عاطف محمد عبد المجيد يكتب : عزيزى المستبد: حين تستبد بنا الأوجاع

عاطف محمد عبد المجيد يكتب : عزيزى المستبد: حين تستبد بنا الأوجاع
عاطف محمد عبد المجيد يكتب : عزيزى المستبد: حين تستبد بنا الأوجاع

فى حوار لى معها سألتها عن رؤيتها لمشروعها الروائى فقالت زينب عفيفى إنه لا يوجد مبدع حقيقى يرى أن عمله الجديد مكتمل، غالبًا يرى أن هناك شيئًا ما ينقصه، أو فكرة ما كان لا بد وأن يضيفها أو يناقشها من خلال روايته التى كان لا بد أن تكتمل. هناك دومًا شيء ناقص نبحث عنه، وحين نتخيل أننا وجدناه، نبحث عن شيء جديد، ولا أجد أن صورتى الأدبية قد اكتملت، لأننى لو رأيت ذلك، أو رآه أى مبدع، فهذا يعنى نهايته، وطوال عمرى سيبقى هناك شيء لا بد أن أكتبه أو أعبر عنه، فالكتابة لديَّ هى وجع لا بد من كتابته حتى تُشفى أوجاعي، وهى أوجاع مستمرة لا تتوقف كطبيعة الحياة وما فيها من احتياجات، نحتاجها ولا نقدر عليها أحيانًا. الكتابة كما أراها هى تجربة للكاتب نفسه، وفى نفس الوقت تعبر عن تجارب الآخرين، وهى تجارب  كثيرة لا نهائية، مستمرة بوجود المبدع ذاته أو بعد رحيله، فلا يوجد اكتمال فى الإبداع مهما بلغ ذروته من النجاح.

يا ليتك تخبرنى عن حالى الذى أصابه اليُتم، بعدما عرفتُ أن فى حياتك صديقة غيرى مقربة إليك، يا ليتك تعلم أننى ليس لديّ أحد أكلمه بقلب مفتوح، ولا أسأله نُصحًا غيرك، فأنت استثناء. هل يمكنك أن تخبرنى كيف أتوب عن الكتابة إليك؟ وأن أتقبّل صديقة أخرى فى حياتك؟
يأتى هذان السؤالان على لسان ضحى بطلة رواية « عزيزى المستبد « للروائية زينب عفيفي، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية وتقع فى 222صفحة، وفيها تجمع الكاتبة ثلاثة فنون إبداعية معًا فى خيط واحد جاعلة منهم أبطالًا لروايتها: البطلان المحوريان وهما الراوية الفنانة التشكيلية، الصديق الروائي، والجار الموسيقي، ولكل منهم مأساته الخاصة.


الرواية التى جعلتها عفيفى فى ست وأربعين رسالة، متخذة منها وسيلة للبوح والفضفضة كتبتها ضحى الراوية لصديقها الروائي، وهى فى عزلتها التى سبّبها اجتياح فيروس كورونا للعالم، ورغم أنها تعرف أن هذه الرسائل لن تصل إلى صديقها إلا أنها بثت فيها كل ما فى داخلها من هموم وأوجاع وآلام مكبوتة، وأمنيات وأحلام. 


عفيفى التى افتتحت روايتها قائلة: لا توجد سعادة تضاهى وجود شخص ما فى حياتك، تكشف له عن مكنون نفسك، ينصت إليك، يحتويك، فى لحظات حزنك وفرحك، يستمع إليك، دون أن يخذلك أو يتهمك بالجنون، مرة تبدأ رسائلها إلى صديقها بعزيزى الغالي، مرة بصديقى الغالي، مرة بصديقى العزيز، مرة بعزيزى المستبد، وأخرى بصديقى المختلف، ومرة بصديقى البعيد، ومرة تبدأ رسالتها بعدة نقط هكذا.

                                                                            
معاناة أنثى
الرواية تكشف لنا معاناة أنثى خانها زوجها الذى أحبته بصدق، وخانها صديقها الذى ظنت أنه صديق مقرب ومختلف، لكنها تكتشف بعد ذلك أن لديه علاقات نسائية متعددة، وصديقات مقربات كثيرات.  


