إنها مصر

هل نجحت قمة الرياض؟

كرم جبر
كرم جبر

بواقعية شديدة، لم يكن فى وسع القمة العربية الإسلامية المنعقدة فى الرياض أن تفعل أكثر مما فعلت، فهل تصور المنتقدون أنها يمكن أن تعلن الحرب على إسرائيل مثلاً، أو تصدر قرارًا بوقف ضخ البترول والغاز إلى الغرب، أو إمداد حماس بالأسلحة الحديثة لمواجهة العدوان الإسرائيلى؟
للدول مصالح وارتباطات فى ظل أوضاع دولية لم تعد كما كانت حين كان العالم قطبين متنافسين، أما الآن فقطب واحد وتدور فى فلكه الدول الأوروبية، بالانحياز السافر فى دعم المجازر الوحشية لإسرائيل ووصفها بالدفاع الشرعى عن النفس.


وباعتبار مصر دولة الجوار، والمعنية بالدرجة الأولى بما يحدث فى القطاع، اتجهت الأنظار إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى، وهو يقدم خارطة طريق واضحة للعالم، تجسد أسباب الأزمة وترسم الطريق للخروج منها، ولم تترك فرصة لأحد للمتاجرة والمزايدة، ووضعت الأمور فى نصابها الصحيح.
فمصر هى المعنية بإدخال المساعدات الإنسانية لغزة، وهو مطلب دولى لا يختلف عليه أحد، وصدرت القرارات بدعم ما تتخذه مصر من خطوات ومساندة جهودها لإدخال المساعدات إلى غزة بشكل دورى ومستدام.
ودعمت القمة موقف مصر فى رفضها الكامل للتهجير، وضرورة عودة النازحين إلى بيوتهم ومناطقهم باعتبار ذلك خطا أحمر وجريمة حرب، ورفض أطروحات فصل غزة عن الضفة الغربية، باعتبارها أرضًا للدولة الفلسطينية التى يجب أن تتجسد حرة ومستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967.
وقراءة بقية القرارات الصادرة عن القمة، مطابقة لموقف مصر منذ بداية الأزمة، وتلمح بين السطور نفس الرؤى خصوصًا الرفض التام للتهجير، والإدانة الصارخة للمجازر الوحشية، والعمل على إدخال المساعدات، والدعوة التى لم تنقطع للسلام وحق كل دول المنطقة فى الأمن، وإطلاق سراح الرهائن من الجانبين.
ولو راجعنا كل كلمات القادة والزعماء فى القمة، فلم تخرج عما أعلنته مصر منذ السابع من أكتوبر الماضى، وبعبارات تختلف فى الألفاظ ولكنها تتفق فى المضمون.
ليس صحيحًا إذن ما يزعمه البعض بأنها قمة الصخب والضجيج والصوت العالى، أو أنها لم تخرج عن عبارات الشجب كما كان يحدث فى الماضى، أو أنها لم تتخذ قرارات لدعم الشعب الفلسطينى ومساندة غزة، والصحيح أنها قمة المواجهة القوية ضد أمريكا وأوروبا.


وتحققت بعض النتائج فى تراجع تصريحات زعماء الغرب عن التأييد المطلق لإسرائيل، وحل محلها الدعوة إلى حل الدولتين ووقف المجازر وإدانة جرائم الحرب، ورويدًا رويدًا سوف تنقلب موازين الآراء والمواقف لصالح القضية الفلسطينية.


وخرجت القضية الفلسطينية من ثلاجة الموتى بعد أن استنكرت إسرائيل وجود شىء اسمه الشعب الفلسطينى وبدأت ترسانة الأكاذيب الهمجية لنتنياهو ومجرمى الحرب فى السقوط.
وبات السؤال هو: هل نجحت القمة؟.. والإجابة ليست بالمزايدة والمتاجرة بالشعارات واللعب على مشاعر الجماهير، وإنما بما تحقق على أرض الواقع وعنوانه "ليس فى الإمكان أن تفعل القمة أكثر مما فعلت".