إنها مصر

الرئيس.. «طول البال»

كرم جبر
كرم جبر

بالقوة والحكمة والصبر، يتعامل الرئيس عبدالفتاح السيسى مع ضغوط هائلة قد لا تتحملها الجبال، وإذا كانت الدماء تغلى فى عروقنا ونحن نتابع ونشاهد -ومن بعض المعلومات المحدودة التى نعرفها- فما بالنا بالرئيس الذى يعرف الكثير والكثير، لكنه يتسلح بالحكمة والصبر والصمت أحياناً.

زعماء ورؤساء ومسئولون جاءوا من الغرب وعيونهم على سيناء، ولا يعنيهم إلا الدفاع عن إسرائيل ومصالحها، ولو كان ذلك حساب مصر وإجهاض القضية الفلسطينية.

وأثناء المؤتمرات الصحفية التى عقدها الرئيس مع زعماء الغرب، كنت ألمح وجوههم تكتسى بالألوان "الغامقة" كرد فعل لموقف الرئيس القوى والعبارات الحادة التى لا تقبل إلا معنى واحدا هو: حل القضية الفلسطينية على حساب سيناء لا ولن يكون أبداً، سيناء مصرية وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

 والصبر، لأن الرئيس باله طويل جداً وهو يستمع لمقترحات ومطالب وإغراءات، تلف وتدور وتختبئ حول التهجير، وكأن الأمن والاستقرار والسلام والبهجة ستعود للشرق الأوسط المضطرب، إذا غادر الفلسطينيون غزة إلى سيناء.

والصبر فى "إفهام" هؤلاء بأن السلام له بوابة واحدة هى حل الدولتين، لإعطاء الأمل للشعب الفلسطينى فى الحياة والمستقبل، ووقف رصيد الكراهية والرغبة فى الثأر والانتقام من إسرائيل بسبب جرائمها التى تعادى الإنسانية.

افهموا: أن إسرائيل تنصب المذابح للفلسطينيين منذ أكثر من 75 سنة، فلم ييأسوا ولم يسلموا أسلحتهم ولم يرفعوا الرايات البيضاء، وسوف يظلون كذلك لعشرات السنين القادمة، وانظروا لصورة الطفل الفلسطينى بالتيشرت والشورت، وهو ينظر بشجاعة وتحد للجندى الإسرائيلى الذى يتخفى وراء البدل الثقيلة المضادة للرصاص.

وانظروا: للمرأة الفلسطينية التى تودع شهدائها وفلذات أكبادها بالدعاء والصبر، وقلبها عامر بالإيمان بأن المولى عز وجل يشملهم بالرحمة والمغفرة، والإيمان مفتاح الصبر والنصر.

 وانظروا: لآلاف المنازل المنهارة بالقنابل والصواريخ، والتى تجافى أبسط مبادئ الإنسانية التى يتشدق الغرب بالدفاع عنها، ورغم ذلك فلم تغب نظرات الإصرار عن الوجوه والعيون، ولن تزيدهم رخات القنابل والصواريخ إلا عناداً وقوة.

هل يمكن مواجهة ذلك بمطالب هزلية مستحيلة يأتى بها الغرب حول التهجير إلى سيناء؟! وهل يتصورون أن إسرائيل ستنام مرتاحة إذا حدث ذلك؟
منطق الرئيس وقوة الحجج والأسانيد أقوى بكثير جداً من تعبيرات "الوجوه المصدومة" لزعماء ورؤساء جاءوا يحملون وجهة نظر إسرائيل، ويعتبرون "هجوم الأقصى" فى 7 أكتوبر هو الكارثة الكبرى التى لا تغتفر، بينما غزة التى تنهار كل يوم مجرد دفاع إسرائيلى عن النفس.

كنا نتحدث عن الكيل بمكيالين، ولكن الآن أصبح "الكيل بلا مكاييل" ولا قانون ولا إنسانية ولا قرارات دولية، وكأنها شريعة الغاب التى يأكل فيها القوى الضعيف.

وعندما يقول الرئيس إن القرار يجب أن يتسلح بالقوة والحكمة والصبر، فهو يلخص مخزون الخبرات المصرية المكتسبة، فالحروب للدفاع عن الأمن القومى المصرى فقط متى استدعت الضرورة ذلك، أما حروب الزعامة والشعبية والتوريط، فقد مضى عصرها.

ومن يدخل الحرب لا يعرف متى يخرج منها، خصوصاً حروب العصابات والشوارع والمدن المزدحمة، وهذا ما شرحه الرئيس بصبر وقوة وطول بال لزعماء الغرب، خصوصاً الرئيس الفرنسى الذى كان يفكر فى مد عمليات التحالف الدولى لتشمل حماس بجانب داعش.

يقولون: ليس القوى من يكسب الحرب وإنما الضعيف من يخسر السلام، وكان ضرورياً أن يعرف زعماء الغرب أن التصعيد سيدخل المنطقة فى نفق مظلم، لن يؤثر على دولها وشعوبها فقط، وإنما العالم كله وفى الصدارة إسرائيل، فغادروا مصر مؤمنين بأشياء لم تكن كذلك قبل أن يأتوا.