كمال الرياحي: المشاركة فى مهرجان تورنتو تمكين للأدب العربي من فضاءات جديدة |حوار

كمال الرياحى
كمال الرياحى

بدأت الخميس الماضى فعاليات الدورة الجديدة من مهرجان تورنتو الدولى للمؤلفين ومن المقرر أن تستمر حتى الأول من أكتوبر القادم، وتدور تيماته الأساسية حول: الرحلة والطيران والحلم، فى أشكالها المختلفة من الأدبى والفنى إلى السياسي. ويتوقع أن يحضر هذه الدورة أكثر من 180 كاتبا عالميا على رأسهم ألبرتو مانجويل ومارجريت آتوود. وسيشهد المهرجان لقاءات نقدية تخلق مساحة يومية للمؤلفين والأكاديميين والنشطاء، والجماهير لمناقشة القضايا المعاصرة التى تؤثر على حياتنا اليوم،ولكن أهم ما يميز دورة هذا العام هو الحضور العربى وتخصيص يوم كامل للتركيز على الكُتاب من الشتات الناطق بالعربية بعد جهود قام بها الكاتب التونسى كمال الرياحى. وسيمثل العرب فى هذه الدورة لأول مرة كتاب من أصول تونسية ومصرية وفلسطينية وسورية وعراقية.. يكتبون الرواية والشعر والقصة القصيرة،هنا نتحدث مع الرياحى لمعرفة التفاصيل الكاملة للمشاركة العربية فى الدورة الجديدة للمهرجان. 


لماذا اخترت التعريف بالأدب العربى من باب الشتات بالتحديد؟ هل يعنى ذلك أن مسألة التعريف بالنتاج العربى عن طريق الترجمة مثلا لم تعد محل اهتمام ربما من الطرفين؟
 أولا لا ندعى التعريف ب الأدب العربى وحمل هذه المهمة التى تحتاج إلى مؤسسات كبرى، بل نسعى إلى تمكينه من فضاءات جديدة ليعبر عن نفسه، ونسلط الضوء على الأدب العربى فى الشتات وهو أدب مهم لا فى كندا فقط بل فى كل العالم، فنخبتنا العربية كلها لأسباب شتى منها الحروب والديكتاتوريات والظروف الاقتصادية والتعليم صارت جلها فى الشتات طوعا أو كرها، يقول الروائى الأرجنتينى أرييل دورفمان: «نحن نعيش فى عصر اللاجئ، عصر المنفى»، نحن إذن لا نتحدث عن أقليات أبدا بل نتحدث عن حقل كبير من حقول الكتابة فى العالم الذى يعيش حالة من الترحال الأبدى منذ بداية القرن العشرين، فأغلب مشاهير الأدب فى العالم بما فى ذلك الذين تحصلوا على جائزة نوبل كانوا يعيشون فى المنافي. لقد كان نجيب محفوظ استثناء. 

أما موضوع الترجمة فأصبح قاصرا على الإقناع. لقد انتبه العالم أن انتظار الترجمة ومساراتها أفقدهم الكثير من الأدب الجيد الذى يحتاجون للتعرف عليه، ومن ثم فهذه التظاهرات وهذا المشروع من شأنه هو نفسه أن يحرك مسار الترجمة من خلال تعريف الآخر بهذه الأصوات التى أحيانا تعيش بينه وتنتج له المعرفة بلغته دون أن ينتبه لوجهها الإبداعى، مثل الدكتورة مى التلمسانى التى تدرس فى جامعة أوتاوا، أو الدكتور وليد الخشاب الذى يدرس بجامعة يورك، أو جاكلين سلام التى تنشط فى عالم الترجمة الفورية مع المؤسسات الرسمية الكندية إلى جانب نشاطها الإعلامى والثقافى. 

لنعد للبداية.. متى فكرت فى المشاركة العربية بالمهرجان وكيف حضرت وسعيت لها، وكيف تم استقبال الفكرة؟
الحقيقة بدأ الأمر مع دعوة تلقيتها من مدير المهرجان رونالد غاليفار للتعارف بصفتى معد ومدير تظاهرات ثقافية فى العالم العربى وكان قد اطلع على بعض أنشطتى فى تونس. لذلك كانت المراسلات الأولى بيننا واضحة؛ دعوات للقاءات تعارف وتبادل التجارب والاستفادة منها للمهرجان بعد أن رشحنى كبار الكتاب الكنديين له، فدعانى للمشاركة بصفتى كاتبا ومبدعا.

