إبراهيم بغدادى صاحب الفضل فى تعليم على ومحمود رضا الرقص

السيرك القومي رفض تشغيله| بهلوان مصري.. صفق له كل العالم

إبراهيم بغدادى فى إحدى الألعاب الخطرة
إبراهيم بغدادى فى إحدى الألعاب الخطرة

■ قراءة: أحمد الجمَّال

قبل نحو 60 عامًا، نشرت «آخرساعة» حوارًا مع إبراهيم بغدادي، أمهر رجل سيرك فى زمانه، وقد أجرى معه اللقاء الكاتب الصحفي الراحل، فاروق عبدالسلام، واستعرض معه حكايته المزدحمة بالتفاصيل والمفارقات، فبعد أن رفض السيرك القومي تشغيله، فُتحت أمامه أبواب الشهرة والنجومية، وقدَّم عروضه في أكبر قاعات السيرك بأمريكا وأوروبا وعُرف هناك باسم «مستر جو»، قبل أن يعود إلى القاهرة وتتصيده عقبات جديدة، ويخايله حلم إنشاء مسرح عالمي حديث.. التفاصيل نعيد نشرها بتصرفٍ واختزال فى السطور التالية:

■ مستر جو يداعب أصغر أولاده

من هو «مستر جو» أو «إبراهيم بغدادي» الذى صفّق له العالم؟! ما هى حكاية هذا الرجل  الذى رفض أصحاب مسارح القاهرة أن يعرضوا ألعابه؟ كان إبراهيم بغدادى قد بهر الملايين بألعابه الساحرة، وكان الناس فى إيطاليا يقفون بالطوابير أمام شباك التذاكر، لحجز تذاكرهم للأسابيع المقبلة.. وفى أمريكا استمر يعرض ألعابه على مسرح واحد لمدة خمس سنوات.. وفى لندن طلب منه صاحب السيرك هناك أن يحتكره مدى الحياة.. وفى فرنسا أقاموا له حفل تكريم حينما غادرها.. وفى الدنمارك وفى سويسرا وفى كل مكان ذهب إليه كان الناس لا ينسون مستر جو المصري! وعاد مستر جو بعد 20 سنة إلى وطنه ليقدم مواهبه فى القاهرة.. ولكن هذه المواهب لم تلق إلا الإهمال. وليت هذا هو كل ما حدث، فقد حجزوا على أمتعته وسيارته فى الجمرك، وهو يعيش الآن على الحديدة.

■ سيرك إبراهيم بغدادي الذي طاف العالم

◄ حديث العالم
إن حكاية مستر جو أو البهلوان الذى هدّد بهلوانات أوروبا وأمريكا غريبة، فأثناء رحلاته بمختلف بلاد العالم كانت أخباره تحتل الصفحات الأولى من الصحف العالمية وعشرات الصفحات من المجلات المصوّرة، واسمعوا ما قالته الصحف الأجنبية عن إبراهيم بغدادي، أو البهلوان العالمي.

كتبت صحيفة «التايمز» تقول: «هذا المصرى القادم من بلاد الفراعنة استطاع أن (يشيِّب) شعر رؤوس المتفرجين، فألعابه تذكرنا بفن التحنيط عند الفراعنة الذى مازال لغزًا حتى الآن! وكتبت مجلة «لايف» عنه: «لقد جمع مستر بغدادى بين الفن والمخاطرة!»

وقالت عنه مجلة «لاس فيجاس» الأمريكية: «إن ألعاب هذا المصرى تفوق السحر والخيال». وتعاقد معه مسرح لاس فيجاس على العمل لمدة أسبوعين، فاستمر العقد ثلاث سنوات.

■ أبناؤه السبعة

إبراهيم بغدادي عمره 41 عامًا، وأنا لم أصدق إطلاقا أن هذا عمره، فوجهه وحيويته وشعره الأسود لا يوحى بالمرة أنه فى هذا العمر، لأن كل ما فيه ينطق بأن عمره لا يتجاوز العشرين.. وقد قال لى إن له سبعة أولاد أكبرهم فتاة عمرها 19 سنة وأصغرهم عمرها ثلاث سنوات.

