مجرد رأي

الصعيدي بشكل جديد

هيثم مصطفى
هيثم مصطفى

منذ‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬انتهيت‭ ‬من‭ ‬مشاهدة‭ ‬المسلسل‭ ‬الكوميدي‭ ‬“على‭ ‬باب‭ ‬العمارة”‭ -‬الذي‭ ‬يعرض‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬Watch It‭- ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬النجم‭ ‬الصاعد‭ ‬حاتم‭ ‬صلاح،‭ ‬والذي‭ ‬خرج‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬عباءة‭ ‬مسلسل‭ ‬الكبير‭ ‬للنجم‭ ‬أحمد‭ ‬مكي،‭ ‬المسلسل‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬مصطفى‭ ‬حمدي‭ ‬ومن‭ ‬إخراج‭ ‬خيري‭ ‬سالم،‭ ‬وقد‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النجوم‭ ‬منهم‭ ‬محمد‭ ‬محمود‭ ‬ومحمد‭ ‬رضوان،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النجوم‭ ‬الشباب،‭ ‬وقد‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬دراما‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬الشاب‭ ‬عوضين‭ ‬الثري‭ ‬الصعيدي‭ ‬المرفه‭ ‬ابن‭ ‬العمدة‭ ‬الذي‭ ‬يغضب‭ ‬عليه‭ ‬والده‭ ‬فيرسله‭ ‬للقاهرة‭ ‬ليجبره‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬كبواب‭ ‬مثله‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬عمره‭ ‬كي‭ ‬يتعلم‭ ‬ويتمرس‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وكيف‭ ‬أنه‭ ‬تقابل‭ ‬مع‭ ‬متاعب‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬للتعرض‭ ‬لتضارب‭ ‬الثقافات‭ ‬بين‭ ‬ثقافته‭ ‬كشاب‭ ‬صعيدي‭ ‬وثقافة‭ ‬أهل‭ ‬القاهرة‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الدراما‭ ‬كانت‭ ‬مثمرة‭ ‬وهادفة‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مستوى،‭ ‬فلأول‭ ‬مرة‭ ‬ومنذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬نرى‭ ‬دراما‭ ‬عن‭ ‬الصعيد‭ ‬جديدة‭ ‬وهادفة،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬الثأر‭ ‬والسلاح‭ ‬والدم‭ ‬والقتل‭ ‬والتي‭ ‬مل‭ ‬منها‭ ‬السواد‭ ‬الأعظم‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬بل‭ ‬وأساءت‭ ‬إلى‭ ‬سمعة‭ ‬الصعيد‭ ‬وأهله،‭ ‬وبثت‭ ‬قيم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هادفة‭ ‬أبدًا،‭ ‬بل‭ ‬وزرعت‭ ‬صورة‭ ‬سيئة‭ ‬وسمعة‭ ‬غير‭ ‬صحيحة‭ ‬عن‭ ‬الوجه‭ ‬القبلي‭ ‬وأهله‭ ‬الطيبين‭!‬

“على‭ ‬باب‭ ‬العمارة”‭ ‬قدم‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬مغايرة،‭ ‬وقدم‭ ‬الفطرة‭ ‬النقية‭ ‬للصعيدي‭ ‬الأصيل‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يتعامل‭ ‬بنقاء‭ ‬وطيبة‭ ‬وتلقائية‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬كوميدي‭ ‬أسري،‭ ‬وقدم‭ ‬فيه‭ ‬قيم‭ ‬ضمنية‭ ‬كانت‭ ‬الدراما‭ ‬قد‭ ‬بعيدة‭ ‬عنها،‭ ‬فالأسرة‭ ‬والجماهير‭ ‬تحتاج‭ ‬دومًا‭ ‬لرسالة‭ ‬الفن‭ ‬الحقيقية‭ ‬لارتقاء‭ ‬الناس،‭ ‬فحتى‭ ‬حينما‭ ‬أخطأ‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬سهوًا‭ ‬وغير‭ ‬مقصود،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬يتعمد‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬عنتريات‭ ‬كاذبة‭ ‬أو‭ ‬فحولات‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬قيم‭ ‬مثل‭ ‬الطيبة‭ ‬والبساطة‭ ‬والجدعنة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬النزوح‭ ‬لها‭ ‬دون‭ ‬رفع‭ ‬أسلحة‭ ‬أو‭ ‬عقد‭ ‬حواجب‭ ‬وتشنج‭ ‬في‭ ‬الصراخ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أهداف‭ ‬أو‭ ‬قضايا‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬صنع‭ ‬التريند‭ ‬واكتساب‭ ‬قاعدة‭ ‬جماهيرية‭ ‬هشة‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ستنمحي،‭ ‬وهذا‭ ‬قد‭ ‬يجعلنا‭ ‬لليوم‭ ‬نتذكر‭ ‬ما‭ ‬قُدم‭ ‬بالسابق‭ ‬عن‭ ‬الصعيد‭ ‬ولليوم‭ ‬يحيى‭ ‬في‭ ‬وجداننا‭ ‬أمثال‭ ‬مسلسلات‭ ‬“غوايش”‭ ‬و”الضوء‭ ‬الشارد”‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬حرص‭ ‬صناعها‭ ‬على‭ ‬إعطاء‭ ‬المشاهد‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬الإثراء‭.‬

