مسرحية مدرسة المشاغبين لا علاقة لها بفيلم «سيدنى بواتييه» الذى حمل عنوان «مع تحياتى لأستاذى العزيز»

فؤاد المهندس و عادل إمام ونجيب الريحانى
فؤاد المهندس و عادل إمام ونجيب الريحانى

منذ أن شاهدت عادل إمام فى أعماله الأولى المسرحية والسينمائية التى عرفه الجمهور من خلالها فى القرن الماضى وأنا أتذكر الإعجاب والشعور بالمتعة، وبأننى أمام فنان مصرى خالص، وأننى أيضاً أمام فنان يحب نفسه كما يحب الفن، فمنذ أن ذاع صيته وأصبح من نجوم الصف الأول وهو لم يتنازل عن هذا المقعد حتى بعد أن تجاوز الثمانين وهذا لم يحدث لممثل من قبل، أن وصل إلى هذه السن ومازال النجم الأول فى أعماله التى يؤديها إما على الشاشات بأنواعها أو من خلال الإذاعة، نعم تتغير الشخصيات، صفات الدور وملامح البطل وفقاً للمرحلة العمرية التى يمر بها عادل إمام.سواء اختلفنا أو اتفقنا حول القيمة الفنية للدور، ومن الطبيعى أن تتفاوت الأدوار وفقاً لمعطيات كثيرة، السيناريست والمخرج وفريق العمل، و فى كل الأحوال يكون الدور متميزاً لأن المؤدى هوعادل إمام. 


لن أبالغ إذا قلت إن هذا الممثل ليس من زماننا،فهو إن كان يعيش فى زماننا، فهو يعيش أيضاً فى أزمنة أخرى أو قل يستعير قيم هذه الأزمنة، فحين أكتب عن عادل أمام لابد أن أزور نجيب الريحانى وفؤاد المهندس، أطرق باب الأول،أسأله وأستنير برأيه عن هذا الفتى، وأقدم الشكر للثانى الذى كان بعيد النظر حين شاهد «الأستاذ دسوقى» فى ملابسه المهلهلة، بنطاله القصير وسترته الممزقة وطربوشه القديم ودوره المحدود عام 1963 صاعدا إلى أعلى درجات المجد فى المستقبل القريب.

وحين أكتب عن فؤاد المهندس أبدأ بنجيب الريحانى ولا أنسى عادل إمام، وحين أكتب عن الريحانى يراقبنى عادل إمام وفؤاد المهندس وهكذا لا أستطيع أن أتذكرأحدهم دون الآخر، وعندى الأسباب فنجيب الريحانى أستاذ الكوميديا المصرية ليس فقط فناناً عظيماً قدم مثالاً لما يجب أن يكون عليه الكومديان، إذ قدم الريحانى الكوميديا على صورة الإنسان المصرى ومثاله وذلك حين بدأ طريقه المسرحى فى العقد الثانى من القرن العشرين ومعه سيد درويش وبديع خيرى وآخرون حيث كان يقدم شخصيات تحمل صفات الواقع المصرى، ليس فقط تجسد معاناة المواطن المصرى، أفراحه وأحزانه، لكنها تؤرخ لهذا الواقع من خلال الشخصيات المسرحية، وقد أنضم لهذه المدرسة التى اختارت طريق الخلود الفنى فؤاد المهندس و عادل إمام، وللأسف أغلقت المدرسة أبوابها، بل وهجرها المعلمون وتبدلت المناهج، بل وأصبح التعليم مسألة ثانوية بالنسبة للسواد الأعظم من الأجيال التالية! 
التقى المهندس بالريحانى فقط لمدة عامين، حين تعرف عليه وهو مازال طالباً بكلية التجارة ثم رحل الريحانى ولكن ظل التلميذ وفياً لأستاذه حيث رأى فيه القدوة والمثل الأعلى فى تأكيده وإصراره على تقديم شخصية الإنسان المصرى البسيط فى حياته العادية والبحث عن الضحك من المفارقة بين بساطة هذا الكائن والحياة المعقدة التى يعيشها.


 فى ستينات القرن الماضى وحين كان عادل إمام لايزال طالباً فى كلية الزراعة اختاره الفنان فؤاد المهندس ليؤدى دوراُ ثانوياً فى مسرحية» أنا وهو وهي» من إخراج عبد المنعم مدبولى عام 1963، ورغم صغر حجم الدور إلا أن شخصية الأستاذ دسوقى لاقت إقبالاً كبيراً وتركت أثراً عند الجمهور، فحين ظهر « دسوقى « وكيل المحامى الغلبان المعتد بنفسه، بملابسه الكاريكاتورية المضحكة وطربوشه المثير والأداء الذى يغلب عليه طابع البارودى، وظلت «اللازمة» التى أطلقها فى هذه المسرحية تعيش زمنا طويلاً « بلد شهادات» وشارك أيضا فى مسرحية اسمها «قصر الأحلام » ثم استعان به فؤاد المهندس عام 1965 للمشاركة فى مسرحية «أنا فين وأنتى فين» هى مسرحية كوميدية من بطولة و إخراج فؤاد المهندس وفايز حجاب وتأليف سمير خفاجى وبهحت قمر، وشاركت فيها بدور البطولة شويكار ونظيم شعراوى وسلامة إلياس و النجم الصاعد وقتذاك شارك عادل إمام فى دور موظف صغير بالشركة ويظهر فقط فى مشهد واحد، وشارك أيضاً مع فؤاد المهندس فى مسرحية اسمها « حالة حب» التى أخرجها أيضاً عام 1767 فى دور الشاب الناعم، بالإضافة إلى دوره فى مسرحية «النصابين» التى كتبها محمود السعدنى وأخرجها سعد أردش عام 1966 فى دور صحفى انتهازى بأداء كاريكتورى مرح.

 

وكانت آخر المسرحيات التى سبقت أدوار البطولة على خشبة المسرح عام 1970 من خلال مسرحية «غراميات عفيفى» وأيضاً «البيجامة الحمراء وفردة شمال » وكانت هذه المسرحيات مع أعمال أخرى فى الجامعة تمهيداً للحدث المسرحى الأكبر فى حياته ألا وهو «مدرسة المشاغبين» فالثلاثة وأقصد الريحانى وفؤاد المهندس وعادل إمام رغم التفاوت الزمنى، ورغم اختلاف النشأة والتكوين الثقافى، رغم التغيرات والتحولات الكبرى التى طرأت على الحاضنة الاجتماعية التى شهدت تكوين وعى هؤلاء إلا أن هناك ما يجمع بينهم، ليس فقط التصميم على جماليات الأداء ولكن الانحياز التام للشخصية المصرية وطرح أسئلة الواقع وقضايا اللحظة الراهنة من خلال الشخصيات المتعددة التى جسدها هؤلاء للشخصية المصرية، وهذا ما سوف أحاول تقديمه من خلال هذه القراءة فى شخصيات عادل إمام فى أعماله الفنية وخاصة المسرحية. 


