فى الصميم

أكاذيب إسرائيل.. وبوارج أمريكا!

جلال عارف
جلال عارف

ماذا بعد أن إفتضحت أكذوبة قيام المقاومين الفلسطينيين بقطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين؟! تلك الأكذوبة التى روج لها المسئولون الإسرائيليون وعلى رأسهم نتنياهو نفسه، والتى تبناها الكثيرون فى العالم الغربى وفى مقدمتهم الرئيس الأمريكى بايدن، وبنوا عليها أكثر المواقف عداء للفلسطينيين وتأييداً لإسرائيل.

البيت الأبيض اعترف بالخطأ، لكنه لم يعتذر للفلسطينيين ولا حتى للأمريكيين أنفسهم الذين رأوا رئيسهم يتبنى رواية كاذبة بهذا القدر، ثم يرد السبب إلى أن الرئيس الأمريكى استقى معلوماته غير الصحيحة من المسئولين الإسرائيليين (فيما يبدو إشارة لنتنياهو نفسه الذى تحدث هاتفيا مع بايدن ٤ مرات خلال خمسة أيام).. ولاشك أنه عذر أقبح من ذنب حين يبنى رئيس أكبر دولة فى العالم مواقفه على أكاذيب وهو يملك كل مصادر المعلومات فى العالم.

وهو أيضا ـ بخبرته الطويلة فى السياسة الخارجية ـ يعرف أن شهرة نتنياهو حتى بين أشد أنصاره.. أنه الكاذب الأكبر!!

المثير للدهشة أن الرئيس بايدن كان يتحدث عن هذه الواقعة الكاذبة فى وقت كانت حرب الإبادة الإسرائيلية قد حصدت أرواح ٢٥٠ طفلاً فلسطينياً فى يومين (تضاعف العدد الآن) ولكن بالطبع لم تكن مصادره الإسرائيلية قد قالت له شيئا عن ذلك(!!).. كما لم تنشط ذاكرته بالطبع بما ارتكبته إسرائيل من مذابح بدءاً من دير ياسين وكفر قاسم وحتى اليوم.. ليس بحق أطفال فلسطين فقط، ولكن بحق الأطفال فى كل دولة تتصدى لجرائمها.. وليست مذبحة مدرسة بحر البقر عندنا إلا مثالاً واحداً من جرائم أخذنا الثأر منها فى أكتوبر المجيد.

أكذوبة قطع رءوس الأطفال ليست إلا مثالاً واحداً على طوفان الأكاذيب التى بنيت عليها دولة إسرائيل ومازالت تعيش!!.

والكشف السريع عنها كفيل بأن تعيد حكومات العالم الغربى تقييم مواقفها المنحازة لإسرائيل.. نفاقاً أو انتهازية أو هروباً من المسئولية عن جريمة كبرى كانوا شركاء فيها منذ وعد بلفور وحتى الآن!!..

وحين يقول الرئيس بايدن أخيراً إنه أبلغ نتنياهو بضرورة العمل وفق قوانين الحرب.. فهذا يعنى بوضوح أنه ـ والحمد لله ـ قد عرف أخيراً أن كل ما تفعله إسرائيل هو ضد قوانين الحرب، وأيضاَ ضد قوانين السلام(!!) ومع ذلك لم يقل كلمة إدانة لمنع المياه والغذاء والدواء والكهرباء عن أكثر من ٢ مليون فلسطينى فى غزة، ولا عن مسئولية دولة الاحتلال عن تأمين حياتهم وليس التخطيط لإبادتهم أو تهجيرهم!!

الحقيقة التى يتهرب منها الغرب (لأنه أحد المسئولين عنها) هى أننا أمام دولة قامت على الأكاذيب ومازالت.. لكنها الآن تكذب ولا تتجمل فى حماية من يدعمونها بكل شيء: المال والسلاح والبوارج وحاملات الطائرات.. و«الفيتو» الذى يمنع العالم من فرض العدالة وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، والذى يحرص على أن تظل الدولة النووية الوحيدة فى المنطقة تمثل دور الضحية وهى تحتل أراضى ثلاث دول عربية ولا تخفى أطماعها فى المزيد من التوسع وبناء ما تسمية «إسرائيل الكبرى»!.

ومرة أخرى نعود للرئيس بايدن الذى يقول فى آخر تصريحاته إن واشنطن «تسعى لإنهاء الازمة الحالية بطريقة تضمن عدم تكرارها».. والسؤال هنا هو: أى طريقة ترى أمريكا أنها قادرة على منع تكرار الازمات واندلاع الحروب وانتشار الدمار فى المنطقة؟.. هل هو الطريق الذى يترك إسرائيل تغتال الأرض الفلسطينية، وتبنى المستوطنات، وتخير الفلسطينيين بين القتل أو قبول التهجير؟!.. أم هو الطريق الآخر الذى يتوهم أن فرض التطبيع المجانى (أو الابراهيمى!)  على الدول العربية سيتمكن فى النهاية من تصفية القضية الفسطينية؟!.. أم أنه قد آن الأوان للعودة للطريق الذى لا بديل عنه وإلا المزيد من الحروب التى لم تقتصر على أرض فلسطين ولا حتى على الشروق الأوسط وحده.

والطريق الذى لابديل عنه هو الاعتراف من الجميع (وفى المقدمة أمريكا نفسها) بأنه لا بديل عن إنهاء الاحتلال الإسرائيلى وتطبيق القرارات الدولية، واستعادة الشعب الفلسطينى لحقوقه الكاملة وأولها حقه فى تقرير مصيره وإقامة دولته مستقلة وعاصمتها القدس العربية.. وبدون ذلك لن تنعم إسرائيل بالأمان ولو حرستها كل سفن البحرية الأمريكية، ولن يتحقق الاستقرار فى المنطقة، ولن تتأمن مصالح العالم.

الولايات المتحدة أرسلت إلى المنطقة حاملات الطائرات الأكبر فى اسطولها، وأرسلت أيضاً وزير خارجيتها الذى أعلن انحيازه الكامل للرواية الإسرائيلية، وروّج لكل أكاذيب نتنياهو، معلناً أنه جاء كيهودى وليس كوزير لخارجية أمريكا، ومتحدثاً عن زوج أمه الذى نجا من مذابح هتلر التى يراد لشعب فلسطين أن يدفع ثمنها بلا ذنب (!!) يبدو أن مهرجان النفاق الدولى سيستمر طويلاً، وتستمر معه إسرائيل فى ارتكاب جرائم الحرب.. بمباركة من بدأوا المأساة ومازالوا مصممين على استكمالها!!