مع بداية العام الدراسى .. محاكم الأسرة تمتلئ بدعاوى المصاريف المدرسية بسبب «عند» الآباء

محاكم الأسرة
محاكم الأسرة

 هبة عبد الرحمن

 في الوقت الذى يستعد فيه ملايين الاسر لاستقبال عام دراسى جديد، وتجهيز وشراء المستلزمات الدراسية؛ هناك أطفال آخرون يشعرون بالحاجة وفقد السند، ليس لموت احد الوالدين ولكن بسبب انفصال الأب والأم، واصرار الاب على اذلال الام بعدم دفع النفقات الخاصة بالدراسة، ولم تجد الام سبيلا سوى محاكم الاسرة لطلب حقها في نفقة المدارس، لتفاجأ أن القانون لا يلزم الاب سوى بدفع مصروفات المدرسة فقط أما باقى النفقات من زي مدرسى وكتب وخلافه، فلا يلزم الاب بها، وكأن القانون يساند الاب ليخرج لأسرته لسانه وهو يقول للام «اتصرفي انت» أو يقول للابن «ابحث لنفسك عن أب آخر ينفق على تعليمك»، ومع انطلاق كل عام دراسى جديد تنطلق معه قضايا المصروفات المدرسية، وتمتلأ أروقة المحاكم بمئات الامهات اللاتى يطالبن بالولاية التعليمية أو دعوى مصروفات مدرسية، في مشاهد مأساوية تدمي القلوب، بسبب اصرار بعض الازواج على إيذاء زوجاتهم متناسين أبنائهم الصغار الذى يدفعون الثمن بينهم، شعور بالإهانة والعوز والحاجة والاحساس يشعر به الابن وأنه الاقل بين زملائه، وفى السطور التالية نروى تفاصيل بعض القضايا كما جاءت على لسان أصحابها، ونعرض الرأى القانونى للمشكلات المتعلقة بقضايا المصروفات الدراسية واقتراح بعض الحلول لها.

بداية تقول «نورهان» 38سنة ربة منزل، من امام محكمة اسرة القاهرة الجديدة بعد أن أقامت دعوى المصروفات الدراسية لطفليها: يمتلك زوجى مصنعين فى إحدى المناطق الصناعية الكبرى، واشترط على الجلوس فى المنزل وعدم الخروج للعمل، كان ينفق علينا فى الشهر أكثر من 40 ألف جنيه، ألحق طفليه فى مدرسة انترناشيونال، باختصار كنا نعيش حياة رغدة وهادئة ومستقرة لا يعكرها شيء، سوى انشغال زوجى الدائم وكنت ابرر لنفسى انه يعمل من اجلنا، لكن فضحته الصدفة واكتشفت خيانته لى، ليس مرة واحدة وإنما مرات إلى أن عثرت فى جيبه على عقد زواج عرفى حتى يحلل به علاقاته المشبوهة، وعندما واجهته انكر فى البداية لكنه عاد ليعترف مع الوعود بعدم تكرار الغلط، لكن بعد مرور أكثر من خمس سنوات من الصبر اكتشفت خيانته مرة اخرى، طلبت منه الطلاق، وهنا كشر عن انيابه وقال لى؛ «طالما مش عجبك خيانتى روحى للمحكمة واللى هيحكم بيه القاضي هدفعه»، ورغم محاولاتى للوصول لاتفاق ودى على الطلاق والحصول على حقوق ابنائي لكنه رفض، وللاسف عندما ذهبت للمحكمة حصلت على نفقة زوجية لي وللصغار بنوعيها قدرت جميعها بمبلغ 3 آلاف جنيه فقط، الكارثه أجرى الآن للحصول على  المصروفات المدرسية، لأكتشف أن محامى زوجى قدم للمحكمة عقودا مزيفة ببيع المصانع التى يمتلكها بسبب إفلاسه وانه عاطل عن العمل، وليس له دخل سوى مبلغ 2500 جنيه فقط.

تداينت من اجل دفع مصاريف المدرسة الانترنشيونال الباهظة، ولا اعرف من أين آتى بالمال، أو حتى أنفق على أبنائي، رغم انى من اسرة ميسورة الحال، لكن ابنائي اعتادوا على حياة معينة، او اعيش مجبرة مع زوجى الخائن.