النشأة وكوميديا الارتجال 
«ولد عادل محمد إمام محمد فى 17 مايو 1940 فى إحدى قرى مركز المنصورة لأب موظف بإحدى المصالح الحكومية، عاش طفولته وصباه بحى السيدة زينب، وفى تلك الفترة عرف عنه ميله فى شبابه المبكر للشغب والمشاكسة فى المدرسة والشارع، أى تميزت شخصيته بالشقاوة التى تميزت بخفة الظل والمرح» هكذا جاء وصف شخصية عادل إمام فى «قاموس المسرح» إذ كان التمثيل هوايته المفضلة، وشارك فى مراحل الدراسة فى عروض الفرق الجاميعة وهو لا يزال طالباً فى الجامعة فى كلية الزراعة، وفى عام 1962 التحق بفرق التليفزيون المسرحية.. ورغم صغر الأدوار التى أسندت إليه بعروض المسرح الكوميدى إلا أنها لفتت الأنظار لمواهبه كممثل كوميدى. ليصبح عادل إمام حالة خاصة فى تاريخ التمثيل العربي، فهو ليس كغيره،ليس كعدد كبير من النجوم والمشاهير جاءوا وذهبوا،قدموا بعض الأعمال المتميزة وعشرات الأعمال العادية أو قل المتواضعة، فأعمال عادل إمام كلها متميزة وإن جاء هذا التميز بدرجات متفاوتة، لأن تمثيل عادل إمام وقدراته الأدائية سر هذا التميز، فهناك أعمال عادية على مستوى الكتابة أو الإخراج والمفردات الأخرى، قدمها عادل إمام ولكن أضفى عليها طابعاً خاصاً من شخصيته فى الأداء فجاءت مختلفة ومتميزة، وأذكر أننى حين شاهدت آخر مسرحيات عادل إمام «بودى جارد» لم أجد مسرحية بالمعنى التقليدى، لم أجد نصاً مسرحياً، ليس سوى مجموعة مشاهد من بطولة عادل إمام، لكنى أعترف أننى استمتعت على مدى زمن العرض وضحكت ولم أشعر بالملل لأن عادل إمام وحده دون مفردات أخرى هو وحده الممثل والمفردات الأخري!وهذه وإن كانت ميزة فلها أيضا مساوئ كما سنرى لاحقاً، فعادل إمام ينتمى إلى ممثلى كوميديا الارتجال (ديلارتى) فهو يتمتع بقدرة هائلة على التعبير عن كمية كبيرة من المفارقات من خلال الجسد والصوت والعنف الكوميدى، فهو ينتمى إلى سلالة ممثلى «الفارس» فى العصور الوسطى، حين كان الممثل يقف وحيداً أمام الجمهور ويتحمل وحده عبء المشهد معتمداً على قدراته وثقافته، فهو دائماً يعمل على فضح الأعراف الإجتماعية السائدة، وتوجيه النقد الاجتماعى والأخلاقى والسياسى للمجتمع من خلال الكوميديا وفى أسلوب ساخر يمكن للمشاهد أن يقبله، ولا ينفر منه، وذلك من خلال قدرات فنية خاصة، ليس فقط فى الأداء الحركى، بل من خلال ثقافة عامة تجعل هذا الجسد أداة الممثل قادر على التعبير عن الموقف، وهذا ما تؤكده أعماله المسرحية والسينمائية والتليفزيونية وعادل إمام هو الوحيد بعد إسماعيل يس الذى تم عمل أفلام خاصة له، الأول أفلام تحمل اسمه اسماعيل يس، فى الجيش والبوليس والبحرية.. إلخ، أما عادل إمام فسلسلة أفلامه تحمل صفات ووظائف فى المجتمع، مثل «المشبوه، الهلفوت، المتسول،المنسي»، بالإضافة إلى أفلام تحمل أسماء مثل «شعبان تحت الصفر، رجب فوق صفيح ساخن، رمضان فوق البركان، عنتر شايل سيفه».

 

وفى المسرح، قدم الزعيم، والواد سيد الشغال، وبودى جارد، وهذه الصفات تحتاج إلى قدرات خاصة فى الأداء،صفات لا يمكن الجمع بينها فى الحياة، لكنه جمع بينها فى السينما والمسرح، وهذا لم يحدث من فنان آخر كما ذكرت سوى إسماعيل يس، وإذ كان البعض حاول تقليد هاتين الظاهرتين فى السنوات الأخيرة، لكن كان نصيبها الفشل الذريع، لأن هذه الصفات تحتاج إلى قدرات خاصة، ليست فقط الموهبة ولكن تحتاج إلى ثقافة ووعى بالحياة والمجتمع، وهذا ما توفر فى عادل إمام وافتقده الأخرون بنسب متفاوتة، وعادل إمام ممثل كوميدى بالفطرة، حتى إذا أدى الأدوار المأساوية يضفى عليها طابعاً مضحكاً، لأنه بطبيعته يسخر من العالم، يسخر من الأشياء، فالأداء الساخر «البارودى» فى طبيعته.

 

وبدوره كفنان واع طوره على مدى سنوات طويلة، وكان هذا التطوير وفقاً لمتطلبات ومتغيرات اللحظة الراهنة، ففى كل أدواره التى غلب عليها الطابع المأساوى سواء المشبوه، النمر والأنثى، العظماء السبعة « شمس الزناتي»على سبيل المثال أو حتى مسلسل جمعة الشوان الذى يقدم شخصية وطنية لا تخلو هذه الأعمال من الطابع الكوميدى رغم مأساويتها، فهو مخلص للكوميديا ,كما ذكرت، فهى جزء من طبيعته!


مدرسة المشاغبين
كانت أول بطولة كبرى لعادل إمام مع آخرين من أبناء جيله في» مدرسة المشاغبين» التى شاركه البطولة رفيق مشواره سعيد صالح مع يونس شلبى وأحمد زكى وهادى الجيار بالإضافة إلى نجوم الجيل السابق نظيم شعراوى وحسن مصطفى وعبدالله فرغلى وسهير البابلى، ففى مطلع السبعينيات وفى ذروة تألق المخرج المسرحى الكبير جلال الشرقاوى ولدت فكرة مسرحية «مدرسة المشاغبين» مع سمير خفاجى و الكاتب المسرحى المتميزعلى سالم، المسرحية التى كانت محطة مهمة فى حياته، بل ومحطة فارقة فى مسيرة المسرح المصرى فى النصف الثانى من القرن العشرين، وذلك حين أعطى الأستاذ عبد الفتاح السيد الذى يعمل فى الرقابة على مصنفات التليفزيون المصرى لجلال الشرقاوى خمس كراسات تحتوى على ترجمة النص الفرنسى لمسرحية اسمها « المدرسة الجديدة»  تأليف «روجيه فريديناد» وهذا المؤلف كتب ثلاثية عن المشاغبين، الجزء الأول فى المرحلة الثانوية وهو ما تم تقديمه فى مصر تحت اسم مدرسة المشاغبين والجزء الثانى فى الجامعة الذى ترجمه فيما بعد أنور فتح الله وأهداه أيضاً لجلال الشرقاوى والجزء الثالث يجسد لقاء هذه المجموعة وهم فى سن الخمسين، فمسرحية مدرسة المشاغبين لا علاقة لها بفيلم «سيدنى بواتييه» الذى حمل عنوان «مع تحياتى لأستاذى العزيز» كما يعتقد الكثيرون.

 

ويحكى جلال الشرقاوى عن معركة نشبت بين الفنان عبد الله فرغلى و الكاتب المسرحى ماهر ميلاد والشاعر عبد الرحمن شوقى حول مؤلف مدرسة المشاغبين فكل منهم نسب النص لنفسه، ورغم أن الشرقاوى يحسم الأمر ويؤكد أن النص الذى أخرجه لفرقة المتحدين إعداد الكاتب المسرحى على سالم وتأليف الأغانى والاستعراضات لعبد الرحمن شوقى، والألحان لسيد مكاوى،إلا أنه من الطبيعى أن يكون هؤلاء أيضاً قاموا بترجمة النص ومحاولة إعداده أو قل تمصيره، لأن وصوله للسيد عبد الفتاح يعنى وصوله للآخرين أيضاً، ولكن ما يعنينا فى الأمر أن النص الذى قدمه الشرقاوى من إعداد على سالم والمسرحية تقدم نفس شخصيات النص الفرنسية بأسماء مصرية لا أكثر ولا أقل، فعلى سبيل المثال بهجت الأباصيري «عادل إمام» شأنه شأن جابرييل يتاجر فى بعض الأشياء الصغيرة، المربى والبن والسجائر والخمور والأقمشة وهو يحلم أن يكون بحاراً ووالده يصر على أن يكون صيدليا مثله، وأيضاً الشخصيات الأخرى هى نفس الشخصيات، وقد قام على سالم بتمصير الأحداث ووضعها فى سياق اللحظة التاريخية أى حقبة السبعينيات وما شهدته من تحولات فى منظومة القيم، فهذه المسرحية من المفترض أنها ثورة ضد الكبار، ثورة ضد السلطة ممثلة فى هؤلاء الكبار الأب الناظرأبله عفت وبينما يفشل الأب الدكتور الأباصيرى، والمعلم الزناتى وعبد المعطى ناظر المدرسة فى تقويم الأبناء تنجح أبله عفت التى تسلحت بالحب والعلم معاَ،هذا ما يطرحه النص الذى أعده على سالم عن ترجمة السيد عبد الفتاح للنص الفرنسي، مجموعة من الشباب الطيبين، طبيعتهم طيبة والمجتمع حوّلهم إلى منحرفين، ومن المفترض أنها «مدرسة المشاغبين» هجاء فى المجتمع،فى سلطة الأباء والمسئولين! 


