عادل سيف.. حارس ذكريات القاهرة الخديوية

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ إشراف: حسن حافظ

لكل منا ذكرى ما مع منطقة وسط البلد أو القاهرة الخديوية أو حي الإسماعيلية، تلك البقعة السحرية التى تقاطعت حيواتنا معها يوما ما فى ظروف مختلفة، ربما لقضاء مصلحة فى هيئة حكومية، أو زيارة صديق فى مستشفى، أو قضاء وقت لطيف مع الأصدقاء، أو ربما التوجه لشراء الملابس من المحلات الشهيرة، فهناك الكثير من الذكريات التى تمتزج بعراقة الحجر الذى ينتصب فى عمائر بديعة الجمال تحمل من ذكريات التاريخ ما تحمل.

المدهش أن معلومات كثيرة عن هذه الأماكن لا نعرفها عادة، ولم يهتم أحد بتسجيلها على الرغم من عمليات الترميم الجارية لها حاليًا والتى تعيد الوجه الحضاري للمنطقة، وهنا ظهر عادل سيف، الصحفى والباحث فى تراث وسط البلد، ليتقدم الصفوف ويتولى مهمة حراسة ذكريات القاهرة الخديوية فى سلسلة من الكتب التى لاقت الكثير من النجاح في الآونة الأخيرة.

عادل سيف (مواليد 1952)، الصحفي بجريدة الجمهورية، عاش حياته فى منطقة وسط البلد حيث ولد، فسجلت عيناه الكثير من التحولات التى مرت بها منطقة الخديوية، وهى المنطقة المحصورة تقريبا بين ميادين التحرير وعابدين ورمسـيس والعتبة، كما تسربت إلى مسامعه الكثير من الحكايات حول نشأة هذا الحى وتطوره فى الشطر الأول من عمر المنطقة، أى منذ قرار الخديو إسماعيل بناء هذا الحى العام 1867، والذى عرف لذلك باسم حى «الإسماعيلية»، وحتى قيام ثورة يوليو 1952، وهو العام الذى ولد فيه سيف، ليسجل الأخير ما شاهده بجوار ما سمعه، ويضيف عليهما عمليات بحث في الأرشيف المصري بمختلف أشكاله، ويبدأ فى عملية التأريخ لمنطقة القاهرة الخديوية انطلاقا من فيسبوك حيث يشتبك مع مروجى المعلومات الخاطئة، ثم وصولا إلى تأليف كتب تتحدث عن أماكن بعينها فى القاهرة الخديوية وتصحح المعلومات حولها، بداية من كتابه (أماكن منسية فى القاهرة الخديوية) 2021، ثم كتابه الثانى (أماكن وذكريات من القاهرة الخديوية) 2023.   

◄ اقرأ أيضًا | «الآثاريين العرب» يدعم أهل بورسعيد في قضية أرض المتحف

سيف قال لـ«آخرساعة»، إن علاقته بدأت منذ لحظة الميلاد فى قلب وسط البلد بمنطقة الإسعاف تحديدًا، حيث عاش طفولته، «عشت أيامى الأولى فى لحظة تحول وشاهدت معالم القاهرة الخديوية كمدينة كوزموبوليتانية حتى نهاية الستينيات، ثم التحولات التى مرت على المنطقة طوال العقود التالية، لكن هذه الحصيلة التى تكونت فى عقلى لم أعرف كيف أستفيد منها، وفى الحقيقة لم أفكر فى الاستفادة منها، لكن مع ظهور فيسبوك بدأ البعض فى نشر صور للقاهرة التاريخية فبدأت فى التعليق عليها وتصحيح أى خطأ فيها، فوجدت تجاوبا من الناس، وبدأت فى حكاية ما لدى وهو ما لاقى استحسان البعض، فطلبوا منى أن أسجل ما لدى خصوصا أنه يسد مساحة لم يتح فيها الكثير من المعلومات».

