الأنبا أغاثون يكتب: من ذاكرة التاريخ.. العظيم في البطاركة

الأنبا أغاثون
الأنبا أغاثون

البابا شنودة الثالث، بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، خليفة كاروز الديار المصرية القديس مرقس الرسول من مقاومة قداسته: 

*الرهبنة الصادقة، والتى فيها تدرج ووصل إلى راهب متوحد فى مغارة تبعد عدة كيلو مترات عن ديره العامر وذلك لمدة بضع سنوات ، للتفرغ والعبادة بالصلاة والصوم والقراءات المقدسة والخلوة الروحية، وبناء عليه كان الشيطان يحقد على هذه الشخصية الروحانية، كما أن رهبنة قداسته كانت سبب بركة فى رهبنة الكثيرين من الشباب والشابات الذين يعدون من صفوة الشباب المثقفين، ولا يفوتنا أن نشير أن قداسته كان له دور كبير فى عودة الرهبنة القبطية وتعمير الأديرة القديمة وإنشاء أديرة جديدة داخل مصر وفى بلاد المهجر، وذلك مع لجنة الرهبنة والمجمع المقدس الذى لكنيستنا القبطية الأرثوذكسية.

* ومع ذلك يتصف قداسة البابا شنودة الثالث بالتقوى والقامة الروحية الكبيرة التى أهلته أن يجمع فى شخصه بين آباء الرهبنة  الكبار العظماء القديسين مثل القديس الأنبا بيشوى، وكالرعاة الصالحين المعلمين مثل البابا أثناسيوس الرسولى والبابا كيرلس عمود الدين.. وبالتالى نظير لتقواه وقامته الروحية.

* ومن السمات التى يتميز بها أبينا قداسة البابا سمة الأبوة الحقيقية الصادقة التى تشهد لها الجميع بأساليب وطرق عديدة بناء على تعاملهم مع غبطته فى مواقف عديدة وأزمنة طويلة، وبالرغم من أن قداسته ائتمنه الرب على أعلى درجة ورتبة كهنوتية، وألا وهى خلافة مارمرقس الرسول، قد صارقداسته  بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ال 117، وراعى الرعاة، ورئيس الكهنة، وأبو الآباء، إلا أنه ظل راهباً متمسكاً بقانونه الرهبانى فى صلواته وعباداته، وخلوته بالدير وأصوامه ونسكه، وخاصة أنه كان معروفاً عنه بالأصوام الطويلة، والحياة النباتية، زاهداً فى العالميات، وفى الدرجات والرتب الكنسية بصفة خاصة .

* ولا يفوتنا أن نشير أن غبطة قداسته كان يتميز بقوة الشخصية المتكاملة فى كل الجوانب التى أهلته للتعامل مع جميع الناسعلى مختلف ثقافتهم وطبقاتهم، ومراكزهم القيادية، وأعمارهمالمتفاوتة بدءاً من الأطفال ثم الشباب ثم الرجال والنساء ثم الشيوخ وكل من تعامل مع قداسته، يشهد لقوة شخصيته، تحوى شخصيات كثيرة، داخل إنسان واحد . ويتصف بذكائه الشديد والعمق فى التفكير والحديث، وبفضيلة المحبة العجيبة والصبر وكان طويل الأناة، واسع الصدر ،والمغفرة للمسيئين إليه، وكل هذا ساعد فى إدارة دفة الكنيسة بحكمة وتقدم وأزدهار. 

