بعد انتشارها.. خبير أمنى: لدينا أجهزة أمنية متطورة تلاحق صفحات استدراج الفتيات

اللواء أحمد طاهر
اللواء أحمد طاهر

  لا تزال الأسئلة تتوالى على عقلي؛ هل مثل هذه الصفحات المشبوهة يستطيع الأمن رصدها؟!، وكيف يمكن الوصول إليها وتتبعها خاصة وأن الأمر يبدو وكأنه مثل التعارف بين الشباب من الجنسين على الإنترنت؟!، وما التهمة التي يواجه بها الشخص أو الفتاة في مثل هذه الحالة؟!، وكيف نحمي فتياتنا من الوقوع في براثن هذه العصابات الإجرامية؟!، وهل هناك جرائم من هذا النوع تم ضبطها؟!، تواصلنا مع  اللواء أحمد طاهر،الخبير الأمني ورئيس مؤسسة دارك شيلد للجرائم الإلكترونية.

قال بداية: «أولا يجب أن نوضح أن هناك فرقا كبيرًا بين المواقع الإلكترونية المتخصصة في الأعمال الجنسية وتعمل على ترويجها وتسهيل التعامل معها بمقابل مادي وبدون تمييز؛ فتلك مواقع جنسية صريحة، نشاطها الأساسي التعامل مع الجنس كسلعة وهدف ومع البشر نساء ورجال كسلعة ووقود لتلك التجارة، وما بين المواقع الخاصة بالتواصل الاجتماعي؛ كفيس بوك وتويتر ويوتيوب وانستجرام؛ فتلك المواقع ليست مواقع جنسية وتضع شروطًا تمنع خلاله التعامل في الجنس والدين والسياسة، ورغم ذلك تحولت إلى أهم المنصات الإباحية داخل المجتمعات المختلفة، ويمارس عليها كافة أوجه التبادل الجنسي بين الرجال والنساء وما بين الشواذ جنسيًا وادمان المخدرات ولاتتعرض لمستخدميها إلا في وجود بلاغات بذلك».

وأضاف: «اتضح أن أكثر من 34% من الشباب من الجنسين متواجدين على شبكات التواصل الاجتماعي بهدف التعارف والعرض الجنسي، ٣٢% من المتزوجين لذات الغرض.. وأصبحت تلك المواقع تحمل محتوى ضارًا وخطيرا جدا على صغار السن، بسبب سماح ذويهم باستخدام تلك الوسيلة باعتبارها آمنة، إلا أنهم وفي طريقهم للبحث أو خلال صديق لهم سبقهم للبحث عن الصور والمقاطع الإباحية؛ فيجدون أنفسهم ينجرفون بقوة له ويدمنون الجنس المبكر من خلاله مما يدمر طفولتهم».

جرائم إلكترونية

واستكمل قائلا: «ومن خلال خبرتي السابقة بالعمل الشرطي خاصة في مجال مكافحة الآداب العامة، تمكنت من رصد تلك الظاهرة وكان تواجد الصفحات الخاصة بالفتيات اللاتي يعلن عن أنفسهن للممارسة الجنسية بمقابل مادي وبدون تمييز للكافة أمرا ملفتا وخطيرًا وجديدا على المجتمع، والأخطر من ذلك أنه لم يكن هناك نص في القانون يجرم ذلك في حينها؛ فكنا نجد المصادر السرية لاستدراج هؤلاء الفتيات والحصول على صورهن وأرقام هواتفهن والمقابل المادي اللائي يرغبن في الحصول عليه ومكان عقد وترتيب اللقاء الجنسي من خلال المحادثات، وكنا نعتمد في ذلك الوقت على القانون القديم الخاص بجرائم الآداب، والذي  صدر في 1961، حتى صدر قانون الجريمة الإلكترونية وأطلق عدة قوانين مكنتنا من استهداف مالكي تلك الصفحات لكن بالطبع عقب استدراجهن وذلك لعدم وجود تعامل فعلي مع المواقع والتطبيقات الإلكترونية ووجودها خارج الدولة المصرية».

