يوميات الاخبار

مهمة صحفية فى النيجر

فوزى مخيمر
فوزى مخيمر

معظم المهام الصحفية التى يكلف بها الصحفى تكون عاجلة أو مفاجئة، والقليل منها ما يعرف قبلها بأيام قليلة، وعلى الصحفى أن يكون دائما على أهبة الاستعداد لأداء مهامه سواء داخل بلده أو خارجه: الاستعداد المهنى والمعلوماتى والشخصى.

فى خضم انشغال العالم بالاحتراب الدولى الروسى الغربى، وما نجم عنه من توتر عالمى يهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة، والاحتراب الداخلى السودانى وانعكاساته الكارثية على الشعب السودانى، والسيئة على جيرانه، والمخاطر التى تتعرض لها البيئة العالمية نتيجة التغييرات المناخية القاسية وما نجم عنها من اشتعال الحرائق فى الكثير من الغابات فى انحاء متفرقة من المعمورة، أطلت برأسها الاحداث الداخلية فى النيجر لتضفى المزيد من الارتباك افريقيًا وعالميًا على هذا البلد الافريقى الافقر شعبيا والاغنى بثرواته المنهوبة.


زرت النيجر عام 2007م فى مهمة صحفية عاجلة ومفاجئة لم تخطر لى على بال، ضمن الوفد الصحفى العالمى الذى دعته الجماهيرية الليبية لأداء صلاة الجمعة 31 مارس فى النيجر بصحبة الراحل معمر القذافى (آنذاك)، وهو نفس الوقت الذى تعقد فيه القمة العربية فى العاصمة السعودية الرياض، حاولت الاعتذار نظرا لمتابعتى لأعمال القمة العربية، لكن محاولاتى لم تُجدِ.


وطبقا لما أُبلغنا به من المكتب الاعلامى الليبى فى القاهرة، فإن التحرك الجماعى للوفود الإعلامية سينطلق فى الثالثة من فجر الجمعة من فندق شيراتون القاهرة إلى مطار القاهرة حيث تربض طائرة خاصة لنقل الوفد والعودة مساء نفس اليوم الجمعة (وحتى لا يسرح خيال القارئ أننا حظينا بضيافة فى شيراتون قبل الانطلاق، فهذا لم يحدث ولا كوب ماء) ومن ذا الذى يرفض صلاة الجمعة فى بلد مسلم أفريقى لم يسبق زيارته !!
ارتديت الجينز، فمؤشرات الرحلة تتطلب ذلك، تجمعنا فى الموعد المحدد، ولكن التحرك جاء متأخرا من فندق شيراتون القاهرة بساعتين لنصل إلى مطار القاهرة الخامسة والنصف صباحا، وتنطلق الطائرة الخاصة فى السابعة والنصف صباحا، وهى تُقل على متنها نحو مائة وخمسين إعلاميا من معظم المكاتب الإعلامية العربية والأجنبية بالقاهرة إلى مدينة سبها الواقعة فى أقصى الجنوب الليبى على الحدود مع النيجر بعد ثلاث ساعات طيرانًا.
مطار سبها العالمى
قبل ظهر يوم الجمعة 31 مارس 2007م، حطت الطائرة بمطار شبه مهجور، نزلنا إلى الاستراحة حيث تناولنا الشاى والمرطبات وأكلنا البسكويت.. عرفنا اننا فى مطار سبها العالمى، وطالت الاستراحة إلى ثلاث ساعات، وبالطبع جاء موعد صلاة الجمعة وصليناها فرادى فى الاستراحة.


الاستراحة بمثابة قاعة لصور القذافى، صورة لافريقيا وأعلاها رأس القذافى، صورة وهو يرتدى اللباس الليبى، وأخرى وهو يرتدى اللباس الافريقى، وصور مع الزعماء الافارقة المشهورين، وصور خلال جولاته الافريقية والمحلية.