والغريب أن أولاده السبعة وُلد كل منهم فى بلد مختلف عن الذى ولد فيه الآخر، فله ابن وُلد فى لندن، وآخر فى الدنمارك، وثالث فى أمريكا، ورابع وخامس فى فرنسا وسادس فى ألمانيا والسابع في القاهرة، ويعلق بغدادى على هذه الظاهرة فيقول: «إننى بأولادى أمثِّل هيئة أمم متحدة صغيرة»!

وقلت له: ولكن عرفت من بعض الناس أنك كنت أول من درب على رضا على الرقص؟ فقال: «فعلًا أنا الذى علمت على رضا وشقيقه محمود رضا الرقص وإن كنت أكره أن أقول  كلمة أنا، حتى لا يتهمنى الناس بمحاولة إلصاق اسمى بأى فنان».

◄ بداية الرحلة
المهم أن إبراهيم بدأ ألعابه فى القاهرة منذ 23 سنة، ويروى هذه البداية فيقول: ورثت عن والدى أنا وإخوتى الألعاب الرياضية فى سيرك عاكف، وكان لاعب السيرك فى ذلك الوقت لا بُد أن تتوافر فيه ألعاب السيرك كلها بما فيها الأكروبات، واللعب على كل الأجهزة والتمثيل والرقص، وكنت عندما أدخل أى فيلم سينمائى أجنبى وأرى فيه رقصة تعجبنى كنت أصر على دخول الثلاث حفلات وأشاهد هذه الرقصة حتى أحفظها عن ظهر قلب، ثم أحاول أن أؤديها، ومرة رآنى أحد مدربى الرقص واسمه إيزاك ديكسون وأنا أرقص باليه فى السيرك، وكان رقص الباليه فى ذلك الوقت جديدًا بالنسبة للقاهرة، ووجد أننى خامة طيبة، فعرض عليّ أن يدربنى بدون مقابل، وبعد فترة قصيرة أدهشت مدربي، لدرجة أنه قال لى يوما: «لقد تفوّقت عليّ وأصبحت أنت الأستاذ وأنا التلميذ»، وحاولت أن أعرض ألعابى على مسارح القاهرة بعد أن توفى والدى وانتقلنا من سيرك عاكف، فلم يقبل أحد، وعز على الأجنبى إيزاك ديكسون أن يرانى متعطلًا ولا أنشر فنى على الجمهور، وسرعان ما قدمنى إلى المسارح وأنا أحمل لقب «مستر جو» بدلًا من اسمى الحقيقي، ورحّب بى أصحاب المسارح فى القاهرة، ولاقيت نجاحًا ساحقًا، وأصبح رواد المسارح يبحثون عن اسمى فى كل مكان ووسط هذه الفرحة وانتزاعى للنصر تحت اسم «مستر جو» وقفت أمام أصحاب المسارح وصارحتهم بالحقيقة، وهى أننى مصرى واسمى إبراهيم بغدادي.

وصدموا، وطلبت منهم أن يعلنوا عنى باسمى الحقيقى وليس باسم مستر جو، ورفضوا طلبى وأصروا على طردى ما دُمت قد ضللتهم، فقد كانت عقدة الخواجة مسيطرة على كل من يعمل على المسارح فى ذلك الوقت.. وكنت قد أنجبت فتاتين هما مواهب وهناء، وقررت أن أهجر القاهرة أنا وإخوتي، وهم السيد ووفاء ونوال وسميحة وسافرنا جميعًا إلى اليونان عام 1947، وهناك استقبلونا استقبالًا منقطع النظير، وظللنا عامًا كاملًا نعمل فى اليونان، وكل يوم يأتى إلينا صاحب مسرح يعرض علينا أن نعمل على مسرحه بأجور مغرية. ثم سافرت إلى إيطاليا، وعادت شقيقاتى للقاهرة وعملت أنا وأخى السيد معًا.. إننا نؤدى نمرة أكروبات مدتها خمس دقائق فقط ورغم ذلك كانوا يطلبون منى إعادتها مرة ثانية وثالثة وعاشرة.

