مثقفون شهدوا ميلادها ماذا قالوا عن أخبار الأدب بعد ثلاثين عامًا؟

مثقفون شهدوا ميلادها ماذا قالوا عن أخبار الأدب بعد ثلاثين عامًا؟
مثقفون شهدوا ميلادها ماذا قالوا عن أخبار الأدب بعد ثلاثين عامًا؟

مع صدور الأعداد الأولى من أخبار الأدب، حفلت صفحاتها بكتابات مثقفين كُثر، استمروا معها فى مختلف مراحلها، سواء بالكتابة أو المتابعة المستمرة. اليوم ينظرون - بعضهم - للوراء، ويعودون بالذاكرة نحو ثلاثين عامًا، يتأملون مسيرة أخبار الأدب منذ صدرت لأول مرة فى يوليو ١٩٩٣، ويحاولون اجترار بعض الذكريات، مع عين يضعونها على المستقبل.
ما تبادر إلى أذهانهم وأسعفتهم الكلمات للبوح به؛ تحويه الصفحات التالية.
 

يقول الكاتب محمد سلماوى، رئيس اتحاد كتاب مصر سابقًا: «قامت الجريدة بدور مهم جدًا تخطى محيط الأدب والثقافة ليصب مباشرة فى المصلحة القومية للبلاد، رغم أنها جريدة أدبية ثقافية، وقد كان لها فى هذا المجال إسهام لا يمكن إنكاره، لأنها تنتمى إلى الصحافة المتخصصة، وإن تحدثنا عن الثقافة تحديدًا، سنجد أن فترة الستينيات شهدت زخمًا هائلًا من المجلات الأدبية والثقافية، فكانت هناك إصدارات فى مجالات المسرح، والسينما، والموسيقى، والشعر، إضافة إلى المجلات التى عنيت بالثقافة بوجه عام؛ لذلك كان مولد أخبار الأدب إنقاذاً لصحافة مصر العريقة والمتخصصة، ذات البُعد التاريخى، والتى كان لها تأثير كبير فى المنطقة العربية كلها، هذا هو المكان الذى تبوأته أخبار الأدب منذ صدورها، إذ أصبحت تُقرأ فى جميع الدول العربية، من المشرق إلى المغرب، فكلما تأخر عدد منها، وتصادف وجودى فى إحدى هذه الدول كان السؤال الذى يواجهنى: لماذا لم تصل أخبار الأدب إلينا هذا الأسبوع فهذا إنجاز كبير جدًا حققته أخبار الأدب فى مجالها المتخصص. 


ويضيف سلماوى: «الأمر الثانى أنها أوجدت مرآة جديدة تعكس الريادة الأدبية والثقافية فى مصر فى وقت تكسرت فيه بقية المرايا، وقد كان من نتائج ذلك أن ساهمت أخبار الأدب فى إنعاش الحركة الأدبية، والثقافية، لأنها أوجدت الساحة التى تستقبل الإبداع بمختلف أشكاله، وقد ساهم كل ذلك فى النهاية فى تأكيد الدور الريادى للقوة الناعمة المصرية، مما ساهم فى إعادة الدور العربى لمصر على الساحة الثقافية، والفكرية، والذى كان دائمًا هو طليعة الدور المصرى فى المنطقة العربية». 


وفيما يخص مستقبلها، يحمل سلماوى العديد من الأمنيات، قائلًا: «أتمنى أن تزيد فيها الجرعة العربية، فهى تقوم بدور مهم جدًا فى إيصال الواقع الثقافى المصرى، إلى القارئ العربى، وأتمنى بنفس القدر، أن تثرى معرفة القارئ المصرى بالواقع الثقافى العربى، خاصة أنها ليست منعزلة تمامًا عن الواقع الثقافى الخاص بدول المنطقة، لكنى أطمح فى أن تزيد تلك الجرعة بحيث تصبح أخبار الأدب فى طريق ذى اتجاهين، فنحن أشد ما نكون احتياجًا لمتابعة ما يجرى فى الوطن العربى على الساحة الأدبية، والثقافية، وأشقاؤنا العرب يتابعون ما يجرى عندنا أكثر مما نفعل نحن، وأعتقد أن أخبار الأدب مؤهلة لكى تسد هذا النقص، وأن تلبى هذا الاحتياج، وهذا يتطلب بالطبع أن يكون لأخبار الأدب مراسلون فى مختلف الدول العربية يتابعون ما يجرى فيها، ويرسلون مقالاتهم إلى الجريدة، ولكن ليس بالضرورة أن نرسل مراسلين من القاهرة لهذه الدول، وإنما قد يكون من الأفضل أن يتم الاتفاق مع بعض أبناء الدول العربية الشقيقة، والمتنفذين فى الحياة الثقافية هناك، بأن يكونوا مراسلين لأخبار الأدب فى دولهم». 


وفى شهادة متخصصة؛ ترى د. عواطف عبد الرحمن، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن أخبار الأدب تقدِّم جرعة ثقافية أصبحت نادرة فى الصحافة المصرية، وتفتح نافذة لآفاق فكرية وأدبية لا يجدها القارئ فى الصحافة اليومية أو الإلكترونية، بالإضافة إلى امتلاكها لكوادر هائلة، فتقول: «هى ليست مجرد جريدة مهتمة بأخبار الفن والثقافة والشعر والأدب والرواية، وإنما أيضًا ربَّت كوادر؛مثل: طارق الطاهر ومنصورة عز الدين وياسر عبد الحافظ وعائشة المراغى وغيرهم.

ومصر فى حاجة ملِّحة لهذا النوع حاليًا، لأن المجلات الثقافية التى كانت لدينا قديمًا مثل: «فصول» و«الفكر المعاصر» وغيرهما اختفت، لذلك نحتاج إلى تقديم الدعم لـ «أخبار الأدب» بمزيد من الإنتاج الجاد والكوادر المدرَّبة والمؤهلة، ممن لديهم اهتمام بالأدب والفن والثقافة. فهى على مدار 30 سنة قامت بدور إيجابى؛ كوَّنت كوادر وفتحت نافذة على الثقافة الرفيعة، ويجب ألا يديرها أو يشرف عليها صحفيون فقط، ولكن صحفيون لديهم اهتمامات ثقافية وفكرية». 


تأمل د. عواطف فيما هو قادم أن تنأى أخبار الأدب بنفسها عن التأثيرات السياسية قدر الإمكان، وأن ينحصر تركيزها على الجوانب الثقافية والمعرفية والفكرية، وتضيف: «من المهم كذلك أن تركّز الجريدة بشكل أكبر على أدباء الأقاليم وتسلِّط الضوء على كتاباتهم،لأنهم لا ينالون حقهم، وكذلك آداب شعوب الجنوب فى العالم؛ فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا من صينى ويابانى وهندى.

ومن الضرورى أيضًا تخصيص مساحة شهرية لإحدى الدراسات لأن تناولها قليل، كانت منى نور تلقى عليها الضوء فى بعض الأحيان، لكنها ليست بالقدر الكافى. كما ألاحظ أن الجريدة تهتم كثيرًا بالراحلين وتعِّد ملفات جيدة عنهم، لكنى أتمنى عدم انتظار رحيلهم، وعمل تلك الملفات وتكريمهم وهم أحياء أفضل». 


تهتم د. عواطف عبد الرحمن بالأعمدة التى تنشرها «أخبار الأدب» وخاصة مقال الكاتب محمود الوردانى، لكنها صارت تفتقد التحقيقات، إذ تقول: «كانت هناك تحقيقات مهمة تخلق حيوية هائلة، لكنها للأسف لم تعد موجودة كالسابق، وكذلك الاهتمام بالصالونات الثقافية، لتشكيل وعى القارئ العادى فى مجال الأدب والفن والثقافة، لأن الإعلام غير المتخصص لا يمنح القارئ ما يحتاجه من غذاء فكرى وثقافى، وهذا يضاعف مسئولية أخبار الأدب، لذا أطالب باستمراريتها وإضافة المزيد من الصفحات إليها».


الكاتب الصحفى يحيى قلاش، نقيب الصحفيين السابق،يؤكد أن تواجد واستمرار صحيفة مثل: أخبار الأدب بمثابة رئة جديدة، وإضافة لما نسميه زيادة مساحة التعبير والإبداع، مضيفًا: «أخبار الأدب جاءت فى وقتها، فرغم أنه قد سبقتها الكثير من الدوريات الثقافية، والأدبية المهمة فى تاريخ الثقافة، والأدب، وأيضًا الملاحق الثقافية؛ وأهمها: الملحق الأدبى الذى أطلقه المبدع الراحل عبد الفتاح الجمل فى جريدة المساء، لكن وجود أخبار الأدب كان مختلفًا لأنها ربطت الجمهور بقضايا ذات طابع ثقافى، وأدبى، وقد كانت دومًا فى متناول القارئ العام وليس المتخصص فقط، وهذه كانت نقلة مهمة، وقد ساعد فى هذه النقلة رئيس تحريرها الأسبق ومؤسسها جمال الغيطانى، الذى كان صحفيًا متمرسًا بشكل كبير، إذ جمع بين الثقافة والأدب، وهذه الخلطة ساهمت فى بزوغ أخبار الأدب فى نهاية الأمر، فقد استطاع الجمع بين الحس الصحفى، وبين الإبداع، واستقطب قطاعاً واسعاً لهذه الجريدة». 
يرى يحيى قلاش أن أى رئة تضاف للصحافة وحرية التعبير لهو أمر إيجابى؛ لذلك يتمنى أن تستمر أخبار الأدب فى تأدية رسالتها، وأن تحاول بعد ثلاثة عقود من تأسيسها التمسك بالأهداف الرئيسية التى حرصت عليها دومًا، ويضيف: «هى صحيفة للإبداع والثقافة، تحتوى المبدعين، ليس على المستوى المحلى فقط، بل العربى أيضًا؛ لذلك أتمنى أن تستمر فى توجيه رسالتها، مع ضرورة استخدام وسائل العصر الحديثة، فصمود هذه المطبوعات مهمة كبيرة وأساسية». 

