إنها مصر

الرصاصة الأخيرة !

كرم جبر
كرم جبر

لم يتغير شيء، وكُتب على العالم أن يتعايش مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التى ينطبق عليها قول: « فى زمن الحرب يعرف الجميع من أطلق الرصاصة الأولى، ولا يعلم أحد من يطلق الرصاصة الأخيرة ».

لأن الأهداف التى وقعت من أجلها الحرب لم تتحقق بعد:

روسيا: لم تضمن عدم دخول أوكرانيا حلف الأطلنطي، بل تقربها الحرب خطوة خطوة من الانضمام، ولم تؤمن حدودها مع أوكرانيا كما تريد، ولم تضم الأقاليم الشمالية الناطقة بالروسية.. بمعنى لم يتغير شيء فى ميادين القتال يحبذ قبول روسيا لإنهاء الحرب.

وأوكرانيا: تمكنت حتى الآن من الصمود أمام القوة العسكرية الروسية الهائلة بفضل المساعدات الكبيرة من أوروبا وأمريكا، وصار الرئيس الأوكرانى نجماً فى وسائل الإعلام الغربية، وكما فُرضت عليه الحرب دون إرادته، فسوف تتوقف الحرب حين يحين وقفها رغم إرادته.

وأوروبا تعايشت مع تداعيات الحرب، وكانت الدعاية الغربية وقت اندلاعها تحذر من شتاء قارص البرودة، ونقص هائل فى إمدادات الغاز والبترول، ووصلت بعض التحذيرات إلى حد العودة إلى العصور الوسطى.

جاء الشتاء وبعده الصيف ولم تتحقق المخاوف، ولم يتجمد الأوروبيون فى منازلهم، ولم تنقطع الكهرباء بالليل والنهار، ولم تقف السيارات بالكيلومترات أمام المحطات للتزود بالوقود، وكانت الأزمات الناتجة عن تداعيات الحرب محتملة، وتعايش معها الأوروبيون بشكل كبير.

وأمريكا ليس لديها النية فى الضغط على أوكرانيا وحلفائها الأوربيون لوقف الحرب، بعد أن جاءتها فرصة سانحة لاستنزاف الروس فى حرب بالوكالة، تعيد تأكيد منظومة القطب الواحد الذى يتحكم فى العالم.

والمجتمع الدولى يتعامل مع الحرب بشيء من الفتور، فلم ينتفض مجلس الأمن لاتخاذ قرارات حاسمة وفورية، ربما بسبب التصويت المتضارب للأعضاء الدائمين، وأصاب الفتور أيضاً الجمعية العامة فتعاملت بنفس التجاهل.

أما الفاتورة الكبرى فتدفعها الدول الفقيرة، نتيجة العجز فى صادرات الحبوب، وتم التخفيف من الآثار الضارة بتحديد ممرات آمنة لصادرات الحبوب والأسمدة، ولم تتأثر الإمدادات كثيراً بحدوث خروقات محدودة لهذه الاتفاقات.

روسيا تحاول أن تعيد رسم سياستها بسبب الحرب، وتمثل ذلك فى القمة الروسية - الإفريقية التى عقدت مؤخراً فى سان بطرسبرج، وتقديم وعود روسية بمساعدات سخية للدول الإفريقية الأكثر فقراً.

وعلى مستوى الشعب الروسي، فلم يحدث تغيير فى أنماط الحياة بسبب الحرب، ورغم أنها حرب عالمية بمواصفات العصر الذى نعيشه، إلا أن الصور الذهنية للحروب كما نشاهدها - مثلاً - فى أفلام الحرب العالمية الثانية لم يحدث منها شيء.

فلم تحدث مجازر أو قتلى بالآلاف ولا طوابير وأقفاص لأسرى الحرب، ولو كان ذلك موجوداً لتلقفته وسائل الإعلام الغربية وملأت الدنيا ضجيجاً.
يعرف الجميع من أطلق الرصاصة الأولى، ولكن لا يعرف أحد من يطلق الرصاصة الأخيرة.. لتتوقف الحرب.