د. زينب العسال تكتب زهيرة:أيقونة الحرافيش بين التمــرُّد.. والضيـاع

د. زينب العسال تكتب زهيرة:أيقونة الحرافيش بين التمــرُّد.. والضيـاع
د. زينب العسال تكتب زهيرة:أيقونة الحرافيش بين التمــرُّد.. والضيـاع

تعدَّدت أنماط المرأة فى (ملحمة الحرافيش)، بدايةً من زينب وفلة زوجتى عاشور الناجى الكبير، وقمر، وسنية السمرى، ورضوانة، وكريمة كودية الزار، وعزيزة، ورئيفة، وفتحية أم البنات، وزينب، ومهلبية، وألفت، وزينات، ومحاسن بائعة الكبدة، وحليمة البركة، وعشرات غيرهن.


لعبت المرأة فى (الحرافيش) أدوارًا ثانوية، أو محرِّكة، من وراء حجاب لحياة الرجال، غالبًا ما كان دورها سالبًا فى مجرى أحداث الحكايات، أدَّت إلى هدم القيم الراسخة التى آمن بها أهل الحرافيش، وكانت سببًا فى تقويض فكرة الفتونة، وانهيار ما أرساه عاشور الناجى.

اقرأ ايضاً | نساء نجيب محفوظ


كانت المرأة وراء الانحرافات الجارفة فى مصير أبناء وأحفاد عاشور الناجي، سواء بالإغراء ماليًّا، أو الإغواء بالجسد، أو تنشئة أبناء وأحفاد الناجى على النعيم والتجارة، لا على أسس ومفاهيم الفتونة، فانكسرت هذه السلالة أمام الجاه والمال، وصارت الحارة تابعة لفتوَّات حارات أخرى، أو استولى على الفتونة رجال ليسوا من صلب عاشور الناجي، وبدا أن المرأة وراء انهيار القيم الذكورية المرتبطة بالفتوة.


ترى لماذا أطلق نجيب محفوظ على حكاية زهيرة «شهد الملكة»؟ 
أعتقد أن العبارة أطلقت على الحكاية، لأنها تلخِّص حياة من كانت حياتها أشبه بملكة النحل، الملكة التى يعمل الجميع على خدمتها، الشغيلة تهيِّئ للملكة حياة تتفرَّغ فيها لوضع البيض، دون أن تتابع حضانته، أو تقوم بدور الأمومة، الدور المنوط به الشغالات، تتزوَّج الملكة «النحل» وبعد تلقيحها، يموت ذكر النحل، فقد انتهى دوره. تتمتَّع الملكة بجمال، يميِّزه كل مربى النحل، فهى أكبر حجمًا، وتكوينها التشريحى يختلف عن تكوين الشغالات، ودائمًا ما يتحلَّقن حولها لحمايتها.


أليست حياة زهيرة مثل ملكة النحل؟
إن كل امرأة تقترب منها لها دورها فى حياة زهيرة، بداية من نساء الحارة: أمها، والكودية، والداية، وصولًا إلى نساء بيت عاشور الناجى -عزيزة ورئيفة وألفت- بينما ضاع أو مات كل ذكر اقترن بها.


بدأت الحكاية بنتائج ما حدث فى الحكاية الخامسة «حكاية قرة» التى تبدو مكملة للمشهد، تبرز «زهيرة عاشور» البطلة بدون منازع فى الحكاية السادسة تحت عنوان «شهد الملكة»، فهى محرك الأحداث، بل تقلب الأوضاع رأسًا على عقب، بدايةً من تتبُّع سيرتها منذ كانت فى السادسة من عمرها. بعد موت أبيها أحد عمال وكالة «عزير الناجي» نسب والدها بصدق إلى آل الناجى أنه من نسل الناجى الكبير، أحد أحفاد فتحية أم البنات، زوجة سليمان الناجي. تزوَّج أخواتها، أجرى عزيز قرة الناجى معاشًا لأمها، وعاشت زهيرة فى داره ترعاها أمه «الست عزيزة» وزوجه ألفت. 


بدأت حكاية «شهد الملكة» بموت الفتوة «وحيد» ووصول «نوح الغراب» فتوة جديدًا للحارة، قنع نسل عاشور الناجى بأن يكونوا أتباعًا، قسم وسطهم الفقر والبؤس ذابوا بين أهل الحارة، لا حول لهم ولا قوة.