 

يثمِّن الناقد د. حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب جامعة القاهرة، الدور المهم الذى قامت به أخبار الأدب خلال ثلاثين عامًا، ولا تزال، على مستوى الصحافة الأدبية بوجه عام، ويوضح: «تمثلت جوانب من هذا الدور فى نشر أعمال جديدة، قصصية وشعرية، أبدعتها أسماء جديدة من الكتاب والكاتبات، والشعراء والشاعرات، وبذلك أسهمت الجريدة فى اكتشاف مواهب أدبية جديدة متعددة.. وتمثلت جوانب من هذا الدور– كذلك – فى الباب شبه الثابت من أبواب أخبار الأدب تحت عنوان «شرق وغرب»، وهو باب مهم يطل على ثقافات وإبداعات أدبية تنتمى لجغرافيات ولغات متنوعة، لا تقف عند حدود «المركز الأوروبى».. وفى مساحة «الأخبار» (التى وهبت الجريدة جزءًا من اسمها) التى تغطى أنشطة رئيسية على الساحة الثقافية، بما يقيم صلات وروابط بين هذه الأنشطة وبين القراء، وأيضًا بما يتيح فرصًا لحضور هذه الأنشطة والمشاركة فيها.

وتمثلت جوانب من هذا الدور فى استكتاب عدد من الكتّاب (والكاتبات بدرجة أقل) بشكل ثابت تقريبًا، خلال أعمدة الجريدة.. وفى الباب الشهير «البستان» الذى قدّم ملفات كبيرة القيمة حول بعض الموضوعات، وحول بعض الأسماء والتجارب الأدبية، وأيضًا حول بعض القضايا، بالإضافة إلى حوارات مهمة أجرتها أخبار الأدب، وترجمات مهمة كذلك.. وبوجه عام، تمثلت قيمة كبيرة من القيم التى ارتبطت بالجريدة فى الانغماس الواضح فى الواقع الأدبى، وفى اعتماد لغة توصيلية وبسيطة تخاطب القارئ العام كما تخاطب المثقف، وبذلك نجت الجريدة من مشكلة، وربما آفة، طاردت عددًا من الإصدارات الثقافية والأدبية، مثل: مشكلة أو آفة «النخبوية» وما يتصل بها من تكريس واتساع المسافة مع القراء، وربما الانعزال عن اهتماماتهم».


ويضيف د. حسين: «أتصور أن الفترة القادمة من مسيرة أخبار الأدب، غير القصيرة، يمكن أن تشهد استمرارًا لفتراتها السابقة وتطويرًا لها أيضًا، وفى هذه الوجهة يمكن أن تشهد الجريدة تدشينًا مبدعًا لأبواب أخرى جديدة، تعكس حرص هذه الجريدة على التجدد باستمرار.. وأن يتزايد اهتمام الجريدة بالتجهيز لـ«ملفات» ثقافية وأدبية عابرة للأزمنة، تضيف للجريدة ما حققته من قدرة على المزاوجة بين متابعة الواقع الأدبى والثقافى المتغير، وما يتخطى نطاق المتابعة إلى مجال استكشاف ما يظل قادرًا على البقاء».


يقول الناقد خيرى دومة أستاذ الأدب العربى فى جامعة القاهرة: «كانت (أخبار الأدب)، منذ بدأت فى العام 1993، وظلت حتى الآن، تجربة فريدة فى الصحافة الأدبية والثقافية فى العالم العربى، صحيفة أسبوعية تغطى الأحداث المهمة، وتصوغ المتابعات النقدية، وتنشر نصوصًا إبداعية، وتعد ملفات عن موضوع أو عن مبدع معين. الحقيقة أنها لعبت دورًا أساسيًّا فى صياغة وعينا ووعى الأجيال الجديدة بحركة الأدب المصرى والعربى والعالمى».


ويضيف: «أسعدنى الحظ بالتعامل مع الصحيفة منذ بداياتها وعبر مراحلها المختلفة، وكنتُ وما زلت سعيدًا بفريق المبدعين والمتابعين الذى عمل وتخرج فى مدرستها، من أمثال: محمد شعير ومنصورة عز الدين وحسن عبد الموجود وطارق الطاهر وأحمد عبد اللطيف وإسراء النمر، وغيرهم كثير. الحقيقة أننى كنتُ أنتظرها كل أسبوع حتى بعد أن سافرت إلى اليابان عام 2000. والحقيقة أن أهم ما فى أخبار الأدب هو انتظام صدورها ووصولها إلى أوسع عدد من القراء فى مصر والعالم، فضلًا عن سعرها المعقول طوال الوقت. وكم صادفت من مثقفين خارج مصر عبروا عن إعجابهم بها وتمنياتهم أن تتاح لهم صحيفة مثلها فى بلدهم. وكم عجبت لانتظام وصولها إلى بلاد عشت فيها كاليابان واليمن».


ويستطرد: «حتى بعد قدوم الانترنت ووسائل التواصل التى تتيح وصول الأخبار بشكل أسرع، ظل لأخبار الأدب قيمتها فى تقديم الكتب والإبداعات الجديدة، وفى مقالاتها النقدية المركزة، وفى بستانها الذى كثيرًا ما احتفظت به مستقلًا عن الصحيفة لأنه يغطى موضوعًا كاملًا من زوايا متعددة أو يقدم تنويعات على نغمة محددة.

ما زلت أذكر العدد الذى صدر أيام جمال الغيطانى رحمه الله، وكان موضوعه «القطار» فى الأدب، وطبعًا ما زلت أحتفظ بالأعداد التى خصصت لأدباء كبار، وأحيانًا كنتُ أحتفظ بالمعارك التى سجلتها الجريدة بين مثقفين كبار من طراز جابر عصفور وعبد العزيز حمودة أواخر التسعينيات. وبالطبع ما زلت أحتفظ بالأعداد التى تضمنت مساهمات لى كالتى كتبتها عن يوسف إدريس ومحمد إبراهيم مبروك وأبو المعاطى أبو النجا ولطيفة الزيات... وغير ذلك».
ويختتم د. خيرى كلامه قائلًا: «باختصار لعبت هذه الصحيفة دورًا خاصًّا جدًا خلال أعوامها الثلاثين، لم تتمكن أى مطبوعة أخرى من تعويضه أو تقديم بديل له». 

يقول د. وليد الخشاب، أستاذ الدراسات العربية بجامعة يورك فى كندا، إن لـ «أخبار الأدب» فضل على الآلاف من الكتاب والنقاد والمترجمين وهو منهم، إذ نشرت له فى عددها الثانى ترجمة لقصة «شهيد الواجب» ليونسكو، كما للأستاذ جمال الغيطانى مؤسس الجريدة فضل فى اتباعها سياسة تشجيع الشباب، ويوضح:«أعطى الأستاذ الغيطانى الفرصة لجيل جديد، وساهم بالتالى فى تنشئة أجيالٍ من القراء الشباب لم يكونوا ليتابعوا الأخبار الأدبية ولا الثقافية، لولا سياسة الجريدة الشبابية».
ويستطرد: «لكل تجربة حلوها ومرها، لكن ميلاد أخبار الأدب ثم استمرارها لثلاثين عامًا حدثان فارقان فى تاريخ الثقافة العربية الحديثة؛ أن تخصص جريدة أسبوعية للأدب والثقافة فتجمع بين التفاعل السريع مع الراهنية الثقافية والانشغال بمنتج لا يختفى أثره بتوارى الراهنية، مثل الأدب خصوصًا والثقافة عمومًا، أمر نادر المثال فى العالم الناطق بالعربية، ويجعل الأدب جزءًا «حارًا» من الحياة اليومية. ظهور أخبار الأدب فى 1993 كان حافزًا لتحول وزارة الثقافة مجلة «القاهرة» إلى جريدة. وساهمت أخبار الأدب بذلك فى تشكل المشهد الصحفى/ الثقافى بصيغة أفادت القارئ من التنافس والتكامل بين مطبوعاتٍ ثقافية مختلفة. الحلو هو أن نعتاد التشوق إلى أخبار الثقافة والحوارات عنها مثلما نتابع الراهنية السياسية أو الرياضية، والمر هو أن الراهنية وطبيعة الإثارة اللصيقة بالمنتج الصحفى نفسه قد تشغل القارئ أحيانًا بمعارك أو خلافات بين أشخاص، دون أن يكون لها صدى عام فى إنتاج المعرفة».


ويصنِّف د. وليد معارك أخبار الأدب فى السنوات الأولى من عمرها، قائلًا: «كانت نوعين: الأول هو المعارك بين أشخاص، وهى معارك لا أحبذها، وإن كانت دليلًا على أن متعة المعركة موجودة فى عالم الأدب مثله مثل عالم الحوادث أو الفن أو السياسة. أذكر مثلًا المعارك بين الناقد الكبير فاروق عبد القادر ونقاده، أو بين الباحث المهم سيد القمنى ونقاده. والنوع الثانى هو المعارك العامة، التى يفيد منها القارئ، أيا كان الطرف الذى ينحاز إليه، لأنها تثرى حوار الأفكار ولو بالسجال، أو تلفت النظر للظلم الذى يحيق بالمبدعين والنقاد. من أهم تلك المعارك التى اشتبكت فيها أخبار الأدب معركة الدكتور نصر حامد أبو زيد مع اليمين المتطرف الذى هاجم اشتغاله بنقد التراث ونجح فى استصدار حكم محكمة بتكفيره وتطليقه. لعبت الجريدة فى تلك المعركة دورًا مهمًا فى دعم الحرية الأكاديمية والنظرة النقدية للتراث. معركة مهمة أخرى أثارتها أخبار الأدب كانت بخصوص المقترح الذى قدمته فرنسا بالاحتفال بمرور مائتى عام على الحملة الفرنسية على مصر.

ربما شاب المعركة اتهامات بالتبعية لمن كانوا يوافقون على صيغة الاحتفال، وهو فى رأيى إسراف سجالى. لكن المعركة ساهمت فى إعادة فتح ملف علاقات مصر الثقافية بدول ذات ماض استعمارى، بحيث نفكر بشكل نقدى فى الهيمنة الثقافية الغربية، دون أن نرفض الحوار المثمر مع الغرب. ولا شك أن المعركة التى أثارتها الجريدة ساهمت فى تغيير المقترح وفى اعتماد الصيغة النهائية للاحتفال كما تم، حيث تخلى المنظمون عن الاحتفاء بالغزو الفرنسى وركزوا على تأمل ومراجعة العلاقات الثقافية المصرية - الفرنسية التى بدأت مع الغزو عام 1798».


