يوميات الأخبار

تأدب.. أنت فى حضرة مصر

د. محمد حسن البنا
د. محمد حسن البنا

ليست صدفة أن تكون مصر أول دولة على كوكب الأرض منذ آلاف السنين

أنا رجل على باب الله، لست بالأديب الأريب، ولا بالخطيب المفوه، ولست بالكاتب اللوزعى، أنا مواطن مصرى عادى أعشق تراب بلدى، أنتمى إلى طينها، ارتويت من نيلها، تربيت فى كتاتيبها، تعلمت فى مدارسها وجامعاتها الحكومية، أتمنى أن أكون مواطنا صالحا ومفيدا لها، وألا أكون عبئا عليها، ولا أكون ناكرا لفضلها، ولا أكون مساعدا بقصد أو بغير قصد للإضرار بها، أو يد فى براثن الأشرار والجماعات الإرهابية تضرب استقرارها وأمنها. باختصار أنا ككل مواطن مصرى أصيل درويش يهيم فى عشقها منذ الأزل، لهذا أقول لكل من تسول له نفسه، سواء مصريا أو عربيا أو أجنبيا، تأدب أنت فى حضرة مصر.. بالطبع لا أقصد شخصا بعينه، ولا أقصد هيئة أو مؤسسة أو حتى دولة بعينها، إنما أتوجه لكل من يقصد مصر والمصريين بالشر والسوء، فقط أذكرهم بمصر «أم الدنيا»، والكلام هنا على لسان أحد دراويش مصر من العرب، يقول: ليست صدفة أن تكون مصر أول دولة على كوكب الأرض منذ آلاف السنين. ليست صدفة تأخذ اسمها مصر من اسم ابن سيدنا نوح عليه السلام، ليست صدفة أن يُولد فيها نبى الله إدريس.. ويكون أول من كتب الأحرف بيده وأول من فصل الملابس ليلبسها البشر. ليست صدفة أن يُطلق الناس منذ فجر التاريخ على النقود والأموال اسم مصارى مشتق من مصر، ليست صدفة أن يشترى أحد المصريين نبى الله يوسف ويعيش ويموت فى مصر، ليست صدفة أن تكون فيها خزائن الأرض ويكون نبى الله بمثابة رئيس الوزراء فيها.

نصارى مصر

ليست صدفة أن يأتى إليها كل بنى إسرائيل وعلى رأسهم نبى الله يعقوب وزوجته وأولاده.. ليست صدفة أن يُولد فيها ويكبر فيها نبى الله موسى ويكلمه الله فى الواد المقدس طوى وتكون المرة الأولى والأخيرة أن يصل صوت الله إلى الأرض ويسمعه بشر فى مصر.. ليست صدفة أن يُشق الله فبها لنبى الله موسى طريقا فى البحر لينقذه ومن معه وفى نفس الوقت يُهلك فرعون ومن معه على نفس الطريق.. ليست صدفة أن يضرب فيها نبى الله موسى الحجر فتخرج منه اثنتا عشرة عينا من الماء ليشرب كل فريق من بنى إسرائيل.. ليست صدفة أن ينزل الله على بنى إسرائيل فيها المن والسلوى، ليست صدفة أن تنزل التوراة على سيدنا موسى فيها.. ليست صدفة أن يبين الله فيها ضلال بنى إسرائيل وبينهم رسول موسى وأخوه هارون ويتركون عبادة الله ويعبدون العجل.. ليست صدفة أن تختارها مريم ابنة عمران ومعها طفلها الرضيع نبى الله ورسوله عيسى بن مريم.. مريم التى أحصنت فرجها، مريم التى ذكرها القرآن ومعها امرأة فرعون مثلا للذين آمنوا. ليست صدفة أن تظل فيها مريم ورسول الله عيسى بن مريم سبع سنوات، ليست صدفة أن يستعين نصارى مصر بالمسلمين لكى يخلصوهم من احتلال الرومان النصارى مثلهم.. ليست صدفة أن تُذكر مصر فى القرآن الكريم خمس مرات صراحة والعديد من المرات تكون إشارة إلى مصر.. ليست صدفة أن تكون أمنا هاجر زوجة نبى وخليل الله سيدنا إبراهيم مصرية.. ليست صدفة أن يقول رسول الله عن مصر استوصوا بأهلها خيرًا.
واغوثاه

