جواهرجى وموظف .. والحقيقة «ديلر» بعد الظهر

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

محمود‭ ‬صالح‭ ‬

  الغرض الرئيسي والمعلن والمعروف من التجارة في المواد المخدرة؛ هي أنها تدر دخلا كبيرًا يصعب تحقيقه في أية تجارة أخرى، وهذا السبب جميعنا على دراية به، وكم من آلاف ممن سقطوا في قبضة الأمن لتجارتهم في المخدرات أدلوا باعترافات صريحة تؤكد ذلك بما لا يدع مجالاً للشك، لكن اللافت هنا أن المقبوض عليهما كانا في الأصل أصحاب مهن كبيرة، تدر دخلًا جيدًا عليهما، تجعل أى قنوع يعكف عليها دون أن يفكر في أن يمتهن غيرها، لكن لأن قلوبهما ضعيفة، وضمائرهما ميتة، ونفوسهما مريضة، وشهوتهما للمال تسيطر عليهما، ارتضيا المتاجرة في المخدرات بجانب أعمالهما الأصلية ووظائفهما، في سبيل تحقيق ربح إضافي، بمعنى أدق وأشمل قررا أن يكونا "ديلر بعد الظهر" ظنًا منهما أن المسألة سهلة ولن ينكشف أمرهما بسهولة.. تفاصيل أكثر عن رحلة سقوط بعضهم نرويها في السطور التالية.

كانت خطواته غير منضبطة، يتحرك يمينًا ثم مرة واحدة يتجه ناحية اليسار، ويلتفت عن يمينه وعن يساره، وكثيرًا ما كان ينظر خلفه. الأمر الذي يثير شك أي شخص تقع عليه عيناه، وهذا بالفعل ما حدث.

بينما كان هذا الشخص يسير بهذه الطريقة في أحد شوارع المنطقة، وقعت عليه عين أحد المكلفين بإدارة تأمين حي الزمالك، وهو ضابط مباحث، أثارت طريقته الشكوك في قلبه، مما دعاه لأن يوقفه ويفتشه، بعد أن اشتبه به.

الغريب أنه في اللحظة التي أوقفه فيها ضابط المباحث، هم بوضع شيء ما في فمه، ابتلعه، كما حاول أن يلقى كيسًا بلاستيكيًا على الأرض، وعندما التقطه من قبل أفراد الأمن؛ تبين أنها مادة بيضاء، مثلها مثل الدقيق، بما يوحي مظهرها بأنها نوع من أنواع المخدرات، وتحديدًا مخدر الهيروين.

غسيل معدة!

الأربعيني الذي استوقفته القوة الأمنية في شوارع الزمالك، تبين بعد استيقافه وضبط ما معه من أكياس تحوي مادة مخدرة، أنه يملك محلا لبيع المصوغات، أي أنه "جواهرجي".

بل أزيدك من الشعر بيتًا، الرجل الذي تم إلقاء القبض عليه ومعه أكياس بلاستيكية بداخلها مادة الهيروين لم يكن فقط يملك محل مجوهرات، وإنما لديه مهارة فائقة وصاحب صنعة قلما تجد لها نظيرًا، الرجل كان صنايعي ذهب، بمعنى أنه كان يتفنن في تحويل قطعة الذهب الصلبة إلى حلّي براقة وشكلها جميل، بأشكال غاية في الروعة والإتقان، بشكل يدوي يضاهي ما تصنعه الآلات.

الرجل لم يكتف بصنعته التي حباه الله إياها، خاصة وأنها تدر دخلا كبيرًا يحلم به الكثير من الناس، لكن لأن الطمع غايته وسبيله، فكر في أن يربح المزيد من المال بأي طريقة كانت، وهذه الطريقة كانت عن طريق التجارة في المواد المخدرة، وخاصة الهيروين، مثلما تم ضبطه به.

كل هذا كوم وما حدث في لحظة ضبطه كوم آخر؛ فالرجل كان يملك - حسب ما جاء في محضر الضبط - ٦ أكياس بلاستيكية بداخلها مخدر الهيروين، وهذه الأكياس البلاستيكية هي التي ألقى واحدة منها على الأرض فور الإمساك به، كما أنه ابتلع شيئا آخر في تلك اللحظة، بما يوحي بأنه كان يسير في الشارع حاملاً كمية كبيرة من مخدر الهيروين.

أيضًا لم يكن المخدر هو الشيء الوحيد الذي تم إحرازه، بل وجد بحوزته مبلغ كبير من المال، إضافة إلى هاتفين، وأقر بعد اقتياده إلى قسم شرطة قصر النيل، وبعد مواجهته بما أسفر عنه الضبط والتفتيش، بإحراز المواد المخدرة بقصد الإتجار، والمبلغ المالي - الذي ضبط بحوزته - حصيلة البيع، وأن الهاتفين مهمتهما تسهيل التواصل مع عملائه.

