بلا جدال .. أصاب الكتاب المقدس؛ حين جاء فيه ( متى 4/4) : “ليس بالخبز وحدَهُ يحيا الإنسان ... “!؛ وجاء ذكر “الخبز” كوسيلة ــ فقط ــ ليهِب القلب البشري نعمة الأنفاس وإكسيرالحياة . ولكن .. كان على هذا الإنسان ـ المشتت في صحراوات الدنيا ــ أن يبحث عن وسيلة للتخاطب والتواصل الخلاَّق؛ فاهتدى ـ بالسليقة ـ إلى ابتكار النداءات الصوتية التي تسعى للتلاقي والتجمُّع من أجل التكاثر وإعمار الكون؛ واهتدى إلى مايشبه الشفرة لنداءات التحذير من مخاطر الحيوانات الضارية؛ ونداءات التحذير من الأعاصير والبروق والأمطار؛ وليهتدي إلى الإمساك ب”قبسٍ” من النار؛ ليستدفيء بها ويُنضج عليها طعامه؛ وليرقص حولها فرحًا بالدفء وأنفاس الحياة؛ ثم اصطدم بعائق “الموت” الذي يختطف من بين أحضانه الأحباب والأصحاب وشركاء رقصات الطعام والدفء والنار .. فيبكي ويرقص الرقص الجنائزي الذي قام برصده ـ نحتًا ـ على جدران وأعمدة المعابد؛ لتكون تلك المنحوتات بمثابة الإرهاصات التي تنبيء عن ولادة و.. وجود مايسمى بـ “الفن” نحتًا ورسمًا وتصويرًا؛ وهو الذي تم رصده بأقلام كُتَّاب سطور التاريخ .. مذ وُجد الإنسان على ظهر المعمورة .
وحين نترك تلك الحقبة السحيقة من الزمان البعيد؛ نجد أن الإنسان المعاصر اكتشف أهمية تلك الفنون وتأثيرها على النشء من الأجيال الصاعدة؛ وآمن أشد الإيمان بشدة تاثير هذا الفن على المجتمع بصورة كبيرة؛ واعترافًا بما ينتج عنه من ترابط شديد بين ألوان الفن والحياة الاجتماعية؛ بل اكتشف الإنسان المعاصر كيف تعمل وتؤثر تلك “الفنون” في /وعلى الوجدان وجدران الروح الإنسانية المتطلعة للوصول إلى مرحلة التكامل .. والكمال؛ وذلك من أجل الحفاظ على ذاكرة المجتمع بالتوثيق المبني على الحقائق في كل حقبة زمنية؛ ورصدًا لكل أشكال الحياة داخل المجتمع اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.
وكان “ الفن “ ـ بكل أشكاله ــ موضع دراسة للعديد من الباحثين الناشطين؛ هؤلاء الذين ربطوا بين العديد من مناحي الفن ومدى تأثيره على الدماغ البشري؛ حيث أن هذا الفن يُضفي الكثير من الآثار الإيجابية على الحياة الشخصية للأشخاص؛ وبالتالي إنعكاس هذا التأُثير على المجتمع أيضًا بكل طيوفه ومعتقداته وتوجهاته .
.. فقامت الدول الحريصة على مسيرة الإنسان في دروب الحياة؛ بالعمل الدءوب على تشييد المعاهد الفنية ـ وبخاصة المعاهد المتخصصة في إعلاء ثقافة الطفل ــ والحرص الدائم على استكمال كتائب الأساتذة الأكاديميين؛ الذين يؤمنون برسالة “الفن في الحياة” وقدرته الهائلة على إحداث التغيير الإيجابي في لُحمة المجتمع وتعضيد ركائز بُنيانه .
إنه مما لاشك فيه . أن “الفن” يقوم بتعزيز التواصل الإيجابي بين الثقافات المختلفة بين شعوب العالم؛ حيث يُعد “لغة عالمية” ذات حروفٍ بلاغية؛ لاتقل عن أهمية الحروف الأبجدية لأي لغة في العالم القديم والحديث ؛ وعن طريق تلك الرموز والأحرف البلاغية؛ تتوحد النفوس البشرية وتلتف حول الاهداف القومية والمشروعات الكبرى التي تخدم الأهداف السياسية والاقتصادية .. والثقافية .