فبأفكار‭ ‬بسيطة‭ ‬يمكن‭ ‬صنع‭ ‬دراما‭ ‬جميلة‭ ‬ولا‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬حرج‭ ‬منها‭ ‬لباقي‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة،‭ ‬ولهذا‭ ‬نجد‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬مصطفى‭ ‬حمدي‭ ‬قد‭ ‬عاد‭ ‬للأصول‭ ‬والجذور‭ ‬بأن‭ ‬تعمد‭ ‬إرساء‭ ‬لغة‭ ‬حوار‭ ‬بسيطة‭ ‬وتميل‭ ‬للتهذيب‭ ‬والمباديء‭ ‬مثل‭ ‬توقير‭ ‬الكبير،‭ ‬واحترام‭ ‬الأب‭ ‬مع‭ ‬لمحات‭ ‬كوميدية،‭ ‬أيضًا‭ ‬كيفية‭ ‬العودة‭ ‬لتماسك‭ ‬الأسر،‭ ‬والبعد‭ ‬عن‭ ‬الإسفاف،‭ ‬بل‭ ‬والإنتصار‭ ‬للحق‭ ‬وللفضائل‭ ‬والتي‭ ‬بها‭ ‬تنهض‭ ‬همم‭ ‬الناس‭.‬

قدمت‭ ‬آية‭ ‬سماحة‭ ‬دور‭ ‬متميز‭ ‬للخادمة‭ ‬بشكل‭ ‬تلقائي‭ ‬جذاب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متكلف‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬ملاقاته،‭ ‬وكذلك‭ ‬ريهام‭ ‬الشنواني‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬الراقصة‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬فيه‭ ‬أية‭ ‬لمحة‭ ‬مبتذلة،‭ ‬وامتازت‭ ‬بوسي‭ ‬الشامي‭ ‬بقدرة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬تضارب‭ ‬المراهقة‭ ‬المتأخرة‭ ‬لابنة‭ ‬ناظرة‭ ‬المدرسة‭ ‬عزة‭ ‬لبيب،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬خفة‭ ‬دم‭ ‬الفنان‭ ‬أمير‭ ‬عبدالواحد‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬المحامي‭ ‬صلاح‭ ‬والذي‭ ‬بزغ‭ ‬بحضور‭ ‬حقيقي،‭ ‬وكذلك‭ ‬جيهان‭ ‬خيري‭ ‬والتي‭ ‬أبدعت‭ ‬بحضورها‭.‬

كادرات‭ ‬تصوير‭ ‬حسام‭ ‬حبيب‭ ‬كانت‭ ‬جميلة‭ ‬وتميل‭ ‬للقطات‭ ‬المعبرة‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تميل‭ ‬لأي‭ ‬تعقيد‭ ‬بالمساحات‭ ‬المتوسطة‭ ‬للكادرات،‭ ‬موسيقى‭ ‬تامر‭ ‬كروان‭ ‬كانت‭ ‬متميزة‭ ‬كخلفيات‭ ‬خفيفة‭ ‬تليق‭ ‬بالعمل‭.‬

ونتمنى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تعيدنا‭ ‬لأعمال‭ ‬جميلة‭ ‬عايشناها‭ ‬بالسابق‭ ‬أمثال‭ ‬“يوميات‭ ‬ونيس”‭ ‬و”ساكن‭ ‬قصادي”‭ ‬و”كسبنا‭ ‬القضية”‭ ‬والتي‭ ‬قدمها‭ ‬عمالقة‭ ‬كبار‭ ‬أمثال‭ ‬فيصل‭ ‬ندا‭ ‬ويوسف‭ ‬عوف‭.‬


 

;