ماذايعنى اتفاق الدفاع المشترك بين النيجر ومالى وبوركينافاسو؟

التوقيع على اتفاقية «ميثاق ليبتاكو - غورما»
التوقيع على اتفاقية «ميثاق ليبتاكو - غورما»

فى تحرك غير مسبوق، وقعت النيجر ومالى وبوركينا فاسو، وهى مستعمرات فرنسية سابقة، اتفاقا أمنيا مشتركا لتشكيل تحالف عسكرى جديد.


وتعهدت الدول الثلاث بمساعدة بعضها البعض فى حال حدوث تمرد أو هجوم خارجي. وأكد ميثاق المعاهدة أن أى اعتداء على سيادة أى طرف أو أكثر يعتبر عدوانا على البلدان الأخرى، فيما تعهدت مالى وبوركينا فاسو بدعم النيجر إذا تعرضت لهجوم. وكانت مجموعة إكواس قد هددت مؤخرا بالتدخل العسكرى فى النيجر، إن لم تتم استعادة الديمقراطية.
وتتشارك الدول الثلاث فى أنظمتها العسكرية التى جاءت بانقلابات وتعرضت لعقوبات دولية، وكانت أعضاء بتحالف مجموعة الساحل الخمس المدعومة من فرنسا إلى جانب موريتانيا وتشاد، والتى تشكلت عام 2017 للتصدى للجماعات المتشددة فى المنطقة.


يأتى الاتفاق فى سياق تصاعد التوتر بين هذه العواصم وباريس، وكان آخر حلقاته مع نيامى تحديدًا، حيث اتهم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون السلطات الجديدة باحتجاز سفير بلاده بعد أن سحبت منه السلطات العسكرية الاعتراف الدبلوماسي. ويتصاعد الموقف يوما بعد يوم بين السلطات العسكرية فى هذه الدول فى غرب إفريقيا ومنظمة إيكواس التى تبذل جهودا  دبلوماسية لإعادة الأمور إلى نصابها أو أخذ تعهدات بعودة الديمقراطية بعد تعهدات سابقة بتدخل عسكرى قد يبدو الآن بعيدا.
اتفاقية الدفاع المشترك، أطلقوا عليها اسم «ميثاق ليبتاكو - غورما»، ليمنحوه بذلك اسم منطقة التماس الحدودى بين الدول الثلاث، وهى المنطقة الأكثر خطورة فى منطقة الساحل، وظلت خلال السنوات الأخيرة بؤرة للحرب على الإرهاب، حيث تتخذ منها تنظيمات  مثل «داعش» و«القاعدة» قواعد خلفية، بسبب انتشار الغابات والأنهار فيها، ما جعلها منطقة وعرة يصعب اقتحامها على الجيوش النظامية.
كذلك شهدت الدول الثلاث انقلابات اعتبارا من العام 2020، كان آخرها فى النيجر، حيث أطاح جنود فى يوليو بالرئيس محمد بازوم.
يتكون الميثاق من 17 مادة، لكنه يتركز أساساً على كونه ميثاقاً فى مجال الدفاع، فالمادة الأولى منه تعلن عن إنشاء الميثاق وتسميته، أما المادة الثانية فتعلن الهدف منه؛ وهو الدفاع المشترك والمساعدة المتبادلة. والمادة الثالثة من الميثاق تنص على أنه ستقام مستقبلا الهيئات الضرورية، والآليات اللازمة لعمل التحالف، بمعنى انه لم تعطِ أجلا ولا موعدا لتفعيل التحالف الجديد، وهو ما يثير تساؤلا، حول هل سيكون للتحالف وجود على أرض الواقع، أم أنه مجرد مناورة سياسية فى وجه الإكراهات والتحديات الماثلة أمام الدول الثلاث؟ خاصة وان  الأنظمة التى تحكم فى مالى وبوركينا فاسو والنيجر أنظمة عسكرية جاءت عن طريق انقلابات، وتعانى ضغوطاً كثيرة، أولا من دول مجموعة (إيكواس) فى المنطقة، ومن الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا، والنيجر بشكل خاص تخشى أن تشن مجموعة (إيكواس) تدخلاً عسكرياً ضدها، حيث لا تزال تلوح به وتقول إنه مطروح على الطاولة خياراً.
يرى بعض المحللين ان التحالف الجديد قد يفتح الباب أمام تشكيل حلف مع روسيا والصين، وبقية البلدان الصاعدة الأخرى، خاصة ان مالى وبوركينا فاسو قد بدأتا بالفعل تعاونا عسكريا مع روسيا، وطردتا القوات الفرنسية، أما النيجر فرغم أنها دانت الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا وبدأت تلوح بطرد القوات الفرنسية، إلا ان دخولها فى شراكة عسكرية مع روسيا محل شك بسبب وجود قوات وقواعد عسكرية أمريكية على أراضيها، وذلك لا شك سيكون عائقا أمام الوجود الروسي، فالولايات المتحدة تطرح فى العادة نوعا من تلك الشروط، إما بشكل واضح أو بشكل ضمني.


خلال السنوات العشر الماضية، كانت فرنسا والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة جميعها تتعامل مع «مجموعة دول الساحل الخمس»، بصفتها المنظمة الإقليمية المعنية بالحرب على الإرهاب، ولكن منذ الانقلاب العسكرى الذى وقع فى مالى عام 2020، بدأت الأمور تتغير، وأصبحت المنظمة الإقليمية متصدعة وضعيفة وغير قادرة على أن تكون طرفاً جدياً فى الحرب على الإرهاب.


حتى إن دول مالى والنيجر وبوركينا فاسو حين قررت تشكيل تحالف عسكرى خاص بها سمته «تحالف دول الساحل»، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل بمجموعة دول الساحل الخمس.
فسبق أن جمدت مالى عضويتها فى المجموعة (عام 2020)، والآن دخلت النيجر وبوركينا فاسو فى خلاف شديد مع القوى الغربية، خصوصاً فرنسا والاتحاد الأوروبي، وذلك يؤثر بالتأكيد على عمل وبقاء مجموعة دول الساحل الخمس، لأن النسبة الكبيرة من تمويلها يأتى من الغرب، خصوصاً من دول الاتحاد الأوروبي.
هناك فارق بين التحالف الجديد ومجموعة دول الساحل الخمس، فالتحالف الجديد يعلن فقط الاهتمام بالجانب العسكري، اما مجموعة دول الساحل الخمس تهتم بركيزتين؛ ركيزة عسكرية وهى الشائعة، وهناك ركيزة التنمية التى نالت القسط الأكبر من التمويل الخارجي، والتحالف الجديد لا يذكر التنمية، بل يمكن أن نفهم من بين السطور أنها خارج دائرة اهتماماته، وإنما يضع فى أولوياته محاربة التهديدات المقبلة من الخارج، وكذلك التهديدات الداخلية.


كما أثار التحالف الجديد فى ميثاقه  نقطة مهمة، وهى (محاربة التمردات)، وهى عبارة استخدمت بالتزامن مع تمرد قبائل الطوارق فى مالي، التى حملت السلاح من جديد وأطلقت صراعاً مسلحاً ضد الجيش المالي، كما أن وزيراً سابقاً فى حكومة الرئيس محمد بازوم المخلوع فى النيجر، سبق له أن كان قائداً لتمرد الطوارق فى النيجر، هدد بالعودة إلى حمل السلاح ضد النظام العسكرى الجديد فى النيجر.