ويتمنى د. وليد الخشاب أن تستمر أخبار الأدب فى الظهور وأن تكون لها نسخة إلكترونية لأن الفضاء الاحتمالى هو مستقبل الصحافة المحتوم، مضيفًا: «لأخبار الأدب اعتبار معنوى كبير فى كافة أرجاء الوطن العربى. ينتظرها القراء بتشوق فى المغرب وتونس، على سبيل المثال. تساهم فى إيصال الصوت المصرى على صعيد الثقافة وتدعم الحوار الثقافى فى المنطقة بتكاليف أبسط بكثيرٍ من ميزانيات مكاتب التمثيل الثقافى فى الخارج».

يرى الناقد الدكتور هيثم الحاج على، الرئيس السابق للهيئة العامة للكتاب، أن أخبار الأدب ساعدت فى سد الفجوة بين المثقف والقارئ، فأن يجد المواطن العادى عند بائع الجرائد جورنالًا مختصًا بالشأن الثقافى، وليس مجلة أو كتابًا، فهو لأمر مهم، لهذا كان صدورها حدثًا كبيرًا فى ذلك الوقت. مضيفًا: «أخذت أخبار الأدب على عاتقها منذ اليوم الأول أن تنشر وتتابع أخبار وزارة الثقافة، ومن ثم وزارة الآثار التى كانت جزءًا منها. إلى جانب التنوع الكبير فى المواد التى تقدمها، والأبواب شبه ثابتة، مثل: باب البستان الذى كنتُ حريصًا على متابعته، كما كنتُ حريصًا على متابعة الباب الخاص بزيارة مكتبة أحد المبدعين، وباب كتاب فى جريدة، إلى جانب الترجمات الثرية التى قدمتها خاصة فى أواخر التسعينيات، أذكر أن أحد الأعداد كان يحمل غلافه صورة لنعوم تشومسكى، فشعرت أننى أمام مرجع، وليست جريدة فقط».


وعن القضايا الشائكة التى أثارتها أخبار الأدب، يقول هيثم الحاج على: «هناك بالطبع الكثير والكثير خاصة القضايا المتعلقة بالآثار والفنون التشكيلية، أما فيما يخص القضايا الأدبية، أذكر بالتحديد المعركة التى سُميت بمعركة نهاية القرن بين الدكتور جابر عصفور والدكتور عبد العزيز حمودة، والتى ساهمت فى تحريك الراقد النقدى العربى وقتها، وقد جمع الدكتور جابر عصفور المقالات التى نشرتها الجريدة فى كتاب بعنوان (معركة الحداثة).. فى ظنى أن أخبار الأدب كانت الوحيدة القادرة على الدخول فى هذه الآفاق، خاصة مع انفتاح الأفق لهيئة التحرير وقتها، وحيادهم الشديد».


ويواصل: «شىء مهم آخر فعلته أخبار الأدب، أو بالأحرى جمال الغيطانى، وهو المسابقة التى أُطلقت عام ١٩٩٤ حول القصة القصيرة، والتى من خلالها قدمت جيلًا كاملًا من كُتّاب القصة القصيرة والرواية، أمثال: أحمد أبو خنيجر وأمينة زيدان ومنير عتيبة وأشرف الخمايسى وغيرهم، ولا أبالغ حين أقول إن هذه الأسماء وضعت أسس كتابة القصة القصيرة ربما فى العالم العربى كله، هذه المسابقة شجعتنى بشكل شخصى على التركيز نقديًا على القصة القصيرة، فكنت حينها طالب ماجستير، وكانت لدىّ الرغبة فى تناول تيار الوعى عند الجيل الجديد، لكننى بتوجيه من مشرف الرسالة تناولت التجريب فى القصة عند يوسف الشارونى».
وأشار هيثم الحاج على إلى أنه كتب مؤخرًا بحثًا ونشرته مجلة «سرديات» عن علاقة تطور القصة والرواية بتطور الطبقة الوسطى فى المجتمع المصرى، وأنه ركز فى البحث على الدور الذى لعبته أخبار الأدب فى ازدهار القصة القصيرة فى التسعينيات، خاصة أن القصة كـ «فن» إبداعى مناسبة أكثر للنشر فى الجرائد، أما الشعر فيذهب تلقائيًا للنشر فى المجلات.


ويطمح الرئيس السابق للهيئة العامة للكتاب إلى توافر أعداد أخبار الأدب بصيغة (pdf) منذ صدورها وحتى اليوم، فهى كأى مطبوعة ورقية تعانى من مشاكل الطباعة والتوزيع وغياب المعلنين، وبشكل عام لن تعود الصحافة الورقية كما كانت، والصحف اليوم تناضل فى أيامها الأخيرة، لهذا يرى أن على أخبار الأدب أن تتجه سريعًا نحو الحلول الرقمية، كأن يكون لديها أبلكيشن خاص بها، وليس فقط موقع إلكترونى، كما يرى أن عليها من حيث المحتوى أن تركز على الطفرة التى حدثت فى السنوات القليلة الماضية فى النشر الرقمى، فهناك منصات معنية بنشر الكتب إلكترونيًا، إلى جانب منصات الكتاب الصوتى، وبرامج اليوتيوب التى تقدم تلخيصات للكتب، والتى أصبحت بديلًا لفعل القراءة عند الجيل الجديد من الشباب والمراهقين، لهذا لا بد أن تركز أخبار الأدب على هذه القضايا فى الفترة المقبلة.

ترى د. مكارم الغمرى، العميدة السابقة لكلية الألسن بجامعة عين شمس، أن أخبار الأدب منذ نشأتها سدَّت فراغًا كبيرًا جدًا، لأنها انتظمت لسنوات طويلة، بعكس بعض المجلات الأخرى، التى كان لها دور جيد لكنها اختفت لفترة، وهذا الأمر مثلًا حدث مع جريدة القاهرة، والتى كان لها ثقل وقت صدورها. كما اعتادت أخبار الأدب على تقديم متابعة جيدة لمواد ثقافية مهمة، حول الأدب العربى والعالمى، مثل الأدباء الحاصلين على جائزة نوبل، فقد وضعت قارئها دائمًا فى الصورة، إلى جانب أنها اهتمت بالثقافة العربية دائمًا، واحتفت دومًا بالرموز الثقافية سواء الأحياء منهم أو من رحلوا عن عالمنا من خلال تخصيص ملفاتٍ عنهم، وموضوعاتها لم تكن يومًا بحثية، أو مسطحة، فهى وسط؛ تجمع بين الثقافة العامة والثقافة المتخصصة؛ لذلك أرى أنها من أهم الصحف الثقافية التى صدرت خلال الـ30 عاماً الماضية، وظلت على مدى تاريخها أداة لقوة مصر الناعمة بسبب توزيعها فى مختلف البلدان العربية، إذ لم يقتصر دورها على مصر فقط، بل امتد للدول العربية أيضاً.
وتختتم د. مكارم: «نتمنى أن يعاد توزيعها فى العالم العربى مرة أخرى بعد أن توقف الأمر خلال السنوات الأخيرة».


يقول د. حسين محمود، أستاذ الأدب الإيطالى بجامعة حلوان وعميد كلية اللغات والترجمة بجامعة بدر، إن أخبار الأدب تفردت على مدار تاريخهابأنها صحيفة أسبوعية وحيدة تغطى الثقافة بمعناها الواسع؛ والأدب على وجه التحديد، فكانت منبرًا لتسجيل الواقع الأدبى ونافذة تفتح آفاق الجديد والمحدث، ووسيلة لمواهب عديدة ظهرت وبرزت وامتازت من خلالها، على المستويين الصحفىً والإبداعىً، كما كانت مصنعاً ينتج المحرر الأدبى المتخصص عالى الجودة.

ويضيف: «بالنسبة لى، ولزملائى من المحررين المترجمين؛ كانت أخبار الأدب هى التى تجعلنا قادرين على أن ننشر فيها ما لا تحتاجه الصحف الأخرى من أخبار أدبية، بل ومن دراسات أدبية عالمية وترجمات تُنشر لأول مرة فى مصر والعالم العربى، من خلال بابين أسبوعيين على قدر كبير من الأهمية، وهما: «شرق وغرب» و«البستان». من خلال هذين البابين قدمتُ لأول مرة أعمال للكتاب الإيطاليين «كلاوديو ماجريس» و«ستفانو بينى» وأشعار «أونجاريتى» و«بوتسانى»، ومقالات لـ«داريو فو»، ونشرتُ فيها مترجمًا إلى العربية «مانفستو الحركة المستقبلية» للشاعر الإيطالى مصرى المولد «مارينتى».

عندما قدمنى الزميل العزيز سليمان قناوى رئيس تحرير أخبار اليوم السابق، وكان وقتها رئيس تحرير مجلة «أخبار السيارات» للكاتب المبدع عزت القمحاوى، وكان وقتها مدير تحرير أخبار الأدب، كان هناك ترحيب فورى لمساهماتى، وكان استقبال الكاتب الكبير جمال الغيطانى، أول رئيس تحرير لها، أكثر من رائع، ومحفز للبحث عن الجديد فى العالم كله لكى أقدمه لقارئ أخبار الأدب المميز. من الملامح الأخرى للدور الذى أدته الجريدة أنها كانت صوت مصر الأدبى على مستوى العالم العربى، ولها جمهور كبير فى الخارج، وخاصة فى دول المغرب العربى، حتى أن ردود الفعل على ما كان يُنشر فيها كان يأتى أولا من الرباط والجزائر وتونس قبل أن يأتى من القاهرة».


وعن أهم معارك الجريدة التى يتذكرها د. حسين ويصفها بالنموذج، يقول: «المعركة الفكرية التى كانت فى رأيى نموذجًا للرد على أقاويل الغرب فيما يتعلق بالحضارة العربية والإسلامية، وبمثابة نموذجٍ للرد على الفكر بالفكر، فى حوار راقٍ، بعيدًا عن العنف؛ عندما نشر بابا الفاتيكان السابق «بنديكت السادس عشر» حواره الشهير الذى طعن فى الإسلام وأنه انتشر بحد السيف، وغير ذلك مما أثار حفيظة كل من ينتمى إلى هذه الحضارة العظيمة، ونشرت «أخبار الأدب» ملفًا خاصًا، واستكتبت واحدًا من أشهر علماء مصر فى إيطاليا هو محمود سالم الشيخ الذى أماط اللثام عن كثير من الأسرار فى كواليس الفاتيكان، وقمت بترجمة مقالاته فى هذا الصدد».


