معرض مكتبة الإسكندرية نموذجًا ..معارض الكتب.. حكاية خاصة

منير عتيبة
منير عتيبة

قبل قرابة أربعة عشر عامًا كان الكثير من جبل الجليد بين مكتبة الإسكندرية والوسط الثقافى السكندرى قد ذاب بالفعل. فما لا يعرفه الكثيرون أن المكتبة فى بدايتها لم تهتم بمحيطها المحلى، فاعتبرت السكندريين مجرد (جمهور) غير مشارك، يأتى ليرى (نجوم) القاهرة والعالم، مما جعل المثقفين السكندريين يبتعدون عن المكتبة التى شعرت بصقيع الوحدة فبدأت بعدها تمد أيديها إلى الإسكندرية بعدد من المشروعات المهمة التى شعر بها السكندريون أن المكتبة بيتهم، مثل مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، وفعاليات معرض مكتبة الإسكندرية الدولى للكتاب الذى تنظمه مكتبة الإسكندرية بعيدًا عن معرض الهيئة المصرية العامة للكتاب.

 


لسنوات عديدة تابعت فعاليات هذا المعرض، وشاركت بشكل أو بآخر فيها، ومن عام لآخر أشعر بالغبطة، برغم وجود ملاحظات دائمًا (وهل يمكن أن يكون هناك جهد إنسانى بلا ملاحظات؟!) لكني؛ كمشارك داخلى ومراقب خارجى، كنت أرى الخيط الممتد إلى الأمام بتصميم واضح، وتنفيذ بكل الطاقة الممكنة لفكرة أن يكون المعرض سكندريًا عربيًا دوليًا، قد تزيد المشاركات العربية والدولية أو تقل عامًا عن آخر، لكن أرضية كون المعرض سكندريا لم تهتز لأعوام طويلة، بل تقوى وتزداد عامًا بعد آخر، لكن بدرجة عالية من الوعى أن لا يكون المعرض قاصرًا منغلقًا على الذين يعيشون بالإسكندرية، أو السكندريين الذين يعيشون خارجها، بل يكون لهؤلاء وهؤلاء فى تفاعلهم مع المثقفين فى كل مكان بمصر والعالم العربى والعالم حسب الظروف والأحوال فى كل عام. 


وبخلاف معارض أخرى؛ لا يتعامل معرض الإسكندرية للكتاب مع فعالياته بوصفها فعاليات أدبية، بل ثقافية عامة، فكما نجد فيها ما يخص الإبداع الأدبى من ندوات وأمسيات قصصية وشعرية وورش عمل إلخ، نجد فيها فعاليات للسينما والفن التشكيلى والمسرح والموسيقى والتكنولوجيا وتنمية المهارات الشخصية والرياضة والطفل والمرأة والتعليم والفلسفة والفلك والتاريخ والواقع الاقتصادى والاجتماعى والسياسى إلخ حتى إنه يمكن أن نقول إن هذه الفعاليات تغطى معظم ما يهتم به المواطنون أيًا كانت مجالات اهتمامهم.

فإذا أردنا اختصار فعاليات المعرض الأخير الذى احتضنته المكتبة واختتم فعالياته مؤخرًا فى أرقام قلنا: أكثر من مئة حدث، ٣٧٠ متحدثا ،عشرة آلاف حضور فعلى فى الندوات ، ١١ ورشة عمل، ١٢ أمسية شعرية،١٢ أمسية قصصية، مؤتمر مصر المبدعة عن أدب اليافعين، ولقاءات مفتوحة مع كبار الكتاب، كلها قدمها مبدعون سكندريون مثل اللقاء مع محمد سلماوى قدمه منير عتيبة، ولقاء أحمد عبد المعطى حجازى قدمته د.سحر شريف ولقاء إبراهيم عبد المجيد قدمه ميسرة صلاح الدين، ولقاء سلوى بكر قدمته د.سارة قويسى، إضافة إلى محور «للإبداع السكندرى وجوه كثيرة» الذى تحاور فيه نقاد سكندريون مع كبار مبدعى الإسكندرية مثل سعيد سالم ومصطفى نصر.

