بدون أقنعة

أبناء آخر زمن

مؤمن خليفة
مؤمن خليفة

حكايات كثيرة ومحزنة فى حياتنا ومحبطة وتدعو إلى الحسرة .. ماذا جرى للأسرة المصرية التى كانت نموذجًا للألفة والمحبة والاحترام؟
بعض الأبناء ينكرون رحلة شقاء الأب والأم ولا يعترفون بفضل الوالدين عليهم ولو فكروا قليلًا فيما أصبحوا لوصلوا إلى نتيجة واحدة هى تقبيل أيدى الأب والأم الذين نذروا حياتهم لإسعادهم والسهر على راحتهم .. حكى لى أحد الآباء عن ابنته التى تنكر عليه كل ما قدمه فى حياته وتستغل كبر سنه وتوجه له الشتائم بل تتهمه بأنه لم يفعل شيئا لها وعندما سألها كانت إجابتها صادمة له لا تحمل إلا إهانة وقلة تربية ونكران جميل .. الرجل شعر بالمهانة ولم يستطع أن يمنع دموعه التى أغرقت وجهه تحسرًا على حال الابنة ولسانها السليط . بالطبع أنا لا أتهم كل الأبناء فمنهم كثيرون يعرفون قيمة الآب والأم ويقدرون رحلة كفاحهم فى الحياة ويعترفون بفضلهم. وإن كانت هناك قلة منهم يفعلون كما تفعل هذه الابنة سليطة اللسان فإن هذا لا يعنى أبدا الحكم على أولادنا بالعقوق.


الآب لم يحكى لى كل التفاصيل لكننى ضد أن يهان الرجل الذى خرج على المعاش وقد فعل الكثير من أجل أسرته فهل كبر أولاده فجأة وتعلموا من تلقاء أنفسهم ومن كان ينفق عليهم حتى تخرجوا فى الجامعات ومن أين كانوا يدبرون مصروفاتهم .. ألم تفكر مثل هذه الابنة كيف كان هذا الآب المكلوم يسهر بجانبها إذا أصابها المرض .. نعم أنها تنفق على نفسها الآن من عملها ولولا هذا الرجل ما كانت قد تعلمت ولا تخرجت من الجامعة ولا عثرت على وظيفتها التى سعى هذا الأب بكل علاقاته لأن تحصل عليها!
هذا الرجل بعد المعاش يقضى وقته بين البيت والمسجد ثم يعود لينام فى انتظار صباح جديد أو انتهاء أجله .. لا يتحدث معه أحد رغم أن زوجته ما تزال على قيد الحياة وتحصل على معاشها وتعتبر أن بقائه على قيد الحياة طال أجله وأن رحلته فى الدنيا يجب أن تنتهى .. كل فرد فى الأسرة الصغيرة يمسك بهاتفه المحمول ومع نفسه يعيش .. باختصار أردت أن أقول أن هذا الرجل لا يؤذى مشاعر أحد ولا يتدخل فى خصوصياتهم كما يقسم لى ويقول أنه يدعو الله بعد كل صلاة أن يكتب نهايته . هو والعهدة عليه يعيش داخل غرفته الصغيرة ويأكل من عمل يده ولا أحد يسأله إذا أكل أم لم يأكل وحتى ملابسه يغسلها بنفسه.


من جانبى يؤلمنى أن أنقل عن هذا الأب ذلك فهل هذا الوضع يشجع على الحياة .. هل هذه الابنة والابن يسعدهما ما آل إليه حال هذا الآب الذى يتمنى الموت كل ليلة وهو يشعر بوحدة ويتحسر على أسرته التى أفنى عمره لإسعادهم .. هل هذه الابنة سليطة اللسان راضية عن نفسها .. دعوة واحدة من أبيها عليها كفيلة بالا تعيش يوما سعيدا فى حياتها وهو لم يفعل .. يقول لى: أخشى أن تكون أبواب السماء مفتوحة فتعيش حياة غير مستقرة طوال عمرها.


حكاية هذا الآب محيرة بالنسبة لى وأسئلة كثيرة تدور فى ذهنى وأنا أستمع إليه .. أريد أن أسأله ماذا فعل مع أبيه وأمه .. هل كان ولدًا عاقًا حتى يتعرض فى نهاية عمره لهذا الموقف البشع؟
كأنه يجيب على سؤالى الذى لم أجرؤ على طرحه: لقد كنت احترم أبى وأمى كثيرًا ولم أتسبب لهما فى أى ضيق أو أذى .. كنت ابنًا مثاليًا .. من ناحيتى لا أشعر بميل إلى تصديقه لأن هذا الابتلاء الذى هو فيه قد يعود إلى فعل قام به يومًا ما فهو تعدى السبعين من عمره ورحلته طويلة فى الحياة .. الابتلاء فى الأبناء هو امتحان صعب ربنا يعافينا منه وأن يحسن ختامنا.