متابعة مستمرة

وأوضح قائلا: «مع تطور الوقت اختلط الحابل بالنابل تماما وتحولت شبكات التواصل الاجتماعي إلى منصات للقاءات الجنسية والتعارف والتقارب الجنسي الإباحي وأصبحت منصات خلفية يتم من خلالها عقد وترتيب اللقاءات دون قدرة الأجهزة الأمنية لا في مصر ولا في غيرها من دول العالم على تتبع تلك اللقاءات المجرمة والمحرمة؛ مما أعطى للممارسين لتلك الأعمال حماية كبيرة وقدرًا كبيرًا من الأمان النفسي في الانطلاق وارتكاب تلك المحرمات وهم على قدر كبير من الثقة أنهم سيفلتون من العقاب ورغم ذلك الجهات الأمنية داخل مصر كانت قادرة من خلال ضباطها المدربين بالإدارة العامة لمباحث الآداب وتكنولوجيا المعلومات من ضبط الكثير من القضايا».

وأضاف: «هنا أدركت العصابات الإجرامية أهمية الوضع ووجدت ضالتها، فشكلوا مجموعات اجرامية منظمة وقادرة على انشاء الكثير من الصفحات النشطة والممولة تحت مسمى شركات التوظيف أو شركات تجهيز فتيات للعمل كعارضات ازياء أو كموديل للإعلانات والسماسرة هنا اخطر حلقة فى هذه الشبكات، وبدأت تلك العصابات في استدراج الفتيات وأغلبهن خرجن من بيوت مهتزة اجتماعيًا ولا يوجد بها رقابة عائلية؛ فكانت المصائب وسهولة الاصطياد فيقعن أولا في براثن تلك العصابات ثم بهدوء وبالتدريج يجدن أنفسهن وقد أصبحن في قلب الحدث فتم تصويرهن مقاطع جنسية ووقعنا في ادمان متكرر لعلاقات جنسية تدر عليهن أموالا ولا يعلمن أنهن وقعن في براثن جماعة إجرامية منظمة تخصصت في تجنيدهن واستقطابهن ويقومون بالإتجار بهن للتحصل من وراء ذلك على أموال كثيرة، واحيانا يتم بيع الفتاة وهي لا تعلم أنها خضعت لعملية بيع وشراء وتجد نفسها تعمل في ظل عصابة أخرى وفي بلد آخر، وفي هذا النطاق كانت مصر سباقة وأنشأت إدارة متخصصة في الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، وتمكنت من ضبط الكثير من تلك التشكيلات الإجرامية المنظمة».

فسألناه: هل الأجهزة الأمنية داخل مصر متطورة لدرجة ملاحقة تلك الصفحات وضبط أصحابها؟، فقال: «سؤال مهم جدا، ويجب الرد عليه بكل صراحة ووضوح؛ وزارة الداخلية لديها إدارات أمنيةعلى أعلى مستوى ولديها خبرات أمنية وجيل جديد من الضباط والضابطات والمهندسين خريجي كليات الهندسة والبرمجة الإلكترونية؛ فكانت الإدارة العامة لحماية الآداب وأقسامها المتخصصة في المكافحة الدولية لجرائم الآداب والجرائم الإلكترونية بجانب إدارات مواجهة جرائم الآداب داخل الدولة المصرية، وإنشاء إدارة متخصصة في رصد ومتابعة المواقع الإلكترونية وفحصها والعمل على إيقاف نشاطها في مصر وضبط المتعاملين من خلالها أو الداعمين لها، وهناك الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات وكان لها ضربات أمنية خطيرة وبها مكاتب فنية متطورة، أيضا الإدارة العامة لمكافحة جرائم الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية والتي من خلالها تم إنشاء إدارات متخصصة في كل محافظات الجمهورية وأفرع مستقلة لمواجهة تلك النوعية من الجرائم، وتلك الإدارات تعمل في صمت ولا يتم نشر أي من مجهوداتها إلا من خلال الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية.. بجانب أجهزة الرصد والمتابعة بالنيابة العامة وفريق عملها الالكتروني الضخم والمهيئ لمتابعة كل الجرائم الالكترونية ومتابعة الإجراءات القانونية وتكليف الأجهزة الأمنية بكل قطاعات وزارة الداخلية للمتابعة والضبط واتخاذ اللازم، وكان دائما القضاء المصري الذي ترجم كل تلك الجهود فكانت الأحكام والعقوبات الرادعة التي أعادت للوطن هيبته وحافظ على قيم وأخلاقيات المجتمع المصري ودافعت عن صورة مصر بالداخل والخارج».

