تساؤلات

روتين يومى

أحمد عباس
أحمد عباس

لا تنتهى السهرة عادة بعد دخول السرير بل تبدأ، الأرق لا يعمل خاطرًا لكبير أو صغير بسبب وبدون، يستهلك المطمئنين فى أسرتهم والذين قالوا لليوم كفاية، فيبدأ الأرق اللعين، ولا تنفع معه كل المهدئات وأدوية الصرع ولا الممنوعات، سيصيبك بلا شفقة حتى إذا كنت هلكانا بعد يوم طويل من اللهاث خلف لقمة العيش، ستصحو لحظة دخولك السرير، ربما تأثرا بمواعيد شهر رمضان الفائت أو إثر تعديل التوقيت وزيادة ساعة كاملة عليه، ولا تنس الفكر الذى يستهلك الولدان فيجعلهم شيوخا.

الهاتف المحمول هو أقرب وأخبث ونيس ومقاطع الفيديو لا تنفك تتلاحق خلف بعضها، الواحد تلو الآخر، مقاطع مميزة من الدراما ومواقف مثيرة وأحيانًا مقاطع لاشىء فيها حرفيًا سوى حمقى يقذفون فى وجوهنا سموما مؤذية، أما أغرب ما يقزز العين هو كل ما يمر عبر الشاشة تحت اسم «روتين يومى».
بت أقلق جدا لما يظهر لى مقطع تحت هذا الاسم أو ما شابه، أفهم المحتوى على الفور فلا أمنحه من وقتى ولا من فاتورة الانترنت الشهرية، فالمحتوى بحال من الأحوال لا يعدو أن يكون لسيدة فى لباس البيت الفضفاض أو «المحزق» تمارس أعمال المنزل على طريقتها «الخاصة» تلك التى لا أحب وصفها ولا أميل للكتابة عنها، لكنها فى النهاية تستهلك مشاهدين كثر وتجتذب ما يعترضها من متابعين كأنها نيران مطلوقة فى أرض خصبة تأتى على أخضرها ويابسها.

لا أتحدث هنا عن برامج أو تطبيقات بعينها معروفة بسوء سمعة ما يبث من خلالها ويذهب لها المستخدم بنفسه ويدفع لقاء ذلك، بل أقصد صفحات مفتوحة، تفرض محتواها على المشاهد من دون اختيار، تقصيت ماهية هذه الصفحات ومن أين أتينا بهذه العدوى البائسة فوجدتها تنتشر جدا بين الشعوب الأكثر فقرا فى العالم وبالطبع الأكثر جهلا، هؤلاء الذين لا يملكون صنعة ولا مهارة وعلما ولهم تعدادات سكانية مهولة تتزايد كل لحظة بالملايين، كشعوب أمريكا الجنوبية وافريقيا، وهذا محتوى يتشابه كثيرا مع مثيله من الأرجنتين والسلفادور وبورتريكو والبرازيل والمكسيك.

المتابعة بتكسب بالدولار والمشاهدة أيضا والمشاركة بالمثل وهكذا إذن، فالمكسب بالدولار والدولار أخضر وحلو ويستاهل، ولكن ثم ماذا؟!
هذا والله تساؤل مفتوح لا أبحث له عن إجابة، فبعض الأسئلة لا إجابات لها، أحزن جدا لما يظهر لى هذا المحتوى ولا من صانعته فهذه طريقتها لكسب العيش، لكنى أرتعد بسبب ما يغرسه ذلك فى رؤوس ونفوس الأطفال قبل أى أحد، ما يزرعه فى وجدان البنات والفتيات فى أوقات الفراغ، ما يدفسه دفسا فى خاطر كل ما أثقلها الاحتياج وأتساءل: هل هكذا تأكل الحرة؟!

أعرف أن نساءنا بخير وسيداتنا فضليات وبناتنا فى معية ولا أقذف أحدا، طفل ولد طلع له هذا المحتوى فجأة بعد أن أفرجت والدته عن محموله ساعة يوميًا فسألنى لماذا تتعرى هذه السيدة أمام الناس فصمت، ثم قال هل تعرف لديها كم من المتابعين فحزنت، وأردف: لديها ملايين المشاهدات أيضًا، فلم أجد تعليقًا، ثم سألته هل تحب هذا النوع من المقاطع فقال لا أحب مشاهدته لكنه بيكسب، فاستطردت: وهل كل المكاسب فلوس؟، فقال الآن نعم كلها فلوس يا عمو، فأنهيت المناقشة وأنا أحدق فى سقف الغرفة بينما تركته يعد على أصابع يده الـ»كام» مشاهدة بكام دولار والشير واللايك، وربنا يستر.