أثارت «مدرسة المشاغبين» جدلا كبيراً امتد حتى تسعينيات القرن الماضى، فهل أفسدت جيلاً من الشباب كما اتهمها البعض ؟ واتهمها البعض الآخر أنها أحدثت تحولات مؤسفة فى حياة الشباب حين أتاحت لهولاء شرعية الاستخفاف والاستهانة بدور المعلم! إذن أين الخطأ فى هذه المسرحية، والسؤال الذى طرحته على نفسى بعد مرور ما يقرب من نصف قرن على عرضها، هل يمكن أن تفسد مسرحية جيلا من الشباب كما اتهمها البعض إلا إذا كان هذا الجيل هشاً ضعيفاً والحاضنة الاجتماعية التى يعيش فيها فاسدة، وأن هناك أخطاء تراكمت على مدى سنوات، فوجد هؤلاء المشاغبون هوى فى نفوس الشباب، وإلا كان الشعب المصري، تأثر وقلّد ريا وسكينه بعد فيلم صلاح أبو سيف حال عرضه 1953! فالمسرحية حققت نجاحاً كبيرا على المستوى الجماهيرى واستمرت أربع سنوات على خشبات المسارح فى القاهرة والاسكندرية وبيروت، ويعترف جلال الشرقاوى فى مذكراته «حياتى فى المسرح» أن المشكلة كانت فى تجاوزالممثلين وخروجهم عن النص وقال» لا أنكر أنهم بالغوا بل وأسفّوا فى بعض الأحيان، ولم يستطع مخرج أو منتج كبح جماح هؤلاء النجوم» لتتحول المسرحية التى وصفها البعض أنها تعبرعن، التمرد على السلطة ومقاومة الجيل القديم ومحاربة المجتمع الانتهازى و إعلاء قيمة الحب والعلم، وأن الانحراف ظاهرة عرضية تنشأ نتيجة خلل فى النظام الاجتماعى، تحولت مع نزوات النجوم إلى عرض تجارى! 


فى كل الأحوال ورغم التحفظات العديدة على « مدرسة المشاغبين « والتى استمرت من 1971 وحتى عام 1975 حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، أرجعه جلال الشرقاوى إلى التوليفة والتى هى عبارة عن اختيار موضوع يشغل أذهان الناس جميعا وخاصة الشباب، من خلال عرض ممتع تمتزج فيه فنون ممتعة كالغناء المسرحى والرقص، والتمثيل الكوميدى والمؤثرات العصرية، إذا فالضحك مضمون والفرجة موجودة، وهذه توليفة فرقة المتحدين لصاحبها سمير خفاجى والتى وجد فيها الشرقاوى نفسه بعد رحلة طويلة فى مسرح الستينيات تنقل فيها بين العديد من التيارات المسرحية المختلفة والأفكار المتباينة لكتاب مسرحيين أصحاب معتقدات من هنا وهناك، ليجد نفسه فى هذه التوليفة والتى سيقدم من خلالها عشرات العروض فيما بعد. وحاول جلال الشرقاوى استثمار نجاح المشاغبين فى مسرحية عنوانها «موسيقى فى الحى الغربى» ولم تنجح التجربة. ورغم أن هذه المسرحية لم تكن بطولة مطلقة إلا أنها كانت بداية الرحلة بداية تحديد صورة عادل إمام عند الجمهور وكانت أولى خطوات هذا الفنان ناحية ليس فقط عرش الكوميديا ولكن الملامح الخاصة التى سوف يفرضها على شخصياته الفنية فيما بعد، الشخصية ذات الحضور الكبير، وأيضاً القدرة على الإرتجال. 


أول بطولة مطلقة 
فى عام 1975 كان عادل إمام على موعد مع البطولة المطلقة مسرحياً للمرة الأولى فكما ذكرت «مدرسة المشاغبين» بطولة جماعية وإن كان الدورالأبرز فيها لعادل إمام، لكن كان سعيد صالح شريكاً أساسياً، وهذه البطولة كانت من خلال مسرحية «شاهد ماشفش حاجة» والتى استمر عرضها لمدة سبع سنوات من إخراج الدكتورهانى مطاوع، وفى هذه المسرحية ظهر الفنان الموهوب بصورة مختلفة ليقدم كوميديا تناقش أعماق النفس الإنسانية ورغم الطابع الكوميدى الساخر للأحداث إلا أن العرض قدم صورة لا تخلو من رؤية فلسفية لشخصية سرحان عبد البصير الذى يعمل ممثلاً فى برنامج للأطفال ولا يشتبك مع العالم، فقط يعيش فى عالم الأطفال والحيوانات، يعيش فى عالم البراءة، ليجد نفسه فجأة شاهداً فى قضية تتعلق بجريمة قتل! فتتغير الدنيا ويصطدم بعالم لا يعرفه، يواجهه فى البداية بمنطق الطفولة.. وبينما كان الجمهور يستمع بهذا العرض على خشبة المسرح ويشاهد، هذا الشاهد متلعثماً أمام المحكمة يخرج عن النص، ويمارس هوايته فى الارتجال مهاجماً الحاضر والماضى، بعد أن اكتشف مواهبه فى الارتجال والقدرة على إقامة حوار مع الصالة.

وكانت قضية أخرى ولكن فى المحاكم هذه المرة حول نص المسرحية، مسرحية مأخوذة عن نص تمثيلية إذاعية إنجليزية بعنوان «حدوتة الأرنب سفروت» رفع القضية مؤلفان قاما بتحويل التمثيلية إلى مسرحية مقابل 300 جنيه وفقاً لما كتب فى تلك المرحلة، وأذكر حين سألت الدكتور هانى مطاوع مخرج هذا العرض حول هذه القضية لأننى كنت مكلفاً بتقديم المسرحية فى التليفزيون المصرى حال عرضها ضمن برنامج «كنوز مسرحية» فقال إنه قام بإعادة الكتابة مرة أخري، وعند العرض رفض المنتج كتابة اسميهما فى الإعلانات فاعترض و صمم على موقفه، وتم رفع دعوى قضائية أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية وظلت فى المحاكم سنوات حتى عام 1982، وظلت القضية فى المحاكم بين النقض والاستئناف حتى حكمت محكمة الاستئناف بالقاهرة لصالح من قاما بالإعداد بمبلغ 30 ألف جنيه، وبعيداً عن المشاكل القانونية حول الإعداد جسدت هذه المسرحية مواهب عادل إمام الذى ظهر فى قناع مغاير، الشاب المسالم سرحان عبدالبصير الذى يستدعى للشهادة فى جريمة قتل لا يعرف عنها شيئا، لتنشأ الفكاهة من المفارقة فى المشاهد المسرحية بين الخبرة المحدودة بشئون الحياة والبراءة العاجزة عن مواجهة الواقع الحافل بالشر، وأيضاً تتجلى قدراته فى الأداء ليس فقط فى الأداء التمثيلى مع مجموعة من النجوم فى بطولة مطلقة مطلقة مع مشاركة متميزة من الفنان عمر الحريرى وناهد جبر ونظيم شعراوى وغيرهم، بل وأيضاً مهارته فى الارتجال التى سوف يعتمد عليها فى المسرحيات الثلاثة القادمة بل وستكون العماد الأساسى لهذه المسرحيات « الواد سيد الشغال، الزعيم، بودى جارد».


الواد سيد الشغال 
وفى عام 1985 يقدم عادل إمام ثالث أعماله المسرحية التى يلعب فيها دور البطولة « الواد سيد الشغال « تأليف سمير عبد العظيم وإخراج حسين كمال وكما تم اقتباس «مدرسة المشاغبين وشاهد مشفش حاجة» أيضا تم اقتباس هذه المسرحية من فيلم «طلاق سعاد هانم» أوعلى الأقل تشابهت القصة التى قدمها أنور وجدى وعقيلة راتب من قبل، ولكن قام سمير عبدالعظيم بكتابة معالجة معاصرة للحكاية، حيث تطرح فى بنيتها العميقة قضايا فساد المجتمع وطبقة رجل الأعمال سواء من خلال توظيف الأموال أو هروب رجل الأعمال بعد استيلائه على القروض من خلال حكاية سيد «عادل إمام» الذى لجأ إلى المنزل الذى يعمل خاله فيه طباخاً هربا من تنفيذ عقوبة السجن لمدة عام بتهمة ضرب أحد النصابين من أصحاب شركات توظيف الأموال الذى نصب عليه واستولى على أمواله القليلة، ويجد له الخال وظيفه معه فى المطبخ ليخدم هذه العائلة الثرية، وفى نفس توقيت ظهور سيد فى هذا المنزل يتم طلاق ابنة الثرى صاحب المنزل للمرة الثالثة من زوجها فيتم اختيار سيد ليقوم بدورالمُحلل، لتدور الأحداث التى تتخللها العديد من المفارقات بين واقع الزوجة الثرية وممارساتها وسلوكها فى مقابل هذا القادم من الأحياء الشعبية. وهنا يجسد عادل إمام دور الشاب المشاكس الحشرى خفيف الظل الذى يفرض حضورة على هذه الأسرة الثرية، حيث يفرض ابن الطبقة الشعبية سلوكه وعاداته وتقاليده على طبقة الأغنياء الجدد وهى ظاهرة أصبحت شائعة فى المجتمع المصرى فى السبعينيات من القرن الماضى «فى الأحوال العادية وفى الظروف الاجتماعية العادية نسبياً تميل الطبقات الدنيا إلى تقليد الطبقات الأعلى فى أنماط سلوكها.

