بستان الكتب : الأدب كصراع على طبيعة العالم

الأدب
الأدب

فى  كتابه «أوطان متخيلة» ، يكتب سلمان رشدى أن «الوصف فى  حد ذاته فعل سياسى»  ، ويستشهد على رأيه هذا بما كتبه الروائى الأفرو أمريكى ريتشارد رايت فى خطاب شهير موجه منه إلى وليام فوكنر: «الأدب صراع على طبيعة العالم».والمقصود هنا، من وجهة نظر رايت، أن هناك صراعًا بين الكُتَّاب الأمريكيين البيض والسود حول وصف طبيعة الواقع. 

هذا الكلام، ليس عما يُعرَف بالكتابة الوصفية، بل عن الكتابة باعتبارها وصفًا للعالم، بما فى ذلك الكتابة التي تبتكر عوالم بديلة أو تحيل الواقع إلى مجاز. فحتى الكتاب المعادون للكتابة الوصفية بشكلها التقليدى، ومَن ينظِّرون للكتابة باعتبارها اختراعًا لواقع موازٍ، وليست فقط مرآة تعكس الواقع وتصفه، لا يمكنهم الاستغناء عن الوصف كأداة أساسية من أدوات تجسيد تخيلاتهم فى أوصاف ومجازات وصور تقربها من القارئ بحيث يكاد يراها وينفعل بها ويتفاعل معها. وكل وصف للعالم على هذا المنوال ينطلق من رؤية أيديولوجية ما للعالم، والحديث هنا عن الأيديولوجيا بمعناها الأوسع.

لنتأمل مثلًا الطريقة التي يصف بها الروائى الفلسطينى الراحل إميل حبيبى جغرافيا فلسطين وطبوغرافيتها فى أعماله، وكيف يمكن أن يصف روائى إسرائيلى الأماكن نفسها. حتى لو يتطرق أيهما للسياسة من قريب أو بعيد فى وصفه، سنجد أن ثمة اختلافًا بل حتى صراعًا بين الحالتين.

اقرأ أيضا : مجلس القبائل والعائلات المصرية يدعم الأشقاء بـ «فلسطين عربية»

من هنا، الأدب ليس أمرًا هامشيًا فى  الصراعات السياسية أو العسكرية، بل هو فى صميمها، لأن الصراع فى أصله صراع سرديات ورؤى وحكايات مؤسِّسة.
هكذا يمكننا وضع ما شهدناه من محاولات مخزية، قامت بها جهات غربية موالية لإسرائيل مؤخرًا لإسكات الأصوات الفلسطينية، فى سياقه. فمعرض فرانكفورت الدولى للكتاب تخلى عن دوره الثقافى وحوّل نفسه إلى أداة لإسرائيل فى  عدوانها على الفلسطينيين حين ألغى حفل تسليم الروائية الفلسطينية عدنية  شبلى جائزة نالتها روايتها «تفصيل ثانوى»، وكذلك فعلت جهات أخرى فى الغرب مع كتاب فلسطينيين آخرين، لكن ما حدث جذب الانتباه أكثر إلى الأدب الفلسطينى المترجم، ولجأ إليه آلاف القراء ليتعرفوا على الصوت الفلسطينى المغيب عمدًا.