عندما التقينا اكتشفت أننى أمام شخصية منفتحة جدا على الآراء والتجارب الأخرى والأفكار الخلاقة، فناقشت معه فكرة المهرجان الدولى ومعناه فى غياب لغات أخرى غير الإنجليزية، واقترحت عليه فكرة قسم ما يمكن أن نسميه بـ«الأدب باللغة الأم»، وتحدّثت عن كندا بصفتها أرضا نموذجية لشتات النخب من كل أنحاء العالم، لكن تلك اللغات التى نسمعها فى الشارع لا تحقق ذاتها إلا فى هذه التجمعات الهوياتيةً الضيقة، ويكاد ينحصر حضور هذه الأقليات فى مهرجانات الأكل وكأن كل الثقافة هى هذه التظاهرات فى حين أن الكثير من الفنانين والأدباء الذين وفدوا على كندا ظلوا يكتبون بلغاتهم الأصلية، ومن حق المجتمع الكندى التعرف عليهم وألا ينتظر أن يتحولوا للكتابة بالإنجليزية أو الفرنسية لأنهم لن يفعلوا ذلك، ونتحدث عن الكتاب الإيطاليين أو الروس أو البنغاليين أو البرتغاليين أو الإسبان أو العرب، وكان تركيزى على النخبة العربية التى تعيش فى كندا وأمريكا وفى أوروبا والتى صارت تمثل القسم الأهم من النخبة العربية.

واقترحت أن نسمع هذه اللغات فى المهرجان ليحقق فعلا عالميته، وأن نغير من التعاطى مع  فكرة العالمية من الحديث عن الكتابة بالإنجليزية كلغة العالم إلى استضافة الإنجليزية للغات العالم ردا لجميل تلك اللغات التى ساهمت فى تشكيل مخيال الأديب الذى يكتب بالإنجليزية، عبر ما استعار من كلمات من تلك اللغات أو نصوص وقصص كان لها بالغ الأثر فى تشكل هذه الثقافة.

وهنا اقترحت أن تتوسع المشاركة من مشاركتى ككاتب عربى إلى مشاركة أوسع تشمل عددا آخر من المبدعين، هكذا بدأ التفكير فى المشروع ثم بدأنا التفكير فى تيمة للمهرجان واقترحت بعض المقترحات من ضمنها فكرة «الحلم» والتى تبناها المهرجان مضيفا عليها فكرة «الطيران» فأصبحنا أمام الحلم والطيران.  

البرنامج الرسمى المعلن يشير إلى جلسات حوارية وحفلات توقيع وعروض موسيقية، أود لو تطلعنا على التفاصيل الكاملة للمشاركة وأهم القضايا المطروحة للمناقشة؟ 
المشاركة العربية ستكون متنوعة بين الرواية والشعر والقصة القصيرة والموسيقى، وستكون هناك ثلاث جلسات حوارية يوم ٢٣سبتمبر تديرها الكاتبة التونسية العراقية المتميزة سمر سمير المزغنى، ستكون الجلسة الأولى جلسة روائية فكرية تجمعنى مع الروائية المصرية مى التلمسانى ومنطلقة من المواضيع التى طرحت فى آخر رواياتنا: روايتى «البيريتا يكسب دائما» وروايتها «الكل يقول أحبك» ولذلك حملت الجلسة عنوانا لافتا هو «الحب والسلاح» ومن خلال هذه الجلسة سنتحدث عن قضايا متعلّقة بالعنف والحرب والانتفاضات، أما الجلسة الثانية فستجمع الكاتب الفلسطينى الايسلندى مازن معروف بالكاتب التونسى محمد الخليفى المقيم ب الولايات المتحدة ليتحدثا عن تجربتهما فى الكتابة القصصية والروائية منطلقين من فكرة أن بعض الكتاب العرب تركوا  بلدانهم مبكرا وهم شباب، لينحتوا هوياتهم الإبداعية بعيدا فى المنافى والشتات، وصاروا يتكلّمون لغات أخرى غير العربية لكنهم ظلوا يكتبون بها وينشرون فى العالم العربي.