أما فى الظروف التى تتعرض فيها الطبقات العليا للانحدار والتدهور على درجات السلم الإجتماعى يحدث العكس حيث تأخذ الطبقات الهابطة فى تقليد واقتباس أنماط وسلوك الطبقات الأدنى واعتناق قيمها وينحاز جلال أمين إلى هذا الرأى لعدة أسباب منها اكتساب الثقة بالنفس عند هذه الطبقات بسبب صعودها وهذا الصعود يؤدى بها إلى غزو فضاءات الطبقة العليا ناهيك عن غزو وسائل الإعلام والتأثير فى الرأى العام.. وهكذا تأخذ فى تأكيد وجودها.. وماكان محتقراً من عادات وتقاليد لهذه الطبقات أصبح لا يدعو إلى الخجل، وعادل إمام فى هذه المسرحية وحين يقتحم فضاء هذه الطبقة يثبت هشاشتها وضعفها ويفرض عليها ثقافته وعاداته، حيث ينتصر الفهلوى القادم من قاع المجتمع على هذه الطبقة! واستمر عرض المسرحية ثمانى سنوات .


زعيم الكوميديا 
وفى عام 1993 يعود عادل إمام إلى تراث المسرح المصرى وبالتحديد إلى حكاية من صيغ مسرح الترقية «الفودفيل» الذى برع فى كتابته بديع خيرى وقدمه كمخرج عزيز عيد، وساهم فى نجاحه أبطال المسرح فى ذلك الزمان وعلى رأسهم نجيب الريحانى وفؤاد شفيق ومحمد كمال «شرفنطح» وحسين رياض وغيرهم، ممن يمتلكون مهارات تمثيلية استثنائية، فى أداء عروض «الفودفيل» التى تقوم على الحبكة البسيطة والسهلة والمواقف الملتبسة التى تثير الضحك وتكون من عوامل التشويق والإثارة من خلال شخصيات تحمل مواصفات خاصة تحدث لهم أو يجدون أنفسهم فى مواقف غريبة تؤدى إلى نتائج مثيرة،حوادث أقرب إلى حكايات ألف ليلة وليلة، أقرب إلى منطق الليالى أو اللامنطق فى الأحداث ومبرراتها الدرامية. 


ففى مسرحية «الزعيم» والتى كتبها الدكتور فاروق صبرى وأخرجها للمسرح شريف عرفة وأيضاً من إنتاج فرقة المتحدين،يجسد فيها عادل إمام دور الفتى الصعلوك الذى تقوده الأقدار ذات يوم إلى قصر الحاكم ويفاجأ بأن الحاشية الفاسدة تقبض عليه وتنصبه حاكما! تضعه قسرا على كرسى الحكم وذلك للشبه الكبير بينه وبين الحاكم بعد وفاته، اذ وجدت الحاشية أن الفرصة سانحة لتنفذ أغراضها ومصالحها وتحتاج هذا الشخص الذى يشبه الحاكم ليكون مجرد قطعة ديكور، والفكرة أو هذه الحكاية عولجت من قبل فى العديد من المسرحيات والأفلام المصرية بدءاً من رواية أبى الحسن المغفل لمارون نقاش وأعمال عديده أشهرها للجمهور فيلم «سلامة فى خير»على سبيل المثال حيث يلعب دور البطولة شخصية الفراش فى محل الأقمشة الذى يتم تكليفه بتوصيل مبلغ الى البنك، لكن مجموعة من المصادفات الغريبة تجعله يصل متأخرا فيعود إلى البيت حيث يعيش مع زوجته وحماته، وفى البيت كما فى الشارع تحدث مفارقات أخرى تساهم فى تعقيد الحبكة، فحين يصل إلى البيت يجد اللصوص سرقوا النحاس.

وفى الشارع أحدهم يخطف شنطة فتاة وهكذا يزداد خوفه على المال أو قل يزداد الموقف تعقيداً، فيذهب للنوم فى أحد الفنادق الكبرى حتى يودع المبلغ فى الأمانات، فى نفس الوقت كان الفندق يستعد لاستقبال أمير ثرى يدعى أمير كيندهار، ويحدث اتفاق ليحل سلامة محل الأمير، فى تجربة حاول فيها الأمير أن يعبث، يلهو ويعيش بين الناس ويتجرد من التاج ورموزه، وفى فيلم « صاحب الجلالة ويقوم بدورالأمير «شيال» يعمل فى نفس الفندق الذى سيحل عليه الأمير ضيفا، وتشاء الأقدار أن يشبه الشيال الأميرالذى تُحاك ضده مؤامرة بغرض اغتياله، وهكذا... وتمت معالجة هذه الحكاية أو الفكرة الرئيسية فى العديد من الأفلام بعد ذلك، البعض نسب أصل قصة هذا الفيلم إلى مسرحية أجنبية عنوانها «الزائرون» للفرنسى ساشا جيتري، و بالفعل تم كتابة أسم المؤلف الأصلى على فيلم «صاحب الجلالة» الذى قدم نفس الحكاية بمعالجة جديدة للسيد بدير، رغم أن فيلم «سلامة فى خير» اكتفى بسناريو وحوار بديع خيرى ونجيب الريحاني، والثنائى قدمها قبل السينما على خشبة المسرح من خلال عرض حمل عنوان «حكم قراقوش» والتيمة الرئيسية تدور حول الرجل الطيب الفقير المغلوب على أمره، ودائما ما يتعرض لحوادث يلعب فيها القدرالدور الرئيسي، وهذه الشخصيات إذا كانت منسوبة إلى مسرحيات فرنسية أو أجنبية بشكل عام إلا أنها مأخوذة من كتاب « ألف ليلة وليلة» من حكايات هارون الرشيد الذى كان يلهو متنكرا فى ليل بغداد.

وتحكى الليالى عن الخليفة الذى خرج مع وزيره جعفر متفقداً أحوال الرعية فسمع رجلا يقول آه لو كنت ملكا لأقمت العدل بين الناس وفعلت كذا وكذا فيقرر أن يحمله إلى قصره ويجعله ملكاً ليوم واحد، وتتوالى الأحداث والمفارقات، وفكرة الملك أو الأمير البديل، أو حين يجد رجل من عامة الشعب نفسه ملكاً أو أميراً وجدت هوى فى نفوس المصريين فى المسرح والسينما وظنى أن أصولها العربية التى وصلت أوروبا من خلال ترجمة ألف ليلة وليلة لها عامل كبير فى الرواج ناهيك عن قالب «الفودفيل» الذى أضفى عليها الطابع الكوميدى ووجد أيضاً هوى فى نفوس المصريين من قبل، والفكرة ذاتها عولجت برؤى مختلفة أهمها فى المسرح المعاصر مسرحية «الملك هو الملك للسورى سعد الله ونوس الذى أضفى عليها طابعاَ سياسياً وذات الحكاية المستوحاة من ألف ليلة وليلة استلهمها من قبل مارون نقاش تحت عنوان «أبو الحسن المغفل» وأيضا جورج قرداحى قدمها فى عرض حمل عنوان «هارون الرشيد والصياد» ودون شك الفكرة القائمة على التنكر والأداء التمثيلى فى الواقع مثيرة وتم تقديمها فى المسرح العربى على مدى أكثر من قرن ونصف وحتى بعد أن استلهمها المسرح الغربى قمنا نحن بتمصيرها وتعريبها وردها إلى أصولها، بل وتم معالجتها هذا العام 2023 من خلال حكاية معاصرة وعرضت فى المسرح الكوميدى تحت عنوان « طيب وأمير». 


 دون شك الحكاية مثيرة وتقوم أيضاً فى بنائها العميق على الخيال حين يصبح واقعاً، والواقع الذى يصبح خيالاً وذلك حين يجد الصياد أو الفراش أو الشيال أو الكومبارس، أى شخص من البسطاء وعامة الشعب نفسه ملكاً أوأميراً ولو ليوم واحد! لينضم عادل إمام من خلال معالجة فاروق صبرى المعاصرة للفكرة ويكشف من خلالها فساد النخبة الحاكمة وجرائمها فى حق الوطن والشعب فى رؤية معاصرة وحكاية من هذا الزمان بطلها «زينهم» وهو كومبارس فقير يعيش فى حى شعبى، يشبه الحاكم أو الزعيم شبها واضحا يدفع إلى اختياره كى يلعب دور الحاكم فى فيلم تسجيلى، وطبقا لحبكة الفودفيل يموت الحاكم فجأة وتتفق أراء الحاشية الفاسدة على الاستعانة بزينهم ليلعب دور الزعيم لعدة أيام حتى ينتهى هؤلاء من توقيع اتفاقية لدفن النفايات الذرية فى البلاد تعود فيه بالخيرات على هذه العصابة الفاسدة التى تحكم البلاد، وكما حدث فى مسرحية الواد سيد الشغال يصبح التقابل بين الواقع الشعبى وطبقة الأغنياء الجدد يصبح التقابل بين واقع هذه العصابة  «فى» قصر الحكم وشخصية زينهم القادم من قاع المجتمع مصدر الكوميديا! وكما وجد بطل سعدالله ونوس فى مسرحية الملك نفسه وهو يصحو من النوم بين فتاتين جميلتين تداعبانه مداعبات لا تخلو من مماحكة جنسية يجد عادل إمام أو زينهم نفسه فى نفس الموقف،وتتوالى المواقف الكوميدية القائمة على الالتباس، التباس الحكاية التى تقوم فى معالجتها على صيغة الفودفيل.. وتنتهى المسرحية بحيلة بيسطة وساذجة كما تنتهى حكايات «الفودفيل»، وذلك حين تأتى فتاة وطنية لتقتل الزعيم، وحين تكتشف حقيقته أى أنه الكومبارس زينهم تقص عليه نبأ الإتفاقية المشبوهة، فينتبه زينهم! ثم يتخلص من الحاشية بطريقة ساذجة أيضاً حيث يدفع مسئول الخابرات بالقضاء على نائب الزعيم وريس ديوانه، ثم يدفع وزير الداخية للقضاء على مسئول المخابرات وهكذ تخلص من الجميع. 


