«الجسر!» قصة قصيرة للكاتب محمد نبيل

الكاتب محمد نبيل
الكاتب محمد نبيل

بعد غياب تخطى الأربعين ليلة تعانى الأسرة بأكملها لوعة الفراق, ومع اقتراب شمس الثاني من رمضان من ملامسة الجانب الآخر معلنة بداية الخيط الأسود,  يدق قلب الزوجة المستكينة – القوية - إيذانا باقتراب الحلم الذى طالما ما يؤجج بعض الأشياء وتجبرها صاحبتنا على الغوص فى أعماقها لتخفيها بعض الوقت,

وعبثا تعاود الطفو لتفرض تلك الأشياء وجودها المحتم, وتستسلم الحبيبة للانقسام ما بين ما تعيشه فى خلاياها, وبين ما تعانيه بين يديها, ومع صخب الجدل تتسلل أصوات محرك السيارة الخضراء العتيقة, لتنتبه السيدة منهية حالة الجدل, وتمسك بتلابيب قلبها علها تكون رسائل بشائر وليست أوهام كعادتها, إنما هذه المرة يزيد على مسامعها مسحات أقدامه على الدرج التى اعتاد أن يفعلها وكأنه يترك على عتبات السلم عناء ما مضى, وينفض عن كاهله ما تنوء به العصبة أولوا القوة, ويخفق القلب حنينا له,

متمتمة : إنه هو, وليس حلماً يقظاً

 تكرر الولهانه : نعم هو , وتخطو كمهرة فى عنفوانها تستبق الباب قبله لتكون فى انتظار القدوم المأمول, يتاصافحا بأجفانهما لتتشابك سطورا من العتاب والوجد والصفح, ولا يبقى على الأرض منها شيئا إلا أطراف أناملها تلامس الأرض دفعاً لأعلى هرباً منها إلى سماء العشق اللا محدودة,
وهو يتأبطها كأنهما نحتا جمالياً لعاشق الأزميل مختار, ليصيرا للحظات جسداً واحداً, ترتفع تكبيرات الأذان ويجلسا على الأرض - كما اعتادا - تسبق يدها يداه إلى فيها, ويغرقها قبلات بالنظرات, هذا الفارس تأبى بواطنه أن تتكشف أمام صغاره, ويقترب منها همسا، فتبتسم وتتجمد الابتسامة إلى أن تخفوا خلف أحزان - سريعا ما استقرت على جبهتها الوضاءة - إنه سيغادر صباحا وربما قبل ذلك، وكأن المجئ كان سرا وفى ستر الليل العاشق, ويدخل الرجل فى صلاة تهجد وتغفوا المرأة فى طمأنينة نادرة الحدوث إلا فى وجود فارسها, وتصحوا على وكزة من رؤية أليمة وتسرع إلى العابد على مصلاه فتتحسسه بنظراتها طويلاً فيقاطعها في اهتمام: أحدث شئ للجسر؟

فتنفى فى بطء مشيرة برقبتها يمينا ويساراً كأنها تمحو ما ارتسم امامهما من صورة .

فيسارع العابد رافعاً راحتيه الى السماء مبتهجاً : الحمد لله.

وما هى إلا أياما معدودات، ويطرق الباب زميل يحمل البشارة ويفسر الرؤيا للمستكينة القوية !

مد الرجال الجسر وإصابة العدو، فأصر الفارس على إصلاحه بنفسه حتى عبر الرجال من جديد وصعد هو إلى السماء.

اقرأ أيضا | «يوميات قاض16» قصة قصيرة للكاتب المستشار بهاء المري