وأشار إلى أن هناك حالة سيولة ضخمة جدا فى حركة العمران بمنطقة وسط البلد، فأحيانا نجد مبنى واحداً يتعرض لعملية تغيير فى ملامحه أكثر من مرة قد تبلغ ثلاث مرات فى غضون عشر سنوات فقط، و»هنا تأتى صعوبة عملية التأريخ والتوثيق لمعالمه، وأن التوثيق كان شاغلى الأول لكن رد فعل الناس الإيجابى والإشادة بما أكتب حملنى مسؤولية نقل ما أكتب وأوثق حول معالم منطقة وسط البلد إلى الأجيال الشابة التى تقبل الآن على منطقة وسط البلد وتبحث عن معلومات تاريخية موثقة، ومن هنا مسؤولية تقديم هذه المعلومات الموثقة لهم، خصوصا أن منطقة وسط البلد عرفت زخما منذ أحداث يناير 2011 وحتى يونيو 2013، وهو ما أفاد القاهرة الخديوية التى أصبح لها جمهورها من الأجيال الشابة، خصوصا أن العديد من الأماكن باتت تنافس وسط البلد في الشق التجاري، فمع اتساع عمران القاهرة باتت هناك أكثر من وسط البلد، مثل روكسى فى مصر الجديدة والحصرى فى أكتوبر».  

ويقول عادل سيف إن ما دفعه لإعداد كتب تتعلق بأماكن وسط البلد هو «ما أفزعنى من مغالطات عن القاهرة الخديوية، روجتها وسائل التواصل الاجتماعى واليوتيوب، منها ما هو متعمد بغرض كسب إعجاب وأكبر عدد من المشاهدات على حساب الحقيقة، وآخر غير متعمد نتيجة إعادة نقل ونشر بجهل مما هو متعمد. وللأسف انساقت وراءها صحف المفترض تميزها بالرصانة والتدقيق، وأعادت نشر هذه المغالطات دون مراعاة للأمانة التاريخية، أو النظر إلى أنها ستقدم باعتبارها حقائق عندما تطلع عليها الأجيال القادمة، من خلال أرشيف هذه الصحف، ويبنى عليها دراسات وآراء تبعد عن المعلومات الصحيحة».

ويركز سيف فى كتابه الأول (أماكن منسية فى القاهرة الخديوية)، على 24 مكانا فى قلب القاهرة الخديوية ورصد ما حدث لها من تغيرات وتحولات على مدار 150 عاما، فتقابلنا العديد من المعلومات المدهشة التى يكاد لا يتذكرها أحد، فمن يعلم مثلا أن موقع نادى الزمالك الأصلى كان فى نفس المساحة التى تشغلها حاليا دار القضاء العالى ونقابة الصحافيين والمحامين ونادى القضاة، وذلك فى الفترة من 1913 حتى انتقاله إلى منطقة مسرح البالون حاليا فى العام 1924، وذلك قبل أن يستقر فى موقعه الحالى منذ العام 1959.

ويخصص عادل سيف عدة مداخل لمتابعة تطور ميدان العتبة والمنطقة المحيطة به، والتى شهدت الكثير من التحولات بداية من تحديد العديد من المواقع التى زالت وكانت فى وسط الحركة الأدبية والثقافية للمكان، مثل سيرك العتبة الذى بنى خلف مبنى الأوبرا الشهير، وكان لمبنى السيرك قبة تشبه قبة جامعة القاهرة، لكن السيرك الذى افتتح فى العام 1869، لم يدم طويلا إذ سرعان ما هجر وترك للإهمال حتى اشتراه التاجر اليهودى اليونانى ماتاتياس نحمان، والذى هدم السيرك وبنى مكانه بناية شهيرة عرفت باسم عمارة ماتاتياس العام 1873، وقد عرفت هذه البناية شهرة واسعة بعدما احتضنت قهوة متاتيا، التى تحولت إلى أشهر صالون ثقافى وسياسى فى مصر بعدما اتخدها جمال الدين الأفغانى مركزا لنشاطه فتهافت عليها شخصيات من حجم محمد عبده وسعد زغلول وغيرهما من كبار المثقفين والسياسيين.