وكأن العيش فى المنافى لم يخلق لهم أجنحة جديدة بل أثقل أجنحتهم الأصلية بمسئوليات أكبر تجاه أوطانهم الأولى. وهنا سنطرح أسئلة: هل محكوم على الكاتب العربى أن يعيش فى أى مكان بصفته كائنا سياسيا؟ وهل هو مجبر فعلا على حمل أثقال الداخل أكثر من الكاتب فى الداخل؟ ما الذى تخفف منه الكاتب العربى فى المهجر وما الذى أثقله؟ أى أثر لهذه الغربة المبكرة على مخيال الكاتب وأسلوبه والمواضيع التى يطرحها؟

أما الجلسة الثالثة فستجمع بين الشاعر وليد الخشاب والشاعرة جاكلين سلام والتى ستكون تحت عنوان «خلقت طليقا» وفيه إشارة لقصيدة أبى القاسم الشابى والتى فيها يحاجج الشابى الإنسان الراضى بالذل والخضوع للطغاة ويذكره بأنه خلق حرا.

وستدور الجلسة حول أسئلة متعلقة بدور الشعر اليوم فى ظل انحسار الإقبال عليه من الناشرين فى مقابل تغوّل الرواية. وضمن هذا الشعور العام بتراجع أحلام الشعوب العربية بسبب الانتكاسات السياسية المتتالية، نتساءل هل دفع هذا الشعر إلى الاستقالة من أدواره القديمة؛ صوت المقهورين والمنسيين والضعفاء؟ هل استقالت القصيدة الجديدة من فكرة الالتزام بقضايا الشعوب وتوقها للحرية؟ وهل اكتفت القصيدة بنجاحاتها الفنية وهواجسها الكونية؟ وهل تغير مفهوم التنوير مع هوية الشاعر المعاصر؟ كل هذه الأسئلة وأخرى ستطرحها المحاورة على الضيفين. 
كما ستشمل المساهمة العربية توقيعات لكتب المؤلفين المشاركين وسهرة موسيقية عربية متميزة. 

كيف كانت آلية اختيار المشاركين وأجواء التحضير للمشاركة بشكل عام؟ 
اختيار المشاركين فى أى تظاهرة يخضع للكثير من الأمور منها علاقة المشاركين بتيمة المهرجان أولا وضرورة أن يكون لهم علاقة واضحة وقادرين على تقديم أفكار ذات خصوصية، خاصة إذا تقاطعت سيرهم كما نصوصهم بموضوع المهرجان، كما تخضع أيضا لتوفر الضيوف فى فترة المهرجانات ومكان إقامتهم وظروفها، فبعض من نفكر فى استضافتهم أحيانا لا يستطيعون مغادرة بلدانهم أو البلدان التى يقيمون بها، لذلك لم نغامر كثيرا فى هذه المشاركة الأولى التى نعتبرها تجريبية تأسيسية، وراهنا على مجموعة من الأسماء المتميزة من كندا وبعض الأسماء من خارجها، وراعينا مسألة أخرى وهى تنوع الأجيال ونحن نتحدث عن الحرية والحلم بالديمقراطية لذلك سنجد أصواتا شبابية وأخرى تمثل أجيالا أخرى، مقياسنا الوحيد التميز وثقتنا بالأسماء التى رشحناها مع إيماننا الراسخ بأن الفضاء الكندى كما الفضاءات الأخرى فى الوطن العربى والشتات بها من المبدعين ما يجعلنا نرسّخ هذه المشاركة ونقويها من دورة إلى أخرى.

ساهم الصديق والزميل هانى يكن  مساهمة كبيرة فى دعم هذه المبادرة  وكانت جلسات التشاور معه فى ظل عمل جماعى مثمرة جدا، فهو يأتى بتجربته فى إدارة كبريات المهرجانات بالإمارات العربية وأجئ أنا من تجربة  مهمة بتونس فى إدارة المهرجانات الأدبية وإدارتى وتأسيسى لأول بيت رواية فى العالم العربى وهذا أحدث تناغما جعل العمل يتقدم بشكل ساحر إلى جانب الدعم الكبير والثقة التى اعطانيها مدير المهرجان رجل الثقافة الشهير رونالد غاليفار الذى نعتبره عراب هذه المشاركة العربية لأنه أول من آمن بمشروعنا وفكرتنا التى تقدمنا بها. 

نعود مجددا للمحور العام. فى فترات سابقة كان هناك تركيز واهتمام بفكرة الحضور والتأثير العربى فى الغرب، بهت الأمر الآن وعاد لخموده القديم خاصة فى أعقاب الانشغال الداخلى بعد موجات الثورات العربية.

