«أشباه الرجال».. قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم

«أشباه الرجال» قصة قصيرة للكاتبة الكاتبة أميرة عبد العظيم
«أشباه الرجال» قصة قصيرة للكاتبة الكاتبة أميرة عبد العظيم

انفرط العقد من رقبتها وتناثرت حباته في كل أركان غرفتها، انهارت، زرفت الدموع من عينيها، ترتعد ألماً فقد تبعثرت حبات الرمل من بين يديها وتحت قدميها، الخيانة ألقت بغبارها في وجهه منى، أنفقت كل مشاعرها تجاه رجل لم يعد يحمل من صفات الرجولة إلا كونها حروف هجاء لاسمه.

تعرفت عليه منذ زمن ليس ببعيد في فناء المدرسة الثانوية للبنات والتي كانت تعمل بها مدرسة أحياء وكانت وظيفته الأساسية وكيلاً لشئون الطلبة.

 

في البداية تعاملت معه كأي زميل يكبرها سنا ووضعا في وظيفته، أما هو فقد كان يبحث ورائها ويستفسر عنها وعن أحوالها الشخصية..

وفى فترة وجيزة استطاع أن يعرف عنها كل شيء كان يريد أن يعرفه ويبحث عنه

مطلقة...ميسورة الحال ليس لديها أولاد، وهكذا بدأت مرحلة رمى الشباك.

 

ففي صباح كل يوم كان يدعوها لتناول وجبة الإفطار معه بحجة أنه وحيد وليس معه أحد يهتم به ويجهز له وجبة الإفطار... وطبعاً يقوم بتحريك مشاعرها فلديه من المهارات التعبيرية ما يفتح الأبواب المغلقة ويأجج المشاعر المدغدغة.

استمر الحال هكذا حتى بدأت "منى “تولد شعور انسيابي، شديد اللهجة جداً تجاهه حتى أن وجوده في حياتها أصبح مثيراً للجدل حتى أنه صار يأخذ مسار إجباري وتعود لا تستطيع الاستغناء عنه، ولا تستطيع تعديل مسار حياتها إلا وهى معه.

 

وها قد جاء اليوم الموعود الذي طالما انتظره كثيراً لتحقيق أهداف كان يربوا إليها منذ أن عرفها، فقد طلب منها أن يتقابلا خارج نطاق العمل لأن المكان أصبح لا يليق بتلك الحوارات التي تنثرها القلوب المتعبة وتتأثر بها المشاعر المتأججة.. وبعد سجال طال لبعض الوقت استطاع بطبيعة الحال أن يقنعها بأن يتقابلا بعيداً عن أعين كل الناس نظراً لوضعهما الاجتماعي.. وأنه يخاف عليها أكثر من نفسه لأنها روحه وجنة حياته على الأرض.

كل هذه الكلمات المعسولة كانت ذلك الساحر الخفي الذي يتغلغل بداخلها ويسيطر على كل تصرفاتها سحر غمرها وأُجبرها على الذهاب معه إلى ذلك المكان المشؤوم والذي تبادلا فيه كل معاني الحب، والاشتياق.. بدون قيود وبلا حدود... وطبعاً بساتر من الحياء الخفي تلك الورقة الرابحة لكل أشباه الرجال (العرفي)

وكانت تلك اللقاءات تتكرر كثيراً وفى كل مرة كان يطلب منها مبلغ من المال بحجة أنه يواجه ضائقة مالية.. حتى أن المبالغ قد تعدت الحدود وصارت تقترب من أكثر من مئة ألف جنيه أو يزيد، حتى أنه في مرة من المرات أجبرها على بيع سوار الذهب الذي كانت تلبسه

وهنا بدأت منى تفتح عينيها وتعطى عقلها الفرصة ليفكر ويسأل عن مصير هذه الأموال

أين تذهب؟ وفي أي شيء تُصرَف؟

وقررت أن تواجهه بهذه الأسئلة بل وتخبره بأنها لم تعد تملك سوى راتبها الذي يعينها على المعيشة وبعد أن كانت توفر جزء منه للزمن أصبح لا يكفيها وضاقت عليها الأحوال

وفعلاً فعلت وواجهت ويا ليت تلك المواجهة قد حدثت قبل أن تتسرب أموالها من بين يديها وهى معصومة العينين مسحورة القلب والقالب.

في ذلك اليوم علمت بأنه متزوج وزوجته مريضه وتحتاج إلى نفقات علاج مكلفة وراتبه لا يكفي، ما كان أمامها إلى أن تصدقه وترضى

وعندما فكرت قليلاً قالت له أكتب لي وصل أمانه بكل مبلغ وصلك مني، لم يُبد أي اعتراض وفعلاً كتب لها وصل الأمانة بكل المبلغ

وانتهى اليوم وحل الظلام في ليلة كانت تظن أن القمر قد اكتمل لينير أرجاء السماء، وذهب كل منهم إلى حيث أتي.

 

وفى الصباح الباكر ومع بزوغ الشمس ذهبت إلى المدرسة، وتوجهت كالعادة إلى غرفة السيد الوكيل وإذا بالمفاجأة التي لم تتوقعها على الإطلاق، يوجد شخص آخر يجلس على المكتب، استدارت سريعاً تسأل زميلتها: من هذا؟!

أجابت بصوت منخفض جدا: الأستاذ أحمد الوكيل الجديد

مكملة حديثها وقبل ما تسألي الأستاذ سامي سافر فرنسا، وفى ذهول زاغت فيه الأبصار، أكملت صديقتها الحديث إنتِ متعرفيش، ما هو بيعرف واحدة هناك وأرسلت له وسافر لها.

 

سريعاً خرجت منى من الغرفة ومن المدرسة وفى رحلة قصيرة للعودة إلى منزلها صعدت إلى ربوة عالية بخيالها وتذكرت كل ما حدث وانتزعت العقد من رقبتها وتناثرت حباته وتناثرت معه ذرات الغبار الذي تركها "سامي" في كل مكان بعد أن عكر صفو الوداد ومعاني الصدق والوفاء.