فى هذه الحكاية تهيمن النساء على مجريات الأمور، بدايةً من «زهيرة» الطفلة ثم الفتاة، والست عزيزة التى عاشت فى كنفها زهيرة ما يقرب من عشر سنوات، وألفت زوجة عزيز، ورئيفة العدو اللدود لعزيزة. 


تبدَّل حال الطفلة التى انتقلت للعيش فى الفردوس، تعلَّمت شئون البيت، وحرصت الست عزيزة على أن تذهب إلى الكتاب، وظهر لون جلدها الحقيقي، سكتت الحكاية عن مواصلة الفتاة تعليمها، عبقرية الحكى هنا تكمن فى الصمت التام لتلك التحوُّلات، الحادثة تحوِّل الطفلة فتصير فتاة، والمدهش أن الطفلة لم تلتقِ صاحب الدار إلا عندما أعلنت أمها أن «عبد ربه الفران» يريد الزواج من زهيرة.


عبر عبارات سريعة وموحية، نعلم أن زهيرة حظيت بمعاملة خاصة، فهى لم تكن من الخدم أو الجواري، مما جعلها قريبة جدًّا من «عزيزة هانم» و«ألفت» زوجة عزيز، فقد شفع لها اسم «عاشور» ونسبها البعيد غير المؤكد إلى أسرة عاشور الناجي! 


دخلت الفتاة متسربلة بالحياء والارتباك، وقفت عند الباب، نظر نحوها.. كيف دفن هذا الكنز فى جناح أمه” هل شعرت أمه بهذا الجمال؟ تحرَّكت النوازع الدفينة فى نفس زهيرة خجولة مرتبكة، ثم أعلنت عن نفسها فى سفور واضح لكل ذى عينين!


لم تبتعد الحكاية السادسة “شهد الملكة” من الخط الرئيس؛ الصراع بين قوى الخير والشر، زاد على ذلك صراعات بين العاطفة والعقل، بين الجسد الجموح، والبيئة المحيطة، بين امرأة تعرف كيف تستثمر جسدها لإيقاع الرجال فى أحابيلها؟ 

كانت زهيرة إنسانة لها رغباتها ونزواتها، كبتتها فى سبيل الوصول إلى السلطة والمال، تمرَّدت على وضعها الاجتماعي، لكنها لم تعتمد على ذاتها فى نيل ما تبتغي، كان الرجل هو سبيلها للارتقاء إلى طبقة الهوانم، أولاد الأصول.


كان زواجها نتيجة اتفاق – فى طفولتهما - بين أسرتها وأسرة عبد ربه الفران، تزوجت من عبد ربه الفران الكسيب كما رأت أمها، وهو رجل من طبقتها، كان يعدها زوجة المستقبل، بهر من جمالها، لكنه عاملها كسيد، وصاحب كلمة، انتقلت من دار عزيز الباذخة إلى بدروم عبد ربه، لكنها -بذكائها وفطرتها- وعت بأن ما عاشت فيه لم يكن إلا فندقًا لا تملك فيه شيئًا، هى الآن سيدة هذا البدروم، وهذا الرجل الذى لم تقنع به، هو زوجها على كل حال. 


حاولت الحكاية اختبار فكرة العدالة التى رسخها عاشور الناجى فى الحكاية الأولى، والتى ثبت أنها تزعزعت مع الأجيال التالية من آل الناجي، حيث تزوجت الفتونة مع المال والسلطة، لكنها ظلت ممثلة فى النبيل عزيز ابن الست عزيزة إسماعيل البنان، التى أراها وجهًا آخر لعائشة فى «الثلاثية»، الهدوء ومسحة الحزن التى تأكَّدت تمامًا بموت الابنة الوحيدة «نعيمة»، المصير واحد، غير أن عزيزة واجهت مؤامرات أختها رئيفة التى تماثلها فى القسمات والملامح، لكن نظرة عزيزة ثابتة وهادئة وموحية بالطمأنينة، أما نظرة رئيفة فقلقة خاطفة البريق، كأنما تستقرئ أعين الآخرين بلا توقُّف، ويلوح فيها ذكاء أسود، الحكاية مرتبطة بالحكايات السابقة، والشخصيات الجديدة تستعيد أدوار شخصيات راحلة، أو غيَّبها السرد عن عمد، والخلاف المكتوم بين رئيفة وأختها عزيزة يصير مكشوفًا، كما يكشف سر اختفاء قرة زوج عزيزة، ويعاد دفنه فى جنازة مهيبة، وخرجت الحارة كلها لوداعه الأخير.