 ليست صدفة أن يقول عمرو بن العاص إن إمارة مصر تعدل كل باقى دولة الخلافة.. ليست صدفة أن تحدث المجاعة فى شبه الجزيرة العربية ويموت الناس جوعا، ويرسل الفاروق عمر بن الخطاب بطلب الغوث من مصر ويكتب ثلاث كلمات فقط واغوثاه.. واغوثاه.. واغوثاه.. والسلام.. فيجتمع المصريون ويقررون إنقاذ إخوانهم فى شبه الجزيرة العربية ويرسلون قافلة أولها فى المدينة المنورة وآخرها فى القاهرة، ويدعو الفاروق سيدنا عمر لمصر وأهلها بالخير والنماء والرخاء. ليست صدفة أن تكون البلد الوحيد الذى ذكر فى كل الكتب السماوية التوراة والإنجيل والقرآن الكريم.. ليست صدفة أن يختص الله فى القرآن الكريم مكانين بالأمن والأمان، بيت الله الحرام أول بيت وضع للناس فى مكة.. ومصر بطولها وعرضها، بسم الله الرحمن الرحيم «وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» صدق الله العظيم.

مصر تستحق أن يفخر بها العالم، فما بالنا بالمصريين أنفسهم، ولنقرأ ما قاله الحجاج بن يوسف يوماً عن أهل مصر: لا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه.. فانتصروا بهم فهم من خير أجناد الأرض، واتقوا فيهم ثلاثاً: نساءهم فلا تقربوهن بسوء وإلا أكلوكم كما تأكل الأسود فرائسها.. و أرضهم وإلا حاربتكم صخور جبالها، ودينهم وإلا أحرقوا عليكم دنياكم، وقال المستشرق والفيلسوف الفرنسى رينان: لكل إنسان وطنان: وطنه الذى ينتمى إليه، ومصر.

الأجيال الجديدة

للأسف قوى الشر تدبر لنا الكثير من المكائد، ولكننا والحمد لله نؤمن بالآية الكريمة «الله خير حافظاً»، قد يكون ما يقوله الكاتب والمفكر الكبير الدكتور أحمد القاضى واقعيا، لهذا اعتبره جرس إنذار، يقول: «نجح الغرب فى أن يشكل الأجيال الجديدة فى عالمنا العربى والإسلامى، ويتحكم فيها فكريا وسلوكيا، وبرمجتها عن طريق التركيز على توافه الأمور والاهتمام الزائد بالأمور المادية، وقد انعكس ذلك عليهم ففقد معظمهم التوازن النفسى، والعمق الروحى، ولهذا تجدهم جيلا هشا غير قادر على مواجهة التحديات والصعاب، وسهل أن ينكسر ويتحطم عند أول أزمة أو اختبار فينهار وينتكس سريعا». وكلما نظرنا حولنا وجدنا ما يدعم هذه النظرية، فهم يسعون بكل السبل لضرب ثقافتنا وهويتنا فى التعليم.

مئوية البيومى

أضم صوتى للدكتور على زين العابدين الحسينى، فى طلبه الاحتفال بمئوية الأديب والمفكر الراحل الدكتور محمد رجب البيومى، والذى كان من أبناء مدرسة «الرسالة الزياتية»، وذوى النفوس النقية المتطلعة إلى الحياة فى صفاء، وعقد صداقات حتى مع مخالفيه رؤية، ونشر روح السلام والتسامح بين جميع أطياف المجتمع، فى نفسه اعتداد بالعربية، وتطلع إلى دراسة أوجه استعادة الأمجاد، وصناعة الحضارة، واستقاء ملامح الصوفية النقية، واستمداد عظمة التاريخ. هذا العمر الطويل الممتد فى عالم الكتابة منذ كان طالباً بالمعهد الدينى بدمياط لا يمكن أن يضيع هكذا بدون تكريم حقيقى، لم يكن يمرّ يوم عليه دون أن يكتب مقالاً، أو بحثاً، أو يرد فى رسالة على تساؤلات طلابه ومحبيه، وهو الذى له فى كلّ مكتبة أثر، وفى كلّ حادثة رأى، وفى كلّ موضوع تحقيق، وفى كلّ مجلة مقال، وفى كلّ بلدٍ محبون، وفى كلّ ترجمة إضافات.