وبدموع عينيها تقول «زينب» ام للطفلين تعمل فى شركة خاصة:حصلت على الطلاق من زوجى وعمر ابنى الصغير لا يتعدى شهور قليلة، فهو لا يعرف حتى شكل ابنتى الكبرى التي كانت متعلقة به وعمرها 5 سنوات وكنا ألحقناها في مدرسة خاصة، وبعد الطلاق دفع لها والدها العام الدراسى الثانى بعد تدخل المعارف، لكن بعد ذلك رفضت ماما وتحملت نفقتها العام التالي له خاصة بعد أن اقمت دعوى دفع مصروفات وقدمت ما يثبت دخل طليقي، لكنى وجدت نفسى من جلسة لأخرى ومن تأجيل إلى تأجيل، حتى أدركت انى دفعت الكثير من المال وأضعت الوقت والجهد، وفي النهاية وجدت ان ابنى الصغير سنه وصل للتعليم، فقمت بتحويل ابنتى إلى مدرسة حكومى كما قدمت لابنى الصغير فى نفس المدرسة، وللاسف اكتشفت انهما يحتاجان دروسا خصوصية لكن من أين ادفع، وعلمت من المحامى، أن الاب غير ملزم بتلك المصاريف.

أما «عبير» وهي أم لطفلة واحدة وتعمل موظفة فى إحدى المدارس الخاصة فتقول: مشكلتى لا تقتصر فقط على المصاريف الدراسية بقدر ما هي متعلقة بحالة ابنتى النفسية، لقد قررت ترك عملى القديم الذى كنت احبه وعملت مشرفة فى المدرسة الخاصة حتى احصل على خصم لابنتى، وادخرت المال وعملت فى أكثر من وظيفة حتى اوفر لها كل ما تحتاجه، بمجرد إدراك أن والدها وصل عناده معي إلى امتناعه عن الإنفاق على تعليمها، رغم أنه تزوج من اخرى وانجب منها، وينفق عليها وألحق ابنه  بأفضل المدارس، مما انعكس هذا على حالة ابنتى النفسية، وكلما تكبر ويزداد وعيها يزداد حزنها، لدرجة أن الاخصائية الاجتماعية طلبت مني العام الماضي الاهتمام بابنتي لأنها ترسم اشكالا مخيفة فى كراستها، حاولت بالهدوء التحدث إلى والدها وطلبت منه يشعرها بخوفه عليها ويشترى لها ما تحتاجه من مستلزمات ويذهب اليها حتى ولو مرة فى المدرسة مثلما يفعل كل أب، لكنه لم يفعل هذا وأهانني هو وزوجته.

عوار فى القانون

بسؤال المستشارة القانونية آية هزاع المحامية بالاستئناف العالى ومجلس الدولة عن القضايا المتعلقة بتعليم الابناء أجابت قائلة:الأم سواء مطلقة أو لازالت على ذمة زوجها، من حقها تقيم دعوى مصروفات دراسية، ومشكلة هذه الدعوى للاسف أن القانون يلزم الام أن تدفع أو تسدد كامل المصروفات الدراسية سواء مدرسة حكومية او خاصة أو انترناشيونال، وبعدها ترفع دعوى بموجب ايصال الدفع، وبالطبع هذا الامر عائل بالنسبة لعدد كبير من الامهات لعدم مقدرتهن المادية على دفع مصروفات المدرسة، كما إن هناك الكثير من العقبات التى تواجه الامهات فى هذا القانون؛ الكثير من القضايا لا يتم الحكم فيها بكامل المبلغ ولكن يتم الحكم فى نصفه فقط، لان الحكم يترتب على دخل الزوج، وللاسف الآباء يستخدمون كل الألاعيب الممكنة لاظهار عدم قدرتهم المادية أمام المحكمة وبالتالى يحكم بنصف المبلغ المطلوب، الفكرة فى تلاعب الطرف الآخر والقاضى ليس له سوى الاوراق التى يحكم من خلالها.

المشكلة الثانية أن تلك القضية تنظر امام المحكمة لأكثر من ستة أشهر، وقد تستمر لمدة عام؛ فتجد الامهات يتقدمن بدعوى للحصول على مصروفات مدرسة ابنها للصف الثالث الابتدائى مثلا، وتحصل عليه وهو فى الصف الخامس الابتدائى، وهذا يسبب الكثير من المشكلات والازمات لمئات الامهات وابنائهن.