فسألناه، كيف نحمي الفتيات من الوقوع في جريمة الإتجار بالبشر؟، فقال: «منذ فترة وقبل سيطرة المواقع الإلكترونية والتطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي على كل مناحي الحياة وعقب ظهور الذكاء الاصطناعي الذي معه انتهت تماما مقولة الأمن الشخصي أو السرية تمهيدًا للعالم الشفاف الذي سيتمكن من العالم ويحكمه، أرى أن مقولة دور المجتمع والمدرسة في التوعية أصبحت أمرًا ثانويًا ومحدودًا، وأصبح مسؤولية الأمن الاجتماعي الإلكتروني اللصيق مسؤولية الأهل أنفسهم، وأصبحت خصوصية اطفالنا وقيامهم بوضع ارقام سرية على هواتفهم أمرًا مرفوضًا تمامًا وغير مجدي بل مدمر تماما، ويجب أن تعلم كل ام ويعلم كل اب أن مراقبتهم لسلوك ابنائهم في الغرف السرية المغلقة والعوالم الخفية والسفلية أمرًا هاما جدا حتى لا يفيقوا ويجدون أولادهم ضحية الشذوذ الفكري والجنسي أو الإلحاد الديني، أو يجدونهم ضحايا لجرائم ارتكبها تشكيل إجرامي منظم من عدة دول أجنبية مع أطفالهم وهم جالسين داخل غرف نومهم وبين ألعابهم ظنًا أنهم في أمان».

من الواقع

ويسترجع اللواء أحمد طاهر شريط ذكرياته متذكرًا قضية مهمة جدا لها علاقة بموضوع المغامرة، وقص علينا حكاية فتاة وقعت في شبكة دولية للإتجار بالبشر، فقال: «وردت معلومات عن وجود عصابة إجرامية منظمة تقوم بتسفير الفتيات إلى إحدى الدول العربية للعمل في مجال الدعاية والتسويق وبعضهن كعارضات ازياء لشركات ملابس عالمية.. تم البدء في الفحص وتكوين رؤية لكيفية تكوين تلك الشبكة وكيف قامت بتجنيد الفتيات وتسفيرهن للخارج، اتضح أن الأمر بدأ كإعلان توظيف عادي على شبكة الفيس بوك، وان ثلاث فتيات وشاب تم تجنيدهم من خلال إحدى الشبكات خارج مصر ولم يتقابلوا ولم يعلموا ابدًا بأنهم تم تجنيدهم واصبحوا طرفًا في تشكيل إجرامي منظم للإتجار في الفتيات وكانوا يستقبلون عروض التوظيف ويتم إرسالها لرؤسائهم بالخارج وتفاصيل الفتاة وصورتها وكل بياناتها من خلال استمارة يتم ملؤها وصور عدة وهن متبرجات ويرتدين ملابس سهرة عادية جدا، وهنا يقع الاختيار على الفتاة التي يرغبون في تسفيرها ويرسل لها على الايميل بشرى جميلة باختيارها عارضة أزياء مع ارسال تذكرة طيران إلكترونية وحجز فندق شيك، وتظن الفتاه أنها وصلت للمجد وأن طموحها قد تحقق ولا تعلم أنها وقعت ضحية طموحها الضعيف وفي براثن جماعة إجرامية منظمة وفي غفلة من الاهل تمامًا.

