«دفتر قديم» قصة قصيرة للكاتب فراج أبوالليل

الدكتور فراج أبوالليل
الدكتور فراج أبوالليل

كان الشهر السابع لعام ألف وتسعمائة وتسعة وتسعين .. المقهى مزدحم في عطفة مظهر المجاورة لمسجد السيدة زينب .. هرولت إليه .. نظر مبتسماً .. شد على يدى  .. ثم نادى باليد الآخرى .. قهوة وشاي للأستاذ.. قلت عصير ليمون ساقع  .. الجو حار .. قال لا تفعل يا "حسان " .. 

قص علي حكاية أبيه مع زوجته الثانية "نوفة".. قلت ربما  تكرار ذكر " محاسن"  والدتك المتوفية والشجار والخلافات المستمرة .. هو من جعل زوجة أبيك تكرهك وتقتل والدك  .. دعنا نغير الموضوع .. فقد ماتت في السجن .. وها أنت تسكن وحيداً في شقتك الواسعة ...

 

قال: لماذا أتيت اليوم  يا "حسان " ..

: جئت لنصيحة "لبيد " ابن العم  المخضرم في سرك الحياة ..

قال: تذكر أن النساء أصنافهن كثيرة في سوق مُكتَظّ بالبائعيين  .. فهناك المانيكان وتلك تحتاج قصراً للتحف وبنكاً سوسرياً ..  أما الثرثارة والتي سوف تسرق كل حكايات قلبك وتمنحك في النهاية أقلام مؤلف مسرح الهناجر  ..  والقماصة والشكاية والمعاتبة وتلك سوف تتركك طبيباً نفسياً  أو مريضاً في مستشفي العباسية للأمراض العقلية .. وهناك المسترجلة والتي تحتاجك عبداً حبشياً تجلده  كل مساء حتى تهدأ ..

 

 قلت: أتزوج الواعظة  فهي حافظه للقرآن ..

قال: هل صليت المغرب يا  "حسان" ..

: صمتت خجلاً  .. 

: ستعجلك تصلي ناحية الغرب من كثرة النصائح  .. 

 

قطع صبي المقهي خطبته ذات الحكم الكونفوشيوسية  ..  القهوة والعصير  يا افندم .. أخذ رشفة من القهوة  ومص شفتيه  .. تصنع الجدية والوجاهة ثم قالها بحكمة وقد تغيرت نبرة صوته ...

:استمتع بالعزوبية  .. ثم أردف بضحكة صفراء: كم تملك من المال؟  .. اعتزلت "لبيد"  عشرة أعوام سافرت للعمل في إحدي دول الخليج النفطية ..  تصلب قلبي أو صار مثل الأسمنت والطوب الأحمر الذى أحمله علي كتفي كل صباح .. عدت  وقررت زياته  في شقته بميدان السيدة زينب  بالقاهرة الصوفية  ..  طرقت باب شقته  .. خرجت سيدة بدينة  تحمل طفلاً رضيعاً وطفلان آخران بجوارها ..  قابلني بحفاوة بالغة .. تركته وأحاسيس متناقضة بين الفرح والحزن .. الدهشة والبلاهة .. عبرت الشارع في طريقي لمحطة المترو .. وأنا في تلك الحالة من التيه ..اصطدمت بجسدٍ طري .. صرخت  صاحبة الجسد " مش عيب يا شايب"  .. باعدت بيني وبينها السيارات المتكدسة في الشارع .. صعدت درجات سلم المترو .. أخرجت بطاقتي ... راحت عيناي تبحث عن تاريخ الميلاد الذي نسيته  متعمداً بعد حادثة الكلب المسعور في بلاد النفط .. والتي تركت عجزاً جنسياً ..أخفيته عن الجميع .. ورغبة مشتعلة في جسدي الضخم .. تحسست ذقني البيضاء  ومضيت وحيداً.