يوميات الاخبار

مارلين.. سعاد.. شذى!!

سمير الجمل
سمير الجمل

سمير الجمل

«كنت أريد فنا أموت من أجله.. وصار لى فن أموت على يديه»!!

نصحها الحكيم قديما وقال:
كونى جميلة واصمتى!!
لان الكلام يفضح فراغها العقلى ورصيدها الزيرو فى بنك المعرفة فما كان منها إلا أن حولت جسدها إلى لغة.. يفهمها كل البشر بدون أن تنطق.. يكفى فقط أن تتحرك وتتلوى.. ليقف العالم كله منتبهاً متلصصاً.. فهل هى فعلا جمال بلا عقل؟!
حتى جاء الشاعر الذى اتهموه بأن تخصص نساء فقط فكتب قصائده الوطنية لكى يخرس الألسنة.. بعد أن صرخت أم كلثوم بعد نكسة ١٩٦٧ بكلماته:
أصبح عندى الآن بندقية..!
قال لهم نزار قبانى: مكياچ المرأة الجميلة فى عقلها.. لأنى لا أقبل بامرأة جميلة وغبية!!
- لكن الكاتب الكبير «ارثر ميلر» كسر هذا الحاجز واختار أن يتزوج أخطر الأجساد النووية فى القرن العشرين.. المرأة التى داعب الهواء فستانها الأبيض القصير.. فتمنت ملايين الأعين أن يتحول الهواء إلى إعصار يطيح بالفستان كله.. وأن تقف صاحبته على طبيعتها.


واستمر زواج الكاتب الأمريكى من سيدة الإغراء خمس سنوات بخلاف السنوات التمهيدية أو التجريبية.. حيث إن الثقافة الخواجاتى تسمح للعريس بأن يعيش القصة كاملة قبل أن يدخل قفص الزوجية ولا بأس أن يحمل أطفاله أذيال فستان أمهم الأبيض فى ليلة الزفاف بعكس بلادنا وقد كان فيها قديما مثل شراء البطيخ وانت وحظك.


وحاول الكاتب أن يفتش فى دماغ الممثلة.. التى كانت فى حقيقة الأمر مأساة تمشى على الأرض تشردت.. وذاقت الجوع والذل فى بيت تحتويه وتغلب عليه روائح الفقر والخيانة والانقسام.. اكتشفها «هورد هيوز» من عروض الأزياء وهى مسألة اسهل لفتاة شقراء.. اسمها فى بطاقتها الشخصية نورماجين بيكر ابنة الأول من يونيو ١٩٢٦ سجل مدنى لوس انجلوس.. ومنه أيضا خرجت شهادة وفاتها المشكوك فى أمرها «٥ أغسطس ١٩٦٢»، فهل دفعت ثمن غرام الرئيس الأمريكى كنيدى بها.. وهو الذى دفع بعد ذلك الثمن من اعتداله ومحاولته أن يأخذ أمريكا إلى اتجاه آخر هل حطمها اليأس والإحباط بعد أن زادت أرقامها فى البنوك وعاشت حياة الأكابر.. لكنها ظلت من داخلها مجرد جسد فى فاترينة فشلت الممثلة أن تمثل على نفسها حتى وإن أخذت كل شىء من لا شىء.. فهل هى لعنة الجمال.


تركها الكاتب أرثر ميلر وحاول أن يجاريها وكتب للسينما إكراما لها وهو من أئمة المسرح.. لا الكاتب احتمل الصبر على هذا التمثال الجميل حتى ينطق.. ويفهم ويتحرك.. ولا هى خرجت من سجن الجسد ونظروا إليها كإنسانة- لحم ودم ومشاعر..
الغريب أن معدلات ذكاء مارلين عندما تم قياسها تفوقت على انيشتاين وبيل جيتس.. ونسبة ذكاء الإنسان فى المعتاد ١٠٠ درجة.. لكنها حصلت على ١٦٣.
ومع ذلك وبعد وفاتها بسنوات حاول المخرج اندرو دومينيك مؤخرا أن يفتش فى جسدها حتة حتة فى فيلم أنتجته منصة نيتفلكس وعنوانه «شقراء» عن رواية كتبتها چويس كارول عام ٢٠٠٠، وكم من مرة نظرت «نورما» إلى صورة مارلين «اسمها الفنى» وصرخت:
- اللعنة.. إنها ليست أنا:
حتى وقتنا هذا تتوالى الأخبار والكتب عنها.. بين موتها الطبيعى أو انتحارها أو عملية قتلها بالسم.. حتى تحولت إلى سؤال ما يزال مشتعلاً حتى وقتنا هذا وتكرر فى عالمنا العربى باسم آخر!!
خلى بالك من سوسو
هناك ما يشبه الإجماع بين المتفرج.. والناقد والفنان على أن سعاد ابنة الخطاط السورى محمد كمال حسنى البابا.. هى مجمع أنوثة وموهبة لم ينافسها أحد.. انفصل والدها عن أمها.. وتزوج بغيرها.. وبالمثل فعلت أمها.. ووجدت الصغيرة نفسها بين حفنة من إخوة الأم والأب.. اختلفوا فى أعدادهم.. وأشهرهم نجاة المغنية.. وعفت عازف الناى.


