أمامهم اختيارات متعددة ..كيف يتصرف الأدباء فى مكتباتهم؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

عقب حالة الجدل الذى أثارته الكاتبة صافيناز كاظم بعرض مكتبتها للبيع، طرحت سؤالاً مهماً حول سبب لجوء الكاتب إلى بيع مكتبته هل  هى حاجته  لتغطية مصاريف حياته اليومية المتزايدة؟، أم لتخوفه من أن تضيع مكتبته بعد وفاته كضياع مكتباتٍ كثيرة لا يقدر الورثة قيمتها، وكان مصيرها سور الأزبكية، ومن هنا توجهنا بالسؤال عن مصير مكتبات الأدباء إلى عالمين بارزين، أولهما الناقد الكبير د. محمد حسن عبد الله  الذى حدثنا عن كيفية تصرفه فى بعض أجزاء مكتبته الخاصة مستهدفا الحفاظ على المكتبة من الضياع بعد رحيله قائلاً: الخبر الخاص بمكتبة الكاتبة صافى ناز كاظم مؤلم جداً، ويحمل دلالاتٍ مركبة وأرجو أن يكون معبراً عن حالة فردية، لأن المكتبة شقيقة الروح، فحينما يتخلص العالم أو المفكر أو الأديب من مكتبته فكأنما يتنازل عن روحه.

 فالمثقف عندما يقترب من نهاية الرحلة مثلى - وأنا أدنو الآن من التسعين عاماً-، يشعر بأهمية مصير مكتبته التى تساوى عمره وضميره، فهى الأنيس، وهى الدافع إلى العمل.. وهى الذاكرة المتجددة للإبداع ، فكل هذه المشاعر تثيرها فىّ مكتبتى، وأشعر بأن كل كتابٍ منها بمثابة صديق له مناسبته، وله ذكرياته وتعاملاته، حتى وإن كنت لا ألجأ إليه إلا عند الضرورة والبحث العلمى ، والآن  أقول لك: ماذا فعلت أنا فى مكتبتي؟، فلا يزال بها عدد هائل من الكتب يصعب علىّ حصره، أولاً كل مؤلفاتى الخاصة والتى تتجاوز ال 60 كتاباً فى فنونٍ مختلفة أخذت منها نسخاً بعدد أولادى ، فبذلك كل أبنائى وبناتى لديهم إنتاجى العلمى كاملاً،  فلا يمكن لأحد أن يعبث به بالاختصار أو السرقة إلى آخره.

اقرأ ايضاً| الخبير المحلى لاتفاقية صون التراث الثقافى:«اليونسكو» لايمنح صكوك

والآن أقوم بتوزيع محتويات مكتبتى على النحو التالي: أولاً: أهديت الكلية التى أعمل بها -وهى كلية دار العلوم جامعة الفيوم-  2500 كتاب تُوضع الآن فى مكتبة الكلية فى «دولاب» خاص يحمل اسمى بما فيها كتب نجيب محفوظ المهداة إلى وموقعة بخط يده، ثم أهديت قصر الثقافة بقريتى «تمى الأمديد» محافظة الدقهلية 1200 كتاب، وخزنة خاصة تضم مؤلفاتى مجلدة، وقد أكرمونى بوضعها فى صدر مكتبة القصر مع صورة شخصية لى، كما أقدم إلى قسمى «قسم النقد الأدبي» بالجامعة -الذى يضم أربعة معيدين ومدرسين مساعدين- أربعة مراجع أسبوعية، وأختارها لكل منهم بما يناسب تخصصه، وسيستمر هذا التوزيع الأسبوعى مع استئناف العام الدراسى الجديد، وبذلك أتذكر بيت شعر لعروة بن الورد «أقسم جسمى  فى جسوم كثيرة .. وأحسو قراح الماء والماء بارد»، فأنا أوزع مكتبتى بكل الرضا على من يستحقها .. وبهذه الطريقة يمكن تطبيق مبدأ أنسانى جميل جداً هو أن تحول كتبك إلى من يستحقها، وتضعها فى مواقع مختلفة .


بينما كان هناك رأى أخر للعالم د. محمد العبد عضو مجمع اللغة العربية قائلا: من وجهة نظرى الشخصية أن المكتبات التى يقتنيها المثقفون بصفة عامة، والأكاديميون بصفة خاصة تعد ثروة علمية لا تقدر بثمن، ومهما تحدثنا عن أن فلانًا من الناس تبرع بمكتبته، أو بجزء منها أو باعها فإن هذا يعد خسارة كبرى للعلم ،هذه المكتبات ليست وسيلة للتجارة والربح، وإذا تبرع أحدهم بمكتبته أو شىء منها من باب تعميم الفائدة، وإتاحة الفرصة لعدد أكبر من القراء والباحثين، فإن الأمر يقتضى من صاحب المكتبة ضرورة تحرى الجهة أو الهيئة أو الأفراد الذين ستذهب إليهم هذه المكتبة بما فيها من كتب لا يخلو بعضها من أن يكون نادرًا، أو لم يتح لها أن تطبع مرة مرة أخرى، ولاسيما المؤلفات الإبداعية والمؤلفات المرتبطة بالجوانب القومية والتاريخية والتراثية.

هذه كلها نوادر، ولذلك لا يكون من السهل تقبل بيع هذه الكتب أو التبرع بها بدون عناية بالمكان الذى ستذهب إليه ،ومن ناحية أخرى لماذا لا نفكر أو تفكر وزارة الثقافة مثلا فى استحداث هيئة متخصصة لاستقبال هذه المكتبات، وتوفير وسائل علمية وتقنية متقدمة لتوسيع الفائدة منها إلى أبعد مدى ممكن، أو لانتقاء بعض المؤلفات النادرة،أو بعض كتب التراث والمخطوطات ذات القيمة العليا من الناحية القومية، هذا هو الأفضل بدلا من أن تكون العملية متروكة للتصرف غير المحسوب فى هذه الثروة العلمية القيمة.