع الحرص على مفهوم قواعد الاشتباك، حيث تنحصر المواجهات على مواجهات محدودة من الحزب على مواقع إسرائيلية محددة ورد من الجانب الآخر وأحيانًا تبادر إسرائيل بالهجوم، فالحزب يتجنب معركة مباشرة مع إسرائيل ويفضل نظرية توازن الردع حتى لا تؤثر المواجهة المفتوحة على وضعية حزب الله الشعبية والسياسية فى لبنان، كما أن الحزب حريص على الاستمرار فى عملية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل والذى يسمح للبنان باستخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية اللبنانية مما يساهم فى تخفيف الأزمة الاقتصادية ويُصوِّر نفسه على أنه المُنقذ والقادر على حماية ثروات لبنان. 

 القدرة على الإيذاء 

يبدو أن اليمن ليس استثناءً من الدول الثلاث الأخرى، فهناك حالة انقسام سياسى كامل بين الحكومة الشرعية ولكن الحقيقة تكشف عن وجود خلاف جوهرى بينهما وبين جماعة الحوثى فى النظر إلى كيفية معالجة أزمة العدوان الإسرائيلى الأخير على قطاع غزة التى أعلنت دخولها الحرب مع إسرائيل باعتبارها جزءًا من محور المقاومة اعتمادًا على امتلاكها قدرة عسكرية قادرة على الوصول لإسرائيل ونقل المعركة إليها سواء الصواريخ بعيدة المدى أو الطائرات بدون طيار، وتنوع شكل هذا الدخول خلال الأسابيع الماضية

وهى كالتالى:
الأول: استمرار حالة التحشيد العسكرى من خلال أربعة مناورات.   

الثانى: القيام بسلسلة من الهجمات ضد مدينة إيلات الإسرائيلية واستهدفتها منذ التاسع عشر من أكتوبر الماضى وتمكنت المدمرة الامريكية يو اس اس كارنى من اعتراض عددٍ من الصواريخ وطائرات بدون طيار، وكذلك هجوم آخر الشهر الماضى والتى وصلت إلى عدة أهداف فى عمق إسرائيل وتكرر فى اليوم التالى.  

الثالث: وقد يكون الأخطر هو التهديد بإغلاق مضيق باب المندب واستهداف السفن الإسرائيلية بالبحر الاحمر وهو ما أعلنه قائد الجماعة عبدالملك الحوثى فى خطاب له الاسبوع قبل الماضى باعتبار السفن الإسرائيلية هدفًا لصواريخ الجماعة، وقال إنها تعتاد التهريب والتمويل ولا تجرؤ على رفع الأعلام الإسرائيلية وإغلاق أجهزة التعريف، ومع ذلك لن يفلح هذا الامر وهو ما قامت بتنفيذه الجماعة الأسبوع الماضى.

وقد تعاملت تل أبيب مع تلك التهديدات بالجدية اللازمة فبدأت باتخاذ مسارات مختلفة أطول وبتكلفة أعلى، كما قامت البحرية الإسرائيلية بنشر زوارق صاروخية تُسمى (سار) لتعزيز قدراتها الدفاعية مع تعزيز الدوريات البحرية بالقرب من ميناء إيلات، وهكذا فان الأمر قاصر فقط من قبل تل أبيب وواشنطن على صد هجمات الحوثى وليس الرد عليها تفاديًا لفتح جبهة للمواجهة فى البحر الأحمر، خاصة أن هناك مخاوف من أن توسيع نطاق المواجهات قد يُمكِّن جماعة الحوثى من القيام بعمليات تتجاوز فكرة الهجوم على إيلات فقط بل الوصول إلى تل أبيب من خلال طائرات الوعيد المسيرة الذى يصل مداها إلى ٢٥٠٠ كيلو متر والعمل على استهداف المصالح الإسرائيلية والأمريكية فى البحر الأحمر وهو ما تخشاه البلدان.       

 سياسية النأى بالنفس 

وبالنسبة للساحة العراقية، فإن رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السوداني منذ يوم السابع من أكتوبر الماضى يسعى إلى البُعد ببلاده عن شرارة الحريق الذى اندلع فى قطاع غزة دون أى ضمانات بعدم وصول شرارتها إلى كل المنطقة مهددة بحرب إقليمية سيجد العراق نفسه طرفًا وساحة له لاعتبارات عديدة، على الرغم من أنه ليس من دول الجوار مع إسرائيل، كما هو الحال بالنسبة إلى سوريا ولبنان والتى تتشابه ظروفه الداخلية معهما نظرًا للتركيبة السياسية الحاكمة فى البلدين، وكان هذا واضحًا فى ردود الفعل الأولية التي أظهرتها البيانات الصادرة من الحكومة العراقية، وذلك الصادر عن الحشد الشعبى الذى يضم عددًا كبيرًا من الأحزاب الشيعية والتى تملك أجنحة عسكرية اجتماعًا فى إدانه العدوان وتحميل إسرائيل مسئولية ما يُجرى، ولكن الأخير اعتبره امتدادًا لنضال وجهد قامت بها جهات عديدة. ويعيش العراق حالة من التباين فى المواقف الحكومية والجماعات المسلحة الأولى، وعلى المستوى السياسى فهناك تأكيد على رفض العدوان واعتباره نتيجة طبيعية للقمع الذى يتعرض له الشعب الإسرائيلي منذ عقود كما جاء فى أول بيان صادر من الحكومة يوم السابع من أكتوبر الماضى إلى اعتبار الهجمات الإسرائيلية على غزة بالإبادة الجماعية والجريمة ضد الإنسانية، كما قال رئيس الوزراء محمد شياع السودانى فى مؤتمر القاهرة للسلام فى ٢١ أكتوبر الماضي، ولكن التطورات دفعت رئيس الوزراء إلى محاولة التأكيد على أن الحكومة هى من تقرر السياسة الخارجية للبلاد وفقًا لما قاله السودانى فى الرابع من هذا الشهر فى المؤتمر السابع لسفراء العراق بالخارج، وقال بالنص: (إن الحكومة هى من تقرر موقف العراق من أى حدث أو ظرف إقليمى وهى المسئولة عن اتخاذ القرارات الكبرى). يعى رئيس الحكومة العراقية إمكانية تورط العراق فى أى حرب إقليمية خاصة مع التطورات التى شهدتها الساحة، حيث تحولت المصالح الأمريكية بالعراق إلى هدف من الجماعات المسلحة المنضوية تحت قوات الحشد الشعبى نتيجة للدعم غير المحدود الذى تقدمه واشنطن إلى تل أبيب فى العدوان على الشعب الفلسطيني، واقترب عدد الهجمات التى تعرضت لها وفقًا لبيان أخير لوزارة الدفاع الأمريكية إلى حوالى ٥٠ هجومًا فى العراق وسوريا، وإن كانت أغلبها فى العراق. وبعد فإن رئيس رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى يسعى إلى خلق نوعٍ من التوازن بين تحجيم رغبات أو ما تقوم به الفصائل المسلحة العراقية من استهداف المصالح الأمريكية بالعراق بين تفادى خلق توتر فى العلاقات مع واشنطن.