إلى مدينة غدامس
ومن سبها الليبية أقلعت الطائرة الخاصة، وبعد نحو ساعتين طيرانًا دعا قائد الطائرة الركاب الى ربط الأحزمة استعدادا للهبوط، وبينما نحن فى الجو لاحت أمامنا طائرة واحدة تربض فوق مَدْرج المطار، تصورت انه المطار الخاص برئيس الدولة، ولاحظنا أن طائرتنا ابتعدت عن المطار قليلا، ثم عادت مرة أخرى اليه، وأخذ الكابتن فى الدوران حوله أكثر من مرة، حتى غادرت الطائرة الرابضة المدرج فهبطنا، وأعلن عن الوصول الى مطار غدامس.
كانت المرة الاولى التى اسمع عن مطار دولى بمدرج وممر واحد، وهنا أدركنا لماذا تأخر موعد الاقلاع من سبها وما قيل عن ازدحام فى المطار.
كانت الشمس قد بدأت فى الغروب، والطائرة تحط على أرض المطار، كان فى استقبالنا بعض الأهالى وهم يرتدون الملابس زاهية الالوان ينشدون الاهازيج الشعبية ويهللون وينفخون البوق، والصبية الصغار يتراقصون حولهم ابتهاجا بالقادمين.


وفى اتوبيس متواضع جدا انتقلنا الى احدى القاعات الملحقة بإحدى دور الضيافة إن شئت فقل فندق أكثر تواضعا، تناولنا بعض المرطبات والبسكويت والسندوتشات التى أحضرت من القاهرة على الطائرة.
بعد استراحة قصيرة، بدت الشمس نحو الزوال استعدادا للأفول، انتقلنا للقاء الجماهير، وصلنا الى ساحة فضاء أضيئت بالانوار الكاشفة خصيصا لهذا اللقاء، وبعد دقائق أذِّن لصلاة المغرب، حيث زحف الآلاف من أبناء النيجر إضافة الى 6 رؤساء جمهوريات يمثلون تجمع الساحل والصحراء، وعشرات من زعماء وممثلى القبائل العربية الذين وجهت اليهم الدعوة لحضور هذا اللقاء العالمى.
الإمام القذافى
ووسط هذه الحشود وقف القذافى وبالقرب منه مستشاره المقرب اليه احمد قذاف الدم وكان مسماه الوظيفى (منسق العلاقات المصرية الليبية) أمامهم على منصة تعلو الجالسين خطيبا فى الدين والسياسة والتاريخ والفلسفة والجغرافيا، وبعد دقائق من وصولنا أقيمت صلاة المغرب، ووقف القذافى يؤم الحشود الغفيرة. وبعد انتهاء الصلاة واصل خطابه حتى أذن لصلاة العشاء وأقيمت الصلاة فى نفس المكان وأَمَّها القذافى أيضا، ثم واصل خطابه لساعة عقب صلاة العشاء.
تنفسنا الصعداء وقلنا الحمد لله انتهى اللقاء، وسوف نتوجه الى المطار للعودة الى القاهرة، ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهى السفن، قيل لنا ان مدرج المطار لا يوجد به أنوار والطائرة لا تستطيع الطيران، وقيل لنا رواية أخرى أن الطائرة تربض فى مطار العاصمة والتى تبعد عن أغاديس 1200 كيلو متر، وهذا مؤشر أننا سنقضى الليلة فى أغاديس.. أين؟ الله اعلم.. نحو مائة وخمسين صحفيا ومراسلا من العالم سيقضون ليلتهم فى هذه القرية التى تعيش حياة الصحراء الصعبة.
بعد هذا اللقاء الجماهيرى الحاشد عدنا الى الاستراحة التى نزلنا فيها أول مرة، وقدمت لنا المشروبات ووجبة عشاء من سندوتشات الجبن واللحم البارد والعصائر، ثم دُعينا للقاء آخر، أين؟
ستعرف فى حينه.. هكذا يرد على أسئلة الصحفيين.


