يوميات الأخبار

الطرد.. واجب

السيد النجار
السيد النجار

إحساس مزعج.. أن تمضى ٦ ساعات تستمع إلى كلمات الوفود.. وأنت تعرف النتيجة مسبقا.. فيتو أمريكى لقبول فلسطين بالأمم المتحدة، منذ ٢٢ عاما

على باب مدخل مبنى وزارة الخارجية الشامخ على كورنيش النيل.. التقيت الدكتور أسامة الباز.. حينها بلغت موجة الإرهاب الإسرائيلى ذروتها ضد الشعب الفلسطينى فى انتفاضة الأقصي، والتى اندلعت جراء تدنيس المجرم المغرور شارون بدخوله المسجد الأقصي.. سألت ثعلب السياسة المصرية.. ألا يمكن أن تضغط أمريكا على إسرائيل.. قال بهدوء.. لا.. إسرائيل هى تضغط على أمريكا وتطوع مواقفها إقنعا أو إجبارا حسبما تريد.. وأفاض الرجل العظيم فى الشرح والتوضيح.

هذا هو المفهوم الذى يحكم العلاقات الأمريكية− الإسرائيلية منذ قيام الكيان الصهيوني، مهما بدا من أزمات أو تصريحات أو ما يسميه البعض خلافات.. واليقين الذى يزداد لدى يوما بعد يوم، إن إسرائيل تحكم أمريكا.. وأمريكا تحكم العالم.. منطق قوة وجبروت. لا منطق عدل أو قانون وحقوق.. والرئيس جيمى كارتر قالها فى حوار تليفزيونى فى السنوات الأخيرة.. قال..من ينتقد إسرائيل فى أمريكا.. لا مستقبل سياسيا له.. جماعات الضغط الصهيونية، هى من تتحكم فى اختيار رئيس الدولة.. أو عضو الكونجرس أو حتى حاكم الولاية!

تتداعى كل هذه المعاني، بينما أتابع جلسة مجلس الأمن بشأن طلب قبول فلسطين عضوية كاملة بالأمم المتحدة.. إحساس مزعج أن تمضى ٦ ساعات تتابع كلمات الوفود.. مهما كانت جيدة وداعمة للشعب الفلسطينى .. ولكنك تعرف مسبقا نتيجة التصويت فى الجلسة.. فيتو أمريكى لرفض قبول دولة فلسطين.. مع بعض الكلمات المراوغة التى اعتدنا عليها منذ عرفنا أمريكا وسيطا أو وراعيا لما يسمى عملية السلام.. فأمريكا لاتريد إلا ما تريده أو بمعنى أصح تمليه عليها إسرائيل.. القاصى والدانى يعرف ذلك.. ورغم هذا.. تستمر المخادعة والمراوغة.. ما بين الأقوال والأفعال الأمريكية على مدى ٧٥ عاما؟

البعض يتناسى التاريخ طالما ليس فى صالحه.. وأقصد بالتاريخ هنا.. قبول إسرائيل عضوا بالأمم المتحدة، بمقتضى القرار ٢٧٣ فى ١١مايو ١٩٤٩.. القرار وضع شرطين لهذه العضوية.. أولا.. قبول إسرائيل بقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، وأشراف الأمم المتحدة على الأماكن المقدسة، وهو القرار ١٨١ فى ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧..ثانيا.. تنفيذ قرار حق عودة اللاجئين الفلسطينىين إلى وطنهم والصادر فى ١١ ديسمبر ١٩٤٨.. فهل التزمت إسرائيل بشرطى عضويتها فى المنظمة الدولية.. مؤكد لا.. بل وزادت فى احتلال الأراضى العربية وتشريد سكانها.