دون شك ورغم الفكرة المثيرة ومعالجتها عدة مرات من قبل فى المسرح والسينما إلا أن تقديم مسرحية تحمل هذا العنوان وهذه الأحداث عام 1993 خطوة جريئة، رغم أنها كوميديا تنتمى إلى قالب «الفودفيل» إلا أن الحكاية تشى بما هو مسكوت عنه ولا تخلو من إسقاط سياسى مباشر. وفى هذه المسرحية بدأ عادل إمام نجما وحيداً على خشبة المسرح وهو ما سوف يتأكد فى العرض التالى بودى جارد، فليس هناك شركاء فى البطولة هناك نجم وحيد على خشبة المسرح تم تفصيل الحكاية من أجله! وفيها أيضا بدأ البعض يتساءل من هو جمهور عادل إمام، فكتب فاروق عبد القادر فى جريدة الأهالى فى ديسمبر 93 متسائلاً: «فى ضوء أثمان البطاقات فى هذا المسرح الفاخر الذى يملكه كاتب النص مائتى جنيه للمقعد فى الصفوف الأولى تظل تتدرج حتى الصفوف الأخيرة، والتى لايقل المقعد فيها عن ثلاثين جنيهاً) وذلك عام 1993! وفى ضوء قلة أوغياب الجمهورى التقليدى القادر على الدفع، لابد أن نتساءل من هو جمهور عادل إمام الذى يقدم له هذا العمل، جمهور الصفوف الأولى هم ببساطة بعض تلك الشريحة من المصريين والتى استمد عادا إمام قدرا كبيرا من جماهيرته فى السينما من فضحها والوقوف فى مواجهتها، الذين يأتيهم المال سهلاً بوسائل أقل ما توصف به أنها غير شريفة - فينفقونه سهلاً كذلك يليهم المتطلعون المقلدون المتلهفون للوثوب وفى الصفوف الأخيرة الغافلون والمخدعون، إنما لهولاء يغنى عادل إمام مزاميره، وهو يتقدم إليهم بوجه ابن الشعب، القادم من الحى الفقير وبالطبع لا يخلو تساؤل الناقد المسرحى الكبير فاروق عبد القادر من دلالة وأيضا تحليله الدقيق للجمهور فى الصالة واستغرابه فى نفس المقال من صورة عادل إمام فى ملابس الحاكم وهو الذى اعتاد أن يكون واحدا منهم فى ملابسه الشعبية. 


وفى مسرحية «بودى جارد» عام 1999 وهى آخر أعمال عادل إمام على خشبة المسرح من تأليف يوسف معاطى وإخراج رامى إمام يقف عادل إمام على خشبة المسرح نجما وحيداً لا منافس له مع عزت أبوعوف، وسعيد عبدالغنى وشيرين سيف النصر ويتأكد المشاهد أن العرض تم تفصيله، وصُنع خصيصاً من أجل عادل إمام! تدور أحداث المسرحية فى قالب كوميدي، حول مجرم صغير يلتقى فى السجن بمجرم كبير المقام يقنعه بالعمل حارسا شخصيا لزوجته وأعمالها غير الشريفة فى النهب والسرقة، فيقع الحارس الشخصى فى غرام السيدة التى يحرسها، وبالطبع يكتشف الزوج رجل الأعمال هذه العلاقة فيدبر له مكيدة ليدخله السجن وهذه المسرحية تتناول القضايا السياسية بشكل مباشر، وذلك من خلال طرح قضايا اللحظة الراهنة وأسئلة الواقع أومأساة الإنسان من خلال رؤية لا تخلو من الإسقاط السياسى حيث يقدم العرض عالم اللصوص والنصابين الذين يعيشون فى قمة المجتمع، ويمارسون النهب والسرقة وهذه الشريحة هم نواب القروض وكانت تلك القضية من أكثر القضايا تعقيدا وإثارة للجدل نهاية التسعينيات من القرن الماضى بالإضافة إلى قراصنة المال العام ومن يمارسون البغاء السياسى. 


خمس مسرحيات وحمسة مخرجين 
فى المسرحيات الخمس التى لعب فيها عادل إمام دورالبطولة وقدمها فى أقل من ثلاثين عاماً 1971 - 1999 تعامل مع خمسة مخرجين وخمسة كتاب ما بين تأليفٍ واقتباسٍ، خمس مدارس مختلفة من المخرجين، جلال الشرقاوى، هانى مطاوع، حسين كمال، شريف عرفة، ورامى إمام، الأول والثانى من مخرجى المسرح الكبار، والثالث والرابع من العلامات البارزة فى السينما العربية رغم اختلاف الأجيال والخامس من جيل الشباب الابن رامى عادل إمام، كذلك المسرحيات الأربع مُقتبسة من مسرحياتٍ عالمية أو بمعنى أدق من أفكار عالمية فثمة رغبة فى تقديم عادل إمام فى صورة البطل المنقذ، وظنى أن هذا التنوع لم يكن صدفة فدائما ماكان عادل إمام و«الفنانين المتحدين» يبحثون عن كل ما هو جديد وكل ماهو يساعد فى الجذب الجماهيرى ويحفظ صورة عادل إمام كنجم وحيد لا ينافسه أحد ففى الأعمال الخمسة ليس هناك مؤلف بالمعنى التقليدى هناك اقتباس، أو تمصير أو معالجة مسرحية معاصرة لفكرة قديمة، ناهيك عن المخرجين، الأول جلال الشرقاوى الذى قدم مدرسة المشاغبين وتميز بتقديم المسرح السياسى والانحياز إلى مسرح القطاع الخاص.

أى الانحياز إلى الصالة وتقديم عروض جماهيرية تثير الجدل فقدم عادل إمام مع أبناء جيله مطلع السبعينيات فى صورة الشاب المتمرد الذى أطاح بكل القيم والمعايير الراسخة فى المجتمع وساهمت هذه المسرحية فى تغيير صورة البطل فى المسرح المصرى حيث تلاها أعمال لآخرين من نفس الجيل مثل «سك على بناتك والعيال كبرت» فلم يعد البطل هو النموذج الُمتعارف عليه بل أصبح خارج الأعراف والتقاليد يسخر من القيم ويتمرد على الأسرة والمجتمع.

