بدون أقنعة

فلسطين فى القلب والوجدان

مؤمن خليفة
مؤمن خليفة

فى عام 2008 ذهبت إلى برشلونة فى الشمال الإسبانى فى رحلة استمرت نحو 12 يوما لحضور أحد المهرجانات الثقافية التى تندرج تحت سقف الصداقة الدولية بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط .. وعلى هامش هذه الاحتفالية الدولية تم توجيه الدعوة للمطرب اللبنانى الشهير مارسيل خليفة الذى أقام حفلا عظيما على مدار يومين .. كان اللافت للنظر حرص آلاف المغتربين العرب الذين يقيمون فى دول الاتحاد الأوروبى على حضور الحفل ودفع ثمن التذاكر وتكبد مشاق الانتقال إضافة إلى مشاركة كبيرة من الشباب الذين يحملون الجنسية الإسبانية والذين يمثلون الجيل الرابع والخامس من العرب الذين نزحت عائلاتهم إلى أوروبا قبل نحو 30 عاما أو يزيد وهم من مواليد إسبانيا لكنهم يرتبطون بالوطن الأم من خلال أهاليهم .. كثير من هؤلاء تحديدا يتحدثون العربية بصعوبة لكنهم يتابعون ما يجرى فى أوطانهم ويتابعونها عبر الأنترنت والاتصال مع ذويهم وأغلبهم من المغرب العربى وبعض الفلسطينيين الذين ذهبوا للعيش فى دول أوروبا .. بعض هؤلاء تعرفت عليهم خلال وجودى هناك وسمعت منهم الكثير من الحكايات عن أوضاعهم فى المهجر وكيف يتابعون بلدانهم الأصلية وبعضهم ذهبوا فى زيارات عند الأهل وأولاد عمومتهم .كثير من هؤلاء الشباب تخرجوا فى جامعات إسبانيا فى مختلف التخصصات أو يدرسون فى المدارس .. يسمعون عن فلسطين ويعرفونها جيدا من خلال الأهل والأصدقاء وهذا ظهر جليا فى حفل مارسيل خليفة الذى حضرته وأصابتنى دهشة غريبة وأنا أسمعهم يرددون أغنية الشهيد التى لا يعرفها الكثير من الشباب العربى .. فى الحفلين بدأ مارسيل يردد قصيدة الشاعر الفلسطينى الكبير سميح القاسم وهو صحفى فلسطينى شهير «منتصب القامة أمشى» وكانت المفاجأة التى أذهلتنى أن هناك آلافا من الحاضرين يرددونها خلفه بسهولة ولا يخطئون .. 
«منتصب القامة أمشى .. مرفوع الهامة أمشى .. فى كفى قصفة زيتون وعلى كتفى نعشى .. وأنا أمشى .. قلبى قمر أحمر.. قلبى بستان فيه  العوسج فيه الريحان .. شفتاى سماء تمطر ناراً حيناً .. حباً أحيان .. فى كفى قصفة زيتون وعلى كتفى نعشى وأنا أمشى وأنا أمشي» .
الأغنية الشهيرة عن فلسطين وشهداء فلسطين الذين سقطوا ضحايا وهم يقاومون المحتل الإسرائيلى .. من أين عرف هؤلاء ومعظمهم يتكلمون العربية بصعوبة أو بلكنة الخواجات هذه القصيدة أو الأغنية .
كانت الحناجر تهتف باسم فلسطين فى هذا البلد البعيد .. لم تشغلهم إقامتهم الطويلة فى بلاد المهجر عن قضية العرب والمسلمين الأولى ولما سعيت إلى تفسير ما رأيت كانت الإجابة عند واحد من هؤلاء الشباب الذى تخرج من قسم التصميم الهندسى ويحمل الجنسية الإسبانية ومولود فى برشلونة وهو مغربى الأصل الذى قال لى إنهم يتابعون محطات التليفزيون العربية ومنها مصر فى بيوتهم وهو جزء من طقسهم اليومى مع أهاليهم الذين يتحدثون معهم عن بلدانهم الأصلية .وتذكرت لقائى فى العاصمة الأردنية عمان مع سميح القاسم أحد رموز المقاومة الفلسطينية والذى يقيم فى مدينة الناصرة شمال إسرائيل ويحمل جنسيتها فى أحد أيام صيف عام 2001: « فلسطين فى قلوبنا لم ننسها يوما ولن يحدث .. هذه قضيتنا وهذه أرضنا ومعظم أشعارى إن لم تكن كلها عن الجرح الفلسطينى مع صديق عمرى الشاعر الكبير محمود درويش» .انتهى كلام سميح القاسم .
فلسطين لن تموت ولن تنتهى القضية وستظل فى الوجدان المصرى والعربى أغنية تتغنى بها كل الأجيال .. ولن تستطيع إسرائيل مهما حاولت أن تقضى على أحلام الفلسطينيين .