«كابوس السُكري» يُهاجم الصغار| أبحاث جديدة للعلاج بالخلايا الجذعية وأهمية الرياضة وأكل البيت

صورة موضوعية
صورة موضوعية

يعد «السكري» من أمراض العصر، وهو من الأمراض المزمنة التى تعتبر كابوسًا مزعجًا يظل يطارد الإنسان طوال حياته، مما يتطلب التكيف معه باتباع أساليب وطرق معينة فى الحياة اليومية، خاصة عندما يرتبط الأمر ب«سكرى الأطفال» الذى أصبح يهدد الكثير من الأطفال نتيجة لبعض العادات الخاطئة التى انتشرت بينهم، فكيف يمكن الوقاية من السكرى.. وما هى مضاعفاته.. وطرق العلاج؟

هناك نوعان من مرض السكرى يهددان حياة الإنسان أحدهما يطلق عليه النوع الثانى وهو يصيب البالغين فى الأغلب، ويمكن أن يصاب به الأطفال. أما النوع الأول فيعانى منه الأطفال، وبجانب معاناة الأطفال من مرضى السكرى من الناحية الصحية، فهو مرتبط بصحتهم النفسية نظرًا لما يحدث لديهم من تغيرات بحياتهم سواء فى نظامهم الغذائى أو ضرورة ابتعادهم عن بعض الأنشطة وخضوعهم لإجراء التحاليل والكشف الطبى بشكل دورى حتى يلاحظ الأطفال المصابون ومدى اختلافهم عن زملائهم.

◄ تأثير نفسي
تقول ليلى (أم لطفل مصاب بالسكرى): الأطفال المصابون بالسكرى يعانون الكثير من المشكلات بالمجتمع، نظراً لانعدام الوعى بكيفية التعامل معهم، فنحن نعانى تصرفات وردود الفعل بالمدرسة وتعاملهم الخطأ مع ابنى، فقد يحتاج طفلى لاستخدام دورة المياه مرتين أو ثلاثا خلال اليوم الدراسى، لكنه يشكو لى من عدم سماح بعض المدرسات بذلك، كذلك بالنسبة لتناول الوجبات وشرب المياه.

على النقيض، يتعامل المعلمون مع «إسلام» كطفل مريض بالسكرى، بتعاطف زائد ويحرمونه من المشاركة فى الأنشطة المدرسية، ما جعله يشعر أنه مختلف عن زملائه، فأصبح يكره مرضه ويتعامل بتوتر وعصبية طوال الوقت مع من حوله، كما أن ذلك أعطى انطباعًا لزملائه أنه مختلف عنهم فأصبحوا يتجنبونه.

وأكدت والدته «أميرة» أنها اكتشفت إصابته مبكرًا وهو فى سن الرابعة، فألحقته بمدرسة خاصة، وقالت: «أثناء البحث عن مدرسة مناسبة له، رفضت قبوله مدرستان، حيث لاحظت أنه غير مُرحَّب بوجوده، وهو أمر كان مفاجئًا بالنسبة إلىّ.. كيف يتم رفض إلحاق طفل بمدرسة لأنه مصاب بمرض السكرى؟».

◄ اقرأ أيضًا | أبرزها مرضى السكري والسرطان والقلب.. تعرف على الفوائد الصحية للترمس

◄ حملات توعية
فيما يؤكد مدحت عبدالهادى، استشاري الطب النفسى والاستشارات الأسرية، أن عدم التعامل بطريقة صحيحة مع الأطفال المصابين بأمراض يغيِّر من نمط حياتهم، بما يجعلهم عرضة للعديد من المشكلات التى تؤثر فى تركيزهم وتصيبهم بالقلق، ما ينعكس على تحصيلهم الدراسى وثقتهم بأنفسهم، لذلك ننصح دائمًا بعقد حملات التوعية للأشخاص الذين يتعاملون مع هؤلاء الأطفال لمعرفة الطريقة الصحيحة للتعامل معهم بما لا يضر بنفسية الطفل. والمعلمون داخل المدارس يجب أن يعلموا أن الطفل مريض السكرى طفل طبيعى لا بُد أن يمارس حياته بصورة طبيعية مثل زملائه، وألا يُعامل بتعاطف زائد، مع ضرورة وجود طبيبة وممرضة بالمدرسة طوال اليوم الدراسى للتدخل فورًا عند الحاجة لهما.