ويختتم د. حسين محمود قائلاً: «أستطيع أن أقترح على أخبار الأدب أن تطور من أدواتها وتستفيد من التكنولوجيا الحديثة فى التصميم والنشر، وأن تستفيد من تاريخها الثلاثينى، فقد نشرت من المتون ما يستطيع أن يغذى المحتوى العربى الفقير على الإنترنت ويثريه، وأعتقد أنه يمكن ترتيب هذه المادة الخام بواسطة الذكاء الاصطناعى بما يجعل الثروة المتراكمة لهذه الصحيفة قابلة للتواصل مع الباحثين والقراء واجتذاب قراءٍ جددٍ».

يرى د. محسن فرجانى، أستاذ اللغة الصينية بكلية الألسن جامعة عين شمس، أن عدد الصفحات الكبير الذى كان متاحًا لجريدة أخبار الأدب فى سنوات صدورها الأولى، بالإضافة لاحتوائها على «البستان» أتاح فرصًا لنشر أعمالٍ مكتملةٍ، إذ كانت بمثابة كتابٍ داخل الجريدة. ويتذكر:«كانت الترجمة فى البداية يغلب عليها الطابع الإخبارى، لكنها فيما بعد مع فريق العمل ومع نخبة مهمة جدًا من الصحفيين والمثقفين، كان لهم دور مهم وخطير فى أن تتحول لمنبرٍ ثقافىٍ وإبداعىٍ وليس فقط إصداراً صحفياً، على مستوى الوطن العربى كله، بل والعالم؛ أحيانًا كنت أجد أخبار الأدب مع مستعربين صينيين فى بكين، داخل واحدة من أهم المؤسسات الثقافية والعلمية هناك. كما كانت هى جسر التواصلً بيننا وبين المترجمين حول العالم، فلم تكن حينها قد ظهرت المراكز المتخصصة كالمركز القومى للترجمة وغيره».


وعلى المستوى الشخصى، يقول د. محسن: «مثلت أخبار الأدب نقطة تحولٍ كبيرةٍ فى حياتى وشهدت ميلادى كمترجم، فمن خلالها اتجهت لترجمة الأعمال الكلاسيكية، وعلى صفحاتها نشرتُ كثيرًا من ترجماتى التى صدرت فى كتب بعد ذلك، وأبرزها كتاب «الطاو». ويمكن القول إنها استطاعت على مدار الثلاثين عامًا أن تسد فراغًا مهمًا جدًا؛ أولًا فى متابعة أخبار الترجمة من خلال الندوات والمؤتمرات على كافة المستويات، بالإضافة إلى الإشارة لأهم الكتب الصادرة محليًا وعالميًا، كما أنها تحرض على الاهتمام بالترجمة، فقد تعرَّفنا عن طريقها على أعمال الكثير من الأسماء المهمة مثل: الدكتور محمد عنانى والأستاذ طلعت الشايب والدكتور محمد أبو العطا والأستاذ الدكتور سليمان العطار وغيرهم.

وأستطيع القول إن أخبار الأدب نجحت فى فترة مبكرة فى أن تحقق الهدف الذى أُنشئ من أجله المركز القومى للترجمة فيما بعد، إذ كانت فكرته الأساسية هى توسيع دائرة الإطلالة على العالم الخارجى وعلى الأدب العالمى خارج دائرة المركزية الأوروبية واللغات المعروفة كالإنجليزية والفرنسية، والترجمة من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. تحقق بعض هذه الأهداف ولم يتحقق البعض الآخر، لكن الأستاذ جمال الغيطانى وضع ضمن الأهداف المشار إليها والمعروفة فى أخبار الأدب تنوع الأعمال وتقديم ألوانٍ من الأدب العالمى خارج المركزية الأوروبية، عن لغاتها الأصلية طالما أن المترجمين متوافرون، وتلافى نشر ترجمات متكررة سبق ترجمتها ونشرها».


ويستكمل: «الجريدة نبهتنا إلى قواعد أساسية فى العمل الترجمى، صارت فيما بعد أركاناً أساسية فى وثيقة إنشاء المركز القومى للترجمة، وكذلك لنا خلال عملنا فى مجلة كلية الألسن. كما أن المناهج والمقررات والمؤتمرات لم تفلح أن تنير أفق الشباب والمثقفين العرب بقضايا الترجمة مثلما فعلت أخبار الأدب، ولذلك نعتبر أن كل سنة تمر فى عمرها تستحق احتفالاً، فهى صاحبة فضل فى تحويل نشاط الترجمة إلى عمل إبداعى، وأخرجتها من المفهوم الأكاديمى الضيق إلى مستوى القارئ العادى».


ويختتم د. محسن فرجانى: «رغم أن أخبار الأدب مازالت شابة جدًا بالنظر إلى إصدارات أخرى متخصصة، لكن الإضافات التى صنعتها كلاسيكية وذات تأثير ضخم وعميق، وملهمة لإصدارات أخرى كثيرة». 

استمدت أخبار الأدب دورها المهم، فى رأى الفنان التشكيلى محمد عبلة، من الرعاية الكبيرة التى لاقتها من جانب الأديب الراحل جمال الغيطانى، ومن ثم أحدثت طفرة فى مجال تناول القضايا الثقافية، وأيضًا متابعة قضايا المثقفين والأدباء، إذ تابعت دائمًا كل جديد للأدباء والمثقفين، وخصصت لهم الحوارات، وعروض الكتب، وغيرها من الأمور، إلى جانب اهتمامها بالأدب العالمى، كما أنها ألقت الضوء على كثير من المبدعين الشباب سواء داخل مصر أو خارجها. ويضيف: «دائمًا ما كان الهم الشاغل لأخبار الأدب مناقشة مشاكل المثقفين مع السلطة، ومع وزارة الثقافة، فقد كانت هى صوت المثقفين، بل وفتحت الكثير من القضايا مثل: قضية حيدر حيدر، وترجمته لرواية وليمة لأعشاب البحر، وغيرها من القضايا، فقد تبنت الرأى والرأى الآخر، وأرى أنها حوّلت الأدب وقضاياه لقضايا قابلة للنقاش المجتمعى، فقد بسطت علاقة الأدباء بالمجتمع، واتسعت قضاياها وصارت قابلة للنقاش والحوار بشكل أوسع عما كانت عليه الثقافة».


وفيما يخص الجانب الفنى يقول: «ساهم اختلاف قطع الجريدة، فى زيادة رواجها، إذ لم يكن هذا القطع متعارفاً عليه من قبل، إذا ما قورنت بالمجلات الثقافية الأخرى التى كانت موجودة خلال هذه الفترة؛ لذلك أضفى القطع نوعاً من الخفة على الجريدة، علاوة على تنوع أغلفتها دائمًا، إذ كانت دومًا لها طابع خاص ميَّزها دونًا عن غيرها، وهذه الأمور أحدثت نقلة كبيرة فى الثقافة المصرية والعربية، فقد حرصت الجريدة دومًا على مواكبة معارض الفن التشكيلى الموجودة فى العالم، وكانت أغلفتها تعبِّر عن روح الفن التشكيلى، ولاقت هذه الأمور صدى بين التشكيليين.إلى جانب التحولات الواضحة التى مرّت بها الجريدة، ومن بينها: فكرة «كتاب داخل جريدة»، فهذه أمور لم نكن نألفها من قبل، أما إخراجيًا؛ فقد مرت الجريدة بفترات مختلفة، صعودًا وهبوطًا، لكن بشكل عام التجربة الإخراجية بداخلها دومًا كانت ثرية، ومتنوعة».

 
ويرى محمد عبلة أن أخبار الأدب خلال الفترة المقبلة يجب أن تواكب تغيرات المجتمع، قائلًا: «أرى أن تُطبع العناوين بطريقة مختلفة عن الشكل التقليدى، يجب أن تكون الجريدة بصورة عصرية لا الالتزام بشكلها التقليدى، الذى هى عليه الآن، كما يمكن أن تكون للصورة دور أكبر داخلها، فالموضوع بشكل عام يحتاج لدراسة موسعة، كى لا تنقرض الجريدة فى نهاية الأمر، ويجب التعامل مع المتغيرات بخفة وسرعة بديهة، هذا ما يحاول أن يفعله العالم حاليًا، لأن الصحافة الورقية فى العالم كله تواجه مشاكل، ولذا يجب ألا يشعر الشباب الحالى أنهم فى غربة، لأنهم تعودوا على نمط قراءة معين؛ وبالتالى لم يتعودوا على الشكل الذى تُنتج به الجريدة؛ لذلك هذه الأمور من الضرورى مراعاتها خلال الفترة المقبلة». 

يقول الفنان الدكتور مصطفى الرزاز، أستاذ التصميم بكلية التربية الفنية جامعة حلوان ورئيس الجمعية المصرية للفولكلور: «تقدم أخبار الأدب رسالتها بامتيازٍ، ومهنيةٍ رفيعة، ووعىٍ منفتحٍ. وتتبنى القضايا فى ملفات مركزة (البساتين) المتخصصة والمباغتة أحيانًا، إنها جريدة رفيعة وغير نمطية فى تقريرها ومحتواها. ميدانها المركزى فى صميم الكتابة والحوار والتنظير والشهادات، والقضايا. وهى جريدة تتخطى مفهوم الاحترافية – المتحققة فيها بامتياز – إلى مفهوم الطليعية، فهى متحررة من النمطية وتعنى بالتراث الأدبى والفنى والفلسفى العالمى القديم والمعاصر، وتعرضه بتقاطعاتٍ مكانية زمانية تجمع بين ما هو (أنتيك) وبين ما هو معاصر ومعاش فى ضفائر معنوية و دلالية عميقة، ولا تفتقر إلى السلاسة والدهشة». 