«زهيرة» شخصية درامية، تتنامى بذورها فى السعى لامتلاك السلطة والقوة والجمال والمال، كان من الممكن أن يتحقق لها كل ذلك، إلا إنها اصطدمت بأمرين: 
الأول: ممثلًا فى رئيفة كقوة أكثر شرًّا وسوادًا، لم تنسَ يومًا أنها وقفت بجوار «زهيرة» ضد زوجها الأول عبد ربه، الذى انصاع لأمرها وطلق زهيرة، لم تحفظ زهيرة هذا الجميل، وتزوَّجت من محمد أنور التاجر، رغم رفض رئيفة إتمام هذه الزيجة، ثم موقف رئيفة من زهيرة، وعدم الاعتراف بوضعها الاجتماعي، بعد زواجها من محمد أنور، ومعايرتها بأنها خادمة، وغضب زهيرة الشديد وتمرُّدها، كان تمردًا لم يتدبَّر العواقب، فهى لم تتسلَّح بالمعرفة والمكر الذى تسلَّحت به رئيفة، ولا بالتسامح والطيبة اللذين تسلَّحت بهما عزيزة، ولم تصُن النعمة، كانت ذات نفس شرهة ونهمة لمباهج الدنيا المحقِّقة للسلطان وشهوة التملك، بدا الرجل هو الداعم الأساسى الذى اعتمدت زهيرة عليه فى تحقيق الثراء، لم تدِر تجارة، ولا ربَّت أبناء يرثون مال أبيهم، لم تعطف على فقراء الحارة، إلا من باب إظهار أنها صاحبة نعمة. 


إن سقطة زهيرة تماثل سقطة البطل التراجيدى فى الدراما الإغريقية، أن تكون فتوة الحارة، وتعيد سيرة جدها الأول عاشور الناجي، كيف لها ذلك وهى لم تقترب من التكية، ولم تؤدِّ فروض الفتوة، ولم تؤمن بالعدالة بين أهل الحارة، حتى مقام الحسين لم تزُره إلا لإظهار جمالها، وثرائها.


على صعيد آخر نجد أن زهيرة هى التى تزوَّجت بأكثر من رجل، عبد ربه الفران الذى أنجبت منه جلال صاحب الحكاية السابعة، والثانى محمد أنور التاجر الذى لم تحبه قط. استشعرت فيه ضعف الشخصية، وهشاشتها، أنجبت منه راضي، وتزوجت فتوة الحارة «نوح الغراب»، ثم تزوجت عزيز قرة، وأنجبت منه شمس الدين. مات، ولم يبلغ ثمانية أشهر.


نالت نساء الحرافيش الاحترام، إما بمواصلة تربية الأبناء بعد وفاة الأزواج، أو اختفائهم، أو الامتناع عن الزواج تمامًا حفاظًا لذكرى الأزواج، بينما زهيرة لم تُعِرْ للأمومة وزنًا، لم نشهد موقفًا واحدًا يؤكد أمومتها، وحرصها على تربية أبنائها ورعايتهم، قدر حرصها على ما ستجنيه من زيجاتها، حاول محمد أنور استرضاءها، والسيطرة على غضبها وجنوحها، وتمرُّدها على الأعراف بالخروج من بيتها دون إذنه. تملك دارًا من ثلاثة أدوار ومحل فول، بينما طلق الفتوة زوجاته الأربع كى ترضى بالزواج منه، فحُرِمن من ميراثهن بعد أن تآمر على قتله مأمور القسم.


