عندما تشرئب الرءوس وتحملق العيون النابهة الواعية؛ لتشاهد الجمال في أبهى صوره؛ فإن الأرواح المؤمنة بالجمال؛ تسعد وتمتليء بومضات الأمل في صباحات الغد المشرق ـ وبخاصة عندما يستهدف الإبداع قلوب وعقول البراعم من بني مصر الطيبين صانعي الغد والمستقبل ـ أسعى لأكون جديرة بتصوير هذه المواقف النبيلة للتوثيق وللتاريخ .
فهناك في هذا الصرح العتيد ـ صرح أكاديمية الفنون ـ في قلب العاصمة المصرية؛ من يقول المولى عز وجل عنهم :
“.. إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى “ الكهف 13؛ وعندما آمنوا بربهم حق الإيمان؛ آمنوا بالإنسان خليفة الله في الأرض؛ وآمنوا بقدراته اللانهائية في صنع الجمال؛ و .. وَهَبَ لكل روح خصائص وخصوصيات يمتاز بها لتكتمل أنشودة الحياة : فالعامل في المصنع، والفلاح في الحقل، والأستاذ أمام مقاعد الدرس والتحصيل، والشاعر بين كتُبه وقصائده، والموسيقار بين أنغامه وأوتاره، والفنان بين ألوانه ولوحاته في مرسمه؛ وهؤلاء الفتية الذين أبدا حديثي عنهم/وعنهن؛ هم من يزينون صرح معبد الجمال في “أكاديمية الفنون” في استقبال الجمهورية الجديدة .
وعودٌ على بدء.. فقد قامت الفنانة المنتيرة المتميزة أ.د.غادة جبارة ـ رئيس الأكاديمية ـ وتحت مظلة الخطة الاستراتيجية للأكاديمية؛ وبعنوان : “ نحن نصنع الجمال من المُتاح “؛ بافتتاح “قسم العرائس واللعب اليدوية”؛ الذي أقيم في الفترة من 8 إلى 10 يونيو 2023 ؛ والذي تشرُف برئاسته د.جيهان فاروق؛ وهو أحد أقسام “المعهد العالي لفنون الطفل” التابع لصرح الأكاديمية تحت إشراف عام لكل من عميد المعهد العالي ووكيل المعهد؛ لنرى ـ ويرى الزوار معنا ومن تمت دعوتهم للمشاركة في اقتسام البهجة والفرح؛ وعلى رأس هؤلاء المدعوين : أد.جمال الموجي ،د.حنان سمير، د. اسماعيل الموجي، د.رانيا بدر، د.ليلى مغربي .. وكاتبة هذه السطور ـ ومشاهدة العديد من نماذج العرائس التي تُلهب وجدان الأطفال والكبارعلى حد سواء؛ تلك العرائس التي قام طلاب القسم بابتكارها وصنعها من المواد الأوليَّة البسيطة ـ لأن الفكرة تقوم على إعادة تدوير الخامات المتاحة داخل البيئة : كالأخشاب والخيوط والأقمشة الملونة والمزركشة والورق والكرتون والأسلاك والأزرار والبلاستيك والزجاج والليف والأسفنج والجوخ ؛ لتحاكي واقع الحياة وتنشيط الخيال الابتكاري لدى الطفل لتوظيف الأدوات المتاحة في متناول يديه؛ والمدهش أن رئيسة القسم ومعاونيها قاموا بإطلاق العنان لطلبة القسم للتعبير الحُر في التصميمات التي تعبرعن أفكارهم وميولهم في بناء وتصنيع تلك النماذج؛ ولتقُص على ألسنتهم العديد من قصص البطولة والتضحية من أجل رفعة وقدسية تراب الوطن؛ ولتعطِي القدوة والمثل الطيِّب في معاني الحب والسماحة والرضا عن الحياة والمعاملات السويَّة في مسيرتنا الحياتية؛ وكان من الطبيعي مع إطلاق تلك المهارات أن نجني ثمار هذا في زيادة المساعدة على تنمية الطفل وجدانيًا ونفسيًا وغرس بذور الفن الأصيل في خلايا روحه ووجدانه .
