«تذاكر جهنم» قصة قصيرة للكاتبة منة نور الدين

قصة قصيرة للكاتبة منة نور الدين
قصة قصيرة للكاتبة منة نور الدين

«تذاكر جهنم» قصة قصيرة للكاتبة منة نور الدين

الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.. كنت نائمة وانا أحتضن « كلبي» أبيض اللون، ما تبقى لي بعد فقداني لعائلتي..

استيقظت على صوت هاتفي يرن.. ليزعجني ويسبب لي مشاعر الاستياء، عند النظر لأرى من المتصل.. كانت صديقتي المقربة والوحيدة، ليتبدل استيائي على الفور بالحب والرحمة.

قمت بالرد عليها سريعاً.. لأسمع صمت الحروف والكلمات، ولا يبقى إلا صوت البكاء بشدة، لم أسمع صديقتي تبكي من قبل بهذا الشكل، الخوف عليها تملك مني.. ذهبت مسرعة إلى منزلها وبدأت بطرق الباب بحركة متتالية، فتحت وعيناها مغلقة قليلاً من كثرة البكاء ورأسها منحني إلى الأرض، أتحدث معها لأفهم ما يحدث.. ولا يوجد سوى الصمت مجدداً، أخذتها إلى الداخل وجلسنا على أريكة سوداء اللون، قمت بضمها إلى صدري حتى تهدأ وتستطيع التحدث..

عند خروج الكلمات من بين شفتيها .. أصبت بالخجل والرغبة في البكاء من الخشوع لله (سبحانه وتعالى) تحدثت عن معاناتها في الحياة، وما شاهدته من أحداث تركت ندوب في ثنايا القلب، وكيف استخدمت الألم بشكل سام أسقطها إلى القاع بدلا من أن يعلو بها لعنان السماء، كيف تمسكت باللهو والمرح الوهمي داخل مظاهر الدنيا الخادعة للبصر..

 

أخبرتني ما حل بها في الليلة الماضية قبل لقائنا.. كانت تجلس وحيدة في المنزل تستمع إلى الموسيقى المفضلة لها، وبدأت تسمع صوت يتكرر داخل رأسها «عليكِ بقراءة سورة الضحى»

مع تكرار الصوت بشكل متزايد عن حده، شعرت بالفضول.. أغلقت الموسيقى وذهبت إلى غرفتها، أخذت (القرآن الكريم) وبدأت بالقراءة.. لتنهمر دموعها في صمت تام، كيف شعرت بالسكينة والطمأنينة داخل كيانها بالكامل..

ومن هنا بدأت برؤية حياتها بشكل أوضح.. خيرها وشرها، كيف ابتعدت عن خالقها في حين عدم تركه لها، كيف دامت رحمته لها، وكان الطبيب لجروحها والستير والغفار لذنوبها وعيوبها، والرزاق لها المجيب لمطالبها واحتياجها، كيف اعتنى بها وبحياتها في حين عدم رؤيتها له في شؤون الحياة بالكامل..

 مر الوقت وهى تعصيه ولا ترى طريقه أو خيره في كيانها أو حياتها، ذهبت مع بعض القطيع لشراء تذكرة جحيمها، من خلال رؤيتها المحدودة للعالم الصغير الذي تعيش فيه، أصبح الكثير من الظلام يحجب النور داخل البشر.. الكثيرين ذهبوا ليشتروا تذكرة جهنم بالتقسيط

أصبح الخوف والجشع والسعي للسلطة هى غاية مسيطرة، بالتالي الوسيلة للوصول.. طريق مظلم، لا يوجد به سوى « ظالم ومقهور»

فقدت التركيز والانتباه تجاه أمور الدنيا وكيف أنها زائفة وفانية بكل ما بها، وبرغم اليقظة التي أعطاها لها الله..  جعلتني انتبه إلى أننا مازلنا بشر (لا نخلو من العيوب)

مر بها العمر وهي في الطريق المظلم.. حان الوقت للبحث عن النور والحب، وها هى تركت «تذكرة جهنم» لمن يرغب في شرائها.