بدون أقنعة

ذكاء عبد الحليم حافظ

مؤمن خليفة
مؤمن خليفة

من يتتبع رحلة المطرب الراحل الكبير عبد الحليم حافظ سوف يدرك أنه كان يتميز بالذكاء ويسعى إلى التميز ورغم تعدد الأصوات الجميلة فى أيامه فقد نجح أن يتربع على عرش الغناء حتى وفاته وبعد وفاته ما يزال هو المطرب المفضل لكثيرين من عشاق الطرب الأصيل .. وما تزال أغانيه تتصدر قائمة الغناء فى مصر والوطن العربى .. فى المغرب العربى فإن حليم هو المطرب الأكثر مبيعا فى سوق الغناء .. وفى إحدى رحلاتى إلى الدار البيضاء نزلت إلى السوق لشراء بعض الأسطوانات كهدايا للأصدقاء وفوجئت بالبائع يطرح أمامى عددا كبيرا من الأغانى لحليم ومنها أغان نادرة وهو يقول لى أنها الأكثر مبيعا .. وعندما قلت للبائع أننى مصرى قال لى إن معظم بضاعته من الأغانى لأم كلثوم وحليم ونصحنى بشراء هذه التسجيلات لأننى لن أجدها إلا عنده .


حليم ظاهرة فنية فريدة ومشواره مع الغناء يستحق وقفة من كل مطرب يسعى لصعود سلم المجد .. عندما ظهر حليم لم تكن ساحة الغناء تخلو من أصوات مثل محمد قنديل وكارم محمود وعبد العزيز محمود ومحمد أمين وعبد الغنى السيد ومحمد عبد المطلب وسعد عبد الوهاب وجيل محمد رشدى ومحمد العزبى وعبد اللطيف التلبانى ومحرم فؤاد وماهر العطار ولحق بهم هانى شاكر .. كانوا يشكون أن حليم يضيق الخناق عليهم أو هكذا كانت الصحافة الفنية تنشر مثل هذه الأخبار وعندما مات حليم ظل مكانه شاغرا حتى الآن .
المطربة عفاف راضى قالت إنها شاركت العندليب إحدى حفلاته وفوجئت عندما دخلت إلى كواليس المسرح وجدته وسط مجموعة من الحقن وأسطوانة أوكسجين وكم كبير من الأدوية وبجواره طبيبه الخاص فقالت فى نفسها كيف سيخرج حليم على الناس ويغنى لهم فى هذه الحالة وما إن صعد إلى المسرح حتى وجدت شخصا آخر جبار غنى وأبدع وأمتع الناس رغم مرضه .


ظهور حليم أو العندليب مثل تحولا كبيرا فى الأغنية واللحن والكلمة .. أصبحت الكلمات رشيقة وجميلة وظهر جيل جديد من الملحنين منهم كمال الطويل ومحمد الموجى ومنير مراد والعبقرى بليغ حمدى وسبقهم الموسيقار الكبير محمد فوزى وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذى كان ذكيا أيضا فاعتزل الغناء وتفرغ للتلحين وقدم أغانى تعتبر من درر الغناء العربى لكل المطربين من أم كلثوم إلى حليم وشادية ونجاة وفايزة ووردة وغيرهم .


الكفاءة وحدها ليست معيارا للتفوق والنجاح .. لست أضعها فى خانة متأخرة من التقييم لكنى أقصد أن الإنسان بحاجة إلى ملكات أخرى ليكتمل نجاحه منها أن يتمتع بأخلاق عالية ومنظم ومخطط جيد لخطوته المقبلة ويمتلك الذكاء ويعرف هدفه جيدا والأرزاق أولا وأخيرا تخضع للمشيئة الإلهية.

كان محمد رشدى يقول دائما عن حليم أنه يعرف طريقه جيدا وبالفعل كان هذا صحيحا إلى حد كبير .. عندما بدأ بليغ حمدى تقديم ألحانه الشعبية لمحمد رشدى غير شكل الأغنية وصعد رشدى إلى عنان السماء بفضل هذا اللون الجديد بعد أغنية «عدوية» وبسرعة لعب ذكاء حليم دوره فطارد بليغ وعبد الرحمن الأبنودى ليكتب الأبنودى أغنية «التوبة» ثم غنى حليم «على حسب وداد قلبى» تأليف الصحفى صلاح أبو سالم وأغنية «سواح» من كلمات محمد حمزة ومن ألحان بليغ حمدى الذى قدم أولى أغانيه لحليم «تخونوه» كلمات الصحفى إسماعيل الحبروك عام 1965 ثم قدم مع الأبنودى «عدى النهار» و«أحلف بسماها وبترابها» .


ذكاء حليم جعله يسعى إلى احتكار بليغ حمدى وقامت بينهما صداقة كبيرة فقد كان حليم يصف بليغ بأنه أمل مصر فى الموسيقى .. حليم كان يبحث عن الكلمة الجديدة وبليغ يبحث عن الجملة الموسيقية التى تستفز الجمهور والاثنان كانا يتمتعان بذكاء فطرى .. حليم كصوت لم يكن أقوى الأصوات فى عصره لكنه كان من أبرز الأصوات وكان صديقا لملك المغرب وكبار الأمراء فى السعودية والكويت .