وقد يقول قائل مدعٍ : مابالنا بتلك العرائس الخشبية ؟ وماجدواها في حياتنا العملية وسط خضم المشروعات القومية الكبرى التي تقوم بتشييدها الدولة في كل مناحي الحياة ؟ وبالطبع ـ من وجهة نظري ـ هذا سؤال ساذج لايجب طرحه ! فالمعروف والمنطقي أنه “ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان “؛ ولكنه يعيش بكل مايُعطي الجمال للروح والقلب والوجدان؛ فهو يخطو فوق دروب الحياة على ضوء البسمات التي يمنحها كل صباح .. في وجه الحياة .
ولا أخفي سرًا .. لقد جلست في طفولتي المبكرة على “دكة صندوق الدنيا” لأشاهد “ بطولات” أبي زيد الهلالي سلامة ؛و”حكايات” الزير سالم؛ ومازالت في أعماقي تأثيرات المغزى الإيجابي لهذه الحواديت؛ التي كان يقوم بروايتها صاحب صندوق الدنيا؛ وهو الرجل البسيط الذي يحفظ عن ظهر قلب معالم تراثنا المصري الأصيل؛ هذا التراث الخالد الذي تتلمذ على يديه من يتصدرون اليوم المشهد الثقافي في مصر .. والبلاد العربية؛ وقامت بأثرها الفعَّال بترسيخ المعاني الرائعة في مسيرة حياتي العلمية والأكاديمية .. ترانيم تلك “الموسيقا” المُبهرة التي كانت تتداعى في أركان منزلنا وتعزفها أنامل “ أبي “ الماسية رحمه الله! فما أجمل الفنون بكل أشكالها وألوانها ؛ فهي التي تمنح الرونق الجميل والأصيل لحياتنا العملية ؛ وتعضِّد القيادة الوطنية المخلصة التي تستهدف التكامل للإنسان المصري على طول الوادي الخصيب .
إنني من خلال الإضاءة على هذه الجهود المبذولة من السادة المسئولين؛ أجد أن هذا الجهد ليس بكاف.. ولا يمنح القائمين عليه مايستحقونه من إشادة وتكريم؛ وأتمنى أن يستمر العمل في البحث عن طريقة “ تسويق الفن “ بين الجماهير؛ لجذب العدد الأكبر من طلائع الفتيان والشباب من الجنسين؛ للإقبال على ممارسة هذه الفنون بشكل مستمر؛ وأرى أن هذا الحلم المشروع لن يتحقق ؛ إلا بعد دراسة شاملة عن “ فن التسويق “ في هذا المجال الحيوي؛ والإسراع بإنشاء”ورش عمل” لبعض من يريد الانتساب من خارج قسم العرائس؛ وذلك لمن يستشعر فيه الخبراء بالأكاديمية ملامحه الفنية المستقبلية؛ ويتم ذلك عن طريق حلقات المناقشة والمراقبة قبل اتخاذ قرار الانضمام؛ مع استمرار العناية والرعاية لتفجير الطاقات الكامنة في
شخصية الفنان ؛ ففي ألمانيا وفرنسا وانجلترا يقومون بتوجيه من يتوسمون بداخله بذور الموهبة ؛ ويلمحون فيه الكاتب والشاعر والرسام والموسيقي ؛ وذلك منذ مراحل الطفولة الأولى ؛ ويتم هذا بنجاح بنسبة مئوية عالية .
فلماذا لانقوم باستكمال جهود هؤلاء الأساتذة والخبراء في هذا الاتجاه ؟ ولا ننسى توجيه التحية لرئيس الأكاديمية على رعايتها لكافة المواهب تحت مظلة معاهد الأكاديمية المختلفة عامة والمعهد العالي لفنون الطفل بخاصة تضافرا مع مجهودات قيادات المعهد أصحاب الرؤية والرسالة لمستقبل مبشر للانطلاق بأقسام المعهد المختلفة نحو بلوغ مكانة علمية وفنية رفيعة .