وعن الرؤية البصرية يضيف: «تعنى الجريدة بأطياف الفنون – السينما والمسرح والدراما والموسيقى، وتولى أهمية محورية للرؤية البصرية لصفحاتها وموضوعاتها، وغلافها عبر السنوات الثلاثين يعد وثيقة لأحوال وتطورات الإبداع التشكيلى المصرى والعربى، والعالمى أحيانًا. وإن أُعيد نشر تلك الأغلفة، وربما معها الموضوعات النقدية التحليلية والحريفة سيكون بمثابة مرجعٍ فريدٍ من نوعه عن فنون تلك السنوات الثلاثين التى نشطت فيها الجريدة. كما أنها اختارت بحنكة ووعى أعمال رسامين مصريين وعرب وأجانب من النوعين، التى تعكس بعدًا فكريًا تحليليًا أو نقديًا، أو استشرافًا مستقبليًا، أو تكثف المشاعر نحو قضايا إنسانية مُنتهكَة كالقضية الفلسطينية، والعنصرية البرجماتية الرأسمالية أو ضياع الإنسان ببراءته فى مخالب البطاش والاستنزاف. استخدموا تلك الرسوم البليغة لتدعم (البستان) الفقرة المحورية لكل عدد من أعداد الجريدة». 


ويستطرد د. مصطفى: «إنها جريدة استثنائية لم تكتفِ – كما تقدم – بمستويات المهنية الرفيعة المفهرسة والموضوعية، وإنما ولأنها طليعية وربما ما (بعد حداثية) فهى تنفتح لتداخلات القديم والجديد والمستقبلى، الفكرى والتأملى، ومن بينها ما يتصل بالحكمة والرأى والإنصاف لضحايا الرأى والنفوذ والبيروقراطية، واتخاذ مواقف بالغة الصلابة والعناد لدعمهم المتواصل المشروط بنهاية الغبن أو بالخروج من الاعتقال أو الحصول على الحق أو ما شابه، ومن علامات حداثتها البُعدية ذلك المزج المتوافق أو المتصادم مع أطياف الإبداع الفنى وتياراته النوعية. كما تتسم بالعناد والتصادمية وتبنى مواقف (المغضوب عليهم) وتتصادم مع أصحاب العطايا ومانحيهم إياها إلى أى مستوى. لقد كانت دومًا صوت الضمير الصلب المعاند، الزاهد من أى ميزة. تصادمت لفترة غير وجيزة مع صناع القرار فى وزارة الثقافة بمرافقها المختلفة، ووزارة التعليم والتعليم العالى والإعلام، ولم ترنو إلى أى منحة أو جائزة أو دعم مادى أو معنوی. إنهم زاهدون مستغنون قانعون بدورهم غير المسبوق واللا مقارن من حيث المواقف الحدية المكشوفة».


وعن مؤسسها – كما يصفه –الأديب العظيم الفيلسوف المفكر جمال الغيطانى، يقول: «هو ذات فريدة من نوعها فى ديوان الثقافة والفكر والحكمة المصريين، وإن أخذنا (الباترون) لشخصيته سنتفهم طبيعة وتميز الجريدة، فهو ذات الخط المتجدد والمتشعب واسع الأفق فى عمق التراث وفى حكمة الشارع والمقهى والمعمل والحقل، وهو الشغوف بالفولكلور والتشكيل والإيقاع وحركية الماضى والحاضر والدروس المتواصلة التى تلخص الهوية والمزاج الشعبى عبر عصور الأمة، وخريطتها المكانية النخبوية، والتشابكات مع البراءة الموروثة بالحكمة والأنماط السلوكية التى تعيد ذاتها من عصر لعصر، كل مرة بوسائلها ومآربها. جمال الغيطانى الأديب الروائى الباحث المدقق اللماح الململم لشذرات التفكير والسلوك، والمآرب والحكمة الإنسانية، المستقرئ لخلاصة الإنجاز الإبداعى فى العمارة والفنون وشئون الحياة والإعمار والطموح فى شخصية الإنسان المصرى بعبقريته ووهنه وسوءاته ونهضته؛ الشخصية الأريحية التى تجمع بين الحدة والتوتر والصدام وبين الإنسانية والدهشة والبشاشة». 


ويستكمل: «كوّن الغيطانى من حوله حواريين على شاكلته وأورث الجريدة من بعده لأحدهم (طارق الطاهر) وهو فى حد ذاته قصة يُكتب فيها متون طويلة. الهمة والجلد والتدقيق والشك والنخر فى الحجر بحثًا عن حقيقة القضايا والاستحقاقات بلا هوادة، وهو مشحون بالعناد والصدام وعدم المهادنة من فصيلة الشاعر النادر أمل دنقل. إذ هو زاهد فى أى مجاملة أو جائزة أو مكسب. يشبعه دوره المؤرق للفساد والمحسوبية، الداعم لكل مستحق بجهده وإنجازه وإبداعه. وفى نظرى أعتبر الجائزة الكبرى التى حصلت عليها بجدارة جريدة أخبار الأدب إبان إدارة طارق الطاهر، هى شهادة الناقد والمؤرخ السينمائى المثقف الراحل (سمير فريد) الذى لم يكن يعجبه العجب ولا يريحه إلا النادر المستحق، حين صنف جريدة «أخبار الأدب» بأنها أحسن وأقوى مجلة أدبية وفكرية تُكتب بالعربية».


واختتم د. مصطفى الرزاز «أتذكر الدعوة الكريمة للأستاذ جمال الغيطانى لأكتب أسبوعيًا فى الجريدة ولعدة سنوات، ثم إتاحة الفرصة أمامى لنشر ما أراه جديرًا فى صفحاتها الغراء، وقد كان ذلك دافعًا لى لمواصلة القراءة والزيارات والاستقصاءات وخلاصة مرئيات وحوارات السفر إلى المدن الكبرى فى العالم؛ المتاحف والمؤتمرات والحوارات، لتتحول إلى فقرات للجريدة. ولمعرفتى القريبة من الأستاذ علاء عبد الهادى رئیس تحرير الجريدة، اطمئن إلى مواصلة رسالتها الاستثنائية من نوعها وأن يفتح فى عهده آفاقًا جديدة لتغذية الحركة الأدبية والشعر والفن التشكيلى. وأرجو أن يضع نصب عينيه وفريق العمل الممتاز من المحررين المتمكنين نحو فتح آفاق جديدة إلكترونية لجذب المثقفين الطموحين من الأجيال الشابة وربطهم بعجلة الإبداع المصرى والعالمى، ثم طرح إبداعاتهم فى متون الجريدة فى بستانٍ يخصهم ويقدمهم بالتقدير المستحق».

يتذكر د.محمد عفيفى، أستاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة، أنه بدأ فى متابعة أخبار الأدب منذ لحظة إطلاقها، بسبب علاقته الشخصية بالأديب الراحل جمال الغيطانى، ويضيف: «فى رحلاتى الخارجية سواء فى المشرق العربى أو المغرب العربى خلال تلك الفترة، وبخاصة فترة التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، كنت أجد دومًا أنهم متابعون جيدون للجريدة، إذ أصبحت رمزًا من رموز الثقافة المصرية، وجزءاً من القوى الناعمة لمصر فى الوطن العربى». 


وعن المعارك التى خاضتها أخبار الأدب يرى عفيفى أن الجريدة رغم أنها تبدو –من اسمها– مهتمة بالأدب فقط، لكنها كانت منفتحة على أوجه الثقافة بشكل كامل، قائلًا: «لم تخض الجريدة معارك خاصة فقط بالأدب، لكنها خاضت معارك متعلقة بالهوية المصرية بشكل عام، وهذا ما فعلته مثلًا فى مجال الآثار والتراث، إذ تعد من أهم الإصدارات التى فتحت صفحاتها للدفاع عن الآثار والهوية المصرية، وهذا الأمر ظهر منذ وقت الغيطانى ومعاركه هو والدكتورة نعمات أحمد فؤاد، والدكتور على رضوان، ثم الدور الذى لعبته خلال السنوات الأخيرة للدفاع عن الآثار». 


ويؤكد محمد عفيفى أن مشكلة أخبار الأدب حاليًا هى نفسها التى تعانى منها الصحافة المصرية بشكل عام، موضحًا: «الصحافة الورقية والإلكترونية عليها أن تتغير وتتطور مع متغيرات العصر الحالى، فأخبار الأدب بها أهم المحررين الثقافيين فى مصر والوطن العربى، وبها كفاءات، لكن يجب فى المقابل تقديم مواد تلاءم شباب المثقفين سواء ورقيًا أو إلكترونيًا، وكذلك يجب فتح هامش الحرية لخوض معارك فكرية، فأخبار الأدب دومًا كانت مع الدولة المصرية، لذلك يجب فتح مجال الاشتباك مع المجال العام، فيما يخص الثقافة والفكر والحفاظ على الهوية، خاصة أنها نجحت فى أداء هذا الدور خلال السنوات الأخيرة عبر ما قام به شهاب طارق فى مجال الحفاظ على التراث والهوية والآثار، فهذا الاتجاه يحتاج إلى دعمٍ أكثر خلال السنوات المقبلة».

يرى الدكتور محمد الكحلاوى رئيس المجلس العربى لاتحاد الآثريين العرب أن أخبار الأدب لعبت دورًا مهمًا فى تحقيق الهدف الذى أُنشأت من أجله، مضيفًا: «الأمر لم يقتصر فقط على مصر وحدها، بل امتد للمحيط العربى ككل، فهذه الجريدة حققت نجاحًا كبيرًا فى كافة أنحاء الوطن العربى، وقد كنت شاهد عيانٍ على هذه الأمور، خصوصًا داخل العواصم العربية، إذ كانوا يحرصون دائمًا على متابعة مجال الأدب والتراث، وقد قُدِّر لهذه الجريدة أن تنطلق على يد رجل صاحب خبرة واسعة، وهو الراحل جمال الغيطانى، إذ أضاف لها قوة كبيرة، فوُلدت كبيرة، لم تحبُ، ولم تأخذ فترة طويلة كى تمر بالمراحل المعتادة مثل: مرحلة النمو، والفتوة، ثم الانطلاق؛ لذلك أعتقد أن جريدة أخبار الأدب بما هُيأ لها من إمكانيات، وأقلام قوية، كانت كفيلة بأن تجعلها ضمن أهم وأول الجرائد القومية المتخصصة، التى جذبت جمهوراً واسعاً فى مصر وخارجها.


