رسائل المثقفين العرب إلى غزة

لميس سعيدى .. شاعرة ومترجمة جزائرية تكتب : ليست بطلة ولا قدِّيسة

لميس سعيدى
لميس سعيدى

المرأة التي جرَّت طفليها لأكثر من 14 كيلومترا ولمدة ساعات، تحوَّلت فيها الأرض تحت قدميها وتحت جسد الصغيرين إلى قطعة من الجحيم، ليست بطلة ولا قدِّيسة، ولا كائنًا من نور. تلك المرأة هي ضحية، بشر مثلنا، امرأة من فلسطين شهد العالم بأسره ضعفها وقلة حيلتها وتعرُّضها لأبشع أنواع الظلم والتعذيب ولم يستطع شخص واحد تخفيف معاناتها. تلك المرأة كانت متعبة وخائفة وتائهة، كانت بحاجة إلى الأمان والماء، كانت بحاجة إلى الصراخ والبكاء وإلى تفادي دخول التجربة، تجربة درب الآلام.

تلك المرأة كانت تتقدَّم نحو خلاص مجهول، وهي تدير ظهرها للعالم، وكأم نبيٍّ، تركت طفليها يواجهان بوجهيهما فضول العالم، الفضول الذي حوَّل قهرها وقهرنا جميعًا، إلى فيديو كليب، إلى أغنية حزينة تركب خطوات منهكة. تلك المرأة، أودُّ فقط لو أمنحها الآن عناقًا طويلًا، لو أحمل عنها الطفلين أو حتى حقيبتي الظهر، لو أمنحها غرفتي وسريري وحمامًا بمياه ساخنة وطعامًا طازجًا وكوب نعناع أو بابونج ساخن (ربما ترغب هي في فنجان قهوة أو شاي) وعناقًا طويلًا مرة أخرى وكتفي لتبلِّلها بدموعها وأغنية تهدهد الطفلين.