من الكوارث الموجودة ايضا فى هذا القانون، أن الأب غير ملزم بالنفقات الخاصة بالزى المدرسى أو الكتب الدراسية او «الباص» مواصلات المدرسة أو الكتب الخارجية أو الدروس الخصوصية، غير ملزم بكل هذه الامور المتعلقة بالعملية التعليمية، ولا يلتزم سوى بالمصروفات المدرسية فقط والتى كما ذكرنا من قبل، لا يتم الحكم فى الكثير من الاحيان إلا بنصف المبلغ فقط، وذلك لان الام تكون قد حصلت على حكم سابق بنفقة بنوعيها من مأكل وملبس ومشرب، وما يثير الدهشة أن الزى المدرسى تابع لتلك النفقة، هل يتخيل احد انه حتى ملابس العيد تكون تابعة للنفقة بنوعيها، والسؤال كيف لأم تحصل على نفقة من بنك ناصر تقدر بـ 500 جنيه فقط تتحمل منها دفع مأكل وملبس وزى مدرسى.

وتقترح المستشارة آية هزاع كلامها لحل هذا العوار الموجود فى القانون المرتبط بالمصروفات الدراسية، وقبل خروج قانون الاحوال الشخصية الجديد للنور؛ اولا يجب عمل ملف واحد لجميع النفقات تنظر جميعها امام دائرة واحدة وقاضى واحد، وذلك حتى يكون ملم بالحالة المادية للزوج، لانه سيكون معروف عمل الزوج ودخله، لان كل قضية تخص النفقة تقيمها الزوجة تكون منفصلة عن بعضها وامام قاضى مختلف ودائرة اخرى، وكل مرة يكون على الام إثبات دخل الزوج.

الامر الثانى الذى يجب أن ينتبه اليه المشرع؛ بدلا من أن يعطى القاضى تصريحا بالتحرى واستخراج مفردات مرتب الزوج سواء كان موظف حكومى أو فى القطاع الخاص، وهناك بعض الجهات الخاصة وليست الحكومية، يقومون بمجاملة زميلهم على حساب الام وأبنائها، فيقدمون مفردات بأساسى المرتب فقط غير شامل العلاوات أو الحوافز، وهناك ازواج يكونون اصحاب املاك وشركات ويبيعونها بعقود صورية لاشخاص وهميين حتى يقلل النفقة المحكوم بها عليه؛ لذا لابد أن تكون الدولة هى المسئولة عن اثبات دخل الزوج من خلال جهات عمله أو أملاكه والتى من المؤكد أن لها اوراق رسمية موثقة لدى الدولة، وذلك حتى لا يكون هناك تلاعب من جانب الأزواج.

الامر الثالث يجب سرعة التقاضى فى الدعاوى، فالامهات يدخلن الى المحكمة لطلب النفقة ويدورن فى دائرة تستمر لسنوات بين اثبات دخل الزوج ثم يحكم لهن بنفقة بعد عدد كبير من الجلسات ورغم ان المبلغ يكون قليل إلا أن الزوج يقوم بعمل معارضة واستئناف على الحكم لتقليل النفقة، لتعود للنظر بعد عدة جلسات اخرى وتجد الام في النهاية تدفع الكثير دون أن تحصل على شيء فى النهاية.

وتنهى المستشارة آية هزاع اقتراحاتها قائلة: أيضا نحتاج في قانون الاحوال الشخصية الجديد مادة تلزم الاب بمصاريف الكتب الدراسية و»اليونيفورم» الزى المدرسى والكتب الخارجية ومجموعات التقوية التى يحتاجها ابنه، لانه فى نهاية المطاف ابنه ومهما وصلت الخلافات بينهما لا يجب أن يكون الطفل طرفًا فيها، والجميع يدرك انه مهما كانت تعمل الام أو تحصل على راتب فهذا لا يكفى ابدًا لتحمل كل هذه النفقات بمفردها خاصة اذا كان لديها أكثر من طفل، ولا احد يشعر بمعاناة هذه الامهات فى المحاكم.

اقرأ أيضًا : مدمنون ومرضى نفسيون| ثمن الطلاق يدفعه الأبناء


 

;