ورغم أن الجريدة كان شاغلها دومًا هو التطرق لموضوعات فى كافة المجالات العامة سواء فى مجال الرواية، أو الشعر، والقصة، وإلقاء الضوء على شباب الأدباء بشكل دائم، لكنها أثرّت كذلك فى مجال التراث والآثار، ويوضح: «لولا أخبار الأدب ما عرف الناس قضايا الآثار والتراث، ولولاها لما حدث توعية للشعب بأهمية تراث هذه الأمة، فقد قادت الجريدة حملات صحفية، كان من بين أهمها قضية أبراج القلعة، وقد شكلت وقتها رأياً عاماً قوياً، ووقفت معنا كمتخصصين بشكل كبير، الناس وقتها كانوا يدافعون عن التراث، وكأنهم يدافعون عن «لقمة عيشهم» هذه الأمور لم تحدث أبدًا من قبل، فالغيطانى –رحمة الله عليه – لم يكن له سقف، وقد كان تحيزه دومًا لحماية التراث المصرى.

وهذا ما أعطى لهذه الجريدة قوتها، لذلك هى صاحبة فضل فى إنماء الوعى بالتراث الوطنى، ومن خلالها نوقشت الكثير من القضايا الخطيرة، وقد واجهت الحكومة وقتها بشكل مباشر كطرف، لذلك أنا ممتن دومًا لهذه الجريدة، لأنها أوصلتنا لأن أصبح لنا جمهور مصرى متابع لمثل هذه النوعية من القضايا التى لم  تطرق من قبل، فقد ساهم الغيطانى فى ظهور جيلٍ مهمٍ من شباب الصحفيين مثل: إيهاب الحضرى، وبعده أسامة فاروق، لكنى أعتقد أنه بوفاة الغيطانى، حدثت كبوة للجريدة فى بعض الأوقات، إذ تراجعت عن هامش الحرية الذى كانت عليه خلال فترته، فلم تصطدم بأحدٍ لسنوات، وهذا أمر غير مطلوب بالنسبة لجريدةٍ بحجمها كانت لها دومًا مواقف مشرفة، فقد تحيزت دومًا للحق ولقضايا الوطن، وللتراث ومعاركه الذى هو جزء أصيل من هذا الوطن، لكن فى ظل هذا الوضع تفاجأنا كآثريين بتقديم الجريدة صحفيا شابا وهو شهاب طارق، والذى سار على نفس المنهج الذى كانت عليه الجريدة فيما قبل، فقد فجّر قضايا مهمة ومنها: قضية شطب الآثار الإسلامية، وهى من وجهة نظرى أكبر سبق صحفى فى قضايا الحفاظ على التراث، فقد استطاع كشف التجاوزات التى تمت على الآثار داخل مصر، وهذا أكد لنا أن الجريدة ما زالت تنبض، كما كانت، وهذا ما هيأه للحصول على جوائز مهمة جزاء لما قدمه للتراث المصرى؛ لذلك أتمنى أن تعود الجريدة مرة أخرى خلال السنوات المقبلة كما كانت من قبل دائمًا، كما أتمنى أن تفتح الجريدة المجال لكافة الطاقات الشبابية الجديدة، وأن تكتشف لنا شباباً واعداً جديداً فى كافة التخصصات، فأخبار الأدب دومًا ما كانت صورة من صور إحياء الضمير العربى والإنسانى.

يؤكد د.حسام إسماعيل، أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار بجامعة عين شمس، أن «أخبار الأدب» وقفت بشكل كبير مع الأدباء وتحيزت لهم دائمًا، قائلًا: «الجريدة كانت دائمًا مع الهامش، لم تنحز إلا للحق فى كافة قضاياها، وقد ساهمت فى نشر الأخبار الثقافية، خصوصًا مشاكل الآثار، وقد ساهم دورها فى أننا كأثريين تعرفنا على المقريزى كمصدر أدبى عند الأدباء، فنحن دومًا كنا نعتبره مصدراً تاريخياً، وأثرياً، لكننا عرفنا أنه أيضًا يستخدم كمصدر أدبى مهم».


ويضيف: «أما بالنسبة لمشاكل الآثار والتراث المصرى، فقد لعب الغيطانى دورًا كبيرًا فى الأمر، وساهم فى تحفيز جيل ملهم فى الكتابة فى هذا الملف، ومنهم: إيهاب الحضرى، وأسامة فاروق، وصولًا لشهاب طارق، فهؤلاء جميعًا لعبوا دورًا مهمًا، إذ كشفوا لنا كمجتمع أثرى أن بعض الأمناء على الآثار ليسوا بالضرورة أمناء حقيقيين عليها، وهذا هو الجزء المهم الذى لعبته «أخبار الأدب»، كما ساهم الغيطانى فى انتشار كتب الآثار والترويج لها، بعد أن كانت كتباً نخبوية، لا يهتم بها الكثيرون، وقد ساهمت الجريدة من خلال قضايا مهمة أثارتها فى إنماء الوعى، مثل: قضية باب العزب، والمسافرخانة، وشطب الآثار وغيرها من الأمور، فجميع هذه القضايا كان تناولها أمراً يُحسب للجريدة، لأنها موضوعات حساسة». 


ويرى د. حسام إسماعيل أنه من الضرورى خلال السنوات المقبلة أن تهتم أخبار الأدب بالشباب، وأن توجه لهم طاقتها التحريرية نظرًا لانعدام الثقافة بين الجيل الحالى من الشباب، مضيفًا: «يجب أن تتطور الجريدة وأن تأخذ بيد هؤلاء وأن تلعب هذا الدور الذى نفتقده». 


تقول د. جليلة القاضي، أستاذة التخطيط بجامعة باريس، إنها لم تتخيل حياتها أبدًا بدون أخبار الأدب، إذ كانت نافذتها للاطلاع على الإنتاج الأدبى، فى مصر والعالم العربى، ولذلك تعتقد أن «أخبار الأدب» ليس لها مثيل فى العالم العربى ككل، ولا يوجد جريدة أو مجلة ثقافية تقوم بنفس الدور الذى تلعبه، مضيفة: «لقد عرفتنى على جميع أدباء أمريكا اللاتينية خلال فترة التسعينيات، وكذلك أدباء اليابان تحديدًا؛ لذلك أعتقد أنها لعبت دورًا مهمًا فى حياتى، وفى حياة الآخرين. أتذكر أننى عندما عدت لفرنسا حرصت على الاشتراك فى الجريدة، ومتابعتها أسبوعيًا، إذ لم أرد أن أطلع على الجريدة بعد صدورها بثلاثة أسابيع وتوفرها فى معهد العالم العربى بباريس؛ لذلك حرصت على مطالعتها دومًا، فهى جزء منى، وأتذكر أن الإخوان حين جاءوا إلى السلطة حاولوا السيطرة عليها، ووقتها شعرت أننى فى كابوس». 


وعن الدور الذى لعبته الجريدة، أوضحت د. جليلة أن أخبار الأدب قد تصدت لقضايا كبرى فى التراث، مثل: قضية أبراج نصير، وكذلك محاولة تغيير طابع السكة الحديد، موضحة: «لقد سمحت لنا بكتابة مقالاتٍ، وأصدرت عددًا مهمًا عن القاهرة، وعن الأدباء الذين كتبوا عن القاهرة، ومنهم نجيب محفوظ، فهذا العدد هو مرجع لجميع دارسى مدينة القاهرة؛ لذلك أتمنى خلال الفترة المقبلة أن تستقطب الجريدة أقلاماً مهمة مرة أخرى كما كانت تفعل من قبل.

وأتمنى زيادة المطبوع من الجريدة لأنها بشكل عام للأسف تنفد بسرعة رهيبة، فأنا أحيانًا أبحث عنها ولا أجدها فى محيط منطقة وسط البلد، والزمالك؛ لذلك أرى أن هناك مشكلة ينبغى حلها خلال الفترة المقبلة، فأخبار الأدب لها طابع خاص بها دومًا، وقد استطاعت أن تنشر الوعى الأثرى، من خلال القضايا التى تناولتها ودافعت عنها، فقد دعمت فكرة توافر صحفيين متخصصين فى هذا الملف بدءًا من إيهاب الحضرى، ثم أسامة فاروق، وصولًا إلى شهاب طارق حاليًا، كما أنها فتحت لنا صفحاتها، وهذه الأدوار لم تقم بها أى جريدة أخرى فى مصر، ولم تخصص صفحات للتراث بصورة مستمرة بالشكل الذى فعلته «أخبار الأدب» منذ تأسيسها وحتى الآن. 

أما د.زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، فيقول: «أعتقد أن هذه الصحيفة كان لها، ومازال، دور واضح جدًا ومؤثر فى الحفاظ على التراث المصرى القديم سواء الفرعونى أو القبطى أو الإسلامى منه، وقد تابعتُ هذه الصحيفة بشكل أكبر عندما تولى رئاسة تحريرها صديقى الكاتب الصحفى علاء عبد الهادى، خاصة أنها تولى ملف الآثار اهتمامًا كبيرًا، فقد أفردت مساحات كبيرة لا بأس بها لموضوعات شيقة؛ سواء عن الاكتشافات الأثرية الحديثة، التى تتناول مصر، أو قضايا الترميم والحفاظ على الآثار؛ لذلك أهنئ «أخبار الأدب» باستمرارها وبعيدها الثلاثين، وأتمنى أن تصبح دومًا سلاحًا قويًا للدفاع عن آثار مصر». 

