« المُقاوم الوليد» قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين أبوبيه

الدكتور محمد محي الدين
الدكتور محمد محي الدين

لأول مرة منذ أسابيع أمسك دفتر أوراقي وقلمي وهناك فكرة تطن برأسي لأكتبها ، لكني فشلت تماما في صياغتها ، فقد بهتت الأحداث الدائرة في فلسطين على خلايا عقلي وقلبي ومزقتها تمزيقا.

لكن قفزت شخصية القصة الرئيسية ويعلو وجهها الغضب ، ملامحها مكفهرة، صرخت:

(حررني من بين جنبيك وأطلق لي العنان)

 رافعة راية العصيان، تبوح بأسرارها،

 أنا صاحب هذه البلدة، الوحيد المتفرد بكل ما فيها لا ينازعني أحد في سلطانها ، فأنا نائبها بالبرلمان، الحل والعقد بيدي، أفعل فلا راد لقراراتي ولا اعتراض لحكمي، مَنْ يجرؤ ببث شبهة اعتراض يكون مصيره الويل وعظائم الأمور، يتلاشى دخان همسات المرجفين بسبيل إرادتي، عندما أأمر يُستجاب لي

 الهمهمات تسري بين باقي الشخصيات ماب ين مؤيد بشدة ومهلل وبين مَنْ يلوي شفتيه دونما أن ينبث بكلمة واحدة فالخوف يسكن الجسد والروح فيجعلها كدُمى ترتسم بالحزن ولا حِراك منها

الأحداث تتسارع ، والكل يقف على رجل واحدة من سخونتها، فقد طفقت الجرافات والبلدوزرات تخسف كل ما أمامها من مبان وتركمه على الأرض ، وصراخ المغلوبين على أمرهم لا يجدي نفعا في رد هذه الهجمات المدمرة ...

 

( النائب ) يقف وسط رجاله وشدقاه ينفرجان بابتسامة المنتصر في معركة هو فارسها الوحيد

 

 في مكان أخر وعلى بعد من ساحة ( النِزال)، عيون صارمة ترفض ما يحدث ولكن أياديها مكبلة بأغلال من الخزي والجبن، لا تستطيع أن تفعل شيئا وكل ما تفعله هو إزراف الدمع على الحال التي صار فيها كل شئ مباح حتى اغتصاب مكان يداوي الجراح ويطبب الأجساد المنهكة، بحجة أنه بالأساس ملك لأحد أجداد النائب، وببراعة اللصوص وحنكة المرتشين أخذ أوراقا تدل على الملكية المزيفة.

 انسحبت شعاعات الشمس آخذة معها الضياء؛ أحلت دياجي الليل البهيم لتكمل سواد الفعلة الشنعاء فقد أضحت البلدة بلا مستشفى والأطلال الباقية منها شاهدة على علو الطغيان وقسوة الأيام القادمة

 

 لم يتيسر لشخصية (المقاوم) أن تظهر فقد خضع الكل للأمر الواقع وارتضوا بما حدث من اغتصاب قطعة أرض المستشفى، والتي أضحت محلات ، عيادات خاصة، مكاتب محامين، شقق تؤجر بمبالغ باهظة

كل هذا يصب بجيوب السامق في مجالس الكبراء

 

 شذرات نارية انطلقت من بين السطور ، تلوح بالأفق،  دوت في الأرجاء

: أنا شخصية وليدة ، أحمل السلاح ولن أتركه، فقد تعلمت الدرس، لن أسمح باغتصاب آخر، رابض بلا خوف بلا خنوع، لن يضرني مَنْ يخذلني، وساعة الحسم ستجدني شامخ لا أتزحزح

 

أخذ القلم يتراقص بين أناملي وكأنه وجد ضالته التي كان يبحث عنها، وتتسابق داخلي مشاعر متضاربة، هل حقاً سيقوى هذا ( الوليد) على المقارعة أم أنها آمال ستُطوى في كبد الحياة؟