■ د. إيناس شلتوت

◄ الاكتشاف المبكر بالتحليل كل ستة أشهر للأطفال المعرضين للإصابة

◄ ظهور التداخل
من الناحية الطبية، توضح إيناس شلتوت أستاذة أمراض السكري بقصر العينى، رئيسة الجمعية العربية لدراسة أمراض السكرى، أن الأنواع المعروفة من مرض السكرى يأتى على رأسها «سكرى النوع الأول»، وهو الذى يصيب الأطفال والشباب قبل سن الأربعين، و«النوع الثانى» وهو الذى يصيب البالغين بعد سن الأربعين. وهناك أيضًا سكرى الحمل، بخلاف «الأنواع الثانوية» التى تحدث نتيجة لوجود أمراض أخرى مثل أمراض الكبد، كتليف الكبد أو الإصابة بفيروس «سى»، التى تؤدى للإصابة بالسكرى فى 25% من مرضى فيروس «سى».

أما النوع الأول، فغالبا ما يصيب الأطفال والشباب، ويمثل حوالى 5-10% من مرضى السكرى، ولا بد أن يتم علاج هؤلاء المرضى عن طريق حقن الأنسولين لأن غدة البنكرياس فى هذه الحالة تنتج كميات غير كافية من الأنسولين أو لا تنتجه مطلقًا، وسبب هذا النوع هو الاستعداد الجينى أو اضطراب المناعة أو الإصابة ببعض الفيروسات، وغالبا يكون المرضى به مصابين بالنحافة وهم أكثر عرضة للإصابة بالغيبوبة الكيتونية. وقد ظهر حديثا الكثير من التداخل بين النوعين الأول والثانى، فاصبحنا نرى النوع الأول يحدث فى البالغين أو النوع الثانى الذى اتخذ شكلا وبائيا فى الشباب والأطفال، حتى أن الدراسات الحديثة أكدت أن واحدًا من كل ثلاثة أطفال يولدون الآن فى الولايات المتحدة سيصاب بالسكرى من النوع الثانى فى المستقبل.

◄ اقرأ أيضًا | أهمها علاج مرضى السكري.. فوائد عديدة لثمار «النبق» للجسم

◄ أسباب المرض
سبب انتشار مرض السكري من النوع الثانى فى الشباب والأطفال هو تغيير طريقة تناول الغذاء التى حدثت بعد انتشار الوجبات الجاهزة ودخول الحلويات الغربية والشرقية والمياه الغازية والعصائر وجميع أنواع الحلوى إلى البيوت المصرية، ابتداء من حقبة التسعينيات، وتزامن معها أيضا كثرة الجلوس أمام الشاشات المختلفة وقلة اهتمام الأسرة بممارسة رياضة المشى والتنزه فى الحدائق، بالإضافة إلى استجابة الأم لرغبات أطفالها فى تناول الغذاء من خارج المنزل على شكل وجبات جاهزة تحتوى على عدد كبير من السعرات الحرارية من الدهون والنشويات.

وتضيف الدكتورة إيناس: أطفالنا وشبابنا لا يمارسون الرياضة، ووصل الأمر ببعض المدارس إلى إلغاء حصص الألعاب واستبدالها بحصص المواد العلمية، وأصبح الشباب والأطفال يكتفون بالجلوس لفترات طويلة أمام التليفزيون والكمبيوتر وألعاب الموبايل بدلا من ممارسة الرياضة والحركة، وأصبح الآن واحد من كل خمسة أطفال مصابا بالسمنة، وخلال عمل تحليل مستوى السكر فى الدم للشباب والأطفال المصابين بالسمنة نجد أن حوالى 20% منهم مصابون بارتفاع مستوى السكر فى الدم.

أما الأطفال والشباب المصابون بالسكرى من النوع الثانى فنجد أن 85% منهم مصابون بالسمنة ولديهم تاريخ وراثى فى العائلة ملئ بمرضى السكري، وغالباً ما تبدأ الإصابة بعد سن العاشرة، خصوصا الفتيات أكثر من الأولاد، وتنتشر فى هؤلاء الفتيات الإصابة بمرض تكيُّس المبايض، وسبب هذا النوع من السكرى الاستعداد الوراثى والسمنة، خاصة سمنة البطن التى تؤدى لزيادة مقاومة عمل الأنسولين، وخطورة هذا النوع فى الأطفال والشباب تكمن فى حدوث الإصابة بالمضاعفات على الأوعية الدموية فى بداية مرحلة الشباب وانتشار المضاعفات على العين والكلى والقلب والأعصاب مبكرا.