فيما يرى الروائى سمير الفيل أنه «حينما أسس جمال الغيطانى جريدة (أخبار الأدب) لم تكن هناك طموحات كبيرة، ربما وجدت نافذة إضافية لنشر الأدب المعاصر، مع نوع من التربص والتشكك، فكثيرة هى المطبوعات التى بدأت قوية ثم تعثرت بفعل النمطية وعدم التجديد.لكن الجريدة أثبتت جدارتها، وقدرتها على تحديث الشكل والمضمون، أذكر أننى عندما زرت سوريا فى سنتين متتاليتين: 2007 و2008، سألنى أدباء مرموقون عن الجريدة التى ظلت لها سمعة طيبة. الأمر تكرر فى زيارتى للإمارات عام 2014 وفى لقاءات جمعتنى بكُتّاب عرب ٍمن الكويت والسودان والمغرب وتونس».
ويواصل: «لم يكن جمال الغيطانى يعمل وحده بل معه كُتّاب وصحفيون على درجة عالية من الفكر والمهنية، مثل: طارق الطاهر، ومصطفى عبد الله،ومحمود الوردانى، وعزت القمحاوى.لحقت بهم أقلام أخرى قدمت عطاءاتٍ مميزة مثل: ياسر عبد الحافظ، ومحمد شعير، وإسلام الشيخ، ومنصورة عز الدين، وحسن عبد الموجود، وغيرهم. ولم يقتصر دور الجريدة على نشر النصوص الأدبية بل أسندت لعدد من المتخصصين ترجمة الحراك الأدبى فى عواصم العالم شرقه وغربه، واهتمت بالآثار، والمهرجانات السينمائية، ومعارض الفن التشكيلى».
ويضيف: «فيما يخص تعاملى مع الجريدة، فقد كلفنى مصطفى عبد الله ذات يوم بعمل ملف حول الأدب فى محافظة دمياط، قام فيه بالجهد الأكبر، نُشر الملف تحت عنوان: (دمياط مدينة الفن والتجارة)، العدد 267، بتاريخ 23 أغسطس 1998. وممن كتبوا فيه : فاروق شوشة، محسن يونس، أحمد زغلول الشيطى، د. عزة بدر، فكرى داود، حلمى ياسين عابد المصرى، سيف بدوى. وكانت الفوتوغرافيا للمصور البارع يوسف ناروز.. تكرر الأمر مرة أخرى فى ملفٍ بعنوان (دمياط.. تحولات مدينة)، العدد 905 بتاريخ 21 نوفمبر 2010. شارك فيه كل من:د. عيد صالح، ومصطفى العايدى، وعبد الرحمن مقلد، ومحمد التونى، وهشام عبد الصمد، وأيمن عباس، وغيرهم، وكان مديرا التحرير فى هذه الفترة طارق الطاهر وعزت القمحاوى. كما نشرت لى الجريدة عدة نصوصٍ قصصية، ولكننى بشكلٍ خاص كنتُ مهتمًا بسلسلة حوارات أُجريت مع كتاب الجيل الجديد وهى خدمة جعلتنا نتعرف على أفكار شباب الكُتّاب».
ومن أبواب الجريدة المفضلة لديه، والتى ينتظرها سمير الفيل بشغفٍ كبير، باب «البستان»، إذ يقول: «فيه نشرت مواد غاية فى الروعة، منها: رباعيات الخيام بالعامية المصرية، نظرة على الأدب الكورى، فن الترجمة، العميد والأزهر.. طه حسين فى حفلة تنكرية، جمعة فيلسوف الكاريكاتير، رفيقات جين أوستن المنسيات، بين حداد وفدوى طوقان.. صفحات مجهولة فى الأدب العربى، الرضوخ للقارئ،إطلالة على الثقافة الأردنية، بببليوجرافيا إحسان عبد القدوس، أدب الحرب بين التغنى والإدانة،إضافة إلى العدد الخاص بجمال عبدالناصر (14 يناير 2018)».
ويختتم سمير الفيل كلامه قائلًا:«أتصور أن طاقم التحرير الحالى برئاسة الأستاذ علاء عبد الهادى لديه خطة لتطوير الجريدة وتحديث موضوعاتها، واستمرار كشف المواهب الجديدة فى مختلف بقاع مصر، وهو دور يليق بها كمطبوعةٍ تستهدف المستقبل ولا تستنيم للماضى بحلوه ومره!؟».

يتذكر الروائى والقاص أحمد أبو خنيجر بدايات أخبار الأدب جيدًا، إذ يقول: حين صدرت كانوا لا يزالون يتحسسون خطاهم، مما جعلهم يتهيبون كشباب أن يرسلوا إبداعاتهم للجريدة، ظنًا منهم أنها دون المستوى، وبالتالى كانوا يخشون من رفض النشر، فكل المواد التى كانت تنشرها الجريدة، سواء مواد إبداعية أو صحفية أو نقدية، كانت فى منتهى القوة، حتى المواد المترجمة، إلى جانب الأسماء العربية أو المحلية الكبيرة التى كانت تستكتبها الجريدة، الأمر الذى خلق داخل أى كاتب تحدياً ورغبة فى أن يكون على مستوى النشر فى أخبار الأدب. كما يقول: إن ميزة صدور أخبار الأدب فى ذلك الوقت أنها وضعت الثقافة جنبًا إلى جنبٍ مع الصحافة، فكان لا يذهب إلى الثقافة سوى المثقفين، أما أخبار الأدب فقد جذبت إليها شرائح متعددة من القراء، لهذا استقبلها الوسط الأدبى بحفاوةٍ شديدة. 


كما يتذكر: «كانت السنة الثانية من صدور أخبار الأدب محورية بالنسبة لى، لأنها السنة (1994) التى أطلقت فيها الجريدة مسابقة عن القصة القصيرة، وحددت أنها موجهة للشباب، فتقدمتُ بقصة عنوانها (غواية الشر الجميل) وهو العنوان الذى اخترته لمجموعتى القصصية فيما بعد، وفوجئت أننى من بين الفائزين بالمسابقة مع 20 آخرين تقدمهم أخبار الأدب للحياة الأدبية، أذكر منهم: أشرف الخمايسى وأمينة زيدان وعصام راسم ومحمد بركة، وكان أغلبنا من الأقاليم، وهو ما وفر علينا خطواتٍ كثيرة يمر بها أى كاتب مبتدئ، فقد راهنت علينا أخبار الأدب، واحتفت بنا فى حفل مهيب حضره كاتبنا الكبير نجيب محفوظ ووزير الثقافة آنذاك الفنان فاروق حسنى».


ويرى أبو خنيجر أن «أخبار الأدب» كانت بمثابة ملتقى ثقافى، فعندما كان يسافر إلى القاهرة، كان لا بد أن يذهب إلى مقر الجريدة، ويجلس مع الأساتذة: محمود الوردانى ومصطفى عبدالله وطارق الطاهر وإسلام الشيخ وإيهاب الحضرى وياسر عبد الحافظ.. وغيرهم. 


وعن المطلوب من أخبار الأدب فى الفترة المقبلة، يقول: «أتمنى أن تعود بالقوة ذاتها التى بدأت بها، وأن تتخلص من الأمراض التى تعانى منها اليوم أى مطبوعة ورقية، كأن تحرص الجريدة على أن تكون الجودة هى المعيار الوحيد فى النشر، وأن تعيد النظر فى أبوابها، لأن تثبيت الأبواب جعل المواد تبدو وكأنها شبه مكررة، وأيضًا إعادة النظر فى شكلها الفنى، والأهم أن تضع الجريدة فى عين الاعتبار الانتقادات التى توجه لها، وألا تمر عليها مرور الكرام، فكان يجب مثلًا أن يحمل غلاف العدد السابق صورة الشاعر الراحل محمود قرنى، وألا يكون مجرد اسمٍ على الغلاف، فالكارثة التى تعرض لها تدفعنا أكثر لوضع صورته، لأنه طوال الوقت المثقفون يموتون بهذه الطريقة. فنحن نحتاج ثانية لأن يكون للوسط الثقافى جريدة يتبناها ويحتمى بها فى الوقت نفسه».


ومن الشعراء، يقول فتحى عبد السميع: «عندما صدرت أخبار الأدب كانت حدثًا ثقافيًا كبيرًا، خاصة بالنسبة للمُقيمين مثلى فى الأطراف، نظرًا لندرة احتكاكنا بالوسط الثقافى فى العاصمة وعجزنا عن معرفة الأخبار الثقافية قبل ظهور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، لقد فرحنا جدًا بظهورها، لأنها تشكل فرصة كبيرة للمتابعة، وفرصة للنشر فى ظل صعوبات النشر، وكانت عند حسن الظن من حيث اهتمامها بجميع المبدعين خاصة فى الأطراف، وقد راسلتها من خلال البريد ونشرت لى كل ما أرسلته، فى مجال الشعر والمقالات والشهادات، و تواجدت عبر البريد فقط فى كل أبوابها بداية من ساحة الإبداع حتى ضواحى الفضفضة والغلاف الخلفى، كما أتاحت لى فرصة طيبة لمطالعة إبداعاتٍ جديدةٍ كل أسبوع، وهناك أعمال كانت تُنشر مسلسلة وكنت أحتفظ بها مثل: ملحمة يوسف وزليخا للجامى وغيرها من الأعمال الجيدة التى كانت تنشر خاصة فى (البستان)، ولم تكن تصل إلينا فى الصعيد».


ويضيف: «لقد كانت أخبار الأدب حاضرة بشكل قوى فى العالم العربى، وكانت فرصة لوصول كتاباتٍ عربية كثيرة جدًا للقارئ المصرى الأكثر عددًا على مستوى العالم العربى، وفرصة أيضًا لوصول الكتابات المصرية لقراءٍ لا حصر لهم فى العالم العربى، لقد حققت نجاحًا كبيرًا على مدار سنوات طويلة، وهى مهيأة الآن لتحقيق نجاح كبير رغم ظهور وسائل حديثة للتواصل والنشر، وذلك بتركيزها على غربلة الإنتاج الأدبى، ووضع أيدينا على الجديد المتميز فعلا، وتقديم الأسماء الشابة التى تستحق، ونحن بحاجة كبيرة إلى هذا الدور فى ظل سهولة النشر الشديدة، لقد ظهرت كى تعالج صعوبة النشر وعليها أن تستمر لتعالج سهولة النشر وتغربل الإنتاج الأدبى والثقافى بشكل عام، لأنها وإن كانت أدبية الهوية إلا أنها انفتحت على الثقافة بشكل عام».

ترى الروائية والنائبة ضحى عاصى أن وجود جريدة متخصصة فى الأدب تابعة لمؤسسة قومية يدل على اهتمام الدولة بقيمة الثقافة، مضيفة: «إنها مطبوعة ناجحة ومهمة جدًا، بدأ اهتمامى بها كقارئة قبل أن أكون كاتبة.جريدة لها ثقل، وكل المهتمين بالأدب فى مصر والوطن العربى يعتبرونها منبرًا مهمًا لمعرفة المشهد الثقافى فى العالم. ومن أهم أدوارها أنها قدّمت الكثير من الكتاب للمشهد الأدبى، ومصداقيتها جعلت النشر فيها بمثابة شهادة جودة لأى كاتب وخطوة على سلم النجاح وتحقيق الانتشار. ورغم أننى لم أكن أتمكن من متابعتها أحيانًا لوجودى فترات طويلة خارج مصر، إلا أننى أستطيع بسهولة أن ألمس مدى وعى إدارتها بالمشهد الأدبى على مدار السنين، على عكس الصفحات الأدبية فى الصحف اليومية أو غير المتخصصة، وأقدِّر كثيرًا المعارك التى خاضتها أخبار الأدب فى السنوات الأخيرة وأجراها شهاب طارق ضد شطب المبانى الأثرية».


