يوميات الأخبار

أصلى.. ولا تايوانى

السيد النجار
السيد النجار

شريحة إلكترونية صغيرة.. تتحكم فى حياتك.. فى حركة العالم. فى قيام حروب أو إحلال سلام.. تسعى الدول لود من يمتلكها.. ويهب العالم للدفاع عنها.. حتى لو كان فى وجه التنين الصينى.

فى الموروث المصرى.. أقوال.. لا هى بالمأثورة.. ولا هى بالأمثال.. ولا تعرف لها أصلا ولا فصلا.. هى محبطة.. مستفزة.. لا حكمة فيها ولا نصيحة.. ولا معنى تستطيع أن تفهمه أو تلمسه.. سوى نصاحة مزيفة من القائل.. وإهانة سخيفة لمن تقال عنهم..مثالا.. لا حصرا.. مقولة «هو أنا هندى».. ما لها الهند.. بعقول أبنائها وقدراتها الذاتية.. صنعت السلاح النووى.. وغزت الفضاء.. عموما ليست الهند موضوعنا اليوم.. وإنما مقولة «أصلى ولا تايوانى».. بدأت بالتحول .. يابانى.. ولا تايوانى.. وكانت تنحصر فقط على الأجهزة الكهربائية. ثم تحولت إلى أصلى ولا تايوانى.

وأصبحنا نستخدمها فى كل شيء وأى موقف، حتى فى معادن الرجال.. وكأنه ليس أصيلا.. تقليد.. بلا مبادئ ولا ضمير.. أعتقد أنك ستنسف هذه المقولة من دماغك، إذا عرفت أن تايوان تتحكم فى كل شيء فى حياتك.. الموبايل الذى فى يدك.. الكمبيوتر بجوارك.. التليفزيون أمامك.. جميع أجهزة منزلك.. لا طلب طعام.. لا استدعاء تاكسى.. لا حجز تذكرة سفر.. لا حركة طيران من الأصل.. لا مصانع تعمل.. لا مستشفيات تستقبل مرضى.. كل شيء يخطر على بالك.. لست أنت فقط.. كل شعوب الأرض.. كل حكومات العالم.. كل الشركات، صغيرة أوعملاقة.. بكل أنواع نشاطها وتجارتها.. كل الجيوش.. لا اتصالات لا مدافع.. لا دبابات.. لا صواريخ.. لا أسلحة نووية.. ولا سفن فضاء.. تايوان تستطيع أن تصيب الكوكب بالشلل.. فعلا وليس مجازا!

كلمة السر فى كل هذا.. الكارت الذكى أو الشريحة الإلكترونية.. أو رقائق أشباه الموصلات الدقيقة.. أى مسمى منهما شئت والتى بدونها يتوقف كل شيء مما سبق.. تايوان وحدها تتحكم فى 80٪ من احتياجات العالم من هذه الشريحة.. وأربع دول أخرى باقى النسبة.. وتنفرد هى فقط بالشرائح المتطورة لصناعات التكنولوجيا الدقيقة والحساسة وغيرها من جميع منتجات السليكون.. من هنا ظهر فى العالم مصطلح «درع السليكون».. نظرية جديدة للأمن القومى.. حتى اليوم تتمتع تايوان فقط بهذه النظرية.. لا تمتلك سلاحا نوويا.. ولا أسلحة فتاكة متطورة للدفاع عن أمنها وأراضيها.. ولكنها تمتلك هذه الشريحة.. درعا اقتصاديا ناعما.. بدونها ينهار اقتصاد العالم.. تتوقف حركة التجارة بين الدول.. تغلق المصانع.. تفلس الشركات.. ينتاب السلع جنون فى الأسعار.. يحل الركود. تعم البطالة.. بأختصار تتوقف الحياة. هكذا أصبحت تايوان..يهب العالم كله للدفاع عنها..هى حرب عالمية بمعنى الكلمة.. ولذا قال الساسة وخبراء العالم.. لن يغزوا الصينيون تايوان، لأنها ستكون بمثابة من يطلق النار على قدميه أو بعض أصابعه.. لماذا.. لأن الصين نفسها تستورد من تايوان 70٪ من الشريحة الإلكترونية التى تحتاجها حركة الصناعة والتجارة وحياة الناس.

تايوان.. قصة غريبة.. ومشرقة لجميع شعوب الارض.. انفصلت عن الصين الشعبية عام1949 مع صعود نظام حكم شيوعى، وأصبحت جمهورية الصين «تايوان».. ومع تصاعد حدة الحرب الباردة بين الكتلة الغربية بزعامة أمريكا والكتلة الشرقية الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتى.. اعترفت أكثر دول العالم وفى مقدمتها أمريكا بتايوان كدولة مستقلة، وشغلت المعقد الدائم فى مجلس الأمن.. تغيرت أحوال السياسة وانتهت الحرب الباردة.. اعترف العالم بالصين الشعبية وطردوا تايوان «جمهورية الصين» من الأمم المتحدة ١٩٧٩.. ظل الأمر بين شد وجذب.. الصين تعتبرها جزءاً منها.. وتايوان تقول نحن دولة مستقلة ذات سيادة يحكمها رئيس وبرلمان ومجلس وزراء.. وعلم وعملة.. وقف درع السيلكون ودعم العالم له حائلا دون حسم من دولة ذات المليار و٤٤٤ مليون نسمة ومساحة التسعة ملايين و٦٠٠ الف كم٢..أمام دولة لاتعدو عن ٢٣ مليون نسمة ومساحة ٣٦ ألف كم٢ «تزيد قليلا عن نصف مساحة سيناء».. وعديمة الموارد والثروات الطبيعية.