وهو ما يتناسب وقيم الانفتاح الاقتصادى التى سادت المجتمع المصرى فى سبعينات القرن الماضى. أما المخرج الثانى فهو الأكاديمى البارز فى مجال المسرح والمخرج المتميز د. هانى مطاوع والذى قدم عادل إمام فى صورة مختلفة من خلال شخصية ثرية على المستوى الإنسانى تمر بتحولاتٍ عديدة ومثيرة فى العرض وكانت البطولة الأهم لهذا الفنان على مدى مشواره المسرحى رغم أن عادل إمام مارس فيها كل نزوات النجم وراح يصول ويجول خارجاً عن النص مداعبا مشاعر الجماهير بما هو مثير من تعليقات سياسية، إلا أن وجود مخرج بثقافة ووعى د. هانى مطاوع كان كفيلاً بضبط إيقاع العرض وأيضاً أداء النجم الجماهيرى. وفى العرض الثالث كان المخرج أحد نجوم الإخراج السينمائى وهو حسين كمال وإن كانت له مساهمات مسرحية مهمة مثل «ريا وسكينة» وجاء العرض الرابع لمخرج سينمائى صريح وهو شريف عرفة من خلال عرض الزعيم، والعرضان «الواد سيد الشغال والزعيم» كلاهما تحول إلى شريط سينمائى شاهده الجمهور فى دور العرض بعد تصوير هذين العرضين لهذا الغرض. والعرض الأخير «بودى جارد» كان للمخرج الشاب رامى إمام من جيل الشباب وقدم قبل هذا العرض «جزيرة القرع» من تأليف عبد الفتاح البلتاجى فى مركز الهناجر للفنون مع مجموعة من الشباب ،وسوف يلاحظ المتابع لهذه العروض الخمسة تزايد عدد سنوات العرض على خشبة المسرح الأول «مدرسة المشاغبين» 4 سنوات والثانى «شاهد مشفش حاجة» 7 سنوات، والثالث «الواد سيد الشغال» 8 سنوات وهكذا وأيضاً ملاحظة أخرى وهى انفراد عادل إمام بالنجومية ففى مدرسة المشاغبين كانت البطولة جماعية، وفى العرضين الثانى والثالث بطولة مطلقة مع مجموعة من النجوم، أما العرضان الرابع والخامس وخاصة بودى جارد أصبح حضور عادل إمام وحده على خشبة المسرح، وهذا الحضور يرى البعض أنه ينفى عن فن المسرح صفة أساسية من حيث هو فن جماعى، ومن حيث المعنى العام إنما يتخلق من من خلال عرض مختلف الروئ التى تعبر عنها الشخصيات الأخرى، وفى هذه الحالة يفقد الجمهور الرؤى المتعددة ويصبح أسير رؤية واحدة، فربما تتحق المتعة ولكن يطرح العرض على جمهوره أويثير بعض الأسئلة، وهذا ماحدث فى العرضين الأخيرين بشكل ملحوظ، وظنى أن هذا الانفراد بالبطولة أضر بمسرح عادل إمام، فحين بدأت هذا المقال بتوصيف العلاقة بين الريحانى والمهندس وإمام والأخير هو الضلع الثالث فى مثلث الكوميديا المصرى، كنت أتمتى أن تكتمل الصورة ويسير على نهج هذين النجمين، فكلاهما ظل للنهاية محافظا وحريصاً على عدم الانفراد التام بالبطولة، ربما اختلفت شروط اللحظة وشروط الإنتاج، وكان الهدف الأساسى البحث عن مواصفات البطل التى يقدمها عادل إمام وتحفظ صورته عند الجمهور، فتنوعت عناصر العرض المسرحى من مؤلفين ومخرجين وظل عادل إمام البطل الذى ينحاز للشخصية المصرية فى كل مراحل التحول الاجتماعى والسياسى. 


صورة البطل الشعبى
عادل إمام الذى الذى تجاوز العقد الثامن، ومنذ أن عرفه الجمهور مع أستاذه فؤاد المهندس فى دور الأستاذ دسوقى ومروراً بعشرات الشخصيات، يجسد البطل الشعبى وهذه هى قيمة عادل إمام، وأقصد وعيه بهذه الفكرة وحرصه عليها، أى تجسيد البطل الشعبى المعاصر الذى يعبر عن قضايا الجماهير وأسئلة اللحظة الراهنة وينحاز للشخصية المصرية من خلال الأعمال التى قدمها، والتى تجسد تحولات المجتمع المصرى فى سبعينيات القرن الماضى، بل يمكن قراءة تحولات الشخصية المصرية فى العقود الخمسة الأخيرة ليس فقط من خلال أعماله المسرحية لكن أيضاً من خلال أفلامه «رجب فوق صفيح ساخن، شعبان تحت الصفر، سلام يا صاحبى، الهلفوت، المتسول، الإرهاب والكباب، عنتر شايل سيفه، والمنسى» وغيرها التى تجسد الواقع المصرى، فقد أصبح رمزاً لمرحلة كبيرة.. فقد ارتبط الجمهور بعادل إمام ليس فقط بالأداء التمثيلي، ومهارات الكوميديا ولكن أيضاً بما طرحه من قضايا تمس هذا المواطن الذى وجد فى عادل إمام أو فى الشخصيات التى قدمها مرآة تعكس قضاياه وهمومه. 


وإذا كان الدكتور على الراعى فى كتابه «مسرح الشعب» أخذ على عاتقه مهمة أن يصل بين الكتاب المثقفين وبين تراث الناس فى المسرح و قال «أنه لا شىء يبرر انعزال كتاب الكوميديا المثقفين عندنا عن كوميديا الشعب، فالكوميديا عندنا بعيدة الجذور واسعة الرقعة موفورة الحظ فى الوجدان القومى، فلا مستقبل حقيقى للكوميديا ما لم تتصل بالكوميديا الشعبية بل بجذورها»  ويتعرض بالدراسة والتحليل لنموذجين كان لهما التأثير الأكبر فى بداية القرن العشرين فى المسرح المصرى وبالتحديد الكوميديا وهما: نجيب الريحانى وعلى الكسار وكيف استفادا من الكوميديا الشعبية، وظنى أنه لو أمتد به العمر لضم إليهما عادل إمام الذى استطاع أن يحقق هذه المعادلة أيضاً، من خلال حرصه على صورة البطل الشعبى ذات الملامح المصرية ولكن فى صورة معاصرة، البطل الذى خلع الحلة الرسمية وارتدى البنطلون الجينز والتيشرت والحذاء الخفيف، وانحاز للشارع المصرى وعبّر بقوة عن أحلامه وطموحاته وهمومه.فى المسرح والسينما والدراما التليفزيونية. 


١٣٠ فيلماً و٥ مسرحيات 
انتماء عادل إمام للسينما وليس للمسرح حقيقة تؤكدها عدد الأفلام التى قدمها 130 فيلماً، مقابل خمسة عروض مسرحية لعب فيها دور البطولة بالإضافة إلى أدوار صغيرة ومؤثرة فى عروض مسرحية مع جيل الستينيات كانت مؤثرة وحققت نجاحاً جماهيرياً فى بداية حياته وكانت بداية طريقه سلم المجد السينمائى، بل حول كما ذكرت سلفاَ عملين من أعماله المسرحية إلى شريط سينمائى « الواد سيد الشغال والزعيم» وأيضاً عادل إمام لم يتعامل مع كاتب مسرحى فى كل أعماله بل مع أفكار إنسانية مقتبسة من أعمال عالمية، فلم ينحاز على سبيل المثال إلى كاتب مسرحى مثل: توفيق الحكيم أو ألفريد فرج أو محمود دياب أو نجيب سرور بل كان يحاول البحث عن فكرة تناسب عادل إمام فقط كانت مدرسة المشاغبين من إعداد على سالم ولم تتكرر التجربة، وحين لجأ بعد ذلك إلى كاتب مسرحى كبير مثل لينين الرملى حتى يكتب له أربعة أفلام سينمائية، تأليف وسيناريو وحوار لينين الرملى وهى ثلاثية بخيت وعديلة - الجردل والكنكة، هاللو أمريكا ثم فيلم الإرهابي، والأفلام الأربعة من إخراج نادر جلال، وحكى لى لينين الرملى أن الفكرة أى فكرة هذه الثلاثية بدأت من مشهد فى مسرحية الهمجى تم حذفه وكتب لينين الفيلم بالاتفاق مع رأفت الميهى لكى يخرجه أحد مساعديه من بطولة يسرا ومحمود عبدالعزيز واختلف مع المخرج وظل الفيلم فى رحلة طويلة حتى استقر مع عادل إمام وكتب لينين الجزءين الثانى والثالث وفقاً لرغبة عادل إمام، وفى أثناء تصوير الجزء الأول كتب لينين فيلم الإرهابى للفنان أحمد زكي، الذى لم يتصل به فى الموعد المحدد بينهما كما أخبرنى، فكان الفيلم من نصيب عادل إمام وفقاً لرغبة عادل إمام أيضاً الذى كان حريصاً على تقديم هذا الفيلم «الإرهابى» والذى تم إنتاجه عام 1994 من إخراج نادر جلال وعُرضَ للجمهور قبل بخيت وعديلة لموضوعه الذى كان قضية الساعة وقتذاك وعالج فيه لينين الرملى قضية الإرهاب من خلال شخصية المتطرف الذى تضطره الظروف للإقامة فى بيت أسرة مصرية وهناك يعرف الحقيقة من خلال حياته مع هذه الأسرة ويعتمد فيه المؤلف على إبراز الصفات الشخصية للبطل، الشخصية التى تحمل ملامح غريبة وخاصة يقرأ من خلالها التغيرات التى طرأت على المجتمع فالشاب «على عبد الظاهر» الذى أدى دوره عادل إمام هو ناتج طبيعى للظروف السياسية والاجتماعية التى مرت بها مصر فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى التى سادت فيها أفكارالجماعات المتطرفة التى انضم إليها على عبدالظاهر ومغزاها تكفير المجتمع ونشر ثقافة الموت، ويعالج لينين الرملى من خلال دراما اجتماعية هذه القضية التى لاتخلو من الطابع الكوميدى الساخر رغم خطورة الموضوع، حين تقود الصدفة هذا المتطرف الذى كان بصدد تنفيذ عملية إرهابية إلى اللجوء إلى بيت مصرى من الطبقة الوسطى يحمل كل قيم الليبرالية، وذلك حين تصدم ابنة هذه الأسرة على عبدالظاهر الذى كان يحاول الهرب من الشرطة فتحمله إلى البيت بعد أن استولى على حقيبة أستاذ جامعى فتظن الأسرة أنه هذا الأستاذ، وفى هذا البيت يبرز لينين الرملى قيم أسرة مصرية مسلمة تنتمى إلى ماتبقى من الحقبة الليبرالية، وصدمة هذا المتطرف الذى يجهل كل شىء إلا الأفكار الظلامية، وفى النهاية تنتصر قيم هذه الطبقة على التطرف، ودون شك كان عادل إمام حريصاً على تجسيد هذه الأفكار لأنها جزء من مشروعه الفنى. 