إلا أن هناك ما يزعج ضحى عاصى مؤخرًا حيال الجريدة، توضحه: «من الأشياء التى أساءتنى خلال الفترات الأخيرة هى انخفاض منافذ توزيعها، فمن قبل كنت أجدها عند بائع صحف قريب من سكنى، حاليًا لا أجدها بسهولة، رغم أنها الجريدة الوحيدة تقريبًا التى أحرص على شرائها كل أسبوع. مع اختفاء الجريدة أحسست بابتعادها عن الناس، وبالتالى لم أعد – ككاتبة– أشعر بجدوى النشر فيها. هى من الصحف ذات المحتوى الجيد والقوى جدًا، وليست ذات طابع إخبارى لحظى، وإنما كالكتب يمكن الاحتفاظ بها والعودة إليها من وقت لآخر، لكن تأثيرها مع الوقت يقل بسبب التوزيع، خاصة بعد إغلاق موقعها على شبكة الإنترنت».

هناك صورتان ما زالتا تلوحان أمام الأديب الكويتى طالب الرفاعى بين وقت وآخر، كلما قرأ جريدة أخبار الأدب، يوضحهما: «الصورة الأولى كانت حين وصل صديقى جمال الغيطانى إلى الكويت، ربما كان ذلك فى منتصف عام 1994، إذ اتصل بى ليخبرنى بأنه فى فندق «الشيراتون»، وبعد أقل من نصف ساعة كنت عنده فى غرفته. قابلنى بابتسامته الهادئة، ووجدته قد فرش على طاولة الغرفة، مجلة لم أكن قد رأيتها من قبل: «هذا مولودى الجديد!».

رفع أحد الأعداد وخاطبنى: «أخبار الأدب.. ستكون صوت جميع الأدباء العرب». وكما لو أنه تذكّر شيئًا، بادرنى: «أين عمنا إسماعيل فهد إسماعيل؟». تكلم الأستاذ جمال بحماس عن مولوده الجديد، وأن أخبار الأدب حدث ثقافى مهم يستحق الاحتفال على طول وعرض الوطن العربى، فقد التحق بنا الروائى إسماعيل الفهد، وكعادتهما سرعان ما راحا يستحضران ذكرياتهما، وسط فرح وترحيب إسماعيل بالمولود الجديد، وما لبث أن أخرج الأستاذ جمال ورقة صغيرة من جيب قميصه، والتفت إلىَّ: «سجلت مجموعة من الأسماء الكويتية البارزة التى يهمّنى أن تصل أخبار الأدب إليها، ولك أن تضيف من تشاء». كانت أخبار الأدب فى سنواتها الأولى هى الوليد والحلم الأجمل للأستاذ جمال، وكان يحرص على حملها معه أينما ذهب، وأكثر مما يحمل رواياته وكتبه».


يستطرد طالب الرفاعى: «كانت الصورة الثانية، عندما زرت مصر عام 1997، حاملًا معى روايتى الأولى «ظل الشمس» وحين قدمتها للصديق المرحوم الشاعر عبدالرحمن الأبنودى، ليطلع عليها، وكنا فى سهرة فى بيته برفقة الروائى خيرى شلبى وإسماعيل الفهد، وكم فاجأنى اتصال عبدالرحمن فى صباح اليوم التالى بتليفون باكر، وهو الرجل الذى لا ينام إلا فجرًا: «تعال حالًا أنا عاوز أشوفك».وجدت عبدالرحمن ينتظرنى فى صالة بيته وإلى جانبه ملف الرواية، وما أن رآنى حتى أخذنى يقبّلنى: «هذه رواية رائعة، ويجب أن نحتفل بها». عبدالرحمن كان قد أمضى الليل يقرأ الرواية، بحضور ومعاناة وألم العمالة المصرية فى الكويت، وكان أن كتب لها أبيات المقدمة، وبصوته الجهورى خاطبنى: «نفطر الأول، ومن ثم نذهب لجمال فى أخبار الأدب، لنشر فصول الرواية مسلسلة لديه.. هذه رواية يجب أن يقرأها كل المصريين».ووسط فرح قلبى، ذهبنا إلى مكتب الأستاذ جمال، وكان أن نُشرت فصول روايتى الأولى «ظل الشمس» على صفحات أخبار الأدب، قبل صدورها الأول من دار شرقيات».


ويختتم طالب الرفاعى مؤكدًاأن أخبار الأدب هى مشروع إبداعى ثقافى عربى تأسس من لدن روائى وأديب عروبى بامتياز، وبجهده وشغفه وزملائه المخلصين أوصلوها لجميع الأدباء العرب وجعلوا منها صوتًا لهم.

يرى مجذوب عيدروس، الأمين العام لجائزة الطيب صالح، أن أخبار الأدب منذ صدورها قد مثلت منبرًا ثقافيًا أسبوعيًا جادًا بعد تدهور وإغلاق وغياب كثير من المجلات والصحف الجادة، وأيضًا تدهور البعض الآخر، قائلًا: «كانت تصل نسختها الورقية فى التسعينيات مسلطة الضوء على الحراك الثقافى فى كثير من الأقطار العربية، وعلى مستوى العالم. كما أنها ركزت على بعض القضايا الثقافية المهمة، وقدمت ملفات ألقت ضوءًا ساطعًا على جهد وإبداع شخصيات كان لها تأثيرها، وهذا ما يخدم التواصل بين الأجيال، لأن من آفات الحركة الثقافية تصور حداثة منبتة عن جهود الرواد ممن حملوا مشاعل الاستنارة فى أقسى الظروف».


يضيف عيدروس: «إيجابيات أخبار الأدب هى اهتمامها بألوان الثقافة المختلفة وهذا ما حرصنا عليه عند إشرافنا على الملفات الثقافية: التوازن الدقيق بين الأجناس الأدبية: الرواية، القصة القصيرة، الشعر، النص المسرحى، والنقد، والدراسات، والتراث الشعبى ثم الاهتمام بالفنون التشكيلية، والمسرح، والسينما، وهى فى تنوعها تلبى حاجات القراء والمهتمين بالمتغيرات فى عالم الثقافة وما أكثرها فى ظل العولمة التى اجتاحت الوطن العربى. نحن نعتبر أن أخبار الأدب ورصيفاتها تمثل خط الدفاع عن ثقافتنا القومية، فهى منفتحة على مناطق مجهولة فى ثقافتنا العربية، وهذا الأمر يمثل رصيدًا لأمتنا، وثقافتنا، ونأمل أن نشهد انفتاحًا لها على بعض الدول مثل: الصومال، وجيبوتى، وإريتريا، وتشاد، ودول أخرى فى غرب إفريقيا فيها أدباء وشعراء يكتبون بالعربية، لكن فى النهاية فنحن ندرك الظروف التى تصدر فيها الإصدارات الثقافية الجادة فى ظل الظروف الحالية وسيادة ثقافة استهلاكية والميل إلى الخفة؛ لذلك نحن نثمن الجهد المبذول فى أخبار الأدب». 


يقول المفكر المغربى الكبير محمد بن عيسى، وزير الثقافة الأسبق: حين صدر عدد أخبار الأدب الأول فى صيف عام ١٩٩٣، كان متوقعًا للجريدة أن تجد لنفسها مكانة فى المشهد الثقافى المصرى، ومنه تعبر إلى مجالها العربى الواسع. لكن قليلين فقط توقعوا نجاحها المبهر والسريع، والذى حققته منذ أعدادها الاولى، وإذا كان معلومًا أن المشاريع الناجحة، تكون عادة من صنع الكفاءات الخلاقة، فإن هذه القاعدة تنطبق تمامًا على سيرة أخبار الادب، فقد أثبتت منذ انطلاقتها أن خطها التحريرى، ينحاز بوضوح إلى خيار الحداثة والتنوير والتجديد، وإلى قيم الجمال والإبداع، فى ظرفية ثقافية اتسمت بتمدد التيارات المحافظة، ولقد نجح فريقها المؤسس الذى قاده الراحل جمال الغيطانى، فى أن يرسم بسرعة، ملامح هوية فكرية طليعية للجريدة، تنتصر للحرية فى الفكر والإبداع، وتحتفى بالمحتوى التنويرى للآداب والفنون والعلوم الإنسانية، فهذا الخط الفكرى اقترن أيضًا بهوية بصرية جذابة، شكلت فتحًا جديدًا فى الصحافة العربية، ولاسيما الثقافية منها، إذ ظهر ذلك فى تبويب صفحات الجريدة، وترويساتها، وأسلوب طباعتها، وإخراجها، ولمستها الكاليغرافية المتميزة، ففى كل عدد يصدر، كان قارئ أخبار الادب يتجول بين نصوص إبداعية، ودراسات أدبية، ومطارحات فكرية، ومتابعات للإصدارات الجديدة، ومستجدات الثقافة العربية والأجنبية، فقد استطاعت الجريدة أن تصنع لنفسها أسباب تطورها، باجتهادها فى جانبين أساسين: هما جمالية الشكل، وتجدد وتعدد المحتوى. فهى لم تسجن نفسها فى تخصصية أدبية ضيقة، ولم تتبع مذهبًا أو خطا إيديولوجيًا، بل انحازت إلى فضيلة الكتابة، وسمو الفكر، وجمالية الإبداع، وبذلك نهضت وانتصرت رسالتها فى مواجهة التكلس والجمود الفكرى، فجاءت بمثابة الضوء اللماع لمرحلة التسعينات فى مصر، ولعل أعضاء فريقها المؤسس، وطواقمها الصحفية المقتدرة التى جاءت بعده، لعلهم جميعًا نفذوا وصية الأديب المصرى الكبير الراحل نجيب محفوظ، حين كتب فى العدد الأول عندما قال لهم: «كونوا شعلة لنهضة جديدة»، وكذلك كانوا، وكذلك أخلصوا للوصية».