حمدي أبو جليل.. وداعا صوت الرواية الساخر

يحيى وجدى
يحيى وجدى

يوم‭ ‬الأحد‭ ‬الماضي،‭ ‬فقدت‭ ‬الرواية‭ ‬المصرية‭ ‬صوتا‭ ‬مميزا،‭ ‬وكاتبا‭ ‬شجاعا،‭ ‬هو‭ ‬الروائي‭ ‬المبدع‭ ‬حمدي‭ ‬أبو‭ ‬جليل‭ (‬1967-2023‭)‬

وحمدي‭ ‬أبو‭ ‬جليل،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬وكتبت‭ ‬عنه‭ ‬قبل‭ ‬عامين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية،‭ ‬قدم‭ ‬إلى‭ ‬السرد‭ ‬العربي‭ ‬4‭ ‬أعمال‭ ‬روائية‭ ‬هامة،‭ ‬هي‭ ‬“لصوص‭ ‬متقاعدون”‭ ‬و”الفاعل”‭ ‬و”الصاد‭ ‬شين”‭ ‬و”يدي‭ ‬الحجرية”‭ ‬وله‭ ‬رواية‭ ‬قيد‭ ‬النشر‭ ‬انتهى‭ ‬منها‭ ‬قبيل‭ ‬وفاته‭ ‬الصادمة،‭ ‬واختار‭ ‬لها‭ ‬عنوان‭ ‬“ديك‭ ‬أمي”‭. ‬

وبخلاف‭ ‬الروايات،‭ ‬صدرت‭ ‬له‭ ‬عدة‭ ‬مجموعات‭ ‬قصصية،‭ ‬هي‭ ‬“أسراب‭ ‬النمل”‭ ‬و”أشياء‭ ‬مطوية‭ ‬بعناية”‭ ‬و”طي‭ ‬الخيام”،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كتب‭ ‬أخرى‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬القاهرة‭ ‬ومساجدها‭ ‬الأثرية‭ ‬ومبانيها‭ ‬التراثية‭ ‬وشوارعها،‭ ‬وعن‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬الإسلامي،‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬“نحن‭ ‬ضحايا‭ ‬عك”،‭ ‬لكنني‭ ‬أعتبر‭ ‬أجمل‭ ‬كتبه‭ ‬خارج‭ ‬القصة‭ ‬والرواية،‭ ‬كتاب‭ ‬“الأيام‭ ‬العظيمة‭ ‬البلهاء‭.. ‬خبر‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أسامة‭ ‬الدناصوري”،‭ ‬وفيه‭ ‬قدم‭ ‬أبو‭ ‬جليل‭ ‬سيرة‭ ‬أدبية‭ ‬للشاعر‭ ‬الراحل‭ ‬أسامة‭ ‬الدناصوري،‭ ‬الذي‭ ‬وافته‭ ‬المنية‭ ‬شابا،‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬طاحنة‭ ‬مع‭ ‬المرض‭.‬

أقول‭ ‬إن‭ ‬حمدي‭ ‬أبو‭ ‬جليل،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬قدم‭ ‬صورة‭ ‬أدبية‭ ‬وافية‭ ‬لحياة‭ ‬البدو‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليهم،‭ ‬وسجّل‭ ‬حياة‭ ‬“الفواعلية”،‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يفدون‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬ولا‭ ‬يجدون‭ ‬أمامهم‭ ‬سوى‭ ‬العمل‭ ‬الشاق،‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬ورفع‭ ‬مواد‭ ‬البناء‭ ‬وغيرها،‭ ‬فإنه‭ ‬صاغ‭ ‬أعماله‭ ‬هذه‭ ‬بلغة‭ ‬خاصة‭ ‬به،‭ ‬خليط‭ ‬من‭ ‬الفصحى‭ ‬البسيطة‭ ‬والعامية‭ ‬القاهرية،‭ ‬ولهجة‭ ‬القبائل‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬بدو‭ ‬الفيوم‭.. ‬لغة،‭ ‬فجر‭ ‬منها‭ ‬السخرية‭ ‬بمفارقاتها،‭ ‬ومفارقات‭ ‬حياة‭ ‬أصحابها‭. ‬ودائما‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أعتبر‭ ‬كتابة‭ ‬حمدي‭ ‬أبو‭ ‬جليل،‭ ‬هي‭ ‬صوت‭ ‬الرواية‭ ‬الساخر‭. ‬

لقد‭ ‬ترجمت‭ ‬بعض‭ ‬أعمال‭ ‬حمدي‭ ‬أبو‭ ‬جليل‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لغة،‭ ‬ونال‭ ‬اهتماما‭ ‬غربيا‭ ‬من‭ ‬دوائر‭ ‬أدبية‭ ‬وأكاديمية‭ ‬رفيعة،‭ ‬لكن‭ ‬أعماله‭ ‬الأولى،‭ ‬سواء‭ ‬المجموعات‭ ‬القصصية‭ ‬وروايتي‭ ‬“لصوص‭ ‬متقاعدون”‭ ‬و”الفاعل”‭ ‬ليست‭ ‬متوفرة‭ ‬الآن،‭ ‬ويصعب‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬أن‭ ‬وفاته‭ ‬المفاجئة،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬فرصة‭ ‬لإصدار‭ ‬أعماله‭ ‬الكاملة‭ ‬وتوفيرها‭ ‬للقراء‭ ‬في‭ ‬طبعات‭ ‬جديدة‭ ‬بسعر‭ ‬معقول‭.‬

رحم‭ ‬الله‭ ‬حمدي‭ ‬أبو‭ ‬جليل،‭ ‬الروائي‭ ‬النادر‭ ‬والمثقف‭ ‬الشجاع‭.‬


 

;