الحياة التى تشبه إلى حد كبير حياة مارلين.. تحولت إلى نظرية فقد قال لى المخرج الكبير أشرف فهمى إن فطرة سعاد الأولى ذهبت عندما تعرفت إلى صلاح جاهين.. وبدأ يشغل عقلها بأمور لم تكن تقف أمامها فقرأت وسألت وبحثت وعرفت وتغيرت. هو لا ينكر على الفنان ثقافته.. لكنه من الذين يؤمنون باندماج الممثل فى الشخصية بشكل كامل وهى المدرسة التى يقف على رأسها أحمد زكى.. بينما هناك من يرى ضرورة ان يحتفظ الممثل بشىء من الوعى وهو يلعب الشخصية ومن هؤلاء نور الشريف، سعاد كانت وحدها نظرية اندمجت كاملا فى أفلام. ولعبت بوعيها فى أفلام أخرى.. والحقيقة أن صلاح جاهين فتح عينها وعقلها على الحياة من حولها.. وكان لها مدرسة ولكنه عندما قدمها فى فيلم «خلى بالك من زوزو»، لعب على فطرتها.. بعكس ما رأيناها فى فيلم «شفيقة ومتولى»، عندما تحولت القصة الشعبية إلى العزف على أوتار السياسة.. وقبلها مع على بدرخان فى «الكرنك»، كانت الفطرة التى انقلبت إلى الوعى وكأن المسألة لا تنفصل عن بعضها.
فهل فقد بريق جمالها عندما اشتغل مخها وانشغلت بناسها من حولها وبدأت تنظر إلى الحياة بمنظور أعمق وابعد.. والعجيب أن مجموعة من كبار الأدباء والمثقفين ظهروا فى طريق سعاد ابتداء من عبدالرحمن الخميسى مكتشفها.. والشاعر كامل الشناوى والصحفى الكبير مصطفى أمين وصولا إلى صلاح جاهين وظلت طازجة وحاضرة وهى تتقلب بين مدارس سينمائية مختلفة من حسن الإمام وصلاح أبوسيف وبركات إلى محمد خان وعلى بدرخان وسمير سيف ومحمد فاضل.