وفى ثلاثية بخيت حنيدق المهيطل وعديلة صندوق التى بدأت بفيلم بخيت وعديلة جسد لينين الرملى من خلال شخصية بخيت «عادل إمام» كل مساوئ حقبة الانفتاح الاقتصادى من خلال نجومه التى قدمها فى الأجزاء الثلاثة، نجوم تهريب العملة والمخدرات، ونواب الفساد فى البرلمان وتجار الجشع وهى النجومية المضادة للثقافة، من خلال مواطن ومواطنة هما ضحايا المرحلة ففى الجزء الأول يتعرض لتجار المخدرات، وفى الثانى تجار الانتخابات، ويفضح فى الجزء الثالث نماذج من أبطال المجتمع السياسى ورجال الدين والمثقفين فى الخارج، حيث يطرح رؤيته حول كيفية تسريب الوعى الزائف إلى بناء المجتمع من خلال هاتين الضحيتين، فكلاهما ضحايا هذا العصر وقيمه الزائفة، فحين هبطت عليهم الثروة بالصدفة فى الجزء الأول كلاهما انحاز إلى القيم العشوائية التى سيطرت على المجتمع من خلال تغلغل الوعى الزائف فبدلاً من تسليم الحقيبة للشرطة اعتبراها ملكية خاصة، وكلاهما راح يقلد نجوم عصر الانفتاح وقيمه العشوائية، النجومية المضادة للثقافة والقيم والمبادئ، ليتورط بخيت وعديلة فى الأجزاء الثلاثة فى بنية المجتمع العشوائية!

وذلك من خلال حبكة اعتمدت على الكوميديا فى الأجزاء الثلاثة.. فقد كان عادل إمام حريصاً فى حقبة التسعينيات على مواصلة تجسيد الشخصية المصرية وملامحها بعد أن شهدت حقبة السبعينيات والثمانينيات أفلاماً مثل: «رجب فوق صفيح ساخن وشعبان تحت الصفر والمتسول والهلفوت وغيرها» والتى جسد من خلالها تحولات المجتمع المصرى، ففى أحد حواراته وحين سئل عن أزمة الثقافة والمسرح والسينما رد عادل إمام بكلمة واحدة « نحن نعيش أزمة فكر» ولذلك كان حريصاً على البحث عن أفكارٍ جديدة أفكار تعبر عن أسئلة اللحظة الراهنة سواء مع لينين الرملى أو مع كاتبه المفضل وحيد حامد من قبل وقال أيضاً: «أنا من الناس وأى عمل لازم يكون للناس لا يوجد فن للخاصة، فهو إبداع إنسانى ولابد أن يصل إلى عدد كبير» وظنى أن هذه المقولة تمثل مشروع عادل إمام الذى استمر لمدة ستة عقود، ليتوقف بعد ذلك عن العمل السينمائى عام 2011 ويتجه إلى الدراما التليفزيونية كما توقف من قبل عن تقديم مسرحيات جديدة عام 1999 فقد كان من الذكاء وهو يراقب تحولات المجتمع واحتياجات الجمهور، وأى وسيلة يخاطب جمهوره ويتواصل معه. 


ملامح عادل إمام فى الدراما التليفزيونية 
وكما كان عادل إمام حريصاً فى العروض المسرحية التى قدمها على مواصفات خاصة فى الشخصية وأيضا فى السينما، لم يختلف الأمر كثيراً فى أعماله التى قدمها للدراما التليفزيونية، فإذا استثنينا أعماله الأولى مثل مسلسل «أحلام الفتى الطائر» المأخوذ عن قصة أجنبية والذى كتبه وحيد حامد أو مسلسل «دموع فى عيون وقحة» من سجل المخابرات المصرية والذى يقدم فيه أحد الأبطال فى تاريخ مصر المعاصر، ومن الأعمال الحديثة «فرقة ناجى عطالله» والتى تدور أحداثها فى الأرض المحتلة، سنجد أنه ورغم اختلاف المؤلف إلا أن عادل إمام يقدم نفس الشخصية ونفس العالم تقريبا الذى تدور فيه الأحداث، نفس المواصفات، الرجل الثرى، ونفس عالم الأغنياء، الرجل الحكيم الثرى خفيف الدم شخصية تجمع بين البساطة والعمق، يبدو عدمياً لا يهتم بما يجرى حوله، يحاول أن يستمتع بالحياة، فمنذ أن قدم مسلسل «صاحب السعادة» فى عام 2014، ووصولاً إلى «فلانتينو» 2020 ومروراً بمسلسل «مأمون وشركاه» 2016، و«عفاريت عدلى علام» 2017 و«عوالم خفية» 2018، بالإضافة إلى أعمال أخرى، قدم عادل إمام للدراما التليفزيونية أعمالاً متنوعة، بعضها يبدو عادياً على مستوى الكتابة أو الإخراج والمفردات الأخرى، إلا أن عادل إمام الممثل النجم أضفى عليها طابعاً خاصاً من شخصيته فى الأداء فجاءت مختلفة ومتميزة ويبدو هذا واضحاً فى الأعمال الدرامية التى قدمها فى السنوات الأخيرة والتى بدأت بمسلسل «صاحب السعادة» عام 2014 من تأليف يوسف معاطى وإخراج رامى إمام، نموذج لشخصية هذا الفنان، نموذج لقدراته الأدائية، فنحن أمام حكاية عائلية للجد، تكاد تكون حكاية عادية،بهجت القبطان المتقاعد «عادل إمام» الذى يعيش مع زوجته «لبلبة» وبناته الثلاث وأزواجهن وأحفاده فى بيته الكبير ومعه أيضاً ابنته التى لم تتزوج بعد، ويقدم المؤلف شخصية بهجت القبطان المتقاعد الذى يحب الحياة ويحب أن يعيش، شخص مثقف بالفطرة، طيب القلب، صريح، بسيط يقود مينى باص فى الصباح يحمل فيه أحفاده إلى مدارسهم بنفسه،ويعيش مع هذه العائلة الكبيرة حياة سعيدة مليئة بالمفارقات، فهو باحث عن السعادة، وصانع للسعادة أيضاً. 


وفى عام 2016 قدم مسلسل «مأمون وشركاه» حول شخصية مأمون الرجل البخيل، أو قل نموذجاً مثالىاً لهذه الصفة يعيش فى حى جاردن سيتى وله أربعة أبناء يحرمهم من كل شيء ومعهم زوجته، حتى ينفصلوا جميعًا عنه، تكتشف العائلة الثراء الفاحش لمأمون ويبدأ الجميع فى رحلة البحث عن مكان أمواله، لتتصاعد الأحداث فى إطار كوميدى اجتماعى ساخر، ربما لا يضيف التقدم فى الحلقات المزيد، فليست هناك أحداث بل مجموعة من المواقف التى تتطور فى إطار اجتماعى يغلب عليه الطابع الكوميدى ومزيد من السخرية،  وفى عام 2017 يدخل إلى عالم الجن والعفاريت من خلال مسلسل «عفاريت عدلى علام» المسلسل الذى تدور أحداثه حول رجل مولع بالقراءة والكتب، وتقوده بالصدفة إلى كتاب قديم حافل بالشفرات والرموز السحرية، وتظهر له عفريتة يتضح أنها مرتبطة بالكتاب، فيبدأ مغامرة لمحاولة صرفها والعودة لحياته الطبيعية، أيضاً فى سياق كوميدى لا يخلو من السخرية والمفارقات التى تجمع بين الواقعى والفانتازى، ثم ينتقل فى عام 2018 إلى شخصية مختلفة وهى الصحفى هلال كامل، صحفى معارض للحكومة تتسبب مقالاته فى إثارة الرأى العام. يقع فى يده مذكرات امرأةٍ تحت عنوان «عوالم خفية» تفضح فيها بعض الرموز القوية فى الحياة الاجتماعية ويقوم بنشر هذه الوثائق فيتعرض لمجموعة من الأزمات والمشاكل التى تعرض حياته وحياة أسرته للخطر.

