دكتور «السوشيال»..جريمة طبية

نصائح صحية ..روشتات دوائية ووصفات علاجية بدون كشف

دكتور «السوشيال»..جريمة طبية
دكتور «السوشيال»..جريمة طبية

الصيادلة: الاستخدام العشوائى للأدوية يؤكد   تأثير السوشيال ميديا على المرضى

«الأطباء»: تعرض حياة المرضى للخطر.. ويجب إيقاف هذا «العبث» والحد منه

عصر السوشيال ميديا الذى نعيشه الآن لم يترك شيئا على حاله، فقد تركت وسائل التواصل الاجتماعى بصمتها على جميع نواحى الحياة.. وأصبحت تتحكم فى كل ما نعيشه بشكل لا إرادى، فمنذ ظهورها وتبدلت الأحوال رأسا على عقب بعضها إلى الأفضل والآخر إلى الأسوأ. لغة العصر تمكنت من التوغل فى جيع التفاصيل الحياتية اليومية ولكن ناقوس الخطر يدق من حين لآخر فى بعض المجالات، فلا يمكن أن نرهن حياة الأشخاص وعلاجهم وتشخيص حالاتهم عبر «السوشيال ميديا».. فالطب والدواء من الثوابت الكونية التى تتطور بحكم المهنة ولكن لا يمكن الرهان فيها على حياة المريض.


مئات الصفحات الطبية والعلاجية تجدها تظهر أمام شاشة هاتفك أثناء تصفحك للسوشيال ميديا ما بين نصائح طبية وإرشادات عامة وبين أنواع من الأدوية والعلاج التى ينصح بها أحد الأطباء أو الصيادلة فى حالة من التعميم دون الوضع فى الاعتبار لحالة كل مريض و لتجد هذه الصفحات مليئة بآلاف من المرضى الذين أصبحوا يتسارعون على التواجد عليها للبحث عن علاج «أون لاين».. «الأخبار» ناقشت بعض الأطباء والصيادلة حول سلبيات وإيجابيات هذه الظاهرة و كيفية تفادى مخاطرها.