الفتاة التى بدأت حياتها بشرخ فى طفولتها بانفصال الأم والأب. انتهت حياتها بمأساة ما تزال حتى ساعته وتاريخه لغزاً بين قتلها عمداً أو انتحارها بإرادتها.. ضحية موهبتها غير العادية وجمالها «الاسترتش» المطاطى الذى يتمدد فى اتجاهات عديدة من عمرها الفنى والانسانى.. هربت إلى الفن فوجدت نفسها فى قلب السياسة.. ومن ارادوا استثمار توهجها فيما هو أبعد من التمثيل.. وقد دخلت الى دوائر الكبار.. وهو ما جرى مع «نورما» أو مارلين.. فهل يكون الجمال الصارخ.. لعنة أكثر صراخاً على صاحبته؟.. يفتح لها كل الابواب المغلقة.. ومعها يفتح عليها ابواب الجحيم.
ومن وحى مقولة شهيرة للكاتبة العربية «احلام مستغانمى» بعد تعديلها.. نقول:
- «كنت أريد فنا أموت من أجله.. وصار لى فن أموت على يديه»!!
الفصيحة شذى
وهذه جميلة أخرى.. اختلف طريقها ونشاطها.. لانها اختارت أن تصنع من عقلها وثقافتها وفصاحتها حجاباً بينها وبين من ينظر إلى الوجه الجميل ويريد أن يتوقف امامه.. فاذا به رغم انفه يجد نفسه مسحوبا من قميصه ويده.. الى دائرة العقل وينصت الى اقوالها فى الحب والسياسة.. ويسأل نفسه: لماذا اعتمدت القنوات الإخبارية فى عالمنا العربى مؤخراً على شابات جميلات انيقات ينافسن عارضات الازياء فى المظهر.. وما ادراك ما نشرات الأخبار وما فيها من فواجع واهوال ودمار وقتل وحروب تكاد تخلع القلب من جذوره.. فهل الوجه الجميل المحايد يمكن ان يمتص بعض هذه الصدمات وقد حاولت شذى عواد الإعلامية السورية التى تعيش فى امريكا.. وعملت مراسلة لعدة قنوات عربية.. حاولت ان تحطم نظريات بلدياتها الشاعر الكبير نزار قبانى عندما قال فى آخر ايامه:
٥٠ عاما دافعت فيها عن المرأة وحملت قضيتها على اكتافى لكنها تركتنى وذهبت الى الكوافير فى عز المعركة!
الوضع مختلف بين ممثلة مشتعلة تتلون أمام المتفرج بأكثر من وجه وتتحرك وتتنفس وتتبدل فى صور عديدة.. واعلامية ليس بينها وبين المتفرج الا وجهها ولسانها ومحتواها وقد قال لها نزار فيما قال وما أكثر ما قال:
كونى امرأة خطرة
انك لست بقايا شجرة
احكى شيئا
قولى شيئا
إن فروعك ليست خشبة
إن جذورك ليست حطبا
كونى رعداً.. برقاً.. غضباً رفضاً
كونى بشراً يا سيدتى
وكونى الأرض وكونى الثمرة
وفى ذلك سألت شذى نفسها سؤالا من وحى حياتها فى امريكا وقد نظرت الى ابنها الصبى وقالت:
ـ قد يختار طفلى يوما ان ينتسب للجيش الامريكى هذه الفكرة تؤرقنى لا أود أن أشاهده فى ثياب المارينز لكننى قد أعجز عن لجمه هو يعيش بين عالمين مختلفين لست أدرى الى أى منهما سوف ينتمى مستقبلا وربما ينتمى اليهما معا بطريقة ما.


والفكرة المجنونة هذه باتت حقيقة فى ظل وجود ملايين العرب والمسلمين فى امريكا ويحملون جنسيتها وقد طرحتها دراميا بالمجند الذى دخل الجيش الامريكى وسافر معه الى العراق.. ليجد نفسه أمام شقيقه الذى كان يعيش فى العراق.. وانضم إلى جيشها.. ووجدا انفسهما وجها لوجه فى معادلة شيطانية وكم من المعادلات نرى وسنرى حولنا فى كل ليلة وكل يوم.


شذى تؤمن بأن الإعلامية الناجحة لابد أن تتسلح بالتميز.. ولن تحققه بدون وعيها وثقافتها وخبراتها.. انها تتكلم فى السياسة مثلما تتكلم عن الحب والشعر والعروبة والغلابة والقهوة الصباحية انها تتحدث عن جارتها الحسناء فى الشام التى كانت تنظر اليها كطفلة وتتوقف عند عبورها لكى تؤدى تحية الدهشة والإعجاب بخطوتها البليغة وعطرها الفواح وجمالها الاستثنائى.. كانت جارتها تلك كما تقول بعين واحدة.. حيث فقدت الأخرى.. لكنها تعرف كيف ترى الدنيا بروح القلب الشفاف.. وغيرها ممن يملك العينين معا لا يكاد يبصر اكثر من تحت قدمه فسبحان من يمنح البصر.. والبصيرة لمن يشاء كيف يشاء وقت يشاء وهو على كل شىء قدير.
وقديما قال الشاعر العربى:
بنات حواء أعشاب وأزهار
فاستلهم العقل وانظر كيف تختار
ولا يغرنك الوجه الجميل فكم
فى الزهر سمٌ وكم فى العشب عقار (دواء)
وعندما سمعت إحداهن هذه الابيات وكانت امرأة عادية مثل الملايين من امثالها قالت: الحمد لله الذى حرمنا الجمال الفاحش المتوحش وأنعم علينا بالهدوء الأكثر فحشا!!