أو ربما كانت هذه الثورات نفسها هى السبب بعد أن دفعت بعدد كبير من البشر فى محطات الهجرة الاختيارية أو الإجبارية، فأصبحت الاهتمامات تجرى فى اتجاهات أخرى وتغيرت فى الوقت نفسه خارطة الأدب العالمى فى هذا السياق: كيف ترى التأثير العربى فى الغرب حالياً؟ وكيف يؤثر ذلك على عرب المهجر؟ 
لا أعتقد أننا فى مرحلتنا الحضارية هذه وما نعيشه من خيبات قادرين على الحديث عن تأثيرنا فى الآخر خاصة ثقافيا. نحن فى حاجة لتطوير ثقافتنا ومشهدنا الإبداعى ليكون لائقا بنا قبل التفكير فى التأثير فى الغرب.

نحن نقف فى هامش إنتاج المعرفة والتجارب القليلة الناجحة عالميا هى تلك التى احتضنها الغرب نفسه ودعمها لكى تنجح. أما غالبيتنا فيعيش فى منافى داخل المنافي. لذلك ترى العرب فى أمريكا وكندا يتجمعون فى أغلبهم بمقاطعات تكاد تعرّب وهذا غير صحى واعتبره حالة من النفى الذاتى وشخصيا من الداعين إلى الاختلاط والتثاقف، وعملى على هذا المشروع يدخل ضمن هذه القناعة، فعشرات الكتاب العرب الذين يقيمون فى أمريكا وكندا لم يسمع بهم المشهد الثقافى الرسمى وتردد هذه الأسماء فى مهرجان عالمى كبير مثل مهرجان تورنتو الدولى للمؤلفين من شأنه أن يلفت الانتباه إليهم وإلى الثقافة العربية هنا ويعطى فكرة عن أن هذه «الدياسبورا» ليست دياسبورا للمواطنين الهاربين من الحروب أو للقادمين من أجل تعمير كندا.

بل أيضا بينهم من الفنانين والمبدعين الذين يمكن أن يثروا المشهد الثقافى، بل إن هذه المناسبة ستكون فرصة ليتعرف الكتاب العرب ببعضهم خاصة أن المهرجان لا يهتم فقط بالأدب بل بالكتابة بشكل عام فصفة المؤلف فى اسم المهرجان تشمل كل من يمارس الكتابة ويؤلف كتبا أدبية كانت أو فنية أو فكرية أو ثقافية. ومن هنا جاء التنويع فى المشاركة العربية لتشمل الأوركسترا السيمفونى العربى لإحياء سهرة فنية إلى جانب العارضين والموزعين العرب للكتاب ودور النشر العربية وأولهم دار طعيمة للنشر التى تشارك فى المهرجان للمرة الثانية. 

ما الذى تنتظره وتأمله كنتائج لهذه المشاركة وهل ستسعى لتكرارها أو تثبيتها فى المستقبل؟
أعتبر أن هذا باب فتحناه للثقافة العربية هنا فى كندا ونرجو أن يسعى الجميع لدعمه أولا بالحضور والمتابعة، وأعتقد أن احتكاك المؤلفين العرب بنخبة عالمية من الأدباء من كافة أنحاء العالم من شأنه هو الآخر أن يساهم فى تطوير كتاباتهم، خاصة أن المهرجان يعقد جلسات يومية على هامش اللقاءات الرسمية لكى يتحاور ويتعارف الكتاب ويتبادلوا التجارب. نحن نعيش كنخبة عربية فى فضاء يبدو أجنبيا لكنه فضاء متعدد الثقافات ومن حقنا أن نكون طرفا فيه كمنتجين للمعرفة.

لذلك علينا أن نسعى كجهات رسمية عربية أو رجال أعمال لدعم هذه المبادرات لأن عبرها أيضا يمكن أن نقدم ثقافات بلداننا وشعوبنا والتعريف بها عبر مبدعينا. والحق أن هذا المشروع جزء من برامجى التى أسعى بها للمساهمة فى تنشيط الساحة الأدبية العربية فى كندا إلى جانب إطلاق مؤسسة بيت الخيال فى نسختها الكندية وانطلاق أعمال صالون بيت الخيال وورشة الكتابة الإبداعية منذ شهر أغسطس الماضى والمحاضرات التى ألقيها منذ سنتين فى التعريف برموز الأدب العربى فى الجامعات والمراكز الثقافية الكندية.