وشارك أكثر من ثمانين قاصًا وقاصة من الإسكندرية فى أمسيات القراءات القصصية، ومثلهم فى أمسيات الشعر، إضافة إلى أمسية قصصية لمبدعى محافظة البحيرة، وأمسية قصصية «أون لاين» للمبدعين العرب من سبع دول عربية، ومشاركات عربية أخرى فى مؤتمر مصر المبدعة، وندوة سيرة مكان ثقافى مع الكاتبة الإماراتية ميسون صقر، كما قدم المعرض لقاءات مفتوحة مع مبدعى ومفكرى الإسكندرية ومصر الذين حصلوا على جوائز الدولة فى محور (مبدعون وجوائز) الذى نظم ندوات للفائزين من الشباب بجوائز الدولة التشجيعية ومن الكبار بالتفوق والتقديرية، أما ورش العمل فغطت مجالات الرواية والقصة القصيرة والبودكاست والترجمة الإبداعية وإنتاج الأفلام الوثائقية والكتابة المسرحية وأساسيات الكتابة الإبداعية، وغيرها، قدمها مبدعات ومبدعون من الإسكندرية والبحيرة والقاهرة. أما أحدث ما وصلت إليه التقنية فقد خصصت له أكثر من ندوة مثل «ثورة الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته» التى قدمها المهندس محمد حنفى، والثقافة القانونية فى عصر السوشيال ميديا، والميتافيرس أداة جديدة لنشر التراث، وندوات عن مشكلات الإعلام المصرى، وتقنيات الإعلام الحديث، والتراث الفنى المصرى، والهوية وحماية المستقبل، وجماليات الطبيعة والعمارة.... إلخ، إضافة إلى ندوات حول السينما والمسرح والدراما التليفزيونية والرواية العالمية وغيرها، شارك فيها نجوم كبار فى كل مجال مثل الفنان فتحى عبد الوهاب والأديب محمد عبد الحافظ ناصف وغيرهم. والرياضة ومحاربة التطرف التى قدمها حسام أبو العلا مع كبار وشباب الرياضيين بالإسكندرية، كما كان هناك اهتمام كبير بالأطفال والنشء، فقدمت لهم ورش عمل وندوات عديدة مثل كيف أنقذ الأبناء من الإحباط، أسرار العلاقات الناجحة، وورش حكى، والتعافى من الإدمان، وعرض عجائب العلوم، ومسابقة من سيربح المعلومة إلخ. هذه نماذج مما قدمه المعرض، طيف واسع من الاهتمامات، ومشاركة سكندرية كبيرة وقوية، ومشاركة مصرية واضحة، ومشاركة عربية غير منكورة.


ودائمًا ما يسعد المتابع بروح المغامرة فى تنفيذ فعاليات المعرض، إذ تُعطى الفرص لشباب يديرون لقاءات كبيرة ومهمة أو يشاركون فيها لأول مرة يجلسون فيها على منصة على الإطلاق، وقد أثبت معظمهم إن لم يكن كلهم جدارتهم بهذه المسئولية، وانطلقوا يقدمون للوسط الثقافى السكندرى الكثير من الجهد الذى يساعد على توسيع مساحات النور به.


وقد يكون معرض مكتبة الإسكندرية الدولى للكتاب هو المعرض الوحيد ،فيما أعلم، الذى يضم بين فعالياته مؤتمرًا مستمر الانعقاد سنويًا منذذ عام 2015، وهو مؤتمر مصر المبدعة الذى يناقش إبداعات الشباب المصرى فى محافظات مصر المختلفة، وكان موضوعه هذا العام جديدًا على كل المؤتمرات المصرية وهو (روايات اليافعين) إذ ناقش أعمال مبدعات ومبدعين من الشباب من سبع محافظات مصرية، وهذا المؤتمر ينظمة مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية بالتعاون مع لجنة السرد القصصى والروائى بالمجلس الأعلى للثقافة.


عندما أرى انهماك فريق العمل للتحضير للمعرض، ومتابعة فعالياته، والعمل على حل المشكلات اليومية ليكون بأفضل صورة ممكنة، أقول لنفسى هل يمكن لهذا الفريق بقيادة د.أحمد زايد مدير المكتبة الذى حضر بنفسه وقدم وشارك فى العديد من الندوات، كما أنه كان يتابع جميع مراحل المعرض منذ أولى خطوات الإعداد له، ود.محمد سليمان رئيس قطاع التواصل الثقافى الذى بذل جهدًا جبارًا ربما لا يعرفه الجمهور العام لكننى ألمسه بشدة، والمبدع محمد غنيمة الجندى المجهول وراء فعاليات المعرض فى الأعوام الأخيرة، وكل من يعاونهم.. هل يستطيعون تقديم معرض كامل بلا ملاحظات؟ هل يستطيعون إرضاء كل الناس؟ هل يمكنهم أن يشركوا كل السكندريين، والمصريين، والعرب، فى الفعاليات التى مهما كانت كثيرة ومتنوعة فهى لمدة أسبوعين فقط؟ بالقطع لا يمكنهم ذلك. وأسئلة أخرى: هل من ينتقدون هذا العمل سينتقدونه لأن فرصة مشاركتهم الشخصية لم تتح هذا العام؟ أم لأنهم يفرحون بعمل ثقافى كبير ويريدون له أن يكون أفضل فيقدمون الاقتراحات التى تجعله يقترب خطوة أخرى من الكمال فى العام القادم؟. من معرفتى بالعالم الثقافى ستكون هناك انتقادات من كلا الاتجاهين، وهذا طبيعى وإنسانى للغاية، وأعتقد أن الفريق الذى بذل كل هذا الجهد ليقدم معرضَا بهذا المستوى المتميز، لن يضيره أن يستمع لكل ما يقال حتى ولو بدا غير منطقى أو غير متيقن من الواقع، فكل فكرة تقال يمكن أن تكون دافعًا للتحسين مهما تكن النوايا.