«حِرَاءُ» قصيدة للشاعر محمد يونس

الشاعر محمد يونس
الشاعر محمد يونس

حِرَاءٌ لَمْ يَزَلْ نُورًا حِرَاءُ

فَلو جرّدتَ مِن دُنْيَاك رُوحَاً

لأبْصَرْتَ الرِّسَالةَ فيه وَحْيًا

تَراتيلا تنزَّه عَنْ شَريكٍ

تعالى اللهُ فيها شَفِ نُورًا

سَرَى الزيتُونَ في مَجْلاهُ زيْتَا

تَرَى نُورًا عَلَى نورًا تجَلَّى

فَمنْ في صَدْرِهِ للنُّورِ وَمْضٌ

أَلَم يَقْطَعْ بِحِفْظِ الذِّكرَ عَهَدَا

فكم قرنٍ مضى والذِّكرُ بَاقٍ

تنَزَّلُ بَينَ جَنْبَيهِ السَّمَاءُ

ترقرق في تجرُّدِهِ الصَّفاءُ

يَقُولُ – اقرأْ – فينهَلُّ الضِّياءُ

بِها المَولَى العَليُّ لَهُ الوَلاءُ

لَهُ مَثَلٌ وَليس لهُ كِفَاءُ

يكادُ بغير مَا نَارٍ يُضاءُ

إليه اللهُ يهدي مَنْ يشاءُ

حَبَاهُ الله عِزَّا لا يُسَاءُ

وعهدَ اللهِ مِن صدقٍ وَفَاءُ

بََقَاءَ الله ليس له انتِهاءُ

 

          * * *

توالتْ عَبْرَ دُنْيانَا الرَّزايَا

وَسَاق الشَّانئُون لَنا البلايَا

وَغُمَّ الدَّرْبُ والسَّارونَ حَارُوا

فَإِن كان ابتداءٌ لا انْتِهَاءُ

قوافِلُ في دُجَى التَّارِيخ تَمْضِي

فلَو ذكرت لأَوْمَضَت الليالي

وَلَوْلا الذِّكرْ بَاقٍ لانْقَلَبْنَا

وَمَاجَ عَلَى شواطِئنَا البَلاَاءُ

مَنِايَا في تَدَفُّقَها الفِنَاءُ

فَلَم يُسْمَعْ لِحََادِيهم غِنَاءُ

وَإِنْ كانَ انتهاءُ لا ابتِداءُ

بلاَ مَرْمَى يُعَصِّبُها العَمَاءُ

وَشعَّ على دَيَاجِيها الرَّجَاءُ

ثمودَ – على ذَرَارِيهَا العفَاءُ

 

          * * *

وَكَمْ كِدْنَا نُقَارِبْها انتِهَاءً

لأنَّا حينَ هُنَّا كانَ فينَا

تَنَاسِي الذِّكرِ صَيَّرَنَا نفوسًا

يَموجُ اليَأْسْ والأَهْوَاءُ تُرْعى

فَأجْنادُ الظَّلامِ تسَدُّ أفْقَاً

إِذا ترنو فليلْ بَعْد لَيْل

دُوارٌ في دُوَارٍ مَا أَرَدْنا

وكيف نرومُ بالأنوارِ لُقْيَا

تباعَدْنا على القُرْبِ ابتِعَادَا

وَمِنْ عَجب تنقِّلنَا بَديدَا

وَيَلْعَنُنَا مِنَ الذُّلِ الإِبَاءُ

كِتَابُ اللهِ مِنْ عِزٍّ وِقاءُ

خَوافِقُها بِلا ذِكرِ هَوَاءُ

وَيُزِيد في مرامِينَا الشَّقَاءُ

فَيْغْلَقْ في أَمَانِينَا الفَضَاءُ

إِذا تَخْطُو فَمَسْرَاكَ انكِفَاءُ

فكيف يكونْ للسيرِ اسْتِوَاءُ

ونُورُ الضَّالِ مَجْلاَهْ انطِفَاءُ

فَفُرقَتُنا على القُرْبِ اللّقَاءُ

على التْارِيخ يَجْمَعُنا العِدَاءُ

 

          * * *

بِأَيدِينا مِنَ التَّنزيل كَنْزٌ

يُحدِّدُه مع الإعْطَاءِ رَبُّ

كُنوزُ الأرضِ تُفْنِيهَا الليالي

فكن في حِفْظَكَ التنزيل رَوْضَا

فَلا تلقى على الدُّنْيا خَرِيفَاً

رَبيعًا دَائِمَا للهِ فِيهِ

مُوَاسِمَ لا يمُوت الخِصْبُ فيها

كرامَاتٍ ترَى الصِّديق فِيها

وَسَيف الله بَارَكَهُ نَبيٌّ

يدين الكونُ إِنْ نَادَى فَدَوَّى

فَلا الطَّاغوتْ بعْدَ اللهِ بَاق

إِذا القُرْآنُ صارَ لَنَا سَبِيلاً

ويكفيكَ الخوالي مِنْ عُهُودِ

ملكَنا فاستقامَ الأمْرُ فِينَا

فلَمّا جارَ هادِينا نحرَفْنَا

وفيكم يصدق المبعوثُ قولا

إلى يوم يكونُ السَبقُ فيه

 

* * *

         

به لِلْمُعْدمِ دَمِ الخاوِي غَناءُ

فَخُذْ مِنْ بَحْرِهِ يَفِضْ الثَّرَاءُ

ولا يَفْنَى وإِنْ مَاجَ العَطَاءُ

يكُنْ غَيثَاً تَقُطرْهُ النَّمَاءُ

ولا رِيحًا يَجِنُّ بِهَا شِتاءُ

جَنانٌ زَهْرَها فِينا السَّنَاءُ

مَحَاسِنَ لا يشيحْ لَهَا رُوَاءُ

مع الفاروقِ والأسْبَاط جَاءُوا

فَأبْرَقَ فالضِّعَافُ الأقْوِيَاءُ

تَنَاهَى لِلْمَلِيكِ الكِبْرِيَاءُ

وَلاَ صَنَمٌ يُؤلِّهُهُ الغَبَاءُ

صَعَدْنَا فالنُّجُومُ لنَا وِطَاءُ

ودستورُ السَّمَاءِ هُوَ القَضَاءُ

وَشِدنا فالبِنَاءُ هو البِنَاءُ

وهذا التِّيهُ مِنْ جَوْرٍ جَزَاءُ

يَظلُّ الخيرُ فيكم والرَّجَاءُ

لِمَنْ لِشِريعةِ الرحْمَنِ فَاءُوا

 

شبابَ – محمد أنتمْ جُنودٌ

طلائعَ دينه في كلِّ عَصْرٍ

تشْقونُ الليَالي في مضَاء

وللإِظلام قهقرة توَالتْ

أراه يرفْ فوقكمُ دُعَاءً

فولوا نحو دعوته وُجُوهَا

فمنْه البَدْءُ كان والانتهاءُ

فَصُونُوا الذِّكْرَ يرتفع اللواءُ

تَدَاجَى الليلُ فيه والابتلاءُ

فللإشراقِ تَغْريدٌ مُضاءُ

فزال الكفُرُ وانكشفَ الغِطاءُ

وليس لغيرهِ يعْلُو دُعَاءُ

هُدَاكم في تطلعِها حِرَاءُ

ومنه العِزَّ إِنْ صَدَقَ الوَلاءُ