بعد الاختصار

الحرب العالمية السيبرانية

عمرو جلال
عمرو جلال

تخيل أن تستيقظ فى الصباح وتجد مدينتك تعيش فى ظلام دامس وبياناتك البنكية تم محوها أو تسريبها وانقطعت خدمات شبكة الإنترنت وإشارات المرور أصبحت لا تعمل… هذه ليست أحداثا من فيلم خيال علمى ولكنها وقائع حدثت بالفعل عام ٢٠٠٧ فى دولة استونيا والتى وجدت نفسها فجأة تحت هجوم سيبرانى شرس أدى إلى انهيار بنوكها وخدماتها العامة… كل ذلك حدث بدون هجوم من دبابة أو صاروخ من طائرة… اليوم يعيش العالم عصر الهجمات والحروب الإليكترونية بامتياز.. أكثر من 3 آلاف هجوم سيبرانى وقع منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، الكثير من الاستراتيجيين العسكريين يتابعون باهتمام تلك الهجمات.

البداية كانت عندما استبقت القوات الروسية هجومها الشامل على أوكرانيا بتعطيل شبكة اتصالات الأقمار الصناعية، وهو الأمر الذى أدى إلى إعاقة الدفاعات وتعطيل الاتصالات العسكرية الأوكرانية وقطع المعلومات بين أفرع الجيش الأوكرانى المختلفة. شملت الهجمات أيضا شركات الطاقة، مما أدى إلى حرمان أكثر من ربع مليون أوكرانى من الكهرباء. وكذلك ضمت عمليات الاستهداف عددًا من البنوك ومؤسسات النقل والخدمات العامة، واختراق وسائل الإعلام فى المقابل شنت أوكرانيا هجمات سيبرانية أخطرها كان اختراق النظام الروسى للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، وشبكة السكك الحديدية البيلاروسية، التى تستخدم لنقل القوات والإمدادات الروسية.

الحروب السيبرانية أصبحت حقيقة واقعة وهى الحرب الحالية والمستقبلية، والفضاء السيبرانى أصبح هو المجال الخامس للحرب، بعد المجالات الجوية والبرية والبحرية والفضائية… نظرية الإيطالى جوليو دوهيه التى قامت عليها الحرب العالمية الثانية وما تلاها من حروب تقول «إذا أردت أن تكسب الحرب سريعا، وتحقن دماء جنودك فى المعركة، اضرب المدنيين فى العمق ودمر بنيتهم التحتية وبسبب السخط الداخلى فى دولة العدو سيخرج المواطنون يصرخون أوقفوا الحرب وهو ما يعنى قبول شروطك وتحقيق أهدافك»… اليوم تحقيق هذا الهدف بدون صواريخ وقاذفات… الحروب انتقلت من الاعتماد بشكل كلى على المواجهات العسكرية إلى حروب تعتمد على البرامج الإليكترونية… أوكرانيا وروسيا أصبحتا تنشر الخبراء السيبرانيين على الخطوط الأمامية للحرب، حيث يتبارزون فى نوع جديد من المعارك، ألا وهى معركة التقنيات العالية وتشغيل المسيرات والذكاء الاصطناعى وجمع المعلومات وتوجيه القوات من على الأرض.

«كلاوزوفيتش» و»صن تزو» هما اثنان من أساطير النظريات العسكرية ومن رؤيتهما «أن الهدف النهائى للحرب هو إجبار العدو على الامتثال لإرادة الدولة وأن أفضل شكل للحرب هو الشكل الذى يُهزم فيه العدو دون قتال». تعريفهما لأهداف الحرب يعنى أن المجال السيبرانى لديه أكبر القدرات على تحقيق الأهداف السياسية دون فواتير كبرى للعتاد العسكرى الذى أصبح فيه تكلفة إطلاق صاروخ واحد من طائرة مليون دولار وأكثر… الخبراء يرون أن الحروب لن تعد جيوشا تقليدية بل ستضم حروب الهاكرز وبرامج التجسس والهجمات الإليكترونية وفى تلك الحرب الجميع معرض للاختراق داخل حدود الدولة حتى لو كنت طفلًا يحمل هاتفًا محمولًا..

الحقيقة أن الحرب السيبرانية والمسيرات والذكاء الاصطناعى لم يثبتا حتى اليوم قدرات منفردة على إنهاء حرب لكنها تمتلك أدوات تتطور بشكل سريع ومخيف ويمكنها فى المستقبل القريب تحقيق سيطرة كاملة لشل قدرات دولة والسيطرة عليها وإثارة سخط مواطنيها وتحقيق أهدافها دون قتال وهو الأمر الذى يتطلب أن يتحول كل مواطن إلى جندى رقمى فى تلك المعارك.