 إنّ ميزة كتابات هذا العالم الجليل والأديب المكين كثيرة جدا، أهمها: أنه تبلورت فيها الاعتزاز بالحضارة، والعمل للنهوض بالنفس والمجتمع من خلال مشاريعه العلمية المتعددة، وتعمقت فى ذهنه فكرة البحث والتأمل للآراء وأعمال الرواد بصورة واضحة، علاوة على أنه ذو نفس هادئة، وكتابة روحانية خالصة، من جيل المجددين المحافظين، وفهمه للقضايا العامة فهم يسير صريح مستمد من المنابع الأصيلة لفهم الإسلام، البعيدة عن التعقيدات والميولات الفكرية لأشخاص أو أحزاب، ولهذا فهو على رأس جمهرة من علماء الأزهر ليس لهم أيديولوجيات سياسية.

 كتبت فيما مضى دعوة لدراسة أدب وكتب أستاذنا العلامة محمد رجب البيومى دراسة مستفيضة تليق بعلومه، فقلت: «وقلم أستاذنا الأكبر محمد رجب البيومى يحبّ ولا يكره، ويجمع ولا يفرق، ويبنى ولا يهدم، ويصاحب ولا يخون، ويعتذر ولا يفضح، ويقرأ قبل أن يحكم، ويشجع قبل أن ينقد، ويذكر المحاسن قبل أن يتعرض للمساوئ، ويحيى البعيد فى تراجمه قبل القريب، ويصافح بكلماته القلب قبل اليد، ويذكر مَن أمَات الناس ذكره، فهو قلم فريد محمل بكلّ جميلٍ للإنسانية، وكم تمنيتُ أن يلتفت لكتبه ومقالاته أدباء وكتّاب ونقاد العصر على الوجه المطلوب؛ لأنّ قيمته الأدبية تقتضى منا ذلك، وما بذله من جهد ووقت يحتم علينا هذا، ولو قرأ كلّ أديب أو كاتب محمد رجب البيومى من زاويته، فأخرج مقالًا يحيى ذكره وهو فى عداد الموتى لخرجَ لنا عدة مقالات يمكن جمعها فى كتابٍ يُهدى إلى روحه الطاهرة، وهو غائب عنا بجسده، حاضرٌ معنا بروحه الزكية، تلك دعوتى، فلعلها تجد فى قلوب عارفيه ومحبيه وتلامذته قبولا»

كلّ ما أتمناه أن يفرد لهذا العالم جانب من الاحتفاء به محلياً أو دولياً، فتقام حول كتبه ومشاريعه الفكرية والإبداعية المؤتمرات والندوات وورش العمل والحلقات النقاشية والكتب التذكارية المعنية برصد حركة العلوم وجهود العلماء.

ابتسامة الختام 

من أطرف ما قرأت على صفحات التواصل الاجتماعى:

فوجئت بكلب نظيف وكبير وحول رقبته طوق، يعنى له صاحب، دخل عندى جبتله اكل مرضيش ياكل!. جبت له لبن مرضيش يشرب!. فتحت الباب دخل حجرة الصالون، قعد فى ركن ونام، لمدة ساعتين، وبعدين قام وراح على الباب فتحت له خرج !. تانى يوم وفى نفس الميعاد حضر، دخل ونام!.

تالت يوم قبل ما يمشى مسكته وكتبت ورقة فى رقبته!. أكيد هذا الكلب له صاحب، أرجو توضيح الأمر، كل يوم يحضر وينام ساعتين ويمشى، اليوم الخامس جاء الكلب فى نفس الميعاد، ولقيت ورقة مربوطة فى رقبته، مكتوب فيها أنا صاحب الكلب، وهو فعلا بيختفى كل يوم ساعتين ومفيش سر ولا حاجة!.

مراتى صوتها عالى ومش بتبطل مشاكل وخناق مع الأولاد، والكلب مش عارف ينام فوجد عندك الهدوء!. لك خالص الشكر، ولو ممكن تسمحلى آجى معاه من بكرة أريح ساعتين!.