وإذا كان جلال وشمس الدين قد بحثا عن الخلود، فإن أمهما زهيرة بحثت عن القوة والجاه والفتونة، بحثت عن المجد الدنيوي. لم تعطِ لعاطفة الحب أهمية فى حياتها، استشعرت أنه قوة مضادة لطموحها، ومعرقل لتحقيق أمنياتها، جعلت الرجل يذوب عشقًا فى جمالها، وتدلَّلت على كل الرجال، أظهرت ضعفها أمام عزيز كى يتمكَّن حبه لها من قلبه ووجدانه وعقله، رفض نصيحة أمه بعدم زواجه من زهيرة، هى فى نظرها، ونظر أهل الحارة – الحرافيش - نذير شؤم، جن زوجها الأول، واتهم زوجها الثانى بالشروع فى قتلها، فاختفى فجأة، وقتل الفتوة «نوح الغراب» قبل زفافه بها، ولأول مرة يخالف عزيز رغبة أمه، ويكسر قلب زوجته ألفت.


هل بظهور «زهيرة» درة نساء الحارة تعود الفتوة إلى بيت «عاشور الناجى» فى ثوب جديد، إنه ثوب أنثوى هذه المرة! تتحدَّى الجميع بجمالها، فيقع فى هواها المأمور والفتوة معًا، ويقع الصراع، قلما اجتمع فى امرأة من نساء الحرافيش «الرواية» الجاه والجمال والقوة، لكن «زهيرة الجميلة كان ينقصها عقل وحكمة عزيزة، وقناعة فلة وعجمية، وقليل من زهد ضياء، إنها قريبة الشبه برئيفة المحبة والمتمردة والمدبرة، غير أن زهيرة اعتمدت على أنوثتها طريقًا للوصول إلى غايتها، كان سلاحها الوحيد دخولها وتحرُّشها بعالم الرجال» (المرأة بين الواقع والفتونة فى ملحمة الحرافيش، زينب العسال أجيال من الإبداع).

 
ويظل السؤال قائمًا: هل كانت زهيرة تطمع فى الفتونة؟ أن يدين لها الجميع بالولاء؟
تقول رئيفة: «أود أن أرى امرأة وهى تصارع الرجال». دارت زهيرة ابتسامة، واشتعلت فى قلبها نيران غامضة»، (الحرافيش)،لم ينعم الفقراء بما منحه الله لهم من جمال، فعبد ربه يقول لزهيرة فى حزم: “اليد البطالة نجسة”، مع الأيام لم يكن عبد ربه الرجل الذى تذعن زهيرة لكلمته، إضافةً إلى ما حقَّقته من استقلال مادي، وهى تختلف عن محاسن بائعة الكبدة، قبل المجتمع حراك محاسن لتنضم إلى طبقة أخرى، فتاجرت فى دكان الغلال، أما زهيرة فلم يغفر لها مجتمع الحارة أنها خادمة وبائعة حلوى، رفض مظاهر القوة والجاه، فاقتربت بذلك من حليمة البركة بائعة المخلل وصانعة المفتقة. (أجيال من الإبداع، مرجع سابق).


قالت: “أنا العقل، أنا الإرادة، أنا الجمال، أنا الفوز. ظلت تطمح إلى المزيد. لم ترضَ بما حصلت عليه، وحيَّرها سؤال لحوح: ماذا عليها أن تفعل، كى تخلق لنفسها سيرة فذة، لم تحظَ بها امرأة من قبل؟ 
كانت زهيرة أول امرأة يدخل ضابط شرطة لأجلها الحارة، وأول امرأة يقتل بسببها فتوة عظيم، وأول امرأة من الحرافيش ترتقى إلى مصاف الهوانم، بل وتتزوَّج أحد وجهاء آل الناجي، تصير ضرة لامرأة من الهوانم «ألفت الدهشورى». كانت زهيرة تحديًا سافرًا للمألوف والعادي. 


كم هى محيِّرة هذه المرأة، قوتها كانت السبب الأول فى نهايتها الأليمة، وظلت الحارة تلوك سيرتها طويلًا، قال الحاسدون وما أكثرهم بأن زيجتها الجديدة صادفت مصيبتين، وجرت ست مصايب، صادفت موت رمانة، وانتحار رئيفة، وجرَّمت محمد أنور، وسعت لتطليق أربع نساء، ومصرع نوح الغراب، فأى شؤم يسير بين يدى هذه المرأة الجميلة التى لا يقف طموحها عند حد؟!