بداية يقول د. إبراهيم البندارى-استشارى الأنف والأذن- إننا فى عصر التكنولوجيا وعلى كل مهنة أن تواكب هذا التطور قدر المستطاع ولكن بما لا يؤثر على طبيعتها، بل يجب استغلالها لما فيه الصالح لكل مجال، وعلى سبيل المثال مهنة الطب من المهن التى يجب فيها أن يكون الطبيب مطلعا ومواكبا لكل ما هو جديد فى عالم الطب وقد استطاعت السوشيال ميديا أن تقصر مسافات العلم لما فيه الصالح للطبيب والمريض، فقديما كان الطبيب ينتظر بعثات طبية أوالسفر إلى الخارج من أجل تطوير نفسه ومتابعة كل ما هو جديد فى تخصصه، ولكن عن طريق السوشيال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعى بكل أشكالها يتمكن الطبيب من الوصول لكل ما يرغب إليه من أجل تطوير ذاته ولمعالجة أى تشخيص.
ويضيف أنه بطبيعة الحال لكل ظاهرة إيجابيات وسلبيات وللأسف بدأ البعض فى استغلال هذه الوسائل فى غير محلها الصحيح لتستخدم فى بعض الأحيان كبديل للعيادات أو المراكز الطبية وتصبح بمثابة أبواق يبث من خلالها ترشيحات لأدوية أو تشخيص لحالات أو لوصف أدوية دون مراعاة أساسيات المهنة بالكشف قبل التشخيص وهذا يعرض حياة المرضى للخطر، فكل حالة تختلف عن الآخر وهناك أعراض بعض الأمراض التى تتشابه لدرجة كبيرة ويكون الفيصل بينهما عَرَض معين وهذا قد يتسبب فى تعريض حياة البعض للمجازفة بسبب خطأ التشخيص.
و يؤكد أنه من الممكن استخدام صفحات التواصل الاجتماعى فى التوعية الطبية أو الإسعافات الأولية أو سبل الوقاية من بعض الأمراض ليس أكثر، وما يحدث الآن يحتاج إلى وقفة جادة عن طريق حملات توعية للمواطنين من خطورة ما يعرضون أنفسهم له،لأن النقابة لا تمتلك صلاحية الإغلاق لمثل هذه الصفحات ولكنها تتحرك إذا صدر شكوى ضد طبيب بعينه.
التعميم «مرفوض»
ويضيف د. يسرى عبد السلام ،طبيب أطفال- أن تخصص الأطفال لا يمكن بأى شكل من الأشكال أن نعتمد فيه على السوشيال ميديا لأن مثل هذه المرحلة للطفل تكون حساسة لدرجة كبيرة وتختلف من طفل لآخر وما يحدث الآن من قيام بعض الأطباء بالظهور بشكل يومى مستمر على هذه الصفحات من وجهة نظرى هو من أجل الشهرة ليس أكثر، فلا يمكن تعميم كل الأطفال وسرد وتقديم النصائح وكأنهم جميعا نفس الحالة، فالطفل يحتاج إلى تشخيص وفحص كامل حتى فى أبسط الأعراض من أجل تقديم المساعدة له ولأسرته بشكل سليم ودون الإضرار به، مؤكدا أن ما يحدث الآن هو نوع من «العبث» ولا بد من وقفة جادة لهذه الصفحات من أجل حماية أطفالنا.
ويضيف أنه كثيرا ما نسمع عن ضحايا أو مرضى أصيبوا بأمراض أخرى بسبب مثل هذه النصائح على مستوى تخصصات مختلفة سواء التخسيس،التجميل، الباطنة وغيرها من التخصصات الطبية، لذا يجب توخى الحذر من التعامل مع أشخاص لن نعرف هويتهم الطبية الحقيقية أو درجاتهم العلمية لأنهم يتخذون من السوشيال ميديا ستارا لهم من أجل الربح والشهرة فقط، ويشير إلى أننى لست ضد أن يستخدم الطبيب هذه الوسائل بشكل سليم لمصلحته ومصلحة المريض وليس العكس.


