غلاء المهور وأضراره (٢)

صورة موضوعية
صورة موضوعية

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى هو بأمته رؤوف رحيم : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء “

وعن أنس بن مالك رضى الله عنه : أن النبى صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه وقال : “ لكنى أصلى وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتى فليس منى “ .

كثير من الناس اليوم قد لا يستطيع الزواج ، بسبب غلاء المهور ، والإسراف فى حفلات الزواج ، وهى مشكلة عريضة أضرت بالمجتمع ، وحصل بسببها من الظلم للفتيان والفتيات، ولم يؤثر عن النبى صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه ، أو التابعين لهم بإحسان ، أنهم تغالوا فى المهور ، بل ورد فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد ، وفى رواية للترمذى : “ إذا خطب إليكم من ترضون دينه ، وخلقه ، فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد عريض “ , وقال عليه الصلاة والسلام : “ إن أعظم النكاح بركة ، أيسره مؤونة .

اقرأ ايضاً| المفكر محمد سليم الندوي: علاقات مصر والهند متميزة وتنحاز إلى قضايا الشعوب| حوار

وكان صداق أزواج النبى صلى الله عليه وسلم وبناته فى حدود خمسمائة درهم ، وزوج امرأة على رجل فقير ليس عنده شيء من المال ، بما معه من القرآن ، بعد أن قال له : “ التمس ولو خاتماً من حديد “ ، فلم يجد شيئاً وتزوج عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه امرأة على وزن نواة من ذهب .

 والله تعالى يقول : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا } 

وليس من الحكمة ، ولا من المصلحة ، التغالى فى المهور ، والإسراف فى حفلات الزواج ، وطلب الأولياء من المتزوج الأموال الباهظة ، التى يعجز عنها الكثير من الناس اليوم ، فيقعون فى الدين والسلف ، مما يكون سبباً للحرمان من الزواج ، وتأيم الفتيان والفتيات .

والمغالاة فى المهور يجعل الزوجة كأنها سلعة ، تباع وتشترى ، مما يخل بالمروءة ، وينافى الشيم ، ومكارم الأخلاق .

وعلى أولياء الفتيان والفتيات ، تخفيف المهور ، وتيسير سبل الزواج ، ومراعاة حال الشباب اليوم ، ومواساتهم ، وعدم الطمع والجشع وتزويج الأيامى بما يتيسر ، وبذلك يتحقق التكافل الاجتماعى ، والتضامن الإسلامى ، وتسود الأخوة والمحبة والتعاون بين المسلمين ، الذين هم كالجسد الواحد ، وكالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضاً .

من المعلوم أن النكاح من سنن المرسلين قال تعالى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } ، وقال تعالى : «وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ» 

وقال النبى صلى الله عليه وسلم : “ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” ، وقال عمر رضى الله عنه : ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه ، ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتى عشرة أوقية .

وروى الإمام أحمد والبيهقى والحاكم : أن من يمن المرأة ، تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها ، ومع هذه السنة الواضحة الصريحة من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله ، فقد وقع كثير من الناس فيما يخالفها .

وينبغى لعلماء المسلمين وأعيانهم أن يعتنوا بهذا الأمر ، وأن يجتهدوا فى أن يكونوا أسوة حسنة لغيرهم ، لأن الناس يتأسون بهم ويسيرون وراءهم فى الخير والشر ، فرحم الله امرأً جعل من نفسه أسوة حسنة ، وقدوة طيبة للمسلمين فى هذا الباب وغيره ، ففى الحديث الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : من سن فى الإسلام سنة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً “.

قال ابن القيم : “ فتضمنت هذه الأحاديث أن الصداق لا يتقدر أقله ، وأن قبضة السويق وخاتم الحديد والنعلين يصح تسميتها مهراً ، وتحل بها الزوجة ، وتضمنت أن المغالاة فى المهر مكروهة فى النكاح ، وأنها من قلة بركته وعسره .