اختفى محمد أنور بعد أن طلقت زهيرة منه بحكم قضائي، ثم تربَّص بها، وهى عائدة من مسجد الحسين، شهر عصاه الغليظة، وتوالت الضربات على رأسها، فتهشَّم تمامًا، ولفظت أنفاسها الأخيرة أمام ابنيها «جلال» و«راضي»، يظل عبد ربه الفران، يذكرها، ويردِّد أنه زوجها الوحيد، وأنها كانت تحبه.
بعد أن ورث جلال ابن زهيرة وعبد ربه الفران، تغيَّرت حياة عبده الفران، عاش فى شقة فاخرة، وأدار الفرن لحسابه، ولبس لاسة على رأسه، نعم بأموال زهيرة بعد مقتلها، صار من أعيان الحارة، لكنه ظل قلقًا على جلال، الذى كان يفزع ليلًا متذكِّرًا، ومتسائلًا: لماذا حرمه الموت من عطف أمه؟ 


نقل مأمور القسم فؤاد عبد التواب، بعد أن دبَّر مؤامرة مقتل «نوح الغراب»، أدركت زهيرة أن المأمور وقع فى حبها، «وأكثر من مرة لاحظت زهيرة أن المأمور فؤاد عبد التواب يصادفها، كان» يتبعها بنظرة حادة جامحة جائعة وغمغمت لنفسها: «حتى المأمور». وتهيَّأ لها أنها تمتطى نسرًا خرافيًّا تحرَّك جناحاه بالقوة والإلهام والخلق. 


سألت نفسها: ماذا عليها أن تفعل كى تخلق لنفسها سيرة لم تحظَ بمثيلتها امرأة من قبل؟ 
أدركت زهيرة - بالسليقة- المخبوء فى نفوس الرجال، وأدركت مكامن القوة والضعف، ولم تخضع لأزواجها، تنكَّرت لكل ما فعله محمد أنور حينما كشف عن نية هروبه من الحارة: اعترف بعجزه عن حمايتي، فلم يبقَ إلا الهرب.


يا للشيطان.. يريد أن يبدِّد أحلامها بضربة واحدة، كى تصبح طريدة، ولكى ترتبط به إلى الأبد، كى تئد القوة والوجود، كى تذوب فى عتمة الشقاء مثل سماحة.


بموت زهيرة استسلم عزيز للهموم، وأصابه الشلل. ما هى إلا أيام قليلة ثم رحل، تاركًا الحزن يجلِّل حياة الست عزيزة «التى لم تتصوَّر أن يسبقها ابنها إلى الآخرة». 


هل كانت زهيرة هى الفتوة الحقيقى وراء الأحداث، نستعيد قولها: أنا الإرادة، أنا الجمال، أنا الفوز،كانت حياة زهيرة مليئة بالمفاجآت والغرابة التى أدهشت أهل الحارة، لم تحبها النساء، وصفتها رئيفة هانم بأنها خادمتها الوضيعة، ووصفتها «الست عزيزة» بأنها «أفعى» سحرت لابنها عزيز قرة الناجي، مع زواجها من عزيز تألَّقت جمالًا وشبابًا، مضى المعلم عزيز ينحدر نحو شيخوخة مبكرة، مع مقتل زهيرة نبذ عزيز تمامًا من جسد الحياة، تبدَّت له الدنيا عجوزًا ماكرة قاسية، لا حد لمكرها ولا قسوتها.  


أما الحرافيش فقد وجدوا أن أسرة الناجى أصبحت مسرح الأحزان، وأمثولة العبر، جزاء خيانتها لعهد جدها عاشور الناجى الكبير الذى حاول إرساء العدل بين أهل الحارة.


ورث جلال من أمه الملاحة والذكاء والبنية القوية، مع ذلك فقد وصمه الأولاد بجلال ابن «زهيرة». كم آلمته هذه العبارة، دخل فى معاناة نفسية، فقد الأصدقاء، عاش وحيدًا، فكَّر كيف يهزم الموت، جرى وراء سراب الخلود. وصفها الأولاد بـ«الفاجرة، الخائنة، المزواجة، المتكبرة، القاسية، الخادمة، الهانم المزيفة».


كم جر تمرد «زهيرة» على واقعها الوبال وعلى كل من اقترب منها، صار شهد الملكة سمًّا يسرى فى جسد الحرافيش.