إشراف طبى
ومن جانبه أوضح د.هانى زهران صاحب إحدى الصيدليات أن فى الفترة الأخيرة انتشرت الأحاديث حول ظهور متحور جديد لفيروس كورونا وهو ما يسمى «إيريكس» الذى لا يشكل خطورة كبيرة ولكنه سريع الانتشار، حيث إن أعراضه تشبه أعراض أدوار البرد والإنفلونزا، وهو ما جعل الكثيرين يلجأون لاستخدام الأدوية بشكل عشوائى دون اللجوء إلى الأطباء أو الذهاب إلى المستشفيات للحصول على العلاجات المناسبة لكل منهم، فالغالبية العظمى منهم اكتفت بالمسكنات وخوافض الحرارة والبعض الآخر منهم يطلب مضادات حيوية وهى الأخطر على الإطلاق.
حيث أكد أن اتباع المرضى لأى بروتوكول علاجى أو دوائى لابد وأن يكون متبعا من جهة معتمدة أو تحت إشراف طبى معروف وجيد، كما أن هناك انتشارا كبيرا لوصفات المضادات الحيوية وخاصة الحقن، والتى لا بد وأن تكون تحت إشراف طبى سواء من الأطباء أو الصيادلة ولكن فى حدود النطاق المسموح به.
ولكن بعض الفيتامينات قد يتم السماح بإعطائها للمريض إذا طلبها دون روشتات معتمدة أو تحت إشراف طبى، أما بالنسبة للسيدات الحومل أو الاطفال أو كبار السن فلابد وأن نقوم كصيادلة بالتأكد من الأعراض التى يعانى منها المريض، وإذا كانت أعراض لها علاقة بعدوى بكتيرية أو فيروسية فنقوم بنصيحته بالذهاب للمستشفى أو إلى طبيب متخصص، وهو ما يجعلنا نحذر الجميع من عدم الانسياق لأى مصادر أو وصفات مجهولة المصدر والتى قد يكون بعضها غير مسجل بهيئة الدواء المصرية أو العالمية.
فريسة للنصب
وفى نفس السياق أكدت د.مى محسن صيدلانية أنه بشكل يومى يتعرض الصيادلة لروشتات ووصفات مجهولة المصدر وهو ما يعد مشكلة كبيرة تتفاقم بشكل هيستيرى نتيجة عزوف المرضى عن الذهاب للأطباء المتخصصين والاستعانة بوصفات مجهولة أرخص سعرا وأقل تكلفة من الأدوية والعلاجات الكيميائية، وهو ما يجعلهم فريسة للنصابين والمحتالين.
وأوضحت أن مهنة الصيدلة ليست مهنة سهلة لأن طلبة كليات الصيدلة يقومون بدراسة خمس سنوات كاملة لمعرفة التركيبات الخاصة بكل دواء وتأثيراته على كل جزء من الجسم ، وهو ما يتطلب دراسات وأبحاثا كثيرة ومتناهية من أجل الوصول إلى مدى تأثر جسم الإنسان بالدواء الذى يتناوله المريض، كما أن استجابات الأجسام للعقاقير تختلف من جسم لآخر، كما أن التاريخ العلاجى للمريض أيضا يتحكم بنسبة كبيرة فى العلاج الذى يتم إعطاؤه له لكى لا يتضرر بشكل أو بآخر أو تحدث له أى مضاعفات جسمانية نتيجة عدم مراعاة ما سبق ذكره، فهناك أجسام لديها حساسية من مادة فعالة معينة قد تحدث له مضاعفات كثيرة فى حين أن نفس المادة قد تتسبب فى شفاء مريض آخر بشكل سريع، لذلك يجب مراعاة كل العوامل التى تؤثر فى استخدام الأدوية المختلفة.
أما بالنسبة لكبار السن فإن أصحاب الأمراض المزمنة لابد وأن يقوموا باستشارة طبيبهم المختص قبل الاستعانة بأى دواء أو مضادات حيوية، لأن ذلك قد يتسبب لهم فى أضرار كارثية قد تصل إلى الموت المفاجئ نتيجة هبوط حاد فى الدورة الدموية أو قصور فى عضلة القلب، بالإضافة إلى الأطفال فإن مراعاة حساسية أجسامهم تجاه المواد الفعالة من الأساسيات المهمة التى يجب التحقق منها.
ضوابط ورقابة
ويقول الدكتور محمود فؤاد مدير المركز المصرى للحق فى الدواء إن ما يحدث الآن يعد إحدى صور الفوضى المتناهية وذلك يعود إلى عدة أسباب على رأسها أن التشريعات الخاصة بمزاولة مهنة الطب أو مهنة الصيدلة لا تصلح أو تواكب ما نعيشه الآن وتحتاج إلى إعادة النظر إليها من جديد، فمنذ عشر سنوات تنبهت منظمة الصحة العالمية لخطورة الأدوية الموجودة على صفحات الإنترنت أو على تطبيقات أخرى والتى تعد سوقا مفتوحا له لتصبح مصادر بيعه متعددة وغير شرعية أو قانونية وهذا يعد إحدى صور الاستخدام المسيئة للتكنولوجيا والتى يستغلها البعض فى «السوق السوداء» للأدوية والتى يدفع ثمنها المريض فى رحلة البحث عن علاجه.
ويضيف أنه منذ ظهور فيروس كورونا وحالة القلق انتابت الجميع من النزول إلى المستشفيات أو الصيدليات وبدأت معها فى أوروبا ثقافة التشخيص عن بعد ولكن تم وضع ضوابط حازمة لها لمنع تناقل العدوى، ولكن مع الأسف تم تطبيق نفس الصورة فى مصر ولكن بشكل عشوائى كل شخص حسب أدواته وإمكانياته دون أى رقابة.
ويؤكد أن أصل الطب أن يناظر الطبيب المريض بشكل شخصى ومباشر، ولكن ما يحدث الآن هو إحدى صور الفوضى التى تحتاج إلى ضوابط وقوانين بدلا من تفاقمها بهذا الشكل .