◄ مطاردة
وبعد نجاحى فى إيطاليا سافرت إلى ألمانيا، وهناك ظللت ثلاثة أعوام أنا وأخي، إلى أن حدث خلافٌ بيننا فانفصلنا وسافر هو إلى إسبانيا وبقيت أنا فى ألمانيا، وكنت قد أنجبت ابنى محمد، وكان عمره وقتها ثلاث سنوات وأخذت أدربه طوال شهرين ودربت أيضًا ابنتيّ مواهب ووفاء، وخرجت بهم نعمل فى المسارح ولاقينا نجاحًا باهرًا، وهناك فى ألمانيا بدأ اليهود يطاردونني، وعندما عرفت أنهم يسيئون لسمعة بلدى بدعايات مغرضة أرسلت إلى بلدى ليمدونى بأفلام سينمائية تمثل نهضتنا فى كل الميادين بعد قيام الثورة (1952)، وكنت قبل أن أعرض النمرة التى أؤديها أعرض عليهم نهضة بلدى فى أفلام سينمائية، واشتريت آلة عرض سينمائية وكنت أدعو الألمانيين إلى منزلي.

وسافرت إلى الدنمارك، ومنها إلى سويسرا وإسبانيا، وطفت بكل أوروبا، ثم طرت إلى الهند والصين وأمريكا التى تعاقدت فيها مع مسرح «لاس فيجاس» للعمل  لمدة أسبوعين وما إن رآنى رواد المسرح واندهشوا من ألعابى حتى استمر العقد ثلاث سنوات كاملة، وفى مسرح «لاس فيجاس» قابلت مستر لو ووترز، أعظم مخرج فى السيرك العالمي، وهذا الرجل طاف بكل بلاد العالم ودرس السيرك العالمي، وعرضت عليه تصميم سيرك جديد فى كل شيء، أثار دهشته وأعجب به جدًا وعرض عليّ أن يقوم هو بالتمويل وأقوم أنا بالتنفيذ، لكننى رفضتُ التعاون معه وقلت له: إن هذا السيرك هو المشروع الذى سأعود به لبلدى لأضع فيه ثمرة تجاربى من هذه الجولات.

◄ على الحديدة
قلت للبهلوان الذى بهر العالم: ما هى مشروعاتك الآن؟ فقال: قبل أن أحدثك عن مشروعاتي.. هل لك أن تأتى معى لترى كيف أعيش فى منزلي؟ إننى أعيش على البلاط.. على الأرض أو على الحديدة كما يُقال، فحينما حضرت للقاهرة أحضرت معى عربتى التى كنت أستعملها فى التجول بأوروبا، وأحضرت أمتعتى وآلات التدريب، فحُجِزت عربتى فى الجمرك نظير دفع جمارك، وحُجزت أمتعتي، ودفعت كل ما معى فى جمركة الضروريات، ودخلت القاهرة مفلسًا أنا وأولادى السبعة وزوجتي، وننام الآن على الأرض.

والتفت إليه أسأله: ما هى مطالبك؟ فقال: أريد أن أقيم مسرحًا عالميًا استعراضيًا فى بلدنا، فليست المسألة أن نضع 200 فرد على المسرح ينتقلون كما يريدون، ويلزمنا مسرح آلي، يكون فيه ظهور للرعد والعواصف والنار، فمن الممكن أن ترى على المسرح «حريقة» وأمطارًا وعواصف، ويظهر أمامك الممثل ويختفى فى نفس الوقت، ويختفى الراقص ويظهر بدلًا منه آخرون، وكل هذه الفنون تعتمد على الخدع المسرحية، وقد أجدتُ دراستها بالخارج، ومثل هذا المسرح يكون مزودا بالمنوّعات من أكروبات وغناء قصير وكوميديا وبانتومايم وموسيقى عالمية.

(«آخرساعة» 25 ديسمبر 1963)