إنها مصر

«تسويق الوحشية» !

كرم جبر
كرم جبر

نجحت إسرائيل فى «تسويق» وحشيتها على أنها دفاع مشروع عن النفس، ونجحت أيضاً فى تشويه صورة المقاومة على أنها أعمال إرهابية، وانحازت الدول الغربية للقاتل ولم تتعاطف مع الضحية.

وضرب مجلس الأمن بالإنسانية عرض الحائط، ورفض إصدار قرار بالسماح بعبور المساعدات الإنسانية المكدسة فى العريش، بينما يموت المدنيون من الجوع والعطش، ويعانون أوضاعاً مأساوية بسبب الحصار الإسرائيلى.

الإخراج الإعلامى الإسرائيلى للأحداث أكثر حنكة ومهارة، فقد صورت للعالم أنها حمل وديع يتعرض للموت من وحش مفترس، واستخدمت كل وسائل الخداع الإعلامى لتكريس الصورة الذهنية بأن حماس جماعة إرهابية تقتل النساء والأطفال وتهدد حياة المدنيين.

واستغلت إسرائيل الفيديوهات والصور التى بثتها حماس عن الساعات الأولى لطوفان الأقصى أسوأ استغلال، ونشرتها على نطاق واسع فى وسائل الإعلام العالمية، وسط صراخ واستغاثة بأن «جماعة إرهابية» تقتحم بيوتهم وتهددهم بالفناء.

ونفذ التأثير الإعلامى الإسرائيلى إلى الغرب على جميع المستويات، من البشر العاديين إلى قادة هذه الدول، فسمعنا وزير الخارجية الأمريكى يقول بحزن أثناء لقائه مع الرئيس عبد الفتاح السيسى «أنا إنسان يهودى»، وكأنه يعيد إلى الأذهان مأساة اليهود.

وكان رد الرئيس السيسى قاطعاً وحاسماً عندما قال له وأنا مواطن مسلم، وكان اليهود يعيشون بجوارنا ويتمتعون بكافة الحقوق التى يتمتع بها المسلمون، ولم يتعرضوا لأى ظلم أو اضطهاد.

وسارع قادة وزعماء الغرب بالتواصل مع قادة إسرائيل، وإبداء استعدادهم لتقديم العون والدعم العسكرى، وهرع الرئيس الأمريكى إلى المنطقة ليطمئن على إسرائيل بالدرجة الأولى، ثم التفاوض مع بعض زعماء المنطقة لإدخال المعونات الإنسانية إلى غزة.

يحدث ذلك لأن إسرائيل هى «بنت الغرب»، ويضم شعبها قائمة طويلة من المهاجرين الغربيين، علاوة على سيطرة اللوبى اليهودى على كبريات وسائل الإعلام العالمية.. وبمعنى أدق «إسرائيل جزء من الجسد الغربى».

والجانب الآخر يكمن فى أسلوب الدعاية الإعلامية، وشتان بين إعلام «الخطاب العاطفى»، بهدف شحذ حماس الجماهير «إعلام التصفيق»، وبين إعلام تحركه مؤسسات ضخمة وأموال طائلة وخطط مدروسة للتأثير على دوائر صنع القرار فى العالم.

نجح الرئيس الراحل أنور السادات فى التفاعل مع الإعلام الغربى الأمريكى بشكل كبير، لأنه تعامل معهم بلغتهم، وكانت مفردات لغته قوية ومباشرة ومؤثرة، لدرجة أن بعض الأمريكيين قالوا على سبيل المزاح أن السادات لو خاض انتخابات الرئاسة الأمريكية لفاز بها.

وعبرت وسائل الإعلام الغربية، عن إعجابها بالطريقة التى أدار بها الرئيس السيسى الحوار مع وزير الخارجية الأمريكى، حواراً مفتوحاً لوسائل الإعلام، وعبارات محترمة وقوية تلخص موقف دولة كبيرة تقدر حجم المخاطر التى تهدد المنطقة.