استحباب الاقتصار على صداق النبى  لمن قدر على بذله:

قال النووى فى شرح حديث عائشة عند مسلم فى صداق النبى صلى الله عليه وسلم لأزواجه المتقدم ذكره استدل بهذا الحديث على أنه يستحب كون الصداق خمسمائة درهم “ 

وقال ابن قدامة فى المغنى : “ لا تستحب الزيادة على هذا ، أى على صداق النبى صلى الله عليه وسلم ، لأنه إذا كثر ، ربما تعذر عليه ، فيتعرض للضرر فى الدنيا والآخرة “ .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما فى الاختيارات : “ كلام الإمام أحمد فى رواية حنبل ، يقتضى أنه يستحب أن يكون الصداق أربعمائة درهم ، وهذا هو الصواب مع القدرة واليسار ، فيستحب بلوغه ولا يزاد عليه “ 

إنكار الزيادة على المقدار المناسب :

روى مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : إنى تزوجت امرأة من الأنصار ، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : “ هل نظرت إليها ، فإن فى عيون الأنصار شيئاً ؟ قال : قد نظرت إليها ، قال : على كم تزوجتها ؟ “ قال : على أربع أواق ، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : “ على أربع أواق ؟ “ ، كأنما تنحتون الفضة من عُرْض هذا الجبل ، ما عندنا ما نعطيك ، ولكن عسى أن نبعثك فى بعث تصيب منه “ قال : فبعث بعثاً ، وبعث ذلك الرجل فيهم “ .

قال النووى فى شرح مسلم : “ معنى هذا الكلام : كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج “ .

واستدل النووى بهذا الحديث على أن استحباب كون الصداق خمسمائة درهم إنما هو فى حق من يحتمل ذلك ولا يجحف به .

وقال أبو المحاسن يوسف بن موسى الحنفى فى “المعتصر من المختصر من مشكل الآثار : “ الحق أن الإنكار على من زاد على المقدار الذى يناسب حاله وحالها لأنه من الإسراف المذموم ، لا عن مطلق الزيادة فإنها مباحة “ .

وقال القرطبى : “ هو إنكار بالنسبة إلى هذا الرجل ، فإنه كان فقيراً فى تلك الحالة ، وأدخل نفسه فى مشقة تعرض للسؤال بسببها ، ولهذا قال : ما عندنا ما نعطيك  ثم إنه صلى الله عليه وسلم لكرم أخلاقه ، جبر انكسار قلبه بقوله : «ولكن عسى أن نبعثك فى بعث  أى سرية للغزو  فتصيب منه فبعثه» .

ومن أحاديث الباب ما رواه أحمد والطبرانى فى الكبير والأوسط والحاكم فى المستدرك عن أبى حدرد الأسلمى أنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم يستعينه فى مهر امرأة قال : “ كم أمهرتها ؟ “ ، قال : مائتى درهم ، قال : “ لو كنتم تغرفون من بطحان ما زدتم “ .

ما يشترط لجواز إكثار المهر بدون كراهة :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : “ لو قيل أنه يكره جعل الصداق ديناً ، سواء كان مؤخر الوفاء وهو حال ، أو كان مؤجلاً لكان ، متجهاً لحديث الواهبة .

قال : “ والصداق المقدم ، إذا كثر وهو قادر على ذلك لم يكره ، إلا أن يقترن بذلك ما يوجب الكراهة من معنى المباهاة ونحو ذلك ، فأما إذا كان عاجزاً عن ذلك كره ، بل يحرم إذا لم يتوصل إليه إلا بمسألة أو غيرها من الوجوه المحرمة ، فأما إن كثر وهو مؤخر فى ذمته ، فينبغى أن يكره هذا كله ، لما فيه من تعريض نفسه لشغل الذمة “ 

وقال أبو بكر بن العربى فى أحكام القرآن :  «وقد تباهى الناس فى الصدقات حتى بلغ صداق امرأة ألف ألف ، وهذا قل أن يوجد من حلال “ .

وقال ابن قدامة فى المغنى : “ لا تستحب الزيادة على هذا _ أى على صداق النبى صلى الله عليه وسلم _ لأنه إذا كثر ، ربما تعذر عليه ، فيتعرض للضرر فى الدنيا والآخرة “ .

شروط صحة كثرة المهر :

مما سبق بيانه من أقوال أهل العلم نستفيد أن هناك شروطاً لجواز كثرة المهر وهى كما يلى :

 أن لا يكون الصداق كله ديناً :

وسيأتى بيان لهذه النقطة بعد قليل .