بعد ضبطه، تحرر محضر بالواقعة، وبعرضه على نيابة قصر النيل، قررت عرضه على مصلحة الطب الشرعي، لإجراء غسيل للمعدة، وفحصه وتحليل محتوياتها، وإيداع تقرير لما يسفر عنه الغسيل المعدي، وذلك لبيان عما إذا كانت تحوي ثمة جواهر مخدرة من عدمه، وبيان نوعها والجدول المدرج بها، وحبس المتهم أربعة أيام على ذمة التحقيقات.

فني كهرباء

لم تكن واقعة الزمالك هي الأولى من نوعها؛ فغيرها الكثير من الوقائع التي حدثت، وتبين أن مرتكبيها أناس جمعوا بين وظائفهم ومهنهم الخاصة وبين تجارتهم في المخدرات، منهم ما قضت به محكمة جنايات شمال القاهرة، بمجمع محاكم العباسية، برئاسة المستشار محمد علوان، وعضوية المستشارين حاتم عزت، وكمال الدين عبدالرحمن، وعمرو عبد المعطي، وأمانة سر أحمد فهمي، وأحمد رجب، بالسجن المؤبد على فني بشركة الكهرباء، لقيامه بالإتجار بالهيروين في المرج.

تضمنت التحقيقات أن المتهم في القضية رقم ٧٩٠٥ لسنة ٢٠٢٣ جنايات المرج، والمقيدة برقم ٩٦٠ لسنة ٢٠٢٣ كلى شرق القاهرة، قام بترويج وبيع المخدرات "الهيروين" بكمية كبيرة، في وضح النهار بمنطقة المرج، في محافظة القاهرة.

في التحقيق معه سئل عما هو قوله فيما هو منسوب إليه من أنه متهم بإحراز جوهر الهيروين، في غير الأحوال المصرح بها، بقصد الإتجار، فأجاب بالنفي.

 وعن ظروف ضبطه وعرضه على جهة التحقيق، زعم أن صديقه مصطفى، اتصل به، وطلب منه "شيشة إزاز"، وقال له أن يقابله في شارع البترول، وعندما ذهب إلى هناك مستقلا دراجته النارية، ومعه الـ"شيشة" التي طلبت منه، تم القبض عليه واقتياده إلى قسم مكتب مكافحة المخدرات.

نص التحقيقات

جاء أيضًا في نص التحقيقات الذي جرى مع المتهم ما أدلى به

*س: متى وأين حدث ذلك؟

ج: إمبارح الساعة 7:00 بالليل أول شارع البترول في المرج.

*س: وما الذي أسفر عليه عنه ذلك التفتيش؟

ج: اه فتشوني وكان معايا شيشتين إزاز.

*س: وهل دار حوار فيما بينك والقائمين على ضبطك؟

ج: هما فتشوني وخدوني على الإدارة.

*س: ما قولك فيما أثبته سالف الذكر؟

ج: الكلام ده محصلش.

*س: ما صلتك بالمضبوطات السابق فضها وعرضها عليك؟

ج: الموبايل بس اللي بتاعي.

*س: ملك من الدراجة النارية المضبوطة؟

ج: ملكي.

*س: هل لديك اسم شهرة؟

ج: أبوحسني.

*س: هل لديك سوابق جنائية؟

ج: لا.

*س: أنت متهم بإحراز جوهر الهيروين المخدر بقصد الاتجار وبغير الأحوال المصرح بيها قانونيًا؟

ج: محصلش.

*س: هل لديك أقوال أخرى؟

ج: لا.

وتضمنت التحقيقات تقرير المعمل الكيماوي رقم ٩٨٦٩ والثابت به أن الحرز مظروف بداخله كيس بلاستيكي أسود اللون يحوي عدد ٦٠ لفافة ورقية بيضاء اللون كل منهم محزم بلاصق أحمر اللون وبداخل كل لفافة مسحوق بيج اللون وزن المسحوق قائما باللفافات والكيس الأسود 90 جم و40 سم جرام، وثبت أن المسحوق للهيروين المدرج بالجدول الأول من جداول قانون المخدرات.

وفي نهاية التحقيق وجهت النيابة للمتهم تهمة الاتجار بالمخدرات، وتحولت القضية للمحكمة والتي أصدرت حكمها بالسجن المؤبد.

هاتان الواقعتان، تربطهما الكثير من أوجه الشبه، لعل أبرزها أن مهنة الـ"ديلر" بعد الظهر لن تدوم، وأنها في الغالب تبدأ بمال، وبالتبعية السقوط في قبضة الأمن، وينتهى الأمر بالسجن.

اقرأ أيضا : السجن 6 سنوات لديلر الحشيش بالقطامية وسنة لحيازة سلاح ناري 

;