وتوضح أن هناك دورًا مشتركًا للأسرة ووسائل الإعلام للاهتمام بتشجيع الأطفال على الحركة وممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة يوميا على الأقل وتناول الغذاء الصحى وتقديم التوعية اللازمة لكيفية اختيار الغذاء المناسب، ويُفضل تحديد عدد ساعات مشاهدة التليفزيون والجلوس أمام الكمبيوتر يوميا، وهنا تقع المسئولية على الأم فى تقديم الغذاء السليم لأطفالها والعودة إلى طبق الخضار والسلطة كمكون أساسى للوجبات.

■ د. أحمد عبدالجواد

◄ 85 % منهم يعانون السمنة ويؤثر سلباً فى تحصيلهم الدراسي

◄ الأعراض
فيما يوضح أحمد عبدالجواد، استشارى الغدد الصماء والسكرى، أن إصابة الأطفال بمرض السكرى غالبا تكون من النوع الأول وهو الذى يحدث عندما لا يستطيع الجسم إفراز كمية كافية من الأنسولين للسيطرة على السكر فى الأول، وعندما يحدث تدمير فى بعض خلايا البنكرياس التى تنتج الإنسولين فإن كمية الإنسولين الناتجة تكون أقل من المطلوب أو قد لا يستطيع البنكرياس إفراز إنسولين إطلاقا، بالتالى يتراكم السكر ويرتفع مستواه فى الدم ولا يستطيع دخول خلايا الجسم لإنتاج الطاقة اللازمة لأنشطة أجهزة الجسم المختلفة، ومن المعروف أن السكرى من النوع الأول مرض مناعى حيث يتم فيه تدمير خلايا بيتا الموجودة فى البنكرياس والمسئولة عن إفراز الأنسولين.

وعن أعراض السكرى من النوع الأول، يؤكد أنها حادة وسريعة مثل كثرة التبول والعطش الشديد وحدوث جفاف أحيانًا، وحدوث تبول لا إرادى للأطفال أثناء النوم، وفقدان سريع للوزن وإحساس بالضغط والإجهاد وعدم التركيز، فقد يحدث قىء  واضطراب فى درجة الوعى نتيجة لوجود ما يسمى «الغيبوية الكيتونية» وتكون خطيرة فى بعض الأحيان وتستلزم علاجا عاجلا فى المستشفى، فقد تكون هى السبب فى تشخيص السكرى من النوع الأول فى الشباب والأطفال لأول مرة.

ويؤكد عبدالجواد أن الأمل معقود على الأبحاث التى تُجرى حاليًا للعلاج بالخلايا الجذعية لزراعة خلايا بيتا بالبنكرياس لإفراز الإنسولين بشكل طبيعى والنتائج مبشرة بعد نجاح بعض الحالات ولكن لا يزال هناك وقت لاعتماد هذه الطريقة العلاجية.

■ هشام الحفناوي

◄ مصر العاشر عالميا في الإصابة بالمرض

◄ قابل للتعايش
هشام الحفناوي، مدير معهد السكر السابق، يقول إن  السكرى الذى يصيب الأطفال أصبح يطلق عليه مسمى «السكر الذى يعتمد على الأنسولين»، وحالياً يعرف ب«سكر النوع الأول» وهو يصيب الأطفال نتيجة استعداد فى تركيبة الجهاز المناعى للإصابة بالسكرى، وبه العامل الوراثى ضئيل جداً من 2 ل6%، بالتالى عند إصابة طفل به لا يكون هناك قلق أو خوف من احتمالية إصابة أحد من أشقائه، إلا إذا كان له توأم متماثل، فيمكن أن يصاب هو الآخر بنسبة 50%، وفى المستقبل يمكنه الزواج والإنجاب دون الخوف على أولاده من احتمالية الإصابة، بعكس السكرى من «النوع الثانى» الذى يأتى نتيجة للسمنة والعامل الوراثى.

ويؤكد أن مرض السكري يمكن التعايش معه بصورة طبيعية عند الالتزام بتنظيم الطعام وجرعات الأنسولين، مع أهمية ممارسة الرياضة، وتنظيم السكر على مدار اليوم، مشددًا على أهمية تجنب المضاعفات التى قد تؤثر في الكلى والعين والأعصاب والشرايين والقلب.