 أن لا يقصد الشخص بالإكثار المباهاة :

بل أصبحت المباهاة اليوم بكثرة المهر هى الشغل الشاغل لكثير من بيوت المسلمين ، تباهى الناس بكثرة مهر الفتيات ، حتى أضحوا يتحدثون بها فى المجالس ، زوجت بنتى بكذا وكذا من المهر ، والآخر يقول : فقط ؟ أنا زوجت بنتى بأكثر من ذلك ، وكذلك النساء فى مجالسهن ، يتباهين بكثرة المهر ، ومن المعلوم أن كثرة المهر ، ليست رفعة فى درجات العبد ، وليست قربة يتقرب بها إلى الله عز وجل ، وليست سبيلاً إلى الجنة ، بل ربما كان النقيض هو الصحيح ، حتى أصبح لدينا أكثر من ثلاثة ملايين عانس اليوم ، بسبب هذا الجهل العميق ، الذى ضرب أطنابه فى جذر قلوب أولئك الرجال والنساء ، من باب المفاخرة والمباهاة ، ومن باب الطمع والجشع .

القدرة واليسار :

القدرة واليسار اليوم لم تعد موجودة إلا عند القليل من الناس ، وإلا فغالب أفراد المجتمع يقبع تحت وطأة الدين ، للشركات والمؤسسات والبنوك ، فقلما تجد إنساناً سالماً من الدين ، ومن الخطورة أن يبدأ الشاب والشابة مشوارهما بالدين ، ففى هذا خطورة على دين المسلم أولاً وآخراً ، لأن ذمته ستكون مشغولة بهذا الدين أمام الله تعالى ، ثم سيقلقه فى كل أحيانه ، وربما يفقد طعم الحياة بسبب الدين ، وربما أدى الدين إلى نفوره من زوجته وأهلها ، لأنهم هم سبب الدين ، بكثرة المهر ، والإرهاق بكثرة الطلبات التى توائم الزواج .

لكن إذا كان الإنسان مقتدراً ويملك من الأموال ما يملك ، فلا بأس أن ينفق بما يناسب حاله ، لأن من يملك الملايين ، يستحيل أن يدفع مهراً قليلاً ، أو يقيم الزواج فى استراحة مثلاً ، فهذا حسب قدرته وطاقته المالية .

أما عامة الناس فلا يجوز لهم أن يقلدوا من هم فوقهم من أهل الغنى والأموال ، فهذا لا يجوز ، بل على المسلم أن يتق الله تعالى فى نفسه وأهله ، وان يتق الله تعالى فى أولئك الشباب الذين لا يجدون وظائف اليوم .

أن لا تكون الطريق التى يتوصل بها إلى الصداق محرمة :

الغالب أن الشباب اليوم يلجئون إلى البنوك ، لإجراء عمليات ربوية ليس عليها غبار ، كل ذلك بسبب كثرة المهور ، والمغالاة فيها ، دونما أى سبب يذكر أو يُاشر إليه ، فيوقعون الشباب والشابات فيما لا تحمد عقباه من الانحراف والشذوذ ، ومغبة ذلك كله ، تعود إلى الآباء والأمهات ، الذين لا يخافون الله ولا يتقونه ، بل هم أحدهم المال ، يجمعه من أى مكان وأى طريق ، وقد جاءت النصوص الشرعية بتحريم ذلك .

أن يكون الصداق كله من الحلال :وهذه النقطة تتحدث عنها النقطة التى قبلها .

واخيراً أقول وأوجه النداء

إلى كل مسلم ومسلمة :

إن أعداءنا من اليهود والنصارى يخططون لأن يكون فى بلاد المسلمين جيش من النساء بلا رجال حتى تنتشر الرذيلة وتعم الفاحشة بشتى أنواع الطرق والوسائل ليفسدوا علينا ديننا ودنيانا فهل أنتم مستيقظون .

علينا أن نعى هذه الأمور جيدا وألا نشق على أانفسنا ونتعنت من أاجل أمور فانية فاللهم ردنا إليك ردا جميلا 

نفعنا الله واياكم وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.