وصلنا وسط الظلام الدامس الى منطقة صحراوية أخرى وجدنا خيمة كبيرة تضاهى فى مساحتها ملعب كرة قدم، الخيمة نصبت خصيصا لعشاء الرؤساء ورؤساء القبائل وربما للإعلاميين، الخيمة مضاءة بالمولدات الكهربائية ومكيفة الهواء بأجهزة تبريد حديثة، ونُصبت بداخلها طاولات الطعام، أنت الآن فى فندق خمسة نجوم، الموائد عامرة بما لذ وطاب، كانت غالبيتنا قد تناولت طعام العشاء بسكويت وسندوتشات ولم يُقل لنا إن هناك وليمة عشاء.
ونحن فى الخيمة هبت عاصفة ترابية شديدة خارجها، أعقبتها زخات مطر ثم كثافة فى الامطار ثم أمطار أشبه بالسيول.. همهم الحضور: بركاتك حلت يا شيخ قذافى..
عدنا جميعا من حيث أتينا، الكل فى غاية الاجهاد، ولا نعلم فى أى مكان سنقضى ساعات من النوم، ازدحام وغوغائية وارتباك، كان نصيبى المبيت مع زميل صينى صحفى مراسل وكالة الانباء الصينية ( شينخوا) – مازن، وفى احدى غرف الفندق الوحيد، ومن شدة الاجهاد اليومى ارتمينا حتى فوجئت بدقات باب الغرفة فى العاشرة من صباح السبت الأول من إبريل لأجد زميلة مازن الصحفية الصينية أتت لتأخذ منه جهاز اللاب توب.
لقاء الخطب العنترية
استيقظنا وأملنا فى التوجه الى المطار ولكنهم قالوا إن القائد يريد لقاء الصحفيين، ولم يكن أمام أى منا أن يرفض اللقاء الصحفى، توجهنا بالأتوبيس الى نفس الخيمة الانيقة ذات الخمسة نجوم، التى نصبت خصيصا للضيوف من الصحفيين وزعماء القبائل، ووجدنا انفسنا أمام ملتقى للخطب العنترية والملحمات الشعرية، والاشعار والقصائد البدوية بكل أنواعها، واستمر هذا المهرجان الخطابى لما بعد العصر.
ومرة أخرى نعود من حيث أتينا انتظارًا لفرج الله فى قدوم طائرتنا، وقبل المغرب بقليل زُفَّ الينا أن الطائرة أقلعت من مطار العاصمة النيجرية فى طريقها الى أغاديس. ومع غروب شمس يوم السبت كنا على متن الطائرة، وجاء وصولنا إلى مطار القاهرة الدولى بعد منتصف الليل.
مبادراتنا للتعامل مع فوضى المناخ


لعل الموجات الحارة المتلاحقة والتى تفوق طاقتنا تجعلنا نفكر بجدية فى التعامل معها مستقبلا علي المستوى المحلى رغم كونها عالمية، بلا شك لو استطعنا أن ننفذها فقد نخفف كثيرا من وطأة الحرارة فى الوقت الذى يسعى فيه العالم للتعامل مع فوضى المناخ الذى يضرب الأرض ومن عليها من حرارة فوق طاقة البشر وفيضانات وسيول فى الكثير من مناطق العالم.
بالنسبة لنا فى مصر نستطيع التخفيف بالإكثار من غرس الأشجار فى كل شبر فى مدننا وقرانا، والحمد لله أرضنا خصبة وتجود بها معظم الأشجار المثمرة مثل الموالح والجوافة والتوت والنبق والعنب والمورينجا والزيتون (منحها الله قدرة عالية على امتصاص ثانى أكسيد الكربون عن طريق ثغور أوراقها) ولتكن لها الأولوية فى الغرس بدلا من أشجار الظل فقط إذا علمنا أن أسعار معظم الشتلات متقارب، وهذا يتطلب منا جميعا التوعية بأهمية التشجير المثمر ورعايته وحمايته من العبث به.


الأمر الآخر ضرورة تحديث اشتراطات البناء بما يحول دون تلاصق البنايات ببعضها، وضرورة التأكيد على ترك فراغات بينها بما يسمح للهواء الطبيعى بالتخلل بينها، الله منحنا الهواء لنتنفس ولكننا أقمنا المبانى الشاهقة المتلاصقة لحجبها عنا، وأن لا تكون بنيانا مرصوصا كعلب الكبريت، بل حسب اتجاهات التيار الهوائى، والابتعاد عن استخدام الالوميتال فى المنفذ والعودة إلى الشباك الخشبى فالأخشاب أحن علينا من الكريتال وتسمح بتهوية الأماكن.