يقوم الفن بتعزيز التواصل بين الثقافات، في جميع انحاء العالم بوصفه لغة عالمية تقوم بكسر أي حواجز ثقافية موجودة ؛ ويقوم بدوره الفاعل في حفظ التاريخ والتأثير الكبير على الثقافة العامة داخل المجتمع؛ ويستطيع أن يغير ــ إلى الأفضل ــ رؤية الشخص لثقافة مجتمعه وتاريخه؛ ليصنع الرباط المقدس بين الفرد وخلايا مجتمعه وشخوصه . ولا يستطيع أي مناويء لأهمية الفن والفنون؛ أن ينكر أو يتجاهل أن عناصر الفن المختلفة تقوم بتغيير آراء الأشخاص من حيث النواحي الدينية والعقائدية والأخلاقية؛ حيث أنه باللغة الراقية الرفيعة يخاطب العواطف ويتلامس مع شغاف القلب والوجدان؛ ويجعل الأشخاص يقومون بانتهاج السلوكيات القويمة لصالح الفرد .. والمجتمع .. والدولة .
ولعل اهتمامي بالفن ـ وثقافة الطفل على وجه الخصوص ـ يأتي لوجودي بقلعة الفنون في مصرنا المحروسة؛ ومسئولة عن العناية بإبراز دو الفن في “سياسة التعليم”؛ وأرى أن هذا المجال الحيوي يساعد الأطفال ـ من النشء وحتى تخطي سن المراهقة ـ في إعطائهم الفرصة الكاملة للتعبير عما يجول بخواطرهم ـ البكر ـ بشكلٍ أفضل من الكبار؛ لأن صفحة وجدانهم مازالت بيضاء من غير تلوث بالأفكار المتطرفة التي تموج بها مجتمعاتنا العربية منذ فترة ليست بالقصية من الزمن؛ وفي رأيي أن سياسة التعليم الموجهة إلى عالم الطفل والطفولة؛ لابد ألا يقتصر على زيادة الثقافة المعرفية في المجالات الفنية فقط؛ بل أرى أنه لابد من العمل على الإبداع من خلال علوم “الرياضيات”؛ حيث ان لغة العصر تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة التي أبهرت عالم الطفولة؛ وقامت بالعمل على دخولهم عوالم جديدة لم يحظ بها جيلنا ممن وصلوا إلى أعلى مراتب الدرجات العلمية والأكاديمية؛ ولكن علينا أن نأخذ بالأسباب لننهل من بحر العلوم التكنولوجية المتقدمة؛ لنكون أهلًا بالريادة والقيادة في محافل الدرس والتحصيل .
والأن .. لابد لنا من وقفة صريحة واضحة للمواجهة العملية لتعضيد وتأكيد دور الفن والإيمان بأهميتة وتأثيره الإيجابي على المجتمع؛ ولابد أن نؤمن أن هذا لن يتاتى إلا بالعمل على إشراك الشباب في صياغة القوانين المجتمعية ؛ وتعزيز هذا التفاعل في كل الأنشطة المتعلقة بالدرس والتحصيل والرسائل العلمية؛ وزيادة مساهمة العناصر الشابة الواعدة الواعية والمؤمنة برسالة الفن في الحياة؛ والمشاركة الجادة في المؤتمرات الشبابية التي تُعقد بين حين وآخر؛ والتي يأتي على رأسها القائد الوطني المُلهم الرئيس/عبد الفتاح السيسي؛ هذا القائد الذي يؤمن بدور الشباب في المستقبل الواعد لمصرنا المحروسة؛ ويحذر دومًا من استخدام الفن في النواحي التي تعمل على سلب الطاقات الإيجابية عند الشباب؛ وخطورة الفنون إذا مااستُخدمت في تعضيد كل مايضر بالفرد والمجتمع .. والدولة !
وهكذا .. يكون الفن ـ بالفعل ـ قاطرة المجتمع إلى التغيير المأمول .. لتظل مصرنا المحروسة في الطليعة دائمًا .. كما كانت في كل العصور !