ويهتم صاحب (أماكن وذكريات من القاهرة الخديوية) بالتأريخ لميدان العتبة وتطور حركة العمران فى ذلك الميدان الشهير، باعتباره النقطة المركزية فى القاهرة فى العصر الخديوي، إذ كان الميدان هو نقطة الربط بين القاهرة القديمة أو التاريخية وبين القاهرة الخديوية، لذا كان المحور الرئيسى لحركة العمران وسرعة تبدلاته التى غيرت الميدان وعناصره أكثر من مرة، لكنه لا يتوقف عنده بل يستعرض فى كتاباته تحولات قبة المغربى الذى كان يطلق اسمه على شارع عدلى يكن سابقا، إذ كان له جامع وقبة ضريحية فى قلب الشارع، وبقيت القبة بعد تجديدها، لكنها ذهبت بعد بناء بناية سكنية احتفظت بمكان لنقل ضريحه ومسجد صغير أسفلها، لذا عندما تدخل شارع عدلى يكن من جهة شارع طلعت حرب سيجد على يساره محطة تزود بالوقود وبجوارها بناية على مدخلها لافتة باسم مسجد المغربى إشارة إلى التاريخ الذى كان.

ويرصد سيف فى كتابه الثانى (أماكن وذكريات)، الأماكن التى زالت من على صفحة الوجود، فتركت مجرد ذكرى فى العقول، ليعطى صورة عما كانت عليه وتاريخها، ومن ضمن هذه الأماكن، موقع قصر النيل الذى زال منذ زمن رغم أنه ترك ذكرى فى كوبري قصر النيل وشارع بنفس الاسم، كما يؤرخ لموقع متحف بولاق الذى شيد العام 1863م، واستضاف الآثار المصرية قبل استقرارها فى المتحف المصرى بالتحرير، وكان متحف بولاق يقع بين مبنى الإذاعة والتلفزيون ومبنى وزارة الخارجية على كورنيش النيل، وبسبب إنشاء المتحف المصرى بالتحرير وضعت خطة لجعل كل الشوارع من حوله تصب فيه وتحمل اسم أحد علماء المصريات الذين ساعدوا فى تعمير هذا المتحف، فنجد الشارع المجاور للمتحف بين ميدان عبد المنعم رياض وميدان التحرير يحمل اسم ميريت باشا، وشارع محمود بسيوني كان يعرف أولا باسم شارع الأنتكخانة لأنه يؤدى إلى الأنتكخانة أى المتحف، وشارع شامبليون للقادم من جهة شارع فؤاد، والشارع أمام المدخل الرئيسى للمتحف باسم سليم حسن، أما الشارع القادم من جهة بولاق على الكورنيش فعرف باسم ماسبيرو، ومن هنا عرفت المنطقة به وأطلق اسمه أيضا على مبنى الإذاعة والتلفزيون الذى بنى أمامه. 

وكشف لـ «آخرساعة» مشاريعه المستقبلية فيما يخص الكتابة عن معالم القاهرة الخديوية، لافتا إلى أن كتبه المقبلة سيكون فى عنوانها «القاهرة الخديوية» بشكل ثابت، باعتبار هذه الكتب سلسلة تدور حول معالم القاهرة الخديوية، وأنه يعمل حاليا على إنجاز فكرة كتاب (أزمنة القاهرة الخديوية)، وتقوم فكرة الكتاب الجديد على أن يتم تناول عدة أماكن مختلفة فى القاهرة الخديوية تعبر عن فكرة واحدة انتشرت فى زمن بعينه وتركت بالتالى بصمتها على هذا الزمن، فمثلا زمن الماسونية، وهى الفترة التى انتشرت فيها الحركة الماسونية فى القاهرة الخديوية وتركت بصمتها على عدد من المبانى التى يتم سرد تاريخها وعلاقتها بالحركة الماسونية، ومثلا زمن المسرح، عندما ازدهر شارع عماد الدين وعرف عصره الذهبى بوجود العديد من المسارح والفرق المسرحية، فهنا نتحدث عن هذه المسارح وأماكنها وتاريخها الغني.