هنا.. كان التفوق.. فى العصر الحديث قدرات الدول ليست بالمساحة ولا تعداد السكان.. وإنما بالتأثير الإقليمى والدولى.. وماذا تعنى للعالم.. الاقتصاد.. القوة المتحكمة فى السياسة.. عام ١٩٧٩.. كانت محنة موقف العالم منهم.. ولكنهم جعلوها منحة.. بأنتفاض المارد فى نفوسهم.. اجتمع قادة تايوان كانوا أكثر واقعية وصراحة وحسما.. قالوا هكذا تلاعب العالم بنا.. هكذا.. لا نمثل له أى قيمة سوى ورقة سياسية يستخدمها متى شاء، ويلقى بها فى سلة مهملات أو أتون حرب حينما يريد.. وكل حسب مصالحه.. والمعضلة أمامنا.. أين مصالحنا نحن. كيف نكون دولة صغيرة، ولكنها قوية تتحكم هى بالعالم، لا يتلاعب هو بها.. لدينا العقول وإرادة التحدى.. نحن نكون أو لا نكون.. حلموا.. فكروا..خططوا.. عملوا.. ونفذوا.. وحققوا ما يريدون منذ ٢٠ عاما.. واليوم وغدا.. امتلكوا الماضى.. والحاضر.. والمستقبل..استقروا على إنشاء مجمع العلوم والتكنولوجيا.. ومن بين ما يشمل ٨ مصانع فريدة متخصصة فى إنتاج الشرائحة الإلكترونية.. استدعوا أبناءهم العلماء والخبراء والفنيين فى وادى السليكون بأمريكا وبدأوا العمل عام ١٩٨٠.. وخلال ٢٠ عاما.. عشرون عاما فقط.. أذهلوا العالم وتحكموا فى كل حركته.. صناعة واحدة رفعت احتياطى تايوان إلى ٥٦٠ مليار دولار وأرباحا سنوية ٥٧ مليار دولار − أحدثت تايوان الدولة الصغيرة الفقيرة تطورا سريعا فى حياة الشعب ومستوى معيشته وتعليمه.

شريحة إلكترونية صغيرة.. تتحكم فى حياتك.. فى حركة العالم.. فى قيام حروب أو إحلال سلام.. تسعى الدول الكبرى لشراء ودها.. ويهب العالم للدفاع عنها.. حتى لو كان فى وجه التنين الصينى.. اعتقد أن تايوان هى الأصلى الحقيقى؟!

على ظهر الطراد

على ظهر الطراد الأمريكى الراسى بقناة السويس عام ١٩٤٧.. عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.. قال رئيس الولايات المتحدة إيزنهاور للملك سعود إن بريطانيا تريد أى شيء يتحقق فى المنطقة، أن يكون على طريقهم مكتوبا «صنع فى بريطانيا» ولكن قريبا سترى كل شيء فى المنطقة.. اقتصاديا.. عسكريا.. أمنيا.. استراتيجيا.. مكتوبا عليه «صنع فى أمريكا».. 

بوستات الصباح

لا أهوى بوستات الرسائل المعلبة.. أشعر أن مرسلها اختارها من السوبر ماركت.. مهما كانت بلاغة كلماتها.. وجمال معانيها.. ورقة أسلوبها.. بالطبع عدا بوستات التنكيت والتبكيت.. والأدعية الدينية.. والأقوال المأثورة، بوستات الصباح والمساء.. أشعر أنى رقم.. من ملايين قبلى.. وملايين معى فى نفس اللحظة.. وملايين بعدى سيتدفق إليهم نفس البوست وما على شاكلته.. لتصب ملايين الجنيهات والدولارات فى حساب من صمم البوست أوكتبه فردا كان أو شركة..بالتأكيد هى إبداع يستحق التقدير، ولكنى أشعر أنها رسائل تائهة.. كلمات حائرة.. لاتدرى من يقول.. لمن.. ولماذا.. لاشيء.. هى حروف مختارة.. منمقة.. متراصة كونت كلمات.. خلت من الإحساس والتواصل النفسى والروحى.. حينما تكتب لمن شئت كلمات قليلة، حتى لو فقط «صباح الخير»..هى أقوى تعبيرا وإحساسا.. يشعر أنه يسمع صوتك.. يراك.. تبدو أمامه قسمات وجهك.. يقرأ ملامحك.. ولاتتعجب.. قد يشعر بالحالة التى أنت عليه.. سعيد.. حزين.. قلق.. غضبان.. زهقان أو قرفان.. هكذا هو التواصل الإنسانى..

بالمناسبة.. كثيرا ما أفعل ما أنتقده بإرسال هذه البوستات.. ما باليد حيلة.. هذا هو حال العصر.. كلمات ومشاعر السوبر ماركت.. والتوصيل مجانا؟

همس النفس

من يحب.. لا يشعر بالغربة.. إذا غاب الحبيب.. الأرواح تتلاقى. لا تعرف زمانا ولا مكانا.. لا تعوقها بحار وجبال.. لاتمنعها مسافات ولاطول غياب. لا تعترف بخصام أو دوام وصال.... لا تحدها أعاصير الحياة.. من يحب.. لايشعر بفراق.. تجول بخاطرة الذكريات.. تهمس.. تصرخ.. فيبتسم أويغضب.. أو يجادل وكأنه يكمل حوارا كان من سنوات.. من يحب لا يملك الحرمان بفرمان من لحظات شوق وحنين.