إنها مصر

كرم جبر يكتب: ذاكرة الوطن لا تعرف النسيان

كرم جبر
كرم جبر

تأكد الإخوان أن الجيش ليس جيشهم وأن الشرطة ليست شرطتهم، وأن هذه المؤسسات الوطنية الراسخة يستحيل أخونتها، فأسسوا ميليشياتهم المسلحة الخاصة، لقمع معارضيهم على غرار ما حدث فى المقطم والتحرير وعلى أسوار الاتحادية، وفى حصار مدينة الإنتاج الإعلامى وأقسام الشرطة والمحكمة الدستورية، ومحاولات استنساخ الدول الفاشلة، وأشرف على تنفيذها خيرت الشاطر وحازم صلاح أبو إسماعيل.

كان استمرارهم فى حكم مصر يساوي ضياع مصر، وكانت سلميتهم المزعومة معبأة بالمتفجرات ومزروعة بالالغام، وتستهدف إنهاك المجتمع وإضعاف قوته وإصابة المصريين باليأس والإحباط.

لا يهمهم أن يسقط ضحايا فى صفوفهم أو فى صفوف الآخرين،وان تتراكم المشاكل والأزمات وتزداد معاناة الناس، فقد كان الهدف الأسمى للجماعة الإرهابية هو الوصول بالبلاد إلى «نقطة الانفجار»، ليجتروا من جديد حلم إبليس بالعودة إلى السلطة فوق الخراب والدمار والجثث والأشلاء.

وكان مستحيلا أن يصدق أحد أن مصر كانت تحتضن منذ سنوات مثل هذا الوحش الشرس، لولا أن شاهدوا بأعينهم ما يحدث من أعمال إرهاب وعنف وترويع، فانتزعهم الشعب قبل أن يغرسوا أنيابهم وأظافرهم فى عنق الوطن.

كانوا على عجلة وأرادوا أن يبتلعوا مصر بسرعة، فوقفت فى «زورهم»، وكتمت انفاسهم، فهذا الوطن يبلع ولا يُبتلع، يا ويلكم إذا أحس المصريون بالخطر على بلادهم.

جاء خطر الاخوان مخيفاً، عندما حاولوا تمزيق النسيج الوطني، المتمثل فى التسامح والمحبة والعيش الآمن، بين مختلف الثقافات والأجناس والبشر، فمصر تحتوى المسلم والمسيحى واليهودي، والسورى والعراقى والسوداني، والبيض والسود، وكانت نهاية الاخوان عندما عمدوا إلى الإقصاء والإبعاد، ووضع أنفسهم فوق مستوى الجميع.  

لم يفهموا أن قوة مصر فى قبولها الآخر، من علمانيين وناصريين وشيوعيين ويساريين وتيارات سياسية مثل ألوان الطيف، ومارسوا سياسة الإقصاء والإبعاد والتصنيف والتفرقة، وكانوا متعجلين جدا لالتهام كعكة السلطة بأقصى سرعة، فأحس الناس بخطرهم الداهم واتحدت ضدهم كل فصائل المجتمع، فمصر أكبر من أن تحتلها جماعة وأقوى من يقهرها تنظيم، وظهرت فى وقت الشدة مجموعة الدروع الواقية، التى تحمى مصر دائما فى أوقات الشدة والأزمات.

لم يفهموا لماذا حقق رصيد كراهية المصريين لهم رقما قياسيا، رغم أن حكمهم لم يستمر أكثر من عام، ولا لماذا خرج المصريون بالملايين فى 30 يونيو، وهم مستعدون للتضحية بأرواحهم حتى يستردوا بلدهم.

كُتبت لمصر شهادة ميلاد جديدة فى ٣٠ يونيو، فلم يكن ممكناً أن تبنى أو تعمِّر أو تنطلق إلى المستقبل، بينما ينهش جسد الوطن ذئاب دموية لا يعنيها إلا الجلوس على مقعد السلطة، ولو كان ذلك على جثث الأبرياء.

قالها مرسى «إيه يعنى لما يموت البعض عشان يعيش البعض»، وهى فلسفة دموية تمنح الحياة على حساب الموت، وتستهين بالأمن والسلامة والطمأنينة وتستبدلها بالخوف والذعر والقتل.

جماعة لا تسعد إلا بالكوارث والنكبات، ففى استحكام حلقاتها فرج لهم، فى اشتعال الحرائق تدفئة لمؤامراتهم، ومنذ نشأتهم كانوا شوكة فى الظهر، فهم يتطلعون لوطن غير وطنهم، ولا يريدون حكماً إلا حكمهم، ولا يتورعون فى استخدام أية وسيلة تحقق أطماعهم.

ذاكرة الوطن لا تنسى، وإن كانت ذاكرة المواطنين تركن إلى النسيان.