شجون جامعية

نحن والذَكاءُ الاصطناعى

حسام محمود فهمى
حسام محمود فهمى

الذَكاءُ الاِصطناعى Artificial Intelligence تقنيةٌ لصنعِ أجهزةِ حواسيبٍ وروبوتاتٍ وبَرمجياتٍ تُفكِرُ بذكاءٍ مثل العقلِ البشري؛ ويتمُ تَحقيقُه من خلالِ دراسةِ أنماطِ الدماغِ البشرى وتحليلِ العمليةِ المَعرفيةِ.

الذَكاءُ الاِصطناعى كمُصطَلحٍ صاغَه عام ١٩٥٦ العالمُ الأمريكى John McCarthy (١٩٢٧-٢٠١١)،ومنذ ذلك الحينِ، أكثرُ من خمسةٍ وستين عامًا، توالَت الأبحاثُ التى طوَرَته. لكن الجَدلَ حولَ تطبيقاتِ الدردشةِ مثل ChatGPT أعادَه إلى الواجِهةِ بمخاوفٍ مشروعةٍ من غِشٍ وسوءِ اِستخدامٍ.

يُعَدُ الذَكاءُ الاِصطناعى حاليًا تعبيرًا رنانًا فى عالمِ التكنولوجيا حيث شَهدَت السنواتُ الماضيةُ اِبتكاراتٍ كانت مُجردَ خيالٍ علمي. وتُعتَبرُ الصين والولايات المتحدة أكثر المُستعدين للاِستفادةِ من هذه الطَفرةِ التى سَتُدِرُ مليارات الدولارات. تطبيقاتُ الذَكاءِ الاِصطناعى خارجُ الحَصرِ، فهى تَشمَلُ الأسلحةَ الحديثةَ التى تنتقى أهدافَها وتُصيبُها بمنتهى الدقةِ، الروبوتاتٍ الصناعيةٍ، روبوتاتِ الخِدمةٍ فى المطاعمِ، روبوتاتِ اِكتشافِ الألغامِ والحراسةِ، وتلك المُستَخدمةِ فى المُستشفياتِ، المَكانِسِ الهوائيةِ، وتَطبيقاتِ التَعَرُفِ على الوجوهِ والأصواتِ فى المطاراتِ وفى الهواتفِ الذكيةِ، وغَيرِه وغَيرِه.

الذكاءُ الاِصطناعى أصبَحَ واقعًا قد لا يَشعُرُ غيرُ المُتخصصِ بوجودِه. شركاتُ التكنولوجيا مثل Apple، إضافةً لما توفرُه أجهزتُها من اِمكاناتٍ، اِبتكرَت تطبيقاتٍ تُقدمُ للمؤلفين خِدماتِ السَردِ التى تعملُ بالذَكاءِ الِاصطناعى لتحويلِ كتبِهم إلى كتبٍ صوتيةٍ ، وهو ما يُساعدُ فى تَعَلُمِ النطقِ الصحيحِ ويفيدُ ضِعافَ النظرِ. وشركاتُ التجارةِ الإلكترونية العملاقةُ مثل Amazon تقدمُ توصياتٍ بمنتجاتٍ لتعزيزِ المبيعاتِ وإرضاءِ العُملاءِ. فكلما تمَت عمليةُ شراءٍ أو إضافةٍ إلى سَلةِ التَسوقِ، يقومُ التطبيقُ بإعدادِ قائمةٍ بالمشترياتِ الموصى بها من واقعِ مبيعاتِها واختياراتِ العُملاءِ لها.

لم تَنفصلُ جامِعاتُنا، قبل أى ترند وقبل جَودةِ اللاجَودةِ، ورغم المُعاناةِ، عن المَوادِ المُتَصِلةِ بالذَكاء الاِصطناعي، فهى تُدَرِسُها لما يزيدُ على خمسةِ عَشر عامًا فى أقسامِ الحاسباتِ بكلياتِ الهندسةِ وكذلك فى كلياتِ الحاسباتِ والمعلوماتِ، كما تَمَ فى السنواتِ الثلاث الماضيةِ تغيير مُسَمى بعضِ كلياتِ الحاسباتِ والمعلوماتِ إلى كليات الذَكاءِ الاِصطناعي. وعلى المُستوى الحُكومي، شُكِلَ عام ٢٠١٩ المَجلسُ الوطنى للذَكاءِ الاِصطناعي. أيضًا توجدُ بعضُ الشركاتٍ الخاصةٍ العاملةِ فى هذا المَجالِ. أما خِريجو الجامعاتِ المصريةِ فيُعتَبَرون المادةَ الخامَ التى تحتاجُها الشركاتُ العالميةُ وتُعيدُ صياغتَها وتدريبَها؛ وكأى عالِمٍ طفشان تَنهالُ الطنطنةُ عن إبداعاتِه إذا نجَحَ فى الخارجِ، وهو نَهجُ هواةِ الإدعاءِ والركوبِ على الأكتافِ. ما أكثرُ التهليلِ لمشروعاتِ تخرُجِ الطلابِ وكأنها فتوحاتٌ لهم وللمشرفين وليست مُجردَ تدريبٍ. ما جَدَ أيضًا الصراعُ على المًسَمى الوظيفي، هل يستأهلُ الخريجُ فى هذا التخَصصِ لقبَ مهندسٍ وينضمُ لنقابةِ المهندسين؟!

الذَكاءُ الاِصطناعى كعِلمٍ يحتاجُ إنفاقًا باهظًا، لذا نحن مُستهلِكو ما يَصلُ لنا منه فى حدودِ المُستطاعِ. ماذا اِستفادَت شركاتُنا ومؤسساتُنا من الذكاءِ الاِصطناعي؟ هل تمَت الاِستعانةُ به لمَعرفةِ اِتجاهاتِ المستهلكين؟ هل اِستُخدِمَ حقًا لزيادةِ إنتاجِ المصانعِ؟ أما التجارةُ الإلكترونيةُ عبر الإنترنت أو مواقعِ التواصل ِ فهى وسيلةٌ للنصبِ والهروبِ من العملاءِ فى الفضاءِ الإلكتروني. تراكُمُ شكاوى المُستهلكين من الفوضى وسوءِ الخِدمةِ والغِشِ أثناءَ البيعِ وبعدَه شهادةٌ على البُعدِ عن ما هو ذكاءٍ.

الذكاءُ الاِصطناعى علمٌ جادٌ، ليس جِنيًا خرَجَ من القُمقمِ، ليس بالرؤى الشخصيةِ وأُحِبُ وأكره، ليس فهلوةً ولا قرَب قرَب وجلا جلا، ليسَ باللجانِ والاِحتفالياتِ ولا بتغييرِ المُسمياتِ واِستيفاءِ أشكالٍ.

● أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس