منذ أيام قليلة انتهيت من مشاهدة المسلسل الكوميدي “على باب العمارة” -الذي يعرض على منصة Watch It- من بطولة النجم الصاعد حاتم صلاح، والذي خرج لنا من عباءة مسلسل الكبير للنجم أحمد مكي، المسلسل من تأليف مصطفى حمدي ومن إخراج خيري سالم، وقد شارك في العمل عدد من النجوم منهم محمد محمود ومحمد رضوان، بالإضافة إلى عدد من النجوم الشباب، وقد قدم لنا دراما مختلفة عن الشاب عوضين الثري الصعيدي المرفه ابن العمدة الذي يغضب عليه والده فيرسله للقاهرة ليجبره على العمل كبواب مثله حينما كان في نفس عمره كي يتعلم ويتمرس في الحياة، وكيف أنه تقابل مع متاعب هذه المهنة للتعرض لتضارب الثقافات بين ثقافته كشاب صعيدي وثقافة أهل القاهرة.
والحقيقة أن الدراما كانت مثمرة وهادفة على أكثر من مستوى، فلأول مرة ومنذ سنوات طويلة نرى دراما عن الصعيد جديدة وهادفة، بعيدا عن ثقافة الثأر والسلاح والدم والقتل والتي مل منها السواد الأعظم من الناس، بل وأساءت إلى سمعة الصعيد وأهله، وبثت قيم لم تكن هادفة أبدًا، بل وزرعت صورة سيئة وسمعة غير صحيحة عن الوجه القبلي وأهله الطيبين!
“على باب العمارة” قدم وجهة نظر مغايرة، وقدم الفطرة النقية للصعيدي الأصيل والذي كان يتعامل بنقاء وطيبة وتلقائية ذات طابع كوميدي أسري، وقدم فيه قيم ضمنية كانت الدراما قد بعيدة عنها، فالأسرة والجماهير تحتاج دومًا لرسالة الفن الحقيقية لارتقاء الناس، فحتى حينما أخطأ كان هذا سهوًا وغير مقصود، بل لم يتعمد أن يثبت عنتريات كاذبة أو فحولات لا معنى لها، بل كل ما قدمه قيم مثل الطيبة والبساطة والجدعنة التي يجب النزوح لها دون رفع أسلحة أو عقد حواجب وتشنج في الصراخ من أجل أهداف أو قضايا لا معنى لها سوى صنع التريند واكتساب قاعدة جماهيرية هشة سرعان ما ستنمحي، وهذا قد يجعلنا لليوم نتذكر ما قُدم بالسابق عن الصعيد ولليوم يحيى في وجداننا أمثال مسلسلات “غوايش” و”الضوء الشارد” وغيرها من أعمال حرص صناعها على إعطاء المشاهد مساحة من الإثراء.
فبأفكار بسيطة يمكن صنع دراما جميلة ولا خوف أو حرج منها لباقي أفراد الأسرة، ولهذا نجد كيف أن الكاتب مصطفى حمدي قد عاد للأصول والجذور بأن تعمد إرساء لغة حوار بسيطة وتميل للتهذيب والمباديء مثل توقير الكبير، واحترام الأب مع لمحات كوميدية، أيضًا كيفية العودة لتماسك الأسر، والبعد عن الإسفاف، بل والإنتصار للحق وللفضائل والتي بها تنهض همم الناس.
قدمت آية سماحة دور متميز للخادمة بشكل تلقائي جذاب لم يكن متكلف بل يمكن ملاقاته، وكذلك ريهام الشنواني في دور الراقصة الذي لم تقدم فيه أية لمحة مبتذلة، وامتازت بوسي الشامي بقدرة كبيرة في تجسيد تضارب المراهقة المتأخرة لابنة ناظرة المدرسة عزة لبيب، ولا ننسى خفة دم الفنان أمير عبدالواحد في دور المحامي صلاح والذي بزغ بحضور حقيقي، وكذلك جيهان خيري والتي أبدعت بحضورها.
كادرات تصوير حسام حبيب كانت جميلة وتميل للقطات المعبرة والتي لا تميل لأي تعقيد بالمساحات المتوسطة للكادرات، موسيقى تامر كروان كانت متميزة كخلفيات خفيفة تليق بالعمل.
ونتمنى المزيد من تلك الأعمال التي تعيدنا لأعمال جميلة عايشناها بالسابق أمثال “يوميات ونيس” و”ساكن قصادي” و”كسبنا القضية” والتي قدمها عمالقة كبار أمثال فيصل ندا ويوسف عوف.