فماذا لو تقدمت دولة اليوم بمشروع قرار فى مجلس الأمن لطرد إسرائيل من الأمم المتحدة لعدم وفائها بشرطى القبول..؟.. قانونا.. الطرد واجب.. ولكن لايوجد شيء اسمه قانون أو شرعية دولية.. يوجد فقط.. قانون ومنطق القوة الذى تمارسه أمريكا، وتقف الأمم المتحدة أمامها مكتوفة الأيدى والإرادة.. فقط مفتوحة الأفواه بكلمات الشجب والتنديد؟!
أرض الفلسطينيين

أصبحت أتردد كثيرا فى المواظبة على جلسات المقهى الثقافي، بعد أن اعتاد أحد الرواد على المناقشات المستفزة والآراء الغريبة الخاطئة.. والتى يبديها بهدوء وثقة وكأنه امتلك ناصية المعرفة أو العالم ببواطن الأمور.. فى الجلسة الأخيرة وسط احتدام النقاش عن جرائم إسرائيل مع الشعب الفلسطيني.. تلفت أخينا يمينا ويسارا.. ومال برأسه وسط المجموعة هامسا.. يا جماعة لا تنسوا أن الفلسطينيين هم الذين باعوا أرضهم لليهود.. أكتم غيظي.. ناظرا له بشذر.. من قال هذا.. يرد بنفس الثقة والهدوء.. كل الناس بتقول كده.. أقول.. يا أخي.. آفة ثقافتنا مثل هذه الجملة.. وخاصة إذا صدرت عن شخص وجب عليه التحري.. والبحث.. والتأكد من مثل هذا الكلام قبل ترديده. وأقل ما يوصف به أنه أكاذيب وشائعات لإثارة الفتن وإشاعة الإحباط وضياع الحقوق.. سواء كان الأمر على مستوى أشخاص أو دول أو أمم وشعوب.. وقصة بيع الفلسطينيين أرضهم.. ما هى إلا تجسيد للافتراءات المغرضة التى بثها اليهود طوال سنوات ونتلقفها ونرددها حتى فى الوعى الشعبى وكأنها حقيقة.. وأن من باع أرضه لا حق له فى وطنه.. ألا تدرك أن الكيان الصهيوني قائم على مجموعة من الأكاذيب والدعاية المضللة..

انبرى آخر.. برد شاف. واف.. وكأنه كان مستعدا لمثل هذه المفاجأة.. قال عام ١٩٠٩ كانت أرض اليهود ٠٫٧٪ من أرض فلسطين وحتى عام ١٩٤٧ أصبحت ٦٪ هذا الفارق جاء نتيجة بيع الدولة العثمانية لبعض المساحات الأميرية، وكذا فعل بعض الإقطاعيين المارونيين بعد اتفاقية سايكس− بيكو. كما قام بعض السكان الفلسطينيين ببيع أجزاء من أراضيهم لحاجتهم للمال مثلما يحدث بين المواطنين فى أى بلد فى العالم..

وجميع عمليات البيع كانت تتم بشكل طبيعى لأشخاص عاديين ظاهرا.. ولكن الحقيقة من مولهم كانت الوكالة اليهودية للاستيطان فى فلسطين، إلى جانب توزيع الانتداب البريطانى مساحات كبيرة لبعض المؤسسات اليهودية. وجاءت الطامة الكبرى مع قرار التقسيم الذى منح اليهود ٥٧٪ من أرض فلسطين، ثم تتلوها الكارثة بعد حربى ٤٨، ٦٧ لتحتل إسرائيل ٧٧٪ من الأرض..

ولم تنج المساحة الصغيرة المتبقية من إجراءات طرد وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم وحتى اليوم فى القدس والضفة الغربية لإقامة مستوطنات عليهما وتسليم الأرض مزروعة للمستوطنين.. فهل هذا بيع؟ ثم تساءل مستنكرا.. هل نسيت مذابح دير ياسين وغيرها قبل إعلان قيام الكيان الإسرائيلي.. لم يكن الهدف سوى ترهيب وترويع باقى القرى الفلسطينية والتى بلغت ٤٠٠ قرية للهجرة من أراضيهم، أكيد شاهدت صور النزوح الجماعى لهم.. ولو فى أحد الأفلام الوثائقية قبل أن تقول هذا الرأي. وما تمارسه إسرائيل فى غزة اليوم ما هو إلا استكمال تهجير وطرد الشعب الفلسطينى من أرضه. فهل نغمض عيوننا ونغلق عقولنا لنردد الأكاذيب الصهيونية ونقول إن الفلسطينيين باعوا أرضهم؟!