هذه رواية يمكن، ببساطة شديدة، أن نسميها أوجاع أنثى ومآسيها، هذه الأوجاع نتجت عن الخيانة: الخيانة دومًا مؤلمة، خاصة لو جاءت من المقربين تكون إصابتها نافذة. والأنثى هنا ليست أنثى عادية، بل إننا أمام أنثى مبدعة تحب الفن وترسم لوحات تشكيلية تحاول أن تضع فيها ما يعتمل بداخلها، راسمة العالم كما تتخيله.


مما يسبب أوجاع الأنثى هنا هو احتياجها للحب الذى يقوم بضبط مؤشر حياتها على اتجاه السعادة والاتزان النفسي، وغيابه، أو فقدانه تمامًا، ربما يصيبها بفقدان كامل لمذاق الحياة بكل تفاصيلها: إن أكثر ما يؤلم أى امرأة يا صديقى أن تفتقد الحب فى علاقة حميمية.


الرواية تريد أن تقول هنا إننا رغم احتياجنا، أحيانًا، للوحدة وللخلوة بأنفسنا بعيدًا عن الجميع، لكننا دائمًا ما نحتاج إلى وجود آخرين معنا: رغم احتياجنا من وقت لآخر إلى الاختلاء بأنفسنا، إلا أنه يأتى وقت نشتاق فيه للحديث مع أحد مهما أراحتنا الوحدة، فعندما تكون ظمآن حتمًا ستبحث عن الماء، وعندما تشعر بالخواء سوف تبحث عن الآخرين.


الرواية التى تنتقد وجود الرقباء الذين يلاحقوننا بنظراتهم ويتسببون فى عذابنا النفسي: يتحتم عليّ أن أقتل كل الرقباء بداخلي، وتستنكر نظرة المجتمع السيئة لعلاقة الصداقة بين الرجل والمرأة خاصة حال براءتها، وتؤمن بحرية الجميع، إلا أنها تبرز الصراع الدائر دائمًا ما بين العقل والقلب، مليئة بالتساؤلات منها ما الذى يفعله الاعتياد والحنين؟ وهل نحن سعداء بالفعل؟ وما هى الأسباب التى تجعلنا نقرأ الروايات؟ ومن هو القاريء الساذج؟ ومن هو القاريء الحساس؟    

               
الرسم والموسيقى
هنا أيضًا تريد الرواية أن تقول لنا إن إحساسنا المفاجيء بالتعلق بالحياة، حين نستشعر أن الموت وشيك، يجعلنا ندرك قيمتها، وأن الغيرة يمكن أن تولد من أشياء أو من أماكن، وأنها ليست دائمًا من امرأة أخرى، وأننا نعيش لنمارس حياتنا بالكتابة والرسم والموسيقى، هذه الفنون التى نلجأ إليها لنداوى جراحنا التى يصعب علينا أن نداويها بالعقاقير مهما مر الزمن، وأن الهروب من الذكريات ليس حلًّا فى حالات كثيرة، بل مواجهتها أفضل، وإن كانت أكثر إيلامًا وشفاءً فى الوقت نفسه، وأن الحياة على قدر بساطتها إلا أنها تثير بداخلنا مشاعر معقدة يصعب تفسيرها، وأن الصدمات ليست كلها قاتلة، بل منها ما يُعيد إلينا الحياة، وأن السعادة ليست فى الحب، إنما فى الأُلفة التى نسعى إليها فى التعبير عن مشاعرنا، وأن مقولة المرأة هى السبب فى خيانة زوجها لها ليست دائمًا صحيحة.


مستعينة برؤيتها للحياة، صوّرت زينب عفيفى فى روايتها عزيزى المستبد، من خلال سرد روائى سلس، مستخدمة فيه لغة رومانسية بسيطة، أوجاعَ امرأة تحالفت عليها كل الظروف لتجعلها تعيش مأساتها وحيدةً، يستبد بها الوجع والوحدة والشعور القاتل بالخيانة، دون أن تجد يدًا تربت عليها وقت حاجتها.