فى الصميم

هل تصمد أوروبا.. أمام ضغوط أمريكا؟!

جلال عارف
جلال عارف

لاشك أن أحد الإنجازات التى يعتقد الرئيس الأمريكى بايدن أنه حققها منذ توليه الرئاسة هو استغلاله للحرب فى أوكرانيا لكى يعيد الحياة إلى حلف "الناتو" بعد ما كان قد لحقه من ضعف وتفكك بلغ أوجه مع الرئيس الأمريكى السابق "ترامب" الذى لم يكن يؤمن بجدوى الحلف ولا باستمرار الاتحاد الأوربى، مفضلاً أن تتفرغ أمريكا لحماية حدودها واستعادة عظمتها والتركيز على مصالحها فقط!!

استعاد الحلف الكثير من تماسكه، وتوسع بانضمام السويد وفنلندا، وتضاعفت الميزانيات العسكرية للدول الأعضاء، وانهالت المساعدات العسكرية وغير العسكرية على أوكرانيا، وافتصر التوجه للتشدد مع روسيا مع الحرص ـ حتى الآن ـ على عدم التورط فى صدام مباشر معها.. لكن العبء الناشئ عن ذلك كبير، والأزمة الاقتصادية تضغط على أوروبا، والعقوبات التى فرضت على روسيا كانت لها آثارها وبنفس القدر أو أكثر.. على دول أوروبا.

ومع ذلك بقى التباين داخل دول "الناتو" فى المواقف، كما بقى التباين بين الجناح الأوروبى وأمريكا البعيدة آلاف الأميال عن ميدان الحرب، والتى تريد أكبر قدر من استنزاف روسيا وحصارها بأقل قدر من التدخل المباشر أو التكلفة الاقتصادية أو السياسية من جانبها!. وظهر التباين فى كثير من المواقف مع فرنسا التى تمثل القيادة السياسية لأوروبا، ومع ألمانيا صاحبة القيادة الاقتصادية والتى تعانى من تكلفة الحرب ومن القيود الاقتصادية التى فرضتها أمريكا على صادراتها فى وقت واحد!!

لكن الخلاف الأكبر بدأ يفرض نفسه أخيراً.. فأمريكا تضغط من أجل أن يكون حلف "الناتو" جزءاً من مواجهتها ضد الصين وليس ضد روسيا وحدها.. وهو ما تتحفظ عليه الأطراف الأوروبية وخاصة فرنسا. فى القمة الأخيرة لحلف "الناتو" كانت اليابان ضيفاً، ثم كانت محاولة لفتح مكتب للحلف فى العاصمة اليابانية وهو ما رفضته فرنسا ودول أوربية أخرى. وأعلن الرئيس "ماكرون" أن "الناتو هو حلف شمال الأطلنطى فقط" فى إشارة إلى أن ما يجرى فى آسيا وحول الصين ليس فى نطاق عمل الحلف.

الضغط الأمريكى لن يتوقف. لكن الثمن الذى دفعته أوروبا حتى الآن فى مواجهة روسيا يجبرها على أن تفكر ألف مرة قبل أن تنجر إلى المواجهة الأكبر بين أمريكا والصين التى لم تبدأ فصولها الساخنة بعد!!