منصورة عز الدين تكتب .. الوصاية على القارئ

منصورة عز الدين
منصورة عز الدين

حكى لي صديق إيراني منفي في باريس عن مترجم ينتمي لعصر الشاه، اسمه ذبيح الله منصوري، كان مشهورًا بأنه يضيف إلى الأعمال التي يترجمها، لدرجة يزداد معها عدد صفحات ترجماته كثيرًا عن أصولها. لا أعرف هل تمثلت إضافاته في آراء يبثها في العمل أم في التعديل التحريري والمساهمة فى التأليف، لكن ما أعرفه، بحسب هذا الصديق، أن بعض الروايات التي ترجمها منصوري أكبر من أصولها بمئتي صفحة! وأنه كتب كتابًا عن حسن الصبّاح، زعيم طائفة الحشاشين، عنوانه "إله ألموت"، ونسبه إلى كاتب مخترَع سمَّاه بول أمير، مدعيًا أن دوره تمثل فى مجرد الترجمة عن اللغة الفرنسية. 

نجح الكتاب نجاحًا كبيرًا، وطلب منه أحد المقربين من الشاه أن يعطيه الأصل لأنه يرغب في قراءته، فاضطر منصوري للاعتراف بأنه المؤلف وأن لا أصل للكتاب.فعل هذا ببساطة ودون أى شعور بالذنب، مبررًا فعلته بأنه لو نسب الكتاب لنفسه لَمَا اهتم به أحد. 

لقد ترجم هذا الكاتب والمترجم أهم الأعمال العالمية إلى اللغة الفارسية، مضيفًا إليها الكثير من عنده، ما يعني أن من اكتفوا بقراءة ترجماته، ربما قرأوا أعمالًا مغايرة كثيرًا لأصولها، بما أننا لا نعرف مقدار تدخلاته ولانوعها.

قد تكون المسألة مثيرة للخيال فنيًا ومحفزة على تخيل تفاصيل شخصية هذا المترجم الذي حوَّل نفسه إلى مؤلف مشارك مانحًا نفسه صلاحيات لا يعلم مداها إلّا الله. لكننا لو وضعنا أنفسنا مكان مؤلفي هذه الأعمال، فلن نحب أبدًا أن يعبث أحد بنصوصنا أيًا كانت الأسباب أو المبررات.

كنت أظن أن حالة ذبيح الله منصوري فريدة، بالنظر إلى أنه لم يقم بفعلته مرة أو اثنتين بل اتخذ منها منهجًا دائمًا في الترجمة، لكن د. سامح حنّا، أستاذ دراسات الترجمة، لفت نظرى إلى أن هذه الظاهرة كانت موجودة في مصر في نهايات القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين. إذ توجد ترجمات كثيرة لروايات شعبية لا نعرف لها أصولًا أو مؤلفين.كذلك الحال مع مترجمين كُثر أضافوا إلى نصوص وحذفوا منها وفقًا لمعايير الذوق العام. والظاهرتان(انتحال الترجمة وإعادة كتابة النصوص) تستحقان الدراسة من منظور اجتماعى-ثقافى من وجهة نظر د. سامح حنّا.

وأتفق معه في هذا، لأن مثل هذه الدراسة سوف تخبرنا بالكثير عن أوضاعنا الثقافية والاجتماعية في تلك الفترة، خاصةً فيما يتعلق بالنظرة إلى الذات والآخر. 

لكن إن وُجِدَت مثل هذه الممارسات في المراحل الأولى للترجمة الحديثة عندنا، وتم تجاوزها، فمن غير المقبول أن تظل موجودة حتى الآن. إذ صحيح أن ظاهرة انتحال الترجمة، أو ترجمة كتب لا نعرف أصولًا لها، قد اختفت مقارنةً بالماضى، لكن ظاهرة التدخل في الأعمال المترجمة بالحذف أو التعديل متكررة، ونُفاجَأ بها من وقتٍ لآخر، ويحدث هذا في الغالب لأسباب رقابية، ما يمثِّل وصاية على القارئ وعبثًا بالنصوص الأصلية.

م. ع

 

نقلا عن عدد أخبار الأدب بتاريخ 4/6/2023

اقرأ أيضًا : موقف الأقباط من الحكم الإسلامى فى مصر