المجد.. الذى كان!

على هوامش عبادات شهر رمضان.. بعض الوقت للمتعة الذهنية والتى عادة ما أجدها فى القراءة التاريخية ومشاهدة شوارد بعض حلقات الدراما التليفزيونية.. وكان لقصة الأندلس النصيب الأكبر.. الأندلس.. المجد الذى كان منذ ٥٠٠ عام والذى انتهى بعد حكم العرب المسلمين ٨٠٠ سنة.. الأندلس.. مركز الإشعاع الحضارى والفكرى والعلمى الذى أنقذ أوربا من ظلمات العصور الوسطى.. وهذا ما يقوله الأوربيون أنفسهم.. مؤرخين ومفكرين وعلماء وفلاسفة.. الأندلس.. التجسيد الحى للتاريخ، أحداثا وأفعالا ومواقف وقرارات أو حتى أقوال مأثورة تمثل حكمة التجربة.

عام ٧١١ ومع بدء عنفوان الانتصارات الإسلامية فى فتح الأندلس.. قال حاكم أوربى لبعض الحكام أو القادة العسكريين.. لا تقاوموا الفاتحين فهم يقاتلون بروح الفداء، ويزحفون علينا وهم حريصون على الاستشهاد طمعا فى الجنة.. دعوهم وانتظروا حتى ينشغلوا بالمال والترف والصراع على السلطة، حينئذ نستطيع أن نسترد الأندلس. وفى ٢ يناير ١٤٩٢ جلس محمد بن الأحمر يبكى على جبل يطل على قصر الحمراء فى غرناطة.. آخر قلاع المسلمين.. قالت له أمه «عائشة الحرة»: «ابك كالنساء، ملكا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال» وهى مقولة شهيرة ونعرفها جميعا دون أن نستدعى دلالات المعنى.. وهذا الموقع أطلق عليه الإسبان اسم «تلة زفرة العربى الأخيرة».. ومن أشهر الأماكن السياحية يزورها ملايين السائحين، قليلا منهم من العرب، لأن السائحين العرب لهم مقاصد سياحية أخرى؟!

فماذا حدث بين قول الحاكم الأوربي.. وأم الحاكم العربي.. على مدار مئات السنين حدث ما قاله المعتمد بن عباد عند خروجه منفيا من إشبيلية «أولها دعوة.. وآخرها ملك وسلطان وغنيمة».. لاحت حياة النعيم.. وانصرفوا عن العلم والمعرفة ومجالس الشعر والأدب، وعشقوا حياة الترف والبذخ والملذات.. ونشأ الصراع على السلطة، وانفرط عقد دولة الأندلس الموحدة إلى ٢٢ دويلة وإمارة وولاية، وطمع كل حاكم فى ولاية الآخر. وطلبا للأمان خوفا من بعضهم، لجأوا واحدا تلو الآخر للتحالف مع عدوهم مع اختلاف الاسم والزمن لحكام الأعداء.. الذين داهنوهم.. راوغوهم.. وخدعوهم وخانوهم.. ووقعوا اتفاقيات مشروطة بتقديم جزية باهظة.. وعدم نصرة أى حاكم عربى إذا فكروا فى غزو ولايته. وأضمروا الشر لهم جميعا للقضاء عليهم واحدا تلو الآخر.
التاريخ.. ليس ماضيا للحواديت.. ولكنه الحاضر الذى نعيشه.. والمستقبل الذى نأمله!

مقال فى جملة

أهل غزة.. شعبا ومجاهدين.. اصبروا وثابروا.. ضن عليكم من فى الأرض.. لكم السماء.. أبشروا لن يضن الله عليكم بالنصر والغوث والمجد.

همس النفس

ياسوسنة بستان الحياة الجميل.. ليس لك بين أقرانك مثيل.. يا كحيل العينين، مهلا.. ليس للهوى عنكم بديل.. مهما أضنانى الشوق.. حبى لا يزول.
أيام هناء شاهدة على تلاقينا.. لن يبعدنا الزمان وإن عاد يبكينا مهما صار التنائى بيننا.. لن تنصرف عنكم أمانينا.. ويوما سيكون تدانينا.