* ومن السمات التى يتسم بها غبطته وهى سمة التعليم وسعة الاطلاع والمواهب الروحية الكثيرة،المعطاة له من روح الله القدوس، وكل هذه ساعدته فى نجاح خدمته ورعايته ورسالته الروحية، إلا أن هذه المواهب ودورها فى الخدمة والرعاية ، كانت سبباً فى مقاومة إبليس وأعوانه له فى حياته، وحتى بعد انتقالهإلى فردوس النعيم.. ولكونه مسؤولاً أعلى عن إيمان الكنيسة وعقائدها وتعاليمها، كان يشجع كل تعليم صحيح ولايقبل على الإطلاق أقل تعليم خاطئ، لانه كان يعلم أن التعليم الصالح، مثل الخميرة الصالحة التى تخمر العجين كله .. أما التعليم الخاطئة فهى مثل الخميرة الفاسدة التى تفسد إيمان الكنيسة وعقائدها، وتسبب فى انقسامات داخل الكنيسة ، وضعف هيبتها، واستمرارية وحدتها.. لذلك كان قداسة البابا بمفرده، أو معه لجنة التعليم والإيمان المنبثقة من المجمع المقدس أومن خلال الكليات الإكليريكية والمعاهد الدينية، والاجتماع الأسبوعى : كان يتصدى للتعاليم الخاطئة وأصحابها بالحوار والتفاهم لمعرفة التعليم الصحيح والرجوع عن التعليم الخاطئة، وفى حالة عدم التوقفعن بث التعاليم الخاطئة سواء شفاهه أو مكتوبة ، كان يتخذ قداسته ومعه المجمع المقدس قرارات بوقف أو بقطع (حرمان) بعض الأشخاص أو مجموعات وتعاليمهم وكل من يعلم بها، وذلك حرصاً على إيمان الكنيسة  وتعاليمها وسلامة الرعية.. فمن هنا الذين اتخذت الكنيسة فى حبريته  قرارات ضدهم بالوقف أو القطع لهم ولتعاليمهم من شركة الكنيسة والتناول من الأسرار المقدسة، كانوا ومازال  يتكلمون عن البابا بطريقة غير لائقة خارج عن الآداب المسيحية والبنوية .. ونظراً لقدرة قداسته على التعليم ودقته فى كل عبارة وجملة يقولها أو يكتبها، كان يُعد مرجعاً كبيراً ومازال غبطته مرجعاً، نطمئن لصحة وسلامة ونقاوة تعليمه.

* وبالرغم من نياحته منذ سنوات إلا أن تعاليمه حية شفاهية ومكتوبة، من الممكن أن تستفيد منها الكنيسة وكل إنسان كما أنها مرجعاً كنسياً موثق ضد التعاليم الخاطئة وأصحابها وكل البدع والهرطقات.

* ومن الجوانب التى يجب الإشارة إليها، ما قام به غبطته من سيامات كهنوتية ورهبانية وشماسية ، وتأسيس كنائس ومبانى خدمات وإيبارشيات وأديرة وإكليريكيات ومعاهد دينية ورعاية روحية بشكل جديد على أسس روحية داخل مصر وبلاد المهجر، وكل هذا أدى إلى نجاح الخدمة، وتقدم الرعاية  لصالح الكنيسة والرعية وخلاص أنفس الناس .

* تلاحظ على قداسته، محبته العجيبة للكنيسة وإيمانها وعقائدها وانتماؤه وإخلاصه لها وتمسكه ودفاعه عنها، وتضحيته وتفانية لأجلها وكل هذا أدى إلى رجوع الكنيسة إلى أمجادها الأولى كما كانت فى قرونها الأولى للمسيحية.

* وكان يعرف غبطته مكانة الكنيسة التى أصبح قداسته مسؤولاً عنها، كما أنه يعرف تاريخها المشرف ودورها المسكونى فى الرهبنة المسيحية  والتصدى للتعاليم والبدع والهرطقات، لذلك كان واضعاً أمام ذهنه كل هذا وذاك ، لذلك كان يتصرف بنفسه ومعه آخرون بهمة ونشاط ودقة للوصول للأهداف الروحية التى تصب فى مصلحى الكنيسة بصفة خاصة والمسيحية بصفة عامة.

* لايفوتنا أن نختم مقالنا، بأن قداسة البابا كان وطنياً حتى النخاع ، وليس بالقول أو الكلام، بل بالعمل والحق، وذلك من خلال مواقفه الوطنية التى تتجلى بأحرف من نور فى كل موقف ومن بينها الكنيسة فى حبرية غبطته، لم تغب عن أحداث مصر يوماً، بل وكانت فى مقدمة الصفوف وقت الشدة فقام قداسته بزيارة جبهة الحرب أكثر من مرة قبل حرب أكتوبر 1973 م وبعدها . وقام بزيارة جنودنا الجرحى فى المستشفيات، كما دعمت الكنيسة جيشنا فى الحرب بالدعم الروحى والمعنوى والمادى من أدوية ومهمات، كما كتب قداسته عدة مقالات دعما لمصر فى حربها وصراعها من أجل أرضها وكان دائماً يقول: "إن مصر ليست وطناً نعيش فيه، بل وطناً يعيش فينا".