 وكان من ضمن الضحايا طالبة جامعية عندما فحصنا حالتها كانت تقيم بمنطقة على أطراف القاهرة ومن عائلة متوسطة الحال ومحترمة جدا والفتاة طالبة جامعية بإحدى الكليات خارج القاهرة وتقيم بإحدى الشقق الخاصة هي ومجموعة من الفتيات للدراسة واعتادت أن تتغيب عن أهلها لأكثر من شهر ولا يبقى بينهم سوى التواصل الهاتفي أو المحادثات للاطمئنان فقط ولم يعلم أهلها أن ابنتهم وقعت ضحية إتجار وأنها غادرت البلاد وسافرت وقامت بالخارج لمدة 20 يومًا وأنه تم الإتجار بها ومارست افعالا ما كانت تحلم أن تقوم بها وتتنافى تماما مع اخلاقها ولا تعرف حتى كيف حدث ذلك، وعندما وصلنا للفتاة وأهليتها تبين أنهم لايعلمون أي شيء عن الأمر وأن الفتاة منذ عودتها من الخارج تحولت إلى مجرد حطام آدمي غير راغبة في الحياة وعندما تحدثت إليها عن تجربتها وهل تعلم أي شيء عن الفتيات وجنسية أفراد التنظيم بالخارج بجانب من تم ضبطهن ابتسمت وبكت وقالت إنها لا تعرف غير متهم واحد فقط ومازالت على تواصل معه، فظننت أنني وجدت ضالتي فوجدتها أمسكت بهاتفها وقالت كل شيء بدأ من هنا وانتهى من هنا ولا اعرف من أرسل تذكرة الطيران ولا اعرف من حجز الفندق الفاخر لي ولا اعرف كيف انحرفت هناك وأصبحت اقوم بأفعال لم اظن يومًا اني سأفعلها وقالت إنها مارست اعمال الدعارة دون إجبار فقط حاولت مجاراة الجو والاستمتاع؛ فوجدت نفسها وقد أصبحت عاهرة بمعنى الكلمة، وأصيبت باكتئاب شديد وتركت جامعتها وأصبحت مريضة نفسيا تعالج بالأدوية والمهدئات، فغادرتها دون كلمة واحدة لكونها ضحية وأن شهادتها لا تجدي لعدم وجود اي معلومة لديها بجانب مرضها وفضلت غلق صفحتها تجنبًا للفضائح ولكونها مريضة واستكملت قضيتي».

وعن خطوات الإبلاغ عن تلك الصفحات أو الأشخاص، فقال: «يتم الإبلاغ في الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات، أو الإدارة العامة لمباحث الآداب، وهي جهات معنية قامت بضبط مئات القضايا من قبل بنفس الأسلوب».

واختتم اللواء طاهر حديثه موجهًا تحذيرًا ورسالة لكل أب وكل أم، فقال: «ورغم كل هذا الأمر خطير جدا وادق ناقوس خطر أتمنى أن يسمعه الآباء والأمهات؛ فالشيطان يدخل لأولادكم في غرف نومهم وانتم غافلون وما أكثر الفتيات اللاتي انحرفن وما أكثرهن اللاتي انسحبن لممارسة الدعارة والفسق على غفلة من الزمن وما أكثر من تم الإتجار بهن وهن لا يعلمن ذلك، وما أكثر الأطفال الذين علموا معنى الشذوذ الجنسي من خلال فيلم كرتوني أو صديق شاذ، والأهل في غفلة عن ذلك؛فليس كل من يرتكب جريمة يضبط صاحبها فقد ينجرف أولادنا للرذيلة وتنجرف معهم أخلاقهم وتدمر الأسر والمجتمع دون حتى أن ندرك متى ولا أين ولا كيف حدث ذلك»؟!

اقرأ أيضًا : صفقة مع إبليـس .. شبكة دولية لاستدراج المراهقات عبر الإنترنت

;