ورغم اختلاف هذه الشخصيات ثمة ملامح مشتركة بينها، وحتى وإن اختلف كتاب السيناريو مع العلم بأن يوسف معاطى كان الأقرب فى السنوات الأخيرة فى فهم شخصية عادل إمام كممثلٍ، فالجميع قدم شخصية ذات ملامحٍ وصفاتٍ محددة يحدد طابعها وصفاتها الفعل الدرامى ودائماً تكون هذه الشخصية هى القوة الفاعلة التى تحرك الأحداث فى جميع الأعمال السابقة، والتى لاتشتبك من خلال طباعها وصفاتها مع قضايا اللحظة الراهنة العميقة والمؤثرة، بل تقدم مجموعة من الأحداث والمواقف التى يتفاعل معها المشاهد فسواء» صاحب السعادة» الرجل الثرى الذى يعيش حياة بسيطة ويتنقل ليبرز بعض ملامح وصفات المجتمع المصرى، أو «مأمون البخيل» أو «عدلى علام» صاحب العفاريت، أو الصحفى «هلال كامل» كلها شخصيات نجحت بقوة أداء عادل إمام وإمكانياته فى الأداء التمثيلى، نجحت رغم ماذكرته فى أنها لم تتعرض لقضايا المجتمع، كما كان يحدث فى أفلامه السينمائية فى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، ربما تعرضت هذه المسلسلات لبعض العادات والتقاليد ولكنها فى كل الأحوال كانت تدور حول شخصية عادل إمام، وتقريباً كل مؤلف كان يبحث عن هذه الشخصية فى العمل الدرامى، أما آخر أدواره على الشاشة الصغيرة «نور محمد أحمد فلانتينو» الشخصية الأخيرة التى شاهد فيها الجمهور عادل إمام، فهذه الشخصية وأغلب شخصياته التى قدمها على الشاشة الصغيرة تنتمى إلى دراما البراجوزية من خلال الموضوعات التى قدمتها لتتناسب وهذه الطبقة موضوع الحدث فرغم اختلاف المؤلفين.. إلا أنه تم كتابة هذه الشخصيات ليؤديها عادل إمام لتخلق نوعاً من التشابه، ورغم اختلاف الحكاية إلا أن ملامح الشخصية لم تتغير، فالنتينو صاحب مدارس خاصة تحمل نفس الاسم يديرها مع زوجته مس عفاف عصمت «دلال عبد العزيز» وهى شخصية قوية تبدو حازمة ومستبدة وفى حقيقة الأمر هشة وضعيفة، وفلانتينو يبدو مستقيماً طيباً مع أسرته ومن المفترض أن تقوم الحبكة الأساسية حول هذه الشخصية أو قل العائلة، عائلة فلانتينو، ولأنه لاتوجد حكاية، ليس هناك رؤية بل مجموعة حلقات تقوم فى بنائها العميق حول مجموعة من المواقف والمفارقات والإفيهات بطلها الأساسى عادل إمام وليس الشخصية المكتوبة، حيث لجأ المؤلف أيمن بهجت قمر إلى حبكاتٍ ثانويةٍ عديدةٍ سواء أكان لها مبرر درامى أم لا، مجرد مواقف وحكاياتٍ، فلانتينو الذى يجد شخصياتٍ تحمل نفس اسمه الرباعى ومن بينها سيدة « داليا البحيرى» التى تنتمى إلى طبقة شعبية ليتزوجها فلانتينو بعد أن يسدد ديونها وينهى كل مشاكلها، فعلى مدى حلقات المسلسل نحن أمام بنية ثابتة تتنوع فيها المواقف ضمن حبكةٍ تقوم على الالتباس لا الصراع، والحدث يتطور بشكل يؤدى إلى التشويق، من خلال خلق أزمة وانتظار الحلال، فنحن أمام مجموعة من الأزمات الصغيرة التى تجذب المشاهد ويتطلع إلى حلها، أقرب إلى صيغة مسرح البوليفار، والذى كان يُوصف فى القرن التاسع عشر بالمسرح التجارى، الذى يقدم عرضاً اجتماعياً خفيفاً يهدف إلى التسلية ويحقق الربح.

وهذا ماحدث فى كوميديا فلانتينو التى اعتمدت على الالتباس من خلال حبكةٍ بسيطة، وسوف تتشابه الموضوعات أيضاً وهى من صميم حياة الطبقة البرجوازية أو الأغنياء الجدد مثل: مشاكل المال، والخيانة الزوجية، والحب، وهى الموضوعات التى سيطرت على حلقات فلانتينو وبعضها يمكن حذفه،فهى بمثابة الحشو، حكايات عديدة، لفريق المدرسة،بين المطلقة ومشاكلها، والتى تعانى من مشاكل مع عائلة زوجها المريض أو الذى خانته زوجته مع شريكه وهربت وخسر كل أملاكه واضطر مع ولديه للنوم فى المدرسة.

وحكايات أخرى مع شخصية صديق البطل التقليدية، الذى يدافع عنه ويحتمله ويحل مشاكله، وفى هذا المسلسل ابن اخت البطل « حمدى الميرغنى» والذى يحمل كل صفات مساعد أو صديق البطل. وعلى مدى ثلاثين حلقة لم يختلف الأمر مجموعة من الأحداث والمفارقات بطلها الأساسى، اللاعب الرئيسى عادل امام باسمه لا بصفته كممثل، فليس هناك شخصية درامية أنت تشاهد عادل إمام الممثل وليس نور محمد أحمد فلانتينو، فهذا النوع من الكوميديا يعتمد على مهارة الممثل فليس هناك حبكة رئيسية تبدو من خلالها ملامح الشخصيات الأخرى التى لا تتطور على مدى زمن الحدث خلال خمس وعشرين حلقة على الأقل فقط كما ذكرت مواقف تقوم على الالتباس لا الصراع، مجموعة من المواقف، مجرد مواقف يمكن حذفها أو إضافة غيرها، وهذا النوع يحتاج إلى ممثل يمتلك مواهب خاصة مثل عادل إمام.


الظاهرة
فى حوار مع الناقد السينمائى نادر عدلى قال عادل إمام: «لم يكن من بين أحلامى احتراف التمثيل، كان مجرد هواية والدليل أننى لم أفكر فى معهد الفنون المسرحية والتحقت بكلية الزراعة حسب مكتب التنسيق، فالتمثيل هواية ولم يكن فى دماغى أن أحترف، وبعد أن اشتركت فى بعض الأعمال على مستوى الاحتراف ظللت سنواتٍ لم يقل أحد لى تعالى مثِّل! عشت فتراتٍ كثيرةً فى قلق لا أعرف هل أحترف التمثيل أم أعمل موظفاً، كنت أقدم حفلاتٍ فى الجامعة والمدارس الثانوية أمثل وأخرج وأعمل مكياج بجنيه ونصف الجنيهً هذه الفترة رسبت بداخلى إصراراً وخبرة وحاجات كتيرة قوى عملت عادل إمام، كنت لا أستطيع اللف على مكاتب المنتجين، وبعد مسرحية «أنا وهو وهى» وتمثيل شخصية الأستاذ دسوقى جاءت  لى أدوار وكانوا ينادونى يا أستاذ دسوقى، ويطلبون أن أحضر بالبدلة القديمة والطربوش وقد رفضت، فهل تتخيل بنى آدم ليس فى جيبه ولا مليم لسنة كاملة ولا أعمل شيئاً وتحملت معى الأسرة كثيراً» توقفت كثيراً عند هذه الإجابة فثمة هدف لدى عادل إمام سعى إليه منذ البداية ولم يتنازل عنه وهو بناء شخصية عادل إمام الممثل الموهوب، الذى ربط بين أعماله فى المسرح والسينما والدراما التليفزيونية بين الواقع المصرى وتحولات المجتمع المصرى، وأخذ على عاتقه طرح أسئلة اللحظة الراهنة بكل ما تحمله من متغيراتٍ دون أن يتنازل، وظلت روح الهواية حاضرة فى أعماله ومشروعه الفنى رغم وصوله إلى قمة سلم المجد. فإذا كان عادل إمام ظاهرة فنية فى عالم التمثيل فقد صنع هو بنفسه هذه الظاهرة، ولم تكن من فراغٍ أو نتيجة للصدفة، ولذلك ظلت وستظل راسخة ولن تزول سريعا كما يحدث الآن مع نجوم المرحلة